فضاء الرأي

قراءة في القادم الأعظم: إنها الطبقة المتوسطة يا غبي!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تقول النكتة السوداء إن "الصحافة العربية مرت بثلاث مراحل. في المرحلة الأولى كان الصحافي يكتب والمواطن يقرأ، في المرحلة الثانية كان الصحافي يكتب والمخابرات تقرأ وفي المرحلة الأخيرة تكتب المخابرات وتقرأ ما كتبت". ولأنها تقرأ ما تكتب لم تنتبه للمارد الذي كان يتشكل في الفضاء الرقمي. وعندما سمعت أخيرا اسمه على التويتر ظنت أنه فيروس يجب تطعيم الشعب ضده قبل أن تصدر أوامرها بإيداعه السجن. كان الأفضل هنا "تذكير" المخابرات بدل تأنيثها، فتاريخ القمع العربي كان ذكوريا.
الآن خرجت علينا صحافة المواطن تسمع وتشاهد وتتحقق وتوثق وتكتب. والمواطن نفسه يعلّق ويضيف ويحذف وينشر ويعيد النشر. يا إلهي ماذا "فعلت" بهم ثورة الاتصالات بعد كل ما "فعلوه" بنا.
كان مفتي الديار منهمكا في خطب الجمعة يسبي النساء ويطلق الفتاوى ويلعن الكفار ويدعو لمولاه بطول العمر ويحذر العامة من الخروج عليه حتى فاجأه جيل غامض يرتدي الجينز ويحمل الموبايل ليضع مولاه في متحف الهاربين، ويمضي لمولاه الآخر القابع في الشارع المجاور.
كان رئيس التحرير يحرق سيجارته المائة وهو يعدد في إنجازات الزعيم الضرورة، وحب الشعب الجارف له حتى مرر له محرر شاب رسالة نصية تخبره بأن زعيمه المحبوب يحزم حقائبه، فأشعل سيجارته الألف، وقلب الصفحة، وكتب: يحيا العدل.
كان مدير التلفزيون يصرخ بمنتجيه، أريد مزيدا من التفاهة والعري والنطنطة فجمهوري شاب وهو لن يرضى بهذه الرتابة المميتة. وعندما رأى الجموع على شاشة "علبة الكبريت" ظنّ لأول وهلة أنها حفلة لهيفاء وهبي. وصرخ "هاتولي واحد منهم" لكن "كلهم" كانوا في ميدان التحرير.
كان أصحاب اللحى الصفراء يخرجون مواعظهم من القبور، ويربطون الشباب بالأحزمة الناسفة، ويوئدون الصبايا في بيوت "المسيار"، وعندما شاهدوهن يتظاهرن في الشوارع ظنّوا لأول وهلة أنهن حوريات الجنة قبل أن يكتشفن أنهن حوريات سيدي بوسعيد وميدان التحرير.
في شارع الطبقة المتوسطة خرجت الطبقة بأسرها، بشبابها ونسائها وأطفالها وفنانيها وصحافييها، ومقرئيها وواعظيها وقسوستها. خرجت بهواتفها الخلوية ونوتاتها الإلكترونية. خرجت بأناشيدها وأغانيها وأهازيجها وبنكاتها الذكية القصيرة اللماحة. لم تحتج إلى صور ويافطات. وقبل كل ذلك وبعد كل ذلك خرجت بوعيها الاجتماعي المرهف بأن في غياب الحرية سيغيب حتى الرغيف الساخن.
توقع البلطجيون أن جمالا حك السياح مؤخراتهم عليها قادرة على أن تكسر شوكة الثائرين، وأن بلطجية تربوا بين الكباريهات ومقر الحزب الوطني قادرون على هزيمة روح جيل يعرف أن هذه معركة عمره.
أخرج فلاسفة الفضائيات كل ما في جعبتهم. قالوا إنهم شباب غض، وإنهم غير منظّمين، ولا قيادة لهم. فضربتهم في وجوههم المطالب السبعة، والقيادة العشرية، والتكتيكات اليومية التي تخدم الهدف الاستراتيجي الذي لم يغب على وعيها لحظة واحدة.
إنها الطبقة المتوسطة يا غبي التي كانت تحفر قبر الدكتاتورية بالعلم والوعي فيما كانت الشعارات الغوغائية تغرقنا من النهر إلى النهر.
إنها الطبقة المتوسطة يا غبي التي تمكنت في أيام من شد الطبقات الشعبية إلى ميدان تحريرها لتحررها من الخوف. إنها الطبقة التي سالت دماؤها ولم تسل دماء أعدائها.
غدا ستغرقنا بفنها الساحر، وإعلامها المهني، ومدارسها الراقية، وجوامعها المتسامحة، وكنائسها المعتدلة.. وشارعها النظيف، المؤدب.. ولقمة العيش النظيفة بعدما لوثها الفساد عقودا.
غدا وعلى امتداد بلدان القمع ستختفي مؤخرات الرجال المتراقصين على قنوات الوناسة.. وستختفي الجواري المنتظرات في محلات العطور والتجميل.. وسيختفي شعراء البلاط وإعلاميوه.. وستختفي فتاوى الفساد، وشيوخ الفضائيات.. وسيختفي الزعيم الضرورة سواء.. سندخل عصر الدولة المدنية الذي دخل فيه العالم منذ أكثر من مائتي عام. سندخله ومعنا نون النسوة، لن نتركهم بعد اليوم في الحوش الجواني.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
god bless you
mohd arnous -

god bless you , and i hope that these young people,keep their minds and souls clean and pure, and that their peaceful revolution will not be hijacked but the bearded powers of darkness

god bless you
mohd arnous -

god bless you , and i hope that these young people,keep their minds and souls clean and pure, and that their peaceful revolution will not be hijacked but the bearded powers of darkness

اصبت
عبد الله صقر -

اصلت يا استاذ محمود انها الطبقة الوسطى التي منها يظهر الابداه والتجديد والابتكار وهي التي تسعى الانظمة العربية الى انهائها وعندنا في لبنان يسعى الحريريي لانهائها وخلق ثقافة الزبائنية والربح السريع مطهمة بالمذهبية لبن لا يقتنع لحين تقسيم المجنمع الى قسمين فقير يجهد لتحصيل قوته وستر عائلته ولا يعود له وقت ولا مصلحة في السياسة وقسم اخر غني بطرق اغلبها غير مشروعة او بتسهيل من الحاكم وعذا القسم يوالي بشكل اعمى للحفاظ على مكتسباته.حافظوا على الطبقة الوسطى!

شنو
الواقعي -

في الطريق الي بيروت أنا وهيفاء وهبي

اجمل ماقرات
د.ميسون الموسوي -

حياك ياسيدي الشمام وبياك والله لقد كفيت ووفيت واغنيت كان مقالا متفردا وذكيا وحاضنا لكل معاني الروح المصرية الاصيلة والنكتة الحاضرة دائما حقيقي استمتعت به كثيرا واعدت قراءته لانه اكثر من رائعد.ميسون الموسويواشنطن

في سوريا وهي اكثر ن
في سوريا وهي اكثر ن -

في سوريا وهي اكثر نظام قمعي وفاشي في البلدان العربية

ليبيا حره قذافى يطلع
مواطن ليبيى بسيط -

لقد دقت ساعة الحرية يجب على الجميع تقديم مصلحة الوطن على المصالح الشخصية الضيقه إن مايفعله النظام الليبى هذه الأيام هو شراء الذمم. إن مذاق الحرية له طعم لايتذوقه إلا الشرفاءأمثال أحرار وحرائر مصر وتونس . المال يزول والمناصب تسقط ولكن الوطن باقى وسيسجل التاريخ أسماء الشرفاء بحروف من ذهب والمنتهزين سيرمون فى مزبلة التاريخ للأبد وستتحطم ضمائرهم للأبد لأنهم باعوا الوطن بالرخيص. تحية للشهداء اللذين ضحوا بأغلى مالديهم فى سبيل الحرية والكرامة. موعدنا يوم17\2\2011 لنكسر حاجز الخوف ونحطم الأصنام ونصنع التاريخ نريد همتك معنا يأستاذ محمود حفظك الله لهذه الأمة.نحن لا نستسلم ننتصر او نموت قالها عمر المختار وسوف نقولها يوم 17 فبراير

