فرنسا ومشكلة الهجرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
[ كلمة إيضاح: كتب هذا المقال منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، وقد أخرت دفعه للنشر بسبب الأحداث الثورية الكبرى في مصر بعد تونس، وهي تطورات مجيدة، آمل أن تسهم في تحسين صورة العرب والمسلمين في الغرب، وإن كانت مهمة التحسين هذه تقع أساسا على ممارسات عرب الغرب ومسلميه. وموضوع الهجرة هو أيضا ذو علاقة، لاسيما ما يخص تونس. وها إن موجة كثيفة من خمسة آلاف مهاجر تونسي سري تتدفق خلال خمسة أيام فقط على جزيرة إيطالية، مما أرعب السلطات الإيطالية فأعلنت حالة الطوارئ، وناشدت الاتحاد الأوروبي وحكومة تونس للمساهمة في معالجة الأمر واتخاذ اللازم لمنع الهجرة من تونس إلى ايطاليا. وهذه الموجة تسئ لصورة تونس الجديدة. وخبر أخير، هو إعلان سركوزي، بعد ميركل وكاميرون، عن فشل ما يعرف بالتعددية الثقافية في الغرب، ونيته القيام بنقاش شعبي عام حول الموضوع، وخصوصا عن دور الإسلام في فرنسا. وقد أعلن عن رفض إقامة المنائر والأذان العلني في الفضاء العام والصلاة في الشوارع. قضايا ننتظر ردود فعلها فيما بعد.]
****
مقالنا هذا مواصلة لمقالات أربعة سابقة، وهي تخص موضوع الهجرة واللجوء حصرا، لاسيما عن هجرة المسلمين والعرب. فنحن هنا لا نتعرض مثلا للسياسات الخارجية للدول الغربية، وإلا تاه الموضوع الأصلي الذي هو مدار اهتمام إعلامي عربي واسع منذ سنوات. وكان المقال الرابع عن ألمانيا وهولندا. وهنا أود التعبير عن كل الامتنان للصديق الدكتور علاء الظاهر، المقيم بألمانيا والأستاذ في جامعات هولندا، فقد زودني بمعلومات وإحصاءات دقيقة ومهمة عن موضوع الهجرة في البلدين. فشكرا وتحية له.
بادئ ذي بدء، أقول إن مشاعر الامتنان لبلدان الضيافة لتقديمها المساعدات الاجتماعية والصحية واللجوء السياسي والإنساني، شيء، ونقد السياسات الخارجية شيء آخر. وأما نقد المقيم والمتجنس لسياسات هذه الدول، فهو حق مشروع تكفله قوانين ودساتير هذه الدول، ولم نر يوما ما تضييقا على عربي أو مسلم غربي انتقد سياسة حكومة البلد الذي هو فيه. ويبقى أن النقد يجب أن يكون منصفا لا مغرضا ولا اعتباطيا، وهذه مسئولية الناقد نفسه. وعندما هبت مظاهرات إسلامية في فرنسا ضد تطبيق قانون العلمانية في المدارس [ مسألة الحجاب]، وضج المتظاهرون رافعين شعارات استفزازية، ومنهم من لبسوا رموز منظمة حماس، فقد كتب الأستاذ تركي الحمد مقالا رائعا، سبق لنا التوقف لديه. قال الحمد:
" أن يحتج الفرنسيون المسلمون على هذا القرار حق من حقوقهم، لا بصفتهم مسلمين، ولكن بصفتهم مواطنين فرنسيين يمارسون حق التعبير عن الرأي، وهذا حق يكفله الدستور والقانون هناك، كما هو الحق لليهود والكاثوليك وغيرهم بصفتهم مواطنين فرنسيين لا بصفتهم الفئوية. ولكن، في نفس الوقت، لا يحق لهم الخروج على القانون، عندما يصبح القانون قانونا، بصفتهم مواطنين أيضا. فكما أن المواطنة تعطي حقوقا، فهي تعني واجبات والتزامات أيضا."
