العنفوان المستفز في شوارع ليبيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
محدودبا، تحت وطأة سنين الموت العجفاء... تخطى خارج القبر.. لحيته المغبرة تأويل لبياضٍ غابر، و عيناه أفق تغضّن.
تحامل على لؤمِ المشقة بخطوات من غبار، حتى وصل... كانت الجموع تهتف، فتهتزّ عظامه... يتخلّل الصوت الدفاق نخاعها المنخور، كالنسْغ يصعد، اعلى، فيغمر تلافيف جسده المنكمش كالحشف.
يتشظّى الهتاف في داخله كالدفق، يغسل التُراب و يلوي بسَورةِ الغياب الذي كان.
يصل الدفق-" الهتاف"- الى عينيه فيبدأ بالبكاء!.. ينهمر المطر على اطْرافهِ الذابلة، فتنبت من جديد...يتعالى الهتاف من حوله فيزداد المطر، و يزداد حياةً.. يغادر العدم و تتبرعم اطرافه مثل عشبٍ بضٍّ..
تهرع الجموع، فيركض معها، مخضلاًّ بالهتاف-"المطرْ"-..يبتل قلبه الصدئ..فيبدأ بالنبض، وهتافُ الجموع يسربلُهُ بسيلٍ من ماء ينداح كشريطٍ على جسدهِ المتشكّل كالهلام...
...تورق فيه الحياة.
وَ....
يُبعثُ من جديدْ !...
...
ركض معهم.. لم يعرفوهُ..كان الