العرب ومخاض الحداثة السياسية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
(إبليس ولا إدريس) من هتاف الشعب الليبي ضد الملك إدريس السنوسي
هكذا يمكن تركيب الأسماء على المعاني والألفاظ على الدلالات. فمفهوم السيادة الذي يلهج به دكتاتوريو هذه المنطقة ليل نهار لا يمكن أن يأخذ معناه الحقيقي إلا حين نتأمل دلالته الدقيقة. فإذا كان مفهوم السيادة يعني تحديدا (القدرة على اتخاذ القرار في اللحظات الحرجة) فهذا تماما ما يقوم به الشعب الليبي الآن في وجه ذلك العقيد المحتقن بأبشع الغرائز البدائية. ومفهوم السيادة هو كذلك ماحققه الشعب التونسي من قبل والشعب المصري من بعده. أما بقية الشعوب العربية فهي لا تزال تعيش في خانة الرعايا ؛ وهي خانة لا تخولها استحقاق المعنى السياسي الحقيقي لكلمة (شعب) كما هي في قاموس العلوم السياسية. إن الشعب حين يقرر مصيره بنفسه لا يجترح معنى السيادة على مستوى أفراده فحسب، بل وكذلك على مستوى قياداته الحرة والقادرة على اتخاذ القرار ؛ كما فعلت تركيا عندما رفضت السماح للطائرات الأمريكية المرور عبر أجواءها في العام 2003 لاحتلال العراق وهاهي الحكومة المصرية تسمح بمرور باخرتين حربيتين إيرانيتين عبر قناة السويس إلى سوريا، لقدرتها على تحقيق مفهوم السيادة الحقيقي. أما سيادة الصنم الليبي المدعاة أمام شعبه فهي سيادة العار والجبن والانحطاط ؛ سيادة الفراغ والجنون المدمر في كينونة خربة وتعيسة إلى حد القرف. إن مواجهة الطاغية معمر القذافي وتدمير هيكل الخوف على رأسه، والخروج إليه رغم الموت سيفاجئ ـ أول من يفاجئ ـ الشعب نفسه بمفارقة عجيبة وهي: كيف صبر أصلا على خليقة العار هذه أكثر من 40 عاما؟ ثمة نسبة وتناسب بين الاحتقان الذي يتراكم في عشرات السنين لينفجر، في لحظات، بقوة هائلة. فما يجري في ليبيا اليوم هو انفجار الفطرة الانسانية بكاملها في وجه صنم العار. إن تسييل الدم على وقع النباح المسعور للقذافي هو أسرع الطرق إلى تدمير ذلك الصنم مرة وإلى الأبد فتلك الأنا المقرفة لم يعرفها الشعب الليبي على حقيقتها كما عرفها في الخطاب الأخير للقذافي. والغريب أن مسار تأثير ذلك الخطاب للقذافي ظل يطرد بعكس ما ظن في خياله المريض. هكذا بعيد ساعات من مديح القذافي للواء الركن عبد الفتاح يونس ؛ كان هذا الأخير ينضم إلى الثورة. وكلما ازداد صراخه القبيح انهالت الأحذية على صورته في الشاشات وبكميات كبيرة. كان في ذلك الخطاب وداع دموي للعقيد، مصحوب بقدر هائل من الفرجة والفضيحة أمام شعبه والعالم. كان العقيد يخاطب شبح الموت الذي حلق فوق الخرائب من حوله. إن الشعب في ليبيا يغسل بالدم عارا مزمنا لذلك الصنم المنحط، وبالرغم من أن كلفة رفع العار باهظة الثمن إلا أنها في المقلب الأخر ستكشف معنى ثمن الحرية الحقيقي غير القابل للتفريط فيه. ترى كم كان الشعب الليبي متفائلا حين هتف في وجه الملك إدريس السنوسي، قبيل انقلاب القذافي عام 1969 (إبليس ولا إدريس). فهاهو إبليس يرى صورته الحقيقية في مرآة شعبه. jameil67@live.com