الحرية لاتهدى
صابر -

لك كل الشكر أستاد محمود. أنظمة لا زالت تعيش بعقلية الخمسينات عقلية المنع لا أداعة إلا إداعة الدكتاتور ولا صحافة إلا صحافته ولا فكر إلا فكره . لم يستوعب الدكتاتور بعقله المنغلق أن التقنية الحديثة بأفقها وأفكارها قد أستوطنت داخل عقول الشباب ما زال يفتش شنط المسافرين القادمين يبحث عن كتاب أى كتاب يمنعه ما زال الدكتاتور يقراء صحفه الصفراء قبل طباعتها معتقدا أن هناك أحد غيره سيقرأها . ثورة شباب تونس ومصر بداية ولن يبقى دكتاتور فى بلدان العرب اليوم

صمت
اسماء بن سعيد -

أكثر من رائع ... نقطة أول السطر.

أحسنت
ن ف -

تستأهل جملة الكاتب الأخيرة أن تكتب بماء الذهب: ((... سندخله ومعنا نون النسوة، لن نتركهم بعد اليوم في الحوش الجواني.)) شكراُ لعقل الكاتب النيّر.

إلى أسماء بن سعيد
ن ف -

عزيزتي: النقطة غالباً ما تكون في آخر السطر!

الفيس بوك والجمال
ابراهيم العاسمي -

مقال طريف ولطيف وأضيف اليه ما فات الكاتب من طرافة لها مدلولاتها ان النظام المصري واجه الثورة التي اعتمدت على تقنية العصر الفيس بوك وتويتر بالجمال وهذا يعكس عقلية الطرفين ، لابد للانظمة ان تواكب ما يدور في هذا العصر ولاتبقى حبيسة ازمانها التليدة وافكارها القديمة فالطفل شب عن الطوق وادرك ما يجب عليه فعله

سعيد بالوعي
خالد المهير -

شكرا استاذ محمود على هذا المقال الشوكة في حصرهم جميعا،شكرا لك لأنك كتبت عن وعي بالقضية ،وكل عام وانت بخير خالد المهير

الحق يريد قوة تحمية
حسن -

رائع جدا ولكن الحق يريد قوة تحمية وليست قوة فقط بل يجب ان تكون قوة واعية

عظمة على عظمة
روني -

عظمة على عظمة يااستاذ وسيد الكلمة, او مرة اقرأ مقال واحس بالنشوة اللللللله

شكر
abukhalid -

رائع اخ محمود ويليتهم بقرؤون ويتعضوا بان المستقبل للشعوب وخاصة شبابها

شكرا للاعلامى شمام
شعبان معيو -

سندخل عصر الدولة المدنية الذي دخل فيه العالم منذ أكثر من مائتي عام. سندخله ومعنا نون النسوة، لن نتركهم بعد اليوم في الحوش الجواني. مقطع ورد اعلاه, مهم جدا ان ننتبه له, شماملف بنا لفة حول ميدان التحرير, ما اروعه من ميدان, عرى الطغاة و طردهم, متى نطردمشائخ وزارات الداخلية فى طول بلادنا و عرضها؟ شباب يرتدى الجينز ولكن بعقل مستنيرو متعلم قاد معه جموع الفقراء فى ملحمة دخلت للتاريخ, الا انى ما اراه ليس النهايةبل البداية لمشوار طويل جدا, من اجل البناءو عودة الروح و الوعى للشارع المصرى الرائع.

استاذ محمود
شعبان بشام -

تقدر تقول لي يا استاذ محمود ايش مصلحتك من هذا كله ؟ ولا تبي تركب الموج زي اللي قبلك ؟