ضمانات حرية الانترنت.. هل تسمح بحرية الاختلاف مع أمريكا؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
هيأت الظروف الحالية في الشرق الأوسط - سواء تلك التي بلغت مرحلة ما من الاستقرار كتونس ومصر أو التي لا زالت تعاني من اضطرابات ملحوظة كاليمن والجزائر وليبيا والبحرين - لوزيرة الخارجية الأمريكية أن تركز في كلمتها التي ألقتها يوم 15 فبراير الجاري بجامعة جورج واشنطن بعنوان " الصواب والخطأ حيال الانترنت.. خيارات وتحديات في عالم متواصل " علي دور هذه الشبكة في تأجيج الثورة في كل من تونس ومصر، وان تطالب الحكومات بفتح نقاش أكثر كثافة حولها..
لم تنس هيلاري كلنتون أن تشير وتذكر أكثر من مرة أن إدارة الرئيس أوباما ستقود حملة عالمية لضمان " حرية الإنترنت حول العالم " من منطلق أنها - أي الحملة - تُمثل وجه من أوجه صراع الإنسان من أجل استكمال حرياته المتعددة وكذا كرامته علي مستوي المجتمع الذي يعيش فيه، في مواجهة نظام الحكم الذي يحرمه من حرية التعامل معها أو يحد من هذه الحرية بشكل أو بآخر..
ليس هناك خلاف علي أهمية ودور الانترنت في حياة المجتمعات الإنسانية حتى من قبل تجربتي تونس ومصر الثوريتين، خاصة وأنهما انطلقتا من داخل كلا البلدين وبيد أبناء المجتمع هنا وهناك بغض النظر عن الفئات السنية التي وقفت وراء كل منهما.. وليس هناك من ينكر أن تواصل المجتمعات البشرية فيما بينها عبر أدوات وتقنيات هذه الشبكة التي يتعاطاها نحو مليار إنسان حول العالم !! أصبح طاهرة شديدة الأهمية تستحق من كافة نظم الحكم أن توليها المزيد من الرعاية ليس علي المستوي الأمني فقط ولكن علي مستوي حرية التعبير وتبادل الآراء وتحقيق قدر اكبر وأوسع من الشفافية والحق في العمل بأسلوب الفريق لبناء الثقة والتعرف علي الأوجه والأجزاء المختلفة للحقيقة..
وإذا كنا نقدر أهمية حرية الانترنت حول العالم ونعترف بدورها وقدرتها علي توسيع دائرة تبادل الأفكار والقناعات داخل المجتمع الواحد للتعرف علي الحقيقة التي يحاول البعض إخفاءها، ومن ثم تشكيل رأي عام ضاغط يهدف للتغيير السلمي ويعمل علي التطوير المستدام.. فإننا نُطالب وزيرة الخارجية الأمريكية بنفس القدر من الفهم لهذا الدور أن توافقنا علي حق هذه المجتمعات في استخدام الانترنت للتعبير الحر أيضاً عن الإرادة الشعبية إزاء سياسات واشنطن في المنطقة، ورأيها في استراتيجيات حفاظها علي مصالحها فيها..
من المؤكد أن المجموعات العربية التي تجيد التعامل مع الانترنت ستعمل في اقرب فرصة علي تحقيق التوازن بين الحرية والأمن.. وستعمل علي إرساء قواعد الشفافية مع مراعاة السرية.. وستُرسخ مبادئ حرية التعبير واحترام الآخر، ولكنها ستتكاتف في نفس الوقت لتقول لواشنطن في كل مناسبة و علي مدار الساعة عبر هذه المنظومة التي طرحتها وزير الخارجية عبر كلمتها التي اشرنا إليها:
أولا.. أن مواصلة التعامي عن رفض الغالبية العظمي من الشعوب العربية لسياساتها الموالية والمؤيدة لدولة إسرائيل التي تصر علي استعمار أراضي عربية منذ عام 1967 وتواصل نهب مقدرات الشعب الفلسطيني وتَحرمه من حق إعلان دولته المستقلة، لم يعد مقبولا ولا بد من مقاومته بكل السبل وعلي كافة المستويات وفي كل الميادين..