إن من قرأ مقالاتي في إيلاف عن العراق، منذ صدورها عام 2001، يجد نقدا مستمرا لمواقف فرنسا وألمانيا وروسيا من القضية العراقية قبل الحرب. وهذه وجهة نظر لا أزال أراها صحيحة؛ فلو كانت الدول الكبرى جميعا قد اتفقت على موقف إنذار حاسم لصدام، فربما كان يمكن تلافي الحرب، وإلا فتكون حربا دولية شاملة، وبتخطيط دولي أفضل من التخطيط الأميركي لما بعد الحرب. وخلال الدعاية الانتخابية لسركوزي، وفي الأيام الأولى من رئاسته، نشرت في إيلاف أكثر من مقال في نقد ما سماه هو "علمانية إيجابية"، وكانت هناك معلومات عن نية إعادة النظر في قانون العلمانية لعام 1905 . ومن حسن الحظ أن سركوزي تخلى عن مقولته تلك.
نعم، نقد ابن الهجرة لسياسات الحكومة حق مكفول. ولكن هل من النقد أن تصدر حكما على ألمانيا بالعنصرية بسبب كتاب أصدره شخص، أو لسبب مشكلة شخصية بحتة؟ أو لان ميركل صرحت بفشل تجربة الاندماج؟ هل من الصواب والإنصاف أن ينشر أحدهم وهو في ألمانيا مقالته عن ساراتزين وعن ألمانيا مع صورة هتلر، وناصحا بعدم مصادقة أي جار ألماني؟! أو أن ينشر كاتب آخر مقالا بعنوان " ألمانيا تعيد نفسها"؟!! أليس هذا تهويلا وتجنيا؟؟
فرنسا من الدول الغربية التي صارت، بعد ألمانيا وبريطانيا والدانيمارك، الأكثر عرضة لتحدي ومخاطر المتطرفين والإرهابيين الإسلاميين. والمقالات التي تهاجم سياسة الهجرة الفرنسية كثيرة. فما هي الحقائق؟
فرنسا تضم أكبر جالية مسلمة في الغرب [ 6 ملايين وربما أكثر]. عندما كان سركوزي ;زيرا للداخلية سعى لتأسيس اتحاد عام لمسلمي فرنسا من مجموعة الاتحادات الإسلامية القائمة، وأقواها اتحاد الإخوان المسلمين، الذي يعقد كل عام اجتماعا شعبيا واسعا يحضره القرضاوي عادة. وفي فرنسا حوالي 2000 مسجد.
لكن الملاحظ أنه في فرنسا، كما في الغرب، فإن الصوت الأعلى بين المسلمين هو صوت المتطرفين والإسلام السياسي؛ وكثيرا ما وجدنا، خاصة في بريطانيا، أحزابا وتنظيمات إسلامية محظورة في بلدان الأصل ولكنها تستغل الحريات التي تمنحها لها الدول الغربية. وقد عانت فرنسا في الثمانينات من إرهاب نظام الفقيه، وفي التسعينيات من العمليات الإرهابية للجماعة الجزائرية الإسلامية المسلحة، كتفجير القطارات الأرضية. وسبق لنا التوقف مرارا لدى عمليات الإرهاب الإسلامية أو محاولات وخطط الإرهاب في فرنسا، ومنها محاولة تفجير كنيسة تسراسبورغ، وخطة قصف برج إيفيل، ومحاولة تصنيع سلاح كيميائي لاستخدامه ضد السفارة الأميركية، ألخ .. ألخ ..
وقد استخدمت عشرات من المساجد الفرنسية [ في 2002 كان 32 مسجدا أصوليا على الأقل في منطقة باريس وحدها] لنشر التطرف، وحتى لتجنيد إرهابيين. ولبعض أئمة الجوامع خطاب مزدوج: في خطاب المسجد وخارجه، وكثيرون منهم يحرضون ضد عملية الاندماج الجمهورية. وكان عمار الأصغر عميد مسجد ليل الشمالية والباحث الإسلامي محمد بن خيرة يبشران علنا بأن الاندماج على الطريقة الفرنسية الجمهورية " عملية إجرامية".
