أصداء

الواقع الظاهر والواقع الخفي في الكون المرئي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


عندما بدأ الإنسان ينمذج modalise الكون حسب تصوراته ووفق تطور معلوماته، تطورت نظرته من البساطة، التي يمكن دمغها بالساذجة، إلى التشكيلة الأكثر تعقيداً في الوقت الحاضر. وكان الإنسان في الماضي يتقبل بسهولة الظواهر الغامضة في الطبيعة أو الخارقة لقوانين الطبيعة، والتي عرفت فيما بعد بظواهر البارانورمال paranormal، باعتبارها حقائق يتعين عليه التعامل والتعايش معها، خاصة بعد أن أدرجتها الأديان السماوية والوضعية والعديد من الفلسفات، في أدبياتها ونصوصها، التي أعتبرت مقدسة لا يسمح المساس بها والتشكيك فيها. ولكن سرعان ما تجاهل العلم والعلماء كل ما هو خارج الفكر والعلم التجريبي والملموس مادياً واعتبروا ما هو خارج ذلك ضرب من الشعوذات والخرافات رغم أن البعض منها يعد تعبيراً عن قلق البشرية في سعيها الحثيث لفهم الكون والسيطرة على قوانينه بعد اكتشافها وتدجين تطبيقاتها وتداعياتها العلمية والعملية والفكرية والفلسفية والأخلاقية، مع أن العلم يتعامل اليوم مع حوالي %4 فقط من مكونات الكون المرئي، أي المادة الرئيسية التي تشكل نسيج واقعنا المرئي، في حين هناك %96 من المكونات الجوهرية للكون المرئي المرصود مجهولة الماهية كالمادة السوداء أوالداكنة matiegrave;re noire ou sombre والطاقة السوداء أوالمعتمة eacute;nergie noire ou sombre. بيد أن هناك مكون آخر من مكونات الكون المرئي الجوهرية والأساسية، إلى جانب المادة والطاقة المعروفتين، ألا وهو المادة المضادة Antimatiegrave;re ،وهذه المادة المضادة كانت موجودة منذ بداية نشأة الكون بنسبة مساوية تقريباً للمادة العادية حسب قانون التماثل والتناظر symeacute;trie لكنها اختفت، أو هكذا خيٌل إلينا، وظل الإنسان يبحث عنها على مدى قرون عديدة بلا كلل. وقد تناقلت مجلات علمية متخصصة خبراً مهماً مفاده أن فريق البحث العلمي آلفا Alpha في المركز الأوروبي للأبحاث النووية CERN الموجود في جنيف في سويسرا، تمكن من اصطياد 38 ذرة من ذرات الهيدروجين المضاد Anti hydrogegrave;ne لفترة زمنية كافية لمراقبتها ودراستها قبل فنائها، وهو إنجاز من شأنه أن يهز أركان الفيزياء المعاصرة فهو حقاً عمل جبار وهائل بكل المقاييس. ففي سنة 1995 خلق العلماء في مختبرااتهم ذرات مضادة Anti Atomes لكنها لم تعش سوى 40 من مليار جزء من الثانية في حين أنها بقيت على قيد الحياة هذه المرة0.2 من ألف من الثانية، وهذا بحد ذاته شبه إعجاز علمي على حد تعبير العالم الفيزيائي الفرنسي إتيين كلاين Etienne Klein صاحب أجمل كتاب علمي مبسط عن الكون صدر في الشهر الأخير من سنة 2010 بعنوان خطابات حول الكون discours sur Lrsquo;univers . ولقد أثبتت علمياً فرضية أن لكل مادة ـ مادة مضادة، ولكل طاقة ـ طاقة مضادة، حيث تمكن العلماء من العثور على الكترونات مضادة Antieacute;lectrons تدور حول بروتونات مضادة Antiprotons في هيدروجين مضاد وهو المعاكس التام للهيدروجين المكون من الذرات الأخف في الكون. ويعرف الإلكترون المضاد باسم آخر هو البوزيترونpositron، أو التوأم للإلكترون المادي العادي المعروف لدينا حيث يمتلك نفس الخصائص الداخلية ونفس الحجم ولا يختلف عنه إلا في الشحنة الكهربائية.

يمكننا اعتبار المادة المضادة بمثابة الانعكاس في المرآة للمادة العادية المرئية لكنه انعكاس غير مرئي بل محسوس يمكن استشعاره ولا يمكن لهذين الوجهين للمادة أن يتعايشا تحت سقف واحد وفي نفس المكان فالتقائهما تفجيري مدمر explosive حتماً حيث يدمر أحدهما الآخر ويفنيه مخلفين وراءهما طاقة تفجيرية مدمرة وهائلة على شكل إشعاعات مهلكة. وبالرغم من عمليات الرصد والمراقبة والتقصي في التخوم البعيدة للكون المرئي إلى حدود الأفق الكوني تقريباً، لم يتمكن العلماء من رؤية المادة المضادة أو العثور على آثارها، و لا توجد نظرية علمية قادرة على تقديم تفسير علمي مقنع وناجع ومقبول بشأن اختفاء المادة المضادة. ولم يبق أمام العلماء سوى محاكاة المادة المضادة وخلقها في المختبر لاستجوابها أو استنطاقها والحصول على اعترافاتها حول حقيقتها وأسباب اختفاءها لكن العقبة الكأداء هي كيفية إبقائها حية لأطول فترة من الزمن.

كان العالم الفيزيائي الشهير ديراك Dirac قد قدم نظريته عن الإلكترون المضاد سنة 1931 لكنه تعرض للسخرية من قبل زملائه العلماء آنذاك ولكن بعد سنة من عرض أطروحته تم إثبات وجود الإلكترون المضاد نظرياً وحسابياً وليس مختبرياً من خلال التجربة لتخلف الأدوات والأجهزة التكنولوجية في ذلك الوقت . كما تم إثبات التناظر والتناسب الجوهري بين المادة والمادة المضادة نظرياً عدا ما يخص الثقالة أو الجاذبية la graviteacute;، فهل هناك لدى المادة المضادة ثقالة أوجاذبية مضادة Anti graviteacute; ؟ السؤال مازال يبحث عن إجابة. وعند التطرق إلى المادة المضادة يبرز احتمال نظري آخر يتعلق بإمكانية وجود كون آخر غير مرئي مكون من المادة المضادة يتواجد ربما في بعد آخر غير مرئي من المكان وقد يكون هذا الكون مليء بالمجرات المضادة Anti galaxies وهو الافتراض الذي ألهب مخيلة كتاب الأدب الخيالي العلمي .ويشاع في أوساط عديدة أن هناك حضارات كونية ـ فضائية civilisations extraterrestres متطورة جداً تمكنت من تدجين المادة المضادة واستخدمتها كمصدر لا ينضب للطاقة المحركة لمركباتها الفضائية بغية الترحال والتنقل بين المجرات والأكوان المتعددة سواء أكانت واقعية أو افتراضية ، ظاهرة أوخفية ، ونفس الشيء ينطبق على افتراض وجود جسيمات افتراضية particules virtuelles في الفيزياء الكمية أو الكوانتية المضادة physique anti quantique تكون غير مرئية وموازية للجسيمات المرئية أو المرصودة بالأجهزة الالكترونية الدقيقة، وكذلك افتراض وجود كائنات افتراضية ecirc;tres virtuelles واعية وعاقلة وذكية وحية تتواجد بطريقة يستحيل على البشر في الوقت الحاضر إدراكها أوفهمها لأنه وجود غير مادي أو هو وجود طاقوي غير مرئي أومدرك بالحواس البشرية الخمسة . كما يعتقد العديد من الناس أن الأشياء موجودة بصورة مستقلة عنهم دون أن يعوا أن تلك الأشياء ما هي إلا مظهر من مظاهر التجلي manifestation للتعبير عن الشخصية النفسانية والسايكولوجية للفرد psychique et psychologique . والحقيقة هي أن كل فرد يخلق واقعه الفيزيائي sa reacute;aliteacute; physique كما يصيغه له وعيه. وهذا يعني، لو ذهبنا بعيداً، أن الله والشيطان ليسا سوى انعكاس أو إسقاط لنفس أو روح أو عقل psycheacute; الفرد.

تعد تجربة العالم الفرنسي آلان آسبيه Alain Aspect في مجال ميكانيك الكم أو الكوانتا meacute;canique quantique، والتي أجراها سنة 1982 بصحبة فريق من الباحثين والعلماء في معهد باريس البصري النظري والتطبيقي Institute drsquo;optique theacute;orique et appliqueacute; de Paris ، بمثابة نقطة تحول جوهرية، بل الاكتشاف الأهم في القرن العشرين، فيما يتعلق بمفهوم " الواقع " والتي وضعت حداً لأقدم سجال في تاريخ العلم، بعد أن أنهت المسلمات الأساسية التي كانت تستخدم في توصيف وتعريف وتحديد ما نسميه "الواقع". كما أعتبرت تجربة آسبيه أحد الدلائل القاطعة على صحة نظرية الكم أو الكوانتا la theacute;orie des quanta التي تعنى بدراسة المادة في مستوياتها ما دون الذرية niveau infra atomique . وقد أثبتت هذه التجربة الفريدة وجود واقع آخر غير مرئي ولا تدركه الحواس البشرية لكنه موجود بشكل ما إلى جانب واقعنا الملموس والمرئي القابل للرصد والمراقبة والخاضع للدرس والتجريب إلا إن علينا أن نعتبر هذا الواقع المادي والملموس المسمى بالواقع الموضوعي reacute;aliteacute; objective ، كما لو أنه غير موجود فعلاً فإما يكون الحديث عن مواد وأشياء محسوسة objets تتمتع بواقع يقع خارج مداركنا وخارج نفس المراقب، أمر لا معنى له، أو الإقرار بإمكانية حدوث إتصال وتواصل بأسرع من الضوء ـ أي أسرع من 300000 كلم/ ثانية ـ كأمر ممكن الحدوث بين الماضي والمستقبل وهذا ما أثبتته تجربة آسبيه وإن ما توصلت إليه تجربة العالم الفرنسي آسبيه من استنتاجات لم يكن افتراضياً أو احتمالياً hypotheacute;tique بل حقيقة مثبتة علمياً ومختبرياً ولكن ليس في وقتها بل بعد مرور ربع قرن تقريباً على إجرائها. وقد اعترف العديد من العلماء آنذاك بأن تلك التجربة قادتنا إلى واقع موجود خارج نطاق تجربتنا العادية أو المألوفة وإنه علينا أن نتقبل وجود مفهوم جديد ومختلف جوهرياً لما اعتدنا على تسميته بالواقع و بأن هذا الأخير الذي نعرفه ونعيش فيه غير موجود حقاً على الأقل في المستوى ما دون أو ما تحت الذري subatomique حيث يحل محله واقع آخر مجرد أو تجريدي غير مادي لكنه حقيقي وهو أقرب للعالم الرياضي منه للعالم المادي ويمكن أن يحتوي على اتصالات تفوق سرعة الضوء بكثير. والحال أن هذا الحدث ينطوي على تداعيات أو لعنات ميتافيزيقية impreacute;cations meacute;taphysiques وأهمها هي تلك المتعلقة بالوعي La conscience أو السريرة الداخلية والرشد، وهل يمكن لهذه الصفة أو الخاصية البشرية أن تعيش خارج الجسد البشري المادي؟ وهل يتلقى الإنسان المعلومة الحياتية بكل تفاصيلها فقط عن طريق الحواس الخمسة أم أن كينونتنا مرتبطة بطريقة عجيبة ومجهولة بالكينونة الكلية أو الجمعية entiteacute; collective ، وبالتالي هل الكون هو مجرد حادث عرضي طارئ وغير جوهري أم حاصل أو نتاج لمشروع ذكي وتصميم مفكر وعاقل لعقل هيولاني ؟ يقول العالم والمنظر في الفيزياء النظرية وعلم الكون دافيد بوم David Bohm أن لا معنى لعمل العالم ما دون الذري إلا إذا افترضنا وجود أبعاد أخرى للوجود أكثر تعقيداً وغموضاً لكنها توجد في ما يتعدى واقعنا الحالي . وكان العالم الفيزيائي الفذ السير الفرد هويل sir Fred Hoyle قد أعلن سنة 1983 بأن قوانين الفيزياء تخفي البداهة الرياضية eacute;vidence matheacute;matique لخلق الكون من قبل عقل كوني intelligence cosmique يسبق بما لا نهاية أصل الكون المرئي الذي نعرفه وندرسه ونتأمله . وأخيراً تجدر الإشارة إلى تصريح عالم الأعصاب الفيزيولوجية السير جون إكسليس Sir John Eccles ، الحائز على جائزة نوبل بشأن اكتشافه الذي أعلنه سنة 1984 والذي اعتبره بمثابة الدليل البيوكيميائي biochimique على وجود النفس أو الروح البشريةLrsquo;acirc;me humaine .وهو نفس الدليل الذي ورد في نصوص حضارة الأوميين Les Ummites التي أرسلت إلى عدد من علماء الأرض وأشارت إلى تمكن العلماء الأوميين من إثبات وجود النفس البشرية بالطرق العلمية التجريبية والمختبرية المتطورة جداً عندهم .

