أصداء

الثورة تفضح مأساة الإعلام المصري

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


أصيب المصريون مؤخراً بحالة اشمئزاز كبيرة بسبب التحول المقزز في موقف الإعلام المصري الرسمي وشبه الرسمي من ثورة الشباب والرئيس السابق حسني مبارك. كان مبارك حتى أيام قليلة مضت رمزاً للشرعية والمباديء والشرف والنزاهة والصدق والشفافية والحرية والديمقراطية والسلام بالنسبة للإعلام المصري. لم يكن يجرؤ إعلامي على عرض وجهة نظر مغايرة. ولكن فجأة وما أن سقط مبارك حتى فوجئنا بأن نفس الإعلاميين التي لم يكتفون بعرض وجهة نظر النظام، وإنما كرسوا أنفسهم لتملق الرئيس السابق وأسرته ينقلبون على الرجل في واحدة من أكبر فضائح الإعلام المصري عبر تاريخه.

أمثلة الإنقلاب الإعلامي هذا كثيرة. كان الفساد أهم ما ركز عليه الإعلاميون باعتباره حديث الساعة في مصر. ظهرت تغطية الإعلام الرسمي لقضية فجة ومستفزة، كما لو كان الفساد أمرأ لم يكن معروفاً عن نظام مبارك. من أمثلة التغطية الإعلامية الرسمية أن إحدى الصحف الرسمية الصفراء خرجت في اليوم التالي لتنحي الرئيس مبارك لتتحدث في مقال يعبر عن رأي هيئة تحريرها عن دهشتها من مستوى الفساد الذي بلغه الرئيس السابق وكيف أن ثروته تضخمت حتى بلغت نحو سبعين مليار دولار. وعبر المقال عن دهشة كاتبه من قدرة الرئيس الفائقة على نهب أموال المصريين ووقدرته الشديدة على التكت على فساده.

صحيفة ثانية تحدثت عن حواديت الفساد الذي عرفته مصر في الثلاثين عاماً التي قاد فيها مبارك مصر، وكيف استفاد عدد من رجال الأعمال من قربهم من القصر الرئاسي في تحقيق مكاسب خيالية عن طريق شراء الأراضي بأسعار بخسة وبيعها بأسعار بلغت عشرات أضعاف أسعار الشراء. وتحدثت الصحيفة عن بيع مصر وكنوزها لفئة قليلة من المفسدين، وعن ألاف قضايا الفساد التي ترتبط بعدد من الوزراء والمسئولين والمقربين من الرئيس مبارك، وعن كيفية استفادة البعض من علاقاتهم الشخصية بنجلي الرئيس السابق وبكبار رجال الدولة في تحقيق المكاسب غير المشروعة

صحيفة ثالثة خرجت تؤكد على أن لا عودة لما قبل الخامس والعشرين من يناير وتهلل وتطبل لمكاسب ثورة الشباب الأبطال الذي أعادوا الأمور إلى نصابها في مصر بعد أن طال اليأس بالمصريين بسبب نظام مبارك القمعي. وأشادت الصحيفة بالمطالب المشروعة للشباب وبثورتهم السلمية البيضاء. وكغيرها احتفلت الصحيفة بالكشف عن قضايا الفساد التي تورط فيها رموز النظام السابق.

لم يقتصر الانقلاب الإعلامي على الصحف الرسمية فقط، وإنما امتد ليشمل الإذاعة والتلفزيون والفضائيات التي تظهر على شاشاتها إعلاميون طالما نافقوا وتملقوا نظام مبارك. أحد هؤلاء المنافقين كان حتى يوم رحيل مبارك يؤكد على أن مبارك هو الرئيس الشرعي، والمدافع عن الحريات، والذي لم يقصف في عهده قلم واحد، والقادر على تحقيق المعجزات. ولكن ما أن رحل الرئيس حتى كان الإعلامي يكرس وقت برنامجه لكيل الاتهامات للرئيس وأسرته ووزرائه وحاشيته. بل بلغ الأمر بالإعلامي محاولة الضغط على ضيوفه لانتزاع أقوال تؤيد موقفه المفاجيء المعارض لمبارك. وأما أغرب ما فعل الإعلامي فقد كان استضافته لعدد من رجال الأعمال الذين سبق اتهامهم بالفساد في عهد مبارك بغرض عرض مواقفهم من نظام مبارك الفاسد.

قليلون هم من تمسكوا بواقفهم من الرئيس السابق ولعلي أذكر منهم نقيب الصحفيين مكرم محمد أحمد. وعلى الرغم من عدم اتفاقي مع النقيب في موقفه من النظام إلا أن ثبات الرجل على موقفه من مبارك بعد رحيله يستحق الاخترام والتقدير. فالثبات على المبادئ يعد من أهم الصفات التي يتوجب توافرها في الإعلامي لأن هذا يمنح المتلقي ثقة كبيرة في مضمون الرسالة الإعلامية. لو ليت كل الإعلاميين الذين أيدوا مبارك طويلاً صدقاً أو كذباً ثبتوا على مواقفهم منه، ولو أنهم فعلوا لاكتسبوا الاحترام حتى وإن كانوا يسيرون عكس التيار.