إن تهديدات القاعدة لفرنسا وخطف مواطنيها وقتلهم، وعدم اندماج فئات تتزايد من المسلمين، وما يمارسونه من تحديات كالصلاة في الشوارع بجوار جامع أو كنيسة، أو المظاهرات ضد قانون العلمانية والاحتجاجات على موضوع النقاب، وغير ذلك من أعمال تستفز الفرنسي؛ كل هذا وسواه بات يخلق شعورا متزايدا بين الفرنسيين بالقلق من الوجود الإسلامي غير المندمج، وفي استطلاع رأي أخير يتبين أن نسبة 46 بالمائة من الفرنسيين تعبر عن هواجس من المسلمين. وهكذا، تطمس ممارسات الفئة المتطرفة والخارجين على القانون واقع اندماج واعتدال بقية المسلمين. وهذا ما يصب في خدمة العناصر العنصرية وحزب لوبين الشعبوي، الذي راح يغير خطابه لكيلا يبدو عنصريا ومناوئا للوجود المسلم، ولكنه، مع ذلك، متشدد جدا في موضوع الهجرة، ويعبر علنا عن رفض بعض الممارسات كالصلاة في الشوارع، ويعتبرها بمثابة احتلال! وهناك من صاروا يعتبرون الوجود الإسلامي خطرا على الهوية الجمهورية العلمانية لفرنسا؛ غير أن القوانين تحظر كل دعاية علنية ضد دين ما أو عرق ما. ومحاربة العنصرية لا تتم بالقانون وحده، وإنما بالتوضيح والتثقيف للتمييز بين الإسلامي المؤدلج والمتطرف وبين المسلم العادي، ولكنه أيضا واجب المثقفين ورجال الدين المنفتحين من المسلمين أنفسهم، وخصوصا بإدانة الممارسات السلبية للمتطرفين وللمسيئين للقوانين. وهذه نقطة عالجناها أكثر من مرة سابقا. وكانت أحدى الصحف الفرنسية قبل سنوات قد خاطبت المتطرفين المسلمين بقولها :" لا تحرجوا معتقدات الناس.. إننا منفتحون للنقاش ولكن من أجل الحوار ، وعلى بعض المؤمنين ألا يحرجوا من لا يحمل نفس قناعاتهم كما هي، والكف عن الرد على القلم والريشة بالخناجر والأحزمة الناسفة."
أما عن سياسة الهجرة للحكومة الحالية، فيلخصها وزير الداخلية الحالي ووزير الهجرة السابقة كالتالي:
1- الحق في مراقبة الحدود؛
2 - المهاجرون السريون يعادون من حيث أتوا ، إلا لاعتبارات إنسانية وسياسية؛
3 - المندمجون - احترام القوانين والقيم الفرنسية- لهم جميع حقوق وامتيازات أهل البلد؛
وهناك مشروع نزع الجنسية عن كل من يقترف جريمة ضد أحد رموز الدولة ولكن بعد عشر سنوات من حصوله على الجنسية الفرنسية. وأما تعدد الزوجات، فلن يشمله المشروع ولكنه معرض للعقاب.
بين 2007 و2010 تمت إعادة 100 ألف مهاجر سري وهذا الرقم يعادل 25 بالمائة منهم، وفي ألمانيا وأسبانيا تبلغ النسبة 80 بالمائة. والأرقام تتحدث عن عبور أكثر من مائة ألف لاجئ سري لفرنسا كل سنة. ومن بين 200000 لاجي سري أصبح 108000 منهم فرنسيين عام 2009 رغم مطالبة الوزير بتقوية شروط التجنس.
اليسار الفرنسي لا يجرؤ على مناقشة الموضوع بوضوح برغم أن تنظيمات أقصى اليسار والمنظمات الإنسانية تدعو إلى منح أوراق الإقامة للجميع؛ وأحيانا يقودونهم، وأكثرهم أفارقة، إلى احتلال الملاعب الرياضية أو البيوت الفارغة لسبب من الأسباب. وكان الزعيم الأسبق للحزب الشيوعي الفرنسي، الراحل، جورج مارشيه، قد دعا عام 1981 إلى وقف تام للهجرة معللا دعوته بمكافحة بطالة العمال الفرنسيين الجدد، ولكن الاشتراكيين اليوم يعارضون إبعاد غير الشرعيين.
إن أطرافا يسارية وكثيرين من العرب والمسلمين يتهمون بالعنصرية كل دعوة لضبط الهجرة والحد منها في وقت تنتشر فيه البطالة، والدولة مثخنة بالديون والعجز المالي، وفي وقت تزداد فيه وتستفحل مشاكل عدم الاندماج، وخصوصا في مجال التعليم. وسبقت لنا الإشارة للتقارير الرسمية عن بعض ما يجري في المدارس من جانب فئات من الطالبات والطلبة المسلمين وعائلاتهم: كالمطالبة بعدم تدريس مواد بعينها، أو بعدم حضور دروس معينة، أو بتخصيص وقت من الصف للصلاة، ألخ. وسبق أن أوردنا في مقالاتنا عن كتاب " حرب الشوارع في فرنسا" أرقاما ووقائع مذهلة عن الجنح وأعمال العنف المتزايدة بين فئات من القاصرين والشبان من أصول الهجرة، ورأينا أمثلة كثيرة عن عدم اكتراث لفيف من الآباء بتعلم أولادهم، خصوصا من لهم عدة زوجات وأبناء قد يبلغ عددهم [ غالبا عند أفارقة مسلمين] ما بين 16 و20. في هذه الحالات الأب لا يراقب الولد، وقد يغيب شهرين. ومنهم من كانوا يذهبون لمدير المدرسة قائلين" أبنائي بعهدتك، إذا حدث مشكلة فهذه أرقام تلفونات أبناء عمي." هذا النمط من الآباء ليس الغالب، ومع ذلك فإن وجود أقلية من المشاغبين في الصف أو المتغيبين باستمرار يؤثر على مستوى التدريس والمدرة وقد تنتقل العدوى لآخرين.
لقد انفجرت مشكلة الاندماج مع قانون الالتحاق العائلي لعام 1975. فالجيل الأول من المهاجرين، بعيد الحرب العالمية الثانية، كانوا يأتون للقيام بعمل ما بدعوة من الحكومة ورجال العمال وباتفاق مؤداه: " تعالوا واشتغلوا وخذوا أجوركم ثم عودوا بعد انتهاء العقد". ومنهم من بقوا، ولكنهم اندمجوا من حيث معرفة لا بأس بها باللغة والتماس بالفرنسيين. هؤلاء قدموا خدمات كبرى لفرنسا في إعادة التعمير بعد خراب الحرب العالمية الثانية. أما المشاكل الحقيقية، فاندلعت مع التحاق العائلات بالأزواج والآباء. فكثرة من الأمهات المسلمات والأفريقيات كن قد تزوجن في سن 14 أو 15 ، وجئن فجأة من مناطق ريفية متخلفة إلى محيط حضري مجهول لهن. وحوالي 90 بالمائة منهن لا يمتلكن خلفية تعليمية، وهن لا يصلحن أساسا للعيش في بيئة حضرية أوروبية غريبة عليهم وغير مؤهلات للعيش فيها، فكيف يستطعن تربية أطفالهن تربية صحية في مثل هذه البيئة الجديدة تماما عليهن؟ ومع أن تعدد الزوجات صار اليوم محظورا قانونا، فلا تزال هناك حالات كثيرة من تعدد الزوجات يغض النظر عنها بعض مسئولي عمارات البلديات. وأحيانا يتحايل الزوج، كما فعل ذلك الجزائري المتزوج من أربع، وعندما اعتقلت زوجة منهن لقيادتها سيارة وهي منقبة وجرى تغريمها [ المحكمة ألغت الغرامة مع أن القانون يحظر النقاب!!]، فقد ادعى أن له زوجة واحدة والأخريات مجرد "عشيقات"! - علما بأن كلا من زوجاته الأربع تسكن في شقة مستقلة مع أطفالها، والرجل يأخذ منهن معظم الإعانات التي تدفعها الدولية الفرنسية- [ أي دافع الضريبة الفرنسي] - لكل طفل. وهذه الحالة ليست وحيدة. وقيل لي إن حالات مماثلة موجودة في دول غربية أخرى، مثل ادعاء الطلاق لكي يحتل كل من الزوج والزوجة شقة منفردة مع تلقي كل منهما راتبا شهريا. وتقول تقارير ضباط بوليس إن أطفالا من عائلات الهجرة يضيعون أحيانا لأن عائلاتهم لا تراقبهم بل يتركون للشارع. وقد تم العثور على بعضهم في مدينة ديزني لاند الفرنسية. وهناك مثال مدرسة متوسطة في منطقة إيفلين، حيث معمل رينو للسيارات. فعندما صدر قانون تجميع العائلات، امتلأت المدرسة بأولاد المهاجرين عام 1980. وكانت نتائج دراسة كثيرين منهم مخيبة، مما عكس عدم اهتمام العائلات بالمدرسة. وهكذا صارت تلك المدرسة، التي كانت نموذجية، تعاني من مشاكل كبرى في عدم الانضباط وحالات العنف والشتائم ضد المدرسين. وازدادت المشاكل بين 1988و1989 مع ازدياد نشاط منظمة " مكافحة العنصرية" التي كانت تدافع عن كل طالب يتعرض لعقوبة بسبب فشله أو مشاكساته، فتقوم المنظمة بالتحقيق، ليس عن الحقيقة، بل عن المدرس، وما إذا كان عنصريا. وذات مرة وقعت المنظمة في مدرسة ثانوية على حالة طرد طالب من الصف، فأقامت الضجة عن عنصرية المدرسة. وقد تبين أنها شيوعية، وردت على مسئول المنظمة بقولها: "لو كنت أنت تدرّس في هذا الصف، لالتحقت حالا بحزب لوبين"! وتقول الإحصاءات إن من بين من اتخذت بحقهم إجراءات انضباطية في المدارس يشكل التلاميذ من أبناء الهجرة نسبة 8 من كل 10 . ويكفي عنصر أو عنصران مشاغبان وعنيفان لكي يتلوث الصف كله. والمدرسات خاصة يتعرضن للمشاكسة وللشتائم القذرة والعدوان من طلبة أفارقة ومسلمين.
كثيرة جدا هي حالات العنف والجنح والجريمة بين أبناء اللاجئين، وخصوصا من الأفارقة والمغاربيين- كحرق السيارات والاعتداء على المسنين والشجار بالسكاكين والاعتداء العنيف على مدرسين ومدرسات. وفي مقالات سابقة أوردنا جملة منها.
هذه الحالات من الإصرار على عدم الاندماج تطغي على الصورة العامة للوجود العربي والمسلم- بمعنى أنها تسئ لسمعة أكثرية العرب والمسلمين، فمنهم الكثرة من المندمجين والمبرزين في مجالات شتى، وهم موضع احترام وتقدير..