هذه المقدمة ضرورية لفهم ما نعنيه بالواقع الظاهر والواقع الخفي المتواجدين في كوننا المرئي حيث سأسرد حدثاُ له علاقة عضوية بما تطرقنا له، وكان قد أثار حوله جدلاً ساخناً وسجالات عميقة بين مختلف الجهات المعنية به وبتفاصيله وهو حدث موجود برمته وتفاصيله على شبكة الانترنيت وفي المكتبات ولكن لم يسبق لأحد أن تناوله باللغة العربية على حد علمي.وقد وقع هذا الحدث قبل بضعة عقود في الولايات المتحدة الأمريكية وله صلة بما ذكرناه أعلاه.

في خريف سنة 1963، كانت الكاتبة الأمريكية الشابة جان روبرتس Jane Roberts جالسة في مكتبها في آلميراElmira في ولاية نيويورك عندما شعرت فجأة بأن شيئاً خفياً يخترقها كما لو أن نفسها تعرض لغزو حقيقي يتمثل بجملة من الأفكار الغريبة المتزاحمة في رأسها والتي لم تكن أفكارها هي وليس لها معرفة سابقة بها، فهي لم يسبق لها أن امتلكت مثل هذه المعلومات أو فكرت بمثل هذه المواضيع التي تتطلب معرفة موسوعية هائلة لم تكن تمتلكها. كانت أفكاراً جديدة وراديكالية غير مألوفة بمقاييس ذلك الوقت، تقاطرت كالشلال في رأسها بقوة هائلة ومفاجئة وكأنها ربطت أو أوصلت بمصدر طاقة كما يحصل عند الربط بتيار كهربائي لكنها لم تكن تعرف مصدر تلك الطاقة المجهولة ولا تعرف كنهها. وتحول العالم الفيزيائي بالنسبة لها إلى مسطح لا يتعدى سمكه سمك ورقة لكنه يخفي في طياته عدد كبير من مستويات الواقع على حد تعبيرها. ثم غرقت الكاتبة في حالة نشوة و شبه غيبوبة مصحوبة بارتعاد تحت تأثير الصدمة العاطفية أو النفسية وبدت كأنها مذعورة وفجأة تناولت القلم وبدأت تخط بعصبية وبسرعة هائلة كمية من النصوص بدت وكأنها غير مترابطة لأول وهلة. وعندما استعادت حالتها الطبيعية اكتشفت أنها كتبت مجموعة من الملاحظات والعناوين ورؤوس الأقلام تناولت مواضع وأفكار لم تطرق على بالها من قبل البتة .وقد قامت بجمع تلك النصوص فيما بعد ونشرتها في كتاب تحت عنوان lrsquo;univers physique comme ideacute;e de construction الكون الفيزيائي كفكرة للبناء وبالانجليزية the physical univers as ideacute;a construction ثم تكررت الحالة وصارت الكاتبة تدخل بصورة منتظمة في حالة ارتعاد الفرائص وشبه الغيبوبة transe وفي كل مرة تتقمصها شخصية غريبة تتحدث عبرها ومن خلالها وبصوت ذكوري أطلقت على نفسها إسم سيث seth ـ وهو إسم لأحد ألآلهة المصرية القديمة وكذلك إسم لأحد أبناء النبي نوح في النصوص الدينية المقدسة ـ ويدعي هذا الكائن أن لا صلة له، أو أنه غير مرتبط بالواقع الفيزيائي للبشر la reacute;aliteacute; physique de lrsquo;homme . وقد طلبت الكاتبة الأمريكية من زوجها الفنان التشكيلي روبرت بوتس Robert Buttes أن يدون ويسجل على شريط كل ما يقوله سيث بصوته من خلالها وهي شبه غائبة عن الوعي.

أعلن سيث منذ البدء أنه يرغب في تعليم البشر ما عنده من ذخيرة علمية ومعلومات. وقد استمر بهذه المهمة لغاية عام 1984 وهي سنة وفاة الكاتبة جان روبرتس ، بعد أن أملى عليها أكثر من ستة آلاف صفحة تعالج مواضيع شتى ، عن الطبيعة والمادة الفيزيائية والذكاء والتفكير والوعي والضمير عند البشر والحيوانات والنباتات، وكذلك عن الزمن والمكان والواقع والوجود المؤكد لعوالم وأكوان أخرى متعددة، منها ما هولا متناهي في الصغر ومنها ما هولا متناهي في الكبر، منها ما هو مادي بحت ومنها ما هو روحي أو معنوي أو طاقوي أو من مكونات أخرى مجهولة الماهية بالنسبة للبشر.

