أصداء

الخلق الذاتي بين العلم والدين

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


فكرة الخلق من عدم، فكرةٌ قديمة جالت في وعي الإنسان مذ نضج هذا الوعي، وأمسى قادراً على التحليق في فضاء السؤال عن حقيقة الأشياء. وكان الوجود الخارجيُّ الماثل أمام حواسِّ الإنسان، المعضلةَ التي تتحدَّى عقله أبداً؛ فينفر إليها بما امتلك - بفضل تطوره الطبيعيّ عبر الزمن - من قدرة على التأمل والنظر والخيال والعلم، غيرَ مستنكفٍ من التساؤل لحظة واحدة: مَنْ خالقُ هذا الكون؟ وكيف؟ ولماذا؟.

وإنه لمن الموثوق به أنّ هذا التساؤلَ العقليَّ المولع بالمعرفة، كان من شأنه أنه أبدع فكرةَ الخالق أو الإله. وهي فكرة جذابة ما تزال تهيمن بجبروتها على الرغم مما حاق بها من النكال على أيدي الفلاسفة الماديين والعلماء منذ أقدم العصور إلى عصرنا هذا. ولعلنا نذكر في هذا الصدد رأي أرسطو في قدم العالم وامتناع حدوثه، ثم نذكر كيف اضطر أرسطو رغم اعتقاده بقدم العالم، إلى تصوّر محرِّك غير ماديّ يكون علّة وجود الكون وحركته؛ وذلك بعد أن عجز خيالُه عن استيعاب فكرة استمرار تسلسل العلَّة والمعلول إلى ما لانهاية.
وإذا كان معظمُ الأديان - ولا سيما الأديانَ الإبراهيمية -، يخالف رأي أرسطو في قدم العالم، فإنه يتفق معه على وجود خالق أحدث الكون في لحظة غير معلومة من الزمان، من أجل غاية بعيدة لا تنالها مداركُ البشر. بيد أنّ معظم هذه الأديان، ينأى عن البحث الجديِّ في حقيقة الخالق، ويتحاشى السؤال عن كيفية وجوده مكتفياً بالقول بأزليته. والأزلية لفظٌ دالّ على القدم؛ أي على ما لا أوّلَ له؛ فينتج من ذلك أنّ الخالق عند معظم الأديان والفلسفات المثالية، قديمٌ لا بدايةَ له "موجودٌ غير مخلوق". وهذه نتيجة منطقية بالإضافة إلى الفكر الديني؛ لأنه لا يصحّ أن يكون الخالق إلا كذلك؛ فما ليس أزلياً، كان عرضةً للزوال، وحاشَ للخالق أن يتعرَّض للزوال!.

وإذا كنا لن نجد تفسيراً لكيفية وجود الخالق عند معظم الديانات المعروفة، فإننا لا بدّ من أن نجده في الديانة الإيزيدية؛ وهذه الديانة هي واحدة من أعرق الديانات الشرقية، وهي فضلاً عن ذلك، الديانةُ الوحيدة التي ستنفرد - حسبما وصل إلى علمنا - بتفسير معضلة وجود الخالق تفسيراً مدهشاً ظلّ إلى وقت قريب مستهجناً غريباً في نظر أتباع الديانات الأخرى، حتى قيّضت له نظريةُ الخلق العلمية الجديدة، أن يحظى بالاهتمام والتأمل، وبجلاء الهجنة والغرابة عنه.
ترى الديانة الإيزيدية أنّ (خودان) الذي يقابل الله في الديانات الإبراهيمية، هو خالق الكون وما فيه من الموجودات. وما هذه الرؤية إلا تصوراً عاماً لا ينازع تصوراتِ الأديان الأخرى ولا يجافيها. غير أنّ فكرة خَلْقِ (خودان) لذاته من العدم (على الأرجح) ستكون نسيجَ وحدها في الديانة الإيزيدية، وستصطدم بعقيدةِ أزليةِ الله الثابتة في الديانات الأخرى، وبآراء الفلاسفة الذين يصرّون على استبعاد فكرة الخلق من عدم.

تتجلّى فكرةُ الخلق الذاتي من العدم بلفظها الصريح وإنشائها البديع في دعاء (طاووس ملك) الذي أدرجه الأستاذ كاظم حبيب في كتابه (الإيزيدية ديانة قديمة تقاوم نوائب الزمن) نقلاً عن كتاب الأستاذ خليل جندي (نحو معرفة حقيقة الديانة الإيزيدية):
يارب ! أنت الذي خلقت نفسك بنفسك "
يارب ! أنت خلقت الحوت، وأنت معطي القوت
أنت الحليم الملكوت، أنت عالم العلماء
......
يارب لالون لك، لالحن لك ولاصوت
أنت الغوث، وأنت المدد
يارب لايدري أحدٌ كيف أنت
......
يارب! أنت حاكم الملوك والفقراء
أنت حاكم جميع العالم
أنت الذي وضعت التوبة على آدم
وأتيت بعيسى بن مريم
يارب أنت خلقت نفسك بنفسك".

وإذا كانت فكرة الخلق الذاتي مستنكرة في الأديان الإبراهيمية - كما سبق أن ذكرنا - وغريبة في نظر الفلاسفة، فإنها ليست كذلك في نظر عالمي الفيزياء الكونية ( هاوكينغ) و (هارتل) اللذين تمكّنا من وضع نظرية علمية جديدة بفضل إنجازات الفيزياء الكوانتية المتطورة، وبفضل ما استعانوا به من معادلات رياضية مجردة فائقة الدقة، تقول باحتمال أن يكون الكون بمعناه الشامل، قادراً على خلق ذاته من الفراغ والعدم.

إنّ هذه النظرية تنطبق بحدِّها الجوهريّ القائم على مبدأ (الخلق الذاتي التلقائي من عدم)، على العقيدة الإيزيدية؛ فكلتاهما؛ العقيدة والنظرية، تتشاركان في جوهر واحد ينمُّ عن فكرة الخلق من عدمٍ، أو عن خلق ذاتٍ لذاتها بصورة تلقائية.

بيد أننا هنا يتوجب علينا ألا نتسرَّعَ في الجمع بينهما على كلّ حال، بل علينا أن نفطنَ للحدود الأخرى التي يفترقان عندها، ولا يتشاركان فيها: من ذلك أنّ مفهوم العدم في الإيزيدية، مفهومٌ ديني يقابل مفهومَ الوجود، ويفيد معنى (اللَّيس) أو اللاشيء مطلقاً. غير أنه ليس كذلك في الفيزياء الكوانتية التي تؤكِّد أزليةَ المادة، وأنّ (اللاشيءَ) ليس عدماً خالصاً، وإنما هو فراغ لا يخلو من وميض الطاقة ولا من المادة في أدقّ أدقّ صورها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الأزلية
EXمسلم -

على مر العصور أعتقد البشر أن العالم أزلي قديم الى أن جاء الأبراهيميين بفكرة أنه ;مخلوق; ولأنه مخلوق (عندهم) يجب أن يسبقه عدم (لا شيء)

الأزلية
EXمسلم -

على مر العصور أعتقد البشر أن العالم أزلي قديم الى أن جاء الأبراهيميين بفكرة أنه ;مخلوق; ولأنه مخلوق (عندهم) يجب أن يسبقه عدم (لا شيء)

تيه و محاولة
د. عبود خلف الحسين -

اشكر الكاتب في ومضته اعلاه لما اعلمنا عنه وازيده ان ذكرنا لكلمة الخالق تعني انه غير مخلوق وفرضا قول من يقول ان الخالق خلق نفسه فهذا فيه تعارض بين خالق ومخلوق علميا ولفظيا وفلسفيا. بينما مداركنا لا تعي الا القليل عما بين جنباتنا فكل ما نعرفه الان عن ذواتنا المادية لايتعدى 3% فقط والروح المحرك لنا لا نستطيع ان نتصورها عدا عن معرفتها وكذلك الكون حوالينا فكيف بنا ننط الى الخالق مرة واحدة كوليد يرضع يريد ان يتكلم ويبحث في الامور الذرية او العلمية؟! مع فارق التشبيه واستغربت جدا من جملة نعيم في قوله: بفضل تطوره الطبيعي عبر الزمن ؟! فلم استطع ان افهمها لا علميا ولا فكريا ولاحتى قبلت لدي التاريخ وذلك لان مفهوم التطور مفهوم مطاط فنحن بالنسبة لمن سبقنا متطورين ومن سيأت بعد قرون فنحن بالنسبة لهم متأخرين؟! فعن اي تطور يشير الكاتب؟! ثم يقول طبيعي؟! فماهو الطبيعي لديه؟! ويذكر الزمن واستغربت جدا لدحشه كلمة الزمن هنا في معرض كلامه فالزمن امر نسبي في علم الكون والامر نسبي بحت والانسان فوق الارض زمنه غير زمن من يطير في الطائرة وهو فوقه فكيف تريدنا يانعيم ان نقابل في ادراكاتنا الضعيفة القليلة مفهوم الكون والاكوان لا بل نصعد بعد ذلك بقحوفنا القاصرة عن فهم الكون المخلوق الى ادراك الخالق؟! للعلم فقط ان الخالق لايصح عليه عقلا وفلسفة وفكرا ان يقال عنه انه مخلوق او خلق نفسه فهذا تناقض علمي بسيط لايقبله طالب صف ثالث ابتدائي وللخروج من هذه الدوامة وجب ان تعلم ان الخالق واجب الوجود ذاتي الوجود بمعنى انه لولا وجوده الذاتي لما كان للوجود الطارىء الذي تراه وتعرف بعضه وجود ثم ان هذا الوجود الذي اشير اليك به فيه المادة التي يحار العلماء فيها وهي تشكل اكثر من 95% الى 97% من تكوينه على اختلاف النظريات فكيف لنا ان ندرك ماوراء ذلك فاذا كان المخلوق الكون لا ندركه فهل سنستطيع ادراك الخالق بعقولنا؟! الخالق ليس من صنع عقولنا ولا من نظريات بشرية ولا من استلهامات غير عادية ولولا انه اخبرنا عن وجودنا وعن وجوده لما ادركنا حتى وجودنا فهو الذي اشار الينا بوجودنا وبوجوده ثم بعد ان اعطانا ادوات اولية للتعامل مع الكون قال لنا لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار وليس كمثله شيء فهل افادتك هذه المعلومات يانعيم والموضوع لاتكفيه مقالة هنا او تعليق وبالختام فإن عنوان مقالتك فيها تناقض كبير جدا جدا علميا لانه لايوجد شيء علمي