ثانيا.. أن تهميش القوي السياسية والتيارات الاجتماعية الفاعلة في المجتمع بحجة الحفاظ علي الاستقرار والأمن من ناحية وعدم تعريض أنظمة الحكم للاهتزاز من ناحية أخري لضمان استمرار الهدوء النسبي الذي تتمتع به هذه الأنظمة، لم يعد مقبولا لأنه لا يتوافق مع احتياجات شعوب المنطقة.. ومن ثم لا بد من إعادة النظر فيه " سلمياً " بكل السبل وعلي كافة المستويات وفي كل الميادين..
ثالثا.. أن دعاوي محاربة الإرهاب العالمي وربط منطلقاته بالمسلمين فقط لم يعد يصدقه احد، بدليل أن هذه الدعاوي وما تفرزه من استراتيجيات لفترة طالبت لأكثر من عشر سنوات، لم تخلص العالم من شروره بل ساهمت في تعدد منافذه ووسعت من رقعته وعرضت الكثير من المجتمعات لمخاطره..
أقول يا سيدتي الوزيرة..
لذلك سيكون من المتوقع أن تطالبكم هذه المجتمعات، اليوم وليس غدا - عبر شبكة الانترنت بضرورة الالتفات للآراء الحكيمة المخلصة التي طالبتكم منذ سنوات بالعمل علي تجفيف مصادر ومنابت الإرهاب بالتعرف علي أسبابه واجتثاثها.. والتي قالت لكم ولا زالت تقول أن هذه الأسباب تنحصر في مطلب واحد هو عادلة التعامل سياسياً وامنيا مع ملف الصراع العربي الإسرائيلي وعلي رأسه سياسات دولة إسرائيل الإحتلالية العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني..
كما أقول لك يا سيدتي..
لقد أوقعت ثورتي العرب الأخيرتين، خاصة الثورة الشبابية المصرية، واشنطن في مجال تجاذب حاد وعميق بين الاستجابة من ناحية لمطالب الأكثرية الشعبية أو لإرادة الديموقراطية - كما يقول غالبية كتابكم ومفكريكم الذين تناولوا بالتحليل كلتا الثورتين - وبين التمسك باحتياجاتها الإستراتيجية.. الأمر الذي جعلها بعد طول أخذ ورد تطلب علي استحياء من الرئيس مبارك التنحي..
أما شباب الانترنت التونسيون والمصريون الذين امسكوا بمصالح مجتمعاتهم الداخلية بين أيديهم وحققوا التغيير الذي خرجوا من أجله، فسوف ينتقلون عاجلا إلي ملف علاقات نظمهم الجديدة بالولايات المتحدة علي كافة المستويات..
ولأن ملف العلاقات هذا متشابك الأوراق والقضايا من وجهة النظر القطرية، فمن المؤكد أن أوراقه ستتشعب لتشمل " المصالح الأمريكية " علي مستوي كافة العواصم العربية القريبة من تونس والقاهرة والبعيدة.. فسيكون من حق شباب الانترنت هؤلاء مناقشة فحوي كل ورقة بحرية وشفافية طالما أنكم تطالبون بحرية التعبير والنقاش ضمن القواعد التي أرسيتموها في هذا الخصوص..
سؤالي يا سيدتي الوزيرة..
هل ستحترمون حرية الآخر في البحث والتقصي؟؟ وهل سترضخون لمطالبه عندما ينادي الشعب بتقليص الهيمنة الأمريكية أو ينادي بإعادة النظر في الاتفاقات التي تنظم قيام قواعدها العسكرية في المنطقة؟؟ وهل ستعدلون من سياساتكم خصوصاً ما يتصل منها بملف الصراع العربي الإسرائيلي الذي قال عنه الجنرال الأمريكي المتقاعد جيمس جونز - مستشار الأمن القومي السابق للرئيس أوباما - انه أصل كل المشاكل في الشرق الأوسط وخاصة مشاكل الولايات المتحدة.. وذلك ضمن محاضرته التي ألقاها بمؤتمر هرتسيليا الذي نظمته إسرائيل في منتصف الشهر الحالي!
bull;استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا drhassanelmassry@yahoo.co.uk