قام علماء ومحللون نفسانيون وأطباء في علم النفس وعلماء رياضيات وفيزياء وكيمياء وبيولوجيا بالتحدث مع سيث والتحاور معه واستجوابه وأعترف أغلبهم أنهم كانوا بحضرة عقل متطور جداً وذكاء منقطع النظير لا شبيه له على وجه الأرض. وقد كتب الأستاذ الجامعي الأمريكي في جامعة كارولينا الشمالية أوجين بيرنارد Eugegrave;ne Bernard ، بعد أن أجرى محادثة فلسفية مطولة وعميقة ومتشعبة مع سيث قائلاً :" لقد كانت سهرة فريدة وممتعة قضيتها مع هذا الكائن أو العقل المحض أو الذكاء الخالص، أوسموه ما شئتم، لما يتمتع به من رهافة ورقة وحصافة وكم هائل ولا محدود من المعرفة وسرعة البديهة وسلاسة المنطق ووضوحه حتى أنه يتجاوزني بكثير وقد شعرت إزاءه بأنني قزم أو حتى أصغر ربما طفل رضيع مقارنة بإنسان عبقري . وأنا لا أعتقد أن سيث وجان روبرتس شخص واحد ولا حتى أوجه متعددة لذات واحدة كما اعتقد البعض". وبغض النظر عن طبيعة تلك الظاهرة ـ أي التواصل، من خلال كائن حي ـ بين البشر الماديين، من جهة، وكائن غير مرتبط بالواقع الفيزيائي، من جهة أخرى، حيث أثبت العلماء أنه لم يكن مجرد انعكاس أو نتاج أفرزه لا وعي الكاتبة ، فإن الأهم في الموضوع هو نوعية الذكاء ودرجة تناسق الأفكار واتساق المعلومات والمعرفة الموسوعية اللامحدودة ، والتي لم تكن أبداً من صفات وثقافة ومزايا الكاتبة قبل حلول الظاهرة، وكذلك في رفعة ورقي الخطاب الفلسفي والعلمي لسيث كشخصية مستقلة عن جان روبرتس وقد أعلنت الكاتبة أن سيث شخصية مستقلة عنها وهو وعي محض pur conscience ومنظم يتموضع داخل واقع خفي يختلف كلياً عن واقعنا المادي وإن المعلومات التي قدمها لا يمكن لإنسان واحد أن يعرفها ويختزنها في ذاكرته مهما كانت قدرته وموهبته أو عبقريته خاصة وأن الكاتبة التي يطل سيث عبرها تعتبر نفسها إنسانة عادية متواضعة وغير مثقفة بل متخلفة ثقافياً مقارنة بغيرها من أقرانها وهي مجرد كاتبة بسيطة محدودة الموهبة وكل ما تستطيعه هو صياغة نصوص أدبية وعاطفية رومانتيكية ليس إلا. رد سيث على تعليقات بعض المحاورين المشاركين في جلسات الاستجواب :"من حقكم اعتباري مجرد نتاج للاوعي عند جان ، مع إني لا أحبذ هذا التوصيف البدائي الساذج ، لأنه وبكل بساطة غير دقيق وغير موجود". وقد ذكر سيث أن تجربته وذكرياته تمتد لقرون طويلة ولا علاقة لها بتجربة وذكريات جان روبرتس المحددة بعمرها الزمني المادي على هذه الأرض.وقد سبق له أن احتل وتقمص أجسام عديدة لشخصيات كثيرة عبر التاريخ البشري برمته لأنه بحاجة دائماً إلى وعاء مادي كي يتسنى للبشر التواصل معه ولكي يتمكن من الاتصال بالواقع المادي الفقير ، و لا وجود لاختلاق وهمي تحت التنويم المغناطيسي كما فكر البعض مشككاً ، و لا وجود لتلاعب اصطناعي بالشخصية و هستيريا ولا يوجود احتيال أو ادعاء كاذب، كل ما في الأمر هو أن جان روبرتس سمحت لي منذ الوهلة الأولى، وليس رغماً عنها، باستخدام جهازها العصبي ووعائها البدني وبشروط محددة