ذاتي؟ اين البرهان؟
ناديا -

موجود غير مخلوق مقنعة اكثر , ازلي لا بداية له و لا نهاية. امر الخلق لا زال محيرا للعقل فهو يفوق اي تصور بشري و لكن خضوع الكون لمجموعة من القوانين الفيزيائية و الرياضية و البيولوجية البالغة التعقيد يجعل نظرية صدفيته محالة. اجمل سؤال طرح بخصوص الخلق سمعته على لسان الدكتور جيرالد شرودر حين قال فلنفرض ان كائنا ما قد نشا صدفة فكيف نشأت الحاجة الى التوالد فكائن الصدفة سيموت الا اذا كان هناك خلفه خلقا ذكيا مدركا لموته و لذلك اوجد خاصيةالتوالد الذي تضمن استمرارية تواجد جنس الكائن نظرا لاهمية استمراريتها! و في فكرة اخرى قرأتها تقول ان من يقول بصدفية الكون كمن يقول بان رياحا قد هبت على مجموعة خردة و صنعت منها طائرة! اخيرا و شخصيا وجدت في الغوص في علم اللاهوت ما لا يقل متعة عن الغوص في البحور العلم الشيقة فكلاهما يدعم الآخر!

الخلق مشكلة حلت
دیار الكردي -

بدایة الخلق مشكلة قدیمة و قد حلت،یبدو ان الكاتب لم یطلع علی ابحاث د.كریگ ڤینتر العالم امریكي. ھذا العالم اخترع الحیاة الصناعیة من لا شئ،و ھذا ما یسمی ABIOGENESIS.وھو علم یبحث كیفیة بدئ الحیاة علی الارض، عن طریق التفاعل بین الحوامض التي ادت الی اختراع العضویات وحیدة الخلیة،التي تطورت الی اشكال الحیاة المعقدة التي نراھا الیوم.للاسف نحن في الشرق لاسباب اجھلھا نختار ان نكون جھلة بدلا من مواجھة واقع یكون مخالفا لفكرنا التقلیدي الذي تربینا علیە. وشكرا

ذاتي؟ اين البرهان؟
ناديا -

موجود غير مخلوق مقنعة اكثر , ازلي لا بداية له و لا نهاية. امر الخلق لا زال محيرا للعقل فهو يفوق اي تصور بشري و لكن خضوع الكون لمجموعة من القوانين الفيزيائية و الرياضية و البيولوجية البالغة التعقيد يجعل نظرية صدفيته محالة. اجمل سؤال طرح بخصوص الخلق سمعته على لسان الدكتور جيرالد شرودر حين قال فلنفرض ان كائنا ما قد نشا صدفة فكيف نشأت الحاجة الى التوالد فكائن الصدفة سيموت الا اذا كان هناك خلفه خلقا ذكيا مدركا لموته و لذلك اوجد خاصيةالتوالد الذي تضمن استمرارية تواجد جنس الكائن نظرا لاهمية استمراريتها! و في فكرة اخرى قرأتها تقول ان من يقول بصدفية الكون كمن يقول بان رياحا قد هبت على مجموعة خردة و صنعت منها طائرة! اخيرا و شخصيا وجدت في الغوص في علم اللاهوت ما لا يقل متعة عن الغوص في البحور العلم الشيقة فكلاهما يدعم الآخر!

الخلق مشكلة حلت
دیار الكردي -

بدایة الخلق مشكلة قدیمة و قد حلت،یبدو ان الكاتب لم یطلع علی ابحاث د.كریگ ڤینتر العالم امریكي. ھذا العالم اخترع الحیاة الصناعیة من لا شئ،و ھذا ما یسمی ABIOGENESIS.وھو علم یبحث كیفیة بدئ الحیاة علی الارض، عن طریق التفاعل بین الحوامض التي ادت الی اختراع العضویات وحیدة الخلیة،التي تطورت الی اشكال الحیاة المعقدة التي نراھا الیوم.للاسف نحن في الشرق لاسباب اجھلھا نختار ان نكون جھلة بدلا من مواجھة واقع یكون مخالفا لفكرنا التقلیدي الذي تربینا علیە. وشكرا