لقد هوجمت فرنسا في وسائل الإعلام العربية والإسلامية بسبب تطبيق حظر الحجاب وكل الشارات التي ترمز للأديان المختلفة في مدارس الدولة. ولكن شيخ الأزهر الراحل أعلن عن تفهمه للقرار في حينه، وكذلك عميد مسجد باريس الكبير عهد ذاك. ثم جاء قانون حظر النقاب في الأماكن العامة، وهذا القانون وجد دعما من علماء في الأزهر أكدوا أن النقاب لا يمت للدين بصلة وأنه ليس هو الحجاب الإسلامي المعترف به بين الفقهاء. [ الشرق الأوسط عدد 16 سبتمبر 2010 ]
خلال سنوات الحكم الاشتراكي الطويل، [ ميتران] اتُبعت سياسة التساهل المفرط في معالجة الجنح بين أبناء الهجرة، من منطلق أن السبب هو الفقر والتهميش- كما كان يتردد. وقد صرفت مليارات الفرنكات في المناطق الحضرية الحساسة أمنيا، ولكن بلا جدوى. وبدلا من استخلاص الاستنتاجات المنطقية، استمر الانكباب على معالجة الداء دون تبديل الدواء. في بداية 1998 زيد عدد اللجان والمؤسسات الخاصة بتنشيط النهضة الاجتماعية في الضواحي، وقد ازداد عدد مكاتب البريد وخطوط الباص ومراكز الضمان الاجتماعي وعمارات الشقق الخاصة بالبلديات. ولكن العنف في بعض تلك الضواحي استمر بنفس الوتيرة، لأن أسبابه لم تكن في نقص في الخدمات المذكورة. مثلا في منطقة [ روبيه]، وباعتراف صحيفة لوموند اليسارية، لم تتحقق نتائج إيجابية من زيادة أمسيات المحاضرات والمساعدات المدرسية والدروس عن المواطنة والمسئولية الفردية، وتزويد 90 بالمائة من الأحياء الصعبة [ أمنيا] برياض الأطفال و84 منها بالمدارس الابتدائية. وبعد سنوات راح 55 بالمائة من المدرسات والمدرسين في تلك المنطقة يطلبون تركها. فقد تعبوا من كثرة الاعتداءات عليهم. ومن يزر ضاحية " سان سان ديني" الباريسية، ذات الأغلبية الساحقة من اللون الأسود، فسيرى عمارات وشوارع حديثة ومستشفى من أرقى طراز ومختلف الخدمات. ولكن هذه الضاحية بالذات هي المركز الرئيس للعنف في منطقة باريس، وتشكل نسبة الجنح والجرائم المختلفة فيها حوالي 19 بالمائة تقريبا من مجموع الجنح والجرائم على نطاق فرنسا كلها [ الفيجارو في 17 أبريل 2009 ].
وهناك أيضا دور القضاء الذي لا يقوم أحيانا بواجبه، وخصوصا القضاة من اليسار. وكما ورد في مقالي الرابع، فإن القضاء أغلق عام 2009 ثلاثة ملايين ونصف قضية جريمة أحيل عليه من مجموع خمسة ملايين. وهناك أيضا مشكلة عدم ملاحقة القاصرين [ دون 18 سنة] لو اقترف جريمة مع أن الجرائم بين فئات العمر هذه صارت في ازدياد وخصوصا النشل والاعتداء على المسنات والمسنين. ويدور حاليا نقاش حقوقي وسياسي حول تخفيض سن الملاحقة. وسبق أن ذكرنا حالات صبية في العاشرة أو الثانية عشرة يعطبون علنا إطارات السيارات و واحدهم يصرح بتحد: " لا احد يعاقبني فأنا قاصر".
كما قلت، إن المشاكل الحقيقية لا تأتي من الجيل الأول من المهاجرين، وإنما من جيل الالتحاق العائلي والجيل المولود في فرنسا. ومعظم هؤلاء من أبناء الهجرة المغاربية والأفريقية. وقد اتسع نطاق الهجرة غير الشرعية من هذه الدول في العقدين الأخيرين. وفي عام 2005 اتفقت فرنسا وأسبانيا مع حكومتي موريتانيا وتونس على اتخاذ الإجراءات لمراقبة ومنع الهجرة غير الشرعية لأوربا. أما الجزائر، فرضت التعاون، ولكنها- فيما بعد -راحت تتخذ إجراءات مشددة لنفس الغرض. ونقول بالمناسبة، عن الهجرات الواسعة من تلك البلدان، لاسيما بين الشباب، إنها تعود لأسباب سياسية داخل تلك الدول أو لأسباب البطالة والفقر. وها إن انتفاضة تونس قد فجرت على أوسع نطاق مشكلة البطالة بين الشباب المغاربي. وتسعى فرنسا اليوم لدى دول الاتحاد الأوروبي لاتخاذ قاعدة " الهجرة الانتقائية"، وبعض هذه الدول متردد اليوم. كما عملت مع كل من أسبانيا وألمانيا وإيطاليا وبولونيا وبريطانيا وأميركا على إنشاء قوة أورو- أطلسية لتفكيك شبكات الهجرة غير الشرعية.من دول الشمال الأفريقي.