ودقيقة سلفاً وليس لي مطلق التصرف بجسدها كيفما أشاء . يمكنكم اعتباري مجرد طاقة محضة لا تعرفونها eacute;nergie pur أو جوهر essence مجهول الماهية بالنسبة لكم مرتبط بكينونة لا تحتاج للمادة الفيزيائية لكي تعيش على العكس من أرواحكم التي تحتاج للجسد المادي لكي تعيش ". وإن بنك المعلومات المقترن بذاته الطاقوية قد تجمع وتراكم وأثري بفضل تقمصاته الكثيرة جداً على امتداد قرون طويلة لعدد كبير من الشخصيات البشرية، حيث كانت هناك حضارات بشرية راقية جداً على الأرض، كما كشف سيث، سبقت حضارتنا هذه بمئات آلاف السنين وقد بلغ بعضها مستويات هائلة لا تخطر على بال البشر اليوم في مجال العلم والتكنولوجيا والتقدم العلمي، بعضها اندثر واختفى وبعضها الآخر لم تعد الأرض تستوعبه فغادرها للعيش في كواكب أخرى فتية وغنية، وإن كينونته ليست بشرية بل مجرد تنظيم تكافلي من الوعي الخالص المستمد من عدد لا متناهي من مصادر الذكاء والوعي المرتبطة بالعقل الكلي. وقد وصف موضع تواجده قبل تقمصه جسد جان روبرتس بأنه في اللامكان واللازمان بل مجرد حالة من الوعي الصرف، ليس جزءاً من المادة والطاقة اللذين نألفهما نحن البشر بل هو مستوى وجود بعيد كل البعد عن وجودنا المادي المحدود حيث يشكل الفكر المحض penseacute;e pure والمعلومة الرياضية السابقة للفعل ، البنيات الأساسية له إلا أنها غير خاضعة لقوانين الزمان والمكان المسيرة لكوننا المرئي. وأضاف أنه ليس الوحيد في حالته هذه بل هناك عدد هائل جداً من أمثاله يشكلون "واقعهم" الخفي عنا " والخاص بهم وهو واقع عصي على تفكيرنا ومداركنا ولا يمكن للبشر الولوج إليه أو كشف أسراره ناهيك عن العيش فيه، لا في الحياة و لا بعد الموت، عدا استثناءات قليلة جداً. وقد اعترف سيث لمحاوريه الأجلاء من مختلف فئات ووجهاء المجتمع الأمريكي أن هدفه من هذا الظهور نبيل و لا يتعدى التعليم والنصح والتوجيه والتنبيه وإن ما قاله سبق أن قيل وتكرر من قبل أمثاله على امتداد قرون طويلة ولكن للأسف سرعان ما ينس بني البشر ما يقال لهم وما يبلغون به وتعهد بتوضيح بعض النقاط والمساءل الغامضة أو التي تعرضت للتشويه أو التأويل الخاطئ عبر الزمن أو ظلت عصية على الفهم من قبل البشر وتقديم رؤيته الشخصية الأصلية حولها حيث لا توجد معرفة في فراغ وإن كل معلومة ستفسر وتلون بشخصية من ينقلها لذلك وصف الواقع كما أدركه و عايشه وعرفه هو، وقدم تجربته المستقاة من العديد من الطبقات والأبعاد المتداخلة للوجود الخفي، وبالطبع خير الحاضرين بتصديقه أوعدم تصديقه. ثم بدأ بسرد وقائعه وآرائه دائماً من خلال جان روبرتس التي كانت تنطق بالنيابة عنه ولكن بصوت غير صوتها الأنثوي الاعتيادي وزوجها يدون ويسجل كل شاردة وواردة وتم تجميع تلك الحصيلة من المعلومات والمعارف في كتاب سمي بكتاب سيث Le livre du seth موجود على الانترنيت وفي المكتبات في جميع أنحاء العالم بعدد من اللغات لكنه غير موجود وللأسف باللغة العربية.

مما قاله سيث ونشر :" أن النوع الإنساني Lrsquo;espegrave;ce humaine ليس الجماعة العاقلة الذكية والمفكرة الوحيدة في هذا الوجود والتي تقوم بدور الكائنات الواعية والمفكرة .هناك من بين البشر عبر التاريخ فئات مختلفة في إطار تنوع هائل لكنهم بمجموعهم يختلفون عنهم جوهرياً ويختلفون عن البشر في حقبتنا الحالية لكنهم اتخذوا سبل أخرى في تطورهم وتساميهم، وبالتالي بات عليه هو وأمثاله أن يلجأ إلى عدة جوانب من شخصيته الراقية والمركبة والمعقدة جداً meacute;ga - personnaliteacute; لكي يغدو مفهوماً intelligible ويدرك بالعقل حتى وإن استحال إدراكه بالحواس. ثم أضاف:" ليس كل أنظمة الواقع موجهة فيزيائياً فالبعض يجهل أو يتجاهل تماماً الجانب الفيزيائي ومنها ما يفتقد للتمايز الجنسي " أي ليس فيه ذكر وأنثى " عكس الحال عند البشر ثم أردف قائلاً :". سبق لي أن تقمصت أجساد ذكورية وأنثوية عديدة وهذا لا يغير شيئاً من طبيعتي ". المدهش بل المثير للذهول هو وصف سيث للواقع الأرضي وطبيعته الحقيقية بشقيه الظاهر والخفي وفق مداركنا البشرية وكيفية إحساسنا به وتعاملنا معه. فبفضل صيرورة processus معقدة من الأفعال والمشاركات الفردية والجماعية تعد بمليارات المليارات المليارات من المرات ، منذ بداية نشوء النوع البشري إلى يوم الناس هذا، خلق البشر واقعهم الخاص بهم بطريقة التجميع والتراكم والبناء المتعدد الجوانب لكنهم لا يشعرون بذلك الآن إذ في حد معين ومرحلة معينة من التطور الحتمي لكل نوع من الموجودات، فإن هذه الصيرورة تختفي عميقاً في لا وعي النوع إلى درجة تجعل أي نوع " ومنه النوع الإنساني" ينسى أنه هو الذي خلق ما أسماه سيث بـ " نظامه الخاص لتورية أو تمويه الواقع camouflage de la reacute;aliteacute; " والحال أن البشر يعيشون كما يقول سيث في نظام لواقع أحادي الجانب حسب فهمهم له وهو واقع يتمركز حول المادة وصاروا يجهلون حقيقة أخرى كانت ماثلة أمامهم لكنهم لا يدركونها اليوم وهي أن الوعي هو القوة الخالقة الوحيدة في الكون المرئي كما نراه ونرصده أو نراقبه وبالطبع هناك وعي كلي ووعي جزئي، ومن مجموع الأجزاء ـ من الوعي الفردي ـ وهي لا متناهية العدد، يتكون الوعي الكلي أو الكوني اللامحدود. وطالما بقينا نجهل ذلك فإننا سنبقى سجناء في مستوى وجودي تبدو فيه العلة والمعلول ومبدأ العلية والسبب والنتيجة هي المبادئ المحركة والفاعلة الوحيدة les principes opeacute;rationnels وبالتدريج وحيثما نتعلم أن مراكز الوعي هي كباقي أنظمة التحديد والتوضيح والتصويب systegrave;mes de mise au point فإننا يمكن أن نلتقط عدة لوحات أو مستويات للواقع حينها سنفهم على نحو أفضل أن الروح أو النفس Lrsquo;esprit هي الجوهر الأعلى والوحيد لجميع الأشياء، ومستشعرين بطريقة الحدس الداخلي أن المعلومة information الرياضية هي المكون الأولي لجميع الأشياء constituant eacute;leacute;mentaire. وقد سجل سيث أن الأشياء الفيزيائية كالكلمات والإشارات والرموز محسوسة حرفياً داخل وسيط آخر، وعندما نتقبل مواجهة حقيقة أن الأشياء ما هي إلا منتجات دونية أو عرضية طبيعية لتطور النوع الإنساني، على شاكلة الكلمات، حينها سنبدأ بإدراك وتلمس طبقات أخرى للواقع ، بما فيها جوانبه غير المرئية، من خلال التأثير الطبيعي لتطورنا نحن البشر، ومن ثم كشفنا لمستويات أخرى للوجود داخل هذا الترابط والتداخل، تكون المعلومة المحضة la pure information للنفس أو الروح الجزئية هي المهيمنة. وحيث لن يكون للعلة والمعلوم ، وللزمان والمكان أهمية جوهرية فاصلة، وسيكتشف البشر، إن آجلاً أم عاجلاً، بأن اللاوعي الإنساني مرتبط بقوة وعمق بتلك المستويات والأبعاد المتعددة للواقع بيد أننا لا ندرك ذلك الآن، وأن قدراتنا الفكرية والثقافية والعلمية ودرجة الذكاء عندنا محدودة وغير مزودة بما يلزمها لإدارة حجم المعطيات les donneacute;es المحتواة أو المخزونة داخل هذا التداخل والترابط interconnexion التي شرحها سيث باستفاضة في كلامه مع محاوريه وفي نصوصه التي أملاها على جان روبرتس بما في ذلك مفهوم الفاعلية التبادلية التي لا يفهما البشر، والتي تفسر صلة النفس بالجسد وتقول بالتأثير المتبادل بينهما في إطار التركيبة البشرية ، وإن كانا مستقلين في الجوهر. ووفق نظرية تعدد العوالم des mondes multiples التي استعرضها سيث بتبسيط كبير لكي يستوعبها الحاضرون ، أكد سيث بأن كل تلك الحالات المحتملة، لكل جسيم كوانتي particule quantique ، مثل كل كائن بشري، وكل حدث تاريخي، يقابلها سلسلة لا متناهية من المقابلات أو المضادات المحتملة contreparties probables ، وبما أنها متصلة إلى ما لا نهاية بالأكوان المتوازية، فإننا أيضاً كائنات متعددة الأبعاد مثل سيث لكننا لم نصل بعد إلى مرحلته المتطورة جداً من التسامي وبلوغ الوجود الطاقوي البحت والتخلص من الوعاء المادي والفيزيائي لأننا لم نبلغ تلك المرحلة المتطورة ولا نمتلك القدرة بعد لإدراك هذه الغاية وبلوغ هذا المستوى . وعلينا أن نفهم أن من المستحيل الفصل بين حدث فيزيائي ما عن الأحداث المحتملة لأنها ليست سوى أبعاد مختلفة للحدث. إن هذا المفهوم يقودنا إلى رؤية مفزعة للكون المرئي تمكن أثر سينمائي عظيم من الاقتراب منها بشكل ما ، خاصة فيما يتعلق بتنوعات الواقع وهو فيلم ماتريكس Matrix بأجزائه الثلاثة. فالواقع الأولي هو عندما يكون المراقبobservateur في المركز والآخرين في الأطراف ،وهذه توصيفات نسبية،ولو تقبلنا هذه الحقيقة فإن كل نظام لواقع سيكون في قلب تكتلاته المحتملة أو المفترضة.وقد شدد سيث على معلومة تتعلق بتداخل وتشابك كل شيء في الوجود بشكل مذهل interconnexion totale وأننا جزء من كل شاسع وفسيح ولا حدود له، أو نحن لسنا سوى تجسيد مرمز أو علامة اصطلاحية لمفهوم الاعتقاد . فالوعي موجود في كل شيء la conscience est en toute choses . فلكل جسيم في الكون، مهما صغر حجمه، وعي أو جزء من وعي كلي أو جماعي والاختلاف هو في الدرجة ليس إلا. الوعي عند الإنسان منفصل عن الدماغ الذي هو مجرد وعاء مادي إلا أنه متداخل ومتشابك معه وليس جزءاً منه فالوعي حسب سيث يمتلك بنية كوانتية ـ كمية structure quantique ويبث إشعاعاتradiations غير مرئية وغير مادية لكنها من الصغر بمكان بحيث يمكن لملايين الملايين الملايين منها أن يحتل حيز ذرة واحدة وهي خارج مدى المادة الفيزيائية التي نعرفها .والحال أن هناك مستويات من الوعي تتجاوز أو تتعدى مستوى وعي سيث نفسه كما قال هو، فلدى سيث هناك سيث أعلى وأرقى منه بكثير ولكن من نوع آخر يتجاوزه بكثير ولا يستطيع هو إدراك كنهه. وهناك تركيبات معقدة ومذهلة حقاً لوجودات ذكية complexiteacute;s des intelligences تتفاعل على غرار أنظمة قادرة على إنجاب أو إفراز الحياة يكون الوعي فيها غير محدود ولا نهائي infinies وهذا يوحي لنا بأننا نعيش في كون مرئي ذو معاني متعددة وأبعاد لا نهائية في الصغر والكبر لأنه لا يتعدى أن يكون جسيم لا متناهي في الصغر في كيان كوني مطلق لا متناهي في الكبر لاحدود له ولا بداية له ولا نهاية، يلد كل شيء ولم يلده شيء فكل شيء ينبثق منه، وجزء منه لأنه هو الأول وهو المصدر الحي الدائم العاقل الذكي الذي يمكن أن نسميه الله.

د.جواد بشارة

باريس
jawadbashara@yahoo.fr

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مقال رائع
مصطفى -

بجد مقال رائع أعجبني كثيراً .. شكراً جزيلاً لك أستاذ جواد ..