ترى ماذا لو عاد مبارك اليوم لقيادة مصر؟ كيف سيسلك الإعلاميون المنافقون؟ أزعم أن ريما ستعود لعادتها القديمة. سيعود الإعلاميون المتلونون لتأييد مبارك الرئيس الشرعي لمصر. سيتم طي صفحة الفساد وستفتح من جديد صفحة إنجازات مبارك صاحب الطلعة الجوية الأولى. سيؤكد الإعلاميون على أنهم تعرضوا لضغوط كبيرة لنشر قضايا سرقة ونهب المال العام. سيهلل ويطبل الإعلاميون للنظام ورموزه وسياساته. سيتم لعن الثورة والقائمين بها. ستعود قصة المؤامرة التي تستهدف النيل من مصر واستقرارها لتطل من جديد.

لا يمكن بأي حال من الأحوال منح الإعلاميين المتملقين والمتلونين أية أعذار. لا يمكن لإنسان أن ينقلب من شخص إلى نقيضه بين ليلة وضحاها. إنها فضيحة كبرى للإعلام المصري، لكنها مأساة أكبر لأن الإعلام المصري الذي كان يوماً رائداً في منطقة الشرق الأوسط فقد تماماً مصداقيته وتحول إلى بوق للسلطة. من المطلوب الأن أن يتم تغيير كل الأطقم الإعلامية التي تلونت بلون النظام حتى تنحي الرئيس ثم بلون الثورة بعد التأكد من نجاحها. أعلم أن التغيير في الوقت الحالي ربما يكون صعباً لأسباب تشريعية وتنظيمية، ولكن دعونا نكون متفائلين. دعونا نتمنى أن مصر الجديدة لن يكون بها مكان للإعلاميين المنافقين للأنظمة الحاكمة.

إن مصر ما بعد مبارك تتطلب إعلاميين صادقين ومخلصين للوطن ولرسالتهم الإعلامية. لقد سقط الحكم الشمولي وحان وقت سقوط الإعلام الشمولي الذي عرفته مصر طوال الأعوام الستين الماضية. نحن نريد إعلاماً حراً وإعلاميين لا يكذبون ولا يجاملون ولا يتملقون ولا يخدعون من أجل البقاء في مناصبهم. فمن تملق نظام مبارك بالأمس سيتملق النظام الجديد في الغد، ومن خدع الشعب في عصر مبارك سيخدع الشعب من جديد في أي عصر قادم.

josephhbishara@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
نعم هناك أزمة أخلاق
تامر -

مات كلب البيه الكل مشي في جنازته. مات البيه ولا كلب مشي في جنازته. هكذا يقول المثل المشهور في مصر.في الواقع هذا ما يحدث في معظم الإدارات والهيئات وخلافه في بلدنا الحبيب..

supporting Isreal
supporting Isreal -

الثورة تفضح مأساة اعلاميين مصري اشعر ان انا حر فى العالم فى الحياه اخر له قدم ارجل او يد فى المظاهرات يعنى اكثر من جسد

وسقطت رموز النظام
الدكتــ بقـلم ـــور -

لم تفضح الثورة الإعلاميين فقط، ولكنها فضحت أناسا المفترض أن مواقعهم تجعلهم يسمون فوق الدنيا ومغرياتها. ومن الذين فضحتهم البابا وموقفه المخزي في تأييد الرئيس والنظام وحتي توريث الحكم، لدرجة أثارت حوله شبهات كثيرة. ثم يأتي البابا اليوم وبعد نجاح الثورة وتغيير النظام ويعلن علي الملأ تأييده للثورة، علي الرغم من تأييده المستفز للنظام أثناء الإحتجاجات و منعه القساوسة منعا باتا مغلظا ومهددا بأن من يخرج منهم سوف يتم خلعه من الكنيسة وتشريده هو وأسرته، فما كان من القساوسة الأرثوذكس الوطنيين وحرصا علي أكل عيشهم أنهم لم يخرجوا في المظاهرات مثل شيوخ الأزهر ولكنهم من طرف خفي أوحوا وشجعوا الشباب المسيحي الوطني المتحمس حين يتوجهون إليهم بالسؤال بأن يشاركوا مع إخوانهم في الوطن المسلمين في الثورة. بالفعل هذه الثورة المتوقعة والمفاجئة في نفس الوقت أسقطت أناس كثيرين كانوا يحاولون إسقاط مصر فأسقطهم شرفاء مصر.

انقلبوا على اعقابهم
OMAR -

وماذا عن كتاب ايلاف الذين وقفوا مع الدكتاتور حسني ثم انقلبوا على اعقابهم 180 درجه