لقد حاولت فرنسا في السبعينات تشجيع الاندماج بتعليم لغات الأصل، ومنها العربية، في المدرس المتوسطة والثانوية- بجنب اللغة الفرنسية. والنتيجة هي الفشل. وإذ نتكلم عن الحالات الغالبة، فإن التلميذ الفرنسي الجزائري أو المغربي مثلا ينتهي وهو لا يعرف عربية سليمة، وبلا اطلاع على عدد من أهم الأدبيات العربية الكلاسيكية، وبفرنسية ضعيفة. ففي البيت والحارة يتكلم بلهجته الجزائرية أو المغربية، وتكون لغته الفرنسية دون المتوسط. وهذا يؤثر سلبا على فرص العمل أو الالتحاق بالجامعة. وكنا ذات مرة قد تحدثنا عن تجربة مماثلة في بعض الولايات الأميركية، عندما طالب فريق من الديمقراطيين اليساريين بتدريس لغات الأصل في الابتدائية والثانوية. وبعد سنوات، تبين للعائلات اللاتينية أن أولادها يتخرجون من دون المستوى المطلوب من إتقان الإنجليزية، مما كان يؤثر سلبا على مستقبل الأبناء. وقد وضعت تلك الولايات الموضوع على استفتاء عام بين أبناء الهجرة، فأدلى 90 بالمائة منهم برفض مواصلة التجربة [كما جرى مثلا في كاليفورنيا.]
لقد أجريت مؤخرا عملية تصنيف للمستوى التعليمي دوليا. وكانت النتيجة أن تأتي أوروبا على مسافة بعيدة من دول آسيوية مثل سنغافورة وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية. أما فرنسا، فتنزل للمستوى المتوسط. [ فيجارو في 8 ديسمبر 2010 ]، بل وفيها مئات الآلاف بل وربما أكثر من مليونين من الأميين، حتى وإن كانوا في المدارس [ بمعنى العجز عن كتابة جملة صحيحة أو قراءة صحيحة أو الإجابة على عمليات حسابية بسيطة]. ومن الأسباب المهمة التي يعزى إليها هذا المستوى الأوروبي مشاكل التلاميذ من أبناء الهجرة. وتكتب في الصحف الفرنسية باستمرار مقالات عن السلبية تجاه التعلم بين فئات من أبناء الهجرة. وتفكر الحكومة اليوم في اتخاذ عقوبة تجميد [ لا إلغاء] المساعدة المالية للعائلة التي يتغيب ابنها عن المدرسة باستمرار وذلك لكي تشعر كل عائلة بمسئوليتها في حث التلميذ على التعليم ومراقبته باستمرار. وكانت الفكرة بالأصل للوزير الاشتراكي السابق شوفنمان، ولكن اليسار كله هاجمه بقوة في وقته وصحف يسارية وصفت شروعه بالانحراف نحو الفاشية!
إن للمدرسة مهمة كبرى وحاسمة في الاندماج، والمدرسة الفرنسية ليست هي التي تنعزل عن أبناء الهجرة، بل إن أعدادا متزايدة من هؤلاء هم الذين يهربون منها. وقد نشر كاتب فرنسي مقالا بعنوان " مستقبل الجمهورية يتقرر في المدرسة"، يرد فيه أن 60 بالمائة من شباب مدن منطقة باريس هم من أبناء الهجرة، وتنتشر بينهم الصعوبات الدراسية وضعف الالتزام بقيم الجمهورية. طبعا المستوى الاجتماعي المتدني لعائلات الكثيرين منهم هو من الأسباب، ولكنه ليس كل شيء في هذا الوضع. ويقول الكاتب إن الطفل المولود على أرض فرنسا من عائلة مهاجرة له حق الجنسية عند بلوغ الثامنة عشرة، وهذا الحق يلزمه، إن أراد الاستفادة منه، أن يعرف تاريخ فرنسا وجغرافيتها ومبادئ الجمهورية وحقوق المواطنة وواجباتها، أي [ العقد الجمهوري].
كما في بقية الدول الأوروبية الغربية، فإن الأحزاب الفرنسية تسعى لكسب أصوات أبناء الهجرة، وحتى حزب لوبين [ تقوده اليوم ابنته مارتين] الذي ضخوا له عام 2002 عددا هائلا من الأصوات نكاية بالأحزاب الأخرى!! وقد برز من أبناء الهجرة المئات من المشاهير من فنانين ومغنين وممثلين وكتاب وأطباء ورياضيين [منهم زيدان] وغيرهم، من الجنسين. وحكومة سركوزي الأولى ضمت ثلاث وزيرات ووكيلات وزراء من بنات الهجرة، هن رشيدة داتي، المغربية الأصل، وكانت تشغل وزارة العدل الهامة، وراماياد الأفريقية الأصل للرياضة، [ حاليا سفيرة]، وفاضلة عمارة، العربية الأصل، لشؤون سياسة المدن. والأخيرة نالت مؤخرا أحد أرقى الألقاب الشرفية الرسمية الفرنسية، كما عينت بمركز المفتشة العامة للشؤون الاجتماعية للإشراف على شؤون التماسك الاجتماعي وكيفية ممارسة الحقوق الدستورية. وفي الحكومة الحالية هناك الوزيرة المناوبة للشباب جانيت بو غراب الجزائرية الأصل. ومعروف أن لاعب الكرة زيدان كان، ولا يزال، يتمتع بشعبية واسعة في فرنسا، ومنهم من أرادوا ترشيحه لرئاسة الجمهورية. والمغني الأسود نوحه هو الشخصية الأكثرية شعبية اليوم. وهناك مئات من الأطباء العرب والأفارقة في المستشفيات أو من أصحاب العيادات الخاصة، بل ومن أطباء بعض البلدان المهاجرين ما يزيد عددهم على أطباء بلد الأصل، ودولة بينين الأفريقية أحد الأمثلة..ألخ.
التعليقات
اجنده غیر معلنه
محمد -لماذا تطلب الدول الاوروبیه من المسلمین الاندماج حیث یتهموننا دائما بکونناارهابیین و مجرمین و مجانین الخ؟ ام ان للدول الغربیه اجندات خاصه و سریه علماان لدیهم ازمهالنسل والتکاثر وان الحل یکمن فقط عند المسلمین لتمیزهم بصفات اخلاقیه عالیه و قدره جباره فی النسل والتکاثر لا مثیل لها.والا لماذا لا یعطون اللجوء لاشخاص مستحقه من ادیان مختلفه فی العالم الثالث الا نادرا؟
اجنده غیر معلنه
محمد -لماذا تطلب الدول الاوروبیه من المسلمین الاندماج حیث یتهموننا دائما بکونناارهابیین و مجرمین و مجانین الخ؟ ام ان للدول الغربیه اجندات خاصه و سریه علماان لدیهم ازمهالنسل والتکاثر وان الحل یکمن فقط عند المسلمین لتمیزهم بصفات اخلاقیه عالیه و قدره جباره فی النسل والتکاثر لا مثیل لها.والا لماذا لا یعطون اللجوء لاشخاص مستحقه من ادیان مختلفه فی العالم الثالث الا نادرا؟
قراءه سطحیه ساذجه
محمد -علینا ان لا نقراوندرس فقط ماتعلن و تدعی و علینا ایضاان لا نصدق بالراسمالیین بسهوله.فلهم من اسرار ربما لن تعلن ابدا.اتعجب من شخص له خلفیه سیاسیه وثقافیهعریقه لکنه ینظر و یقرا الامور والمواضیع بسطحیه و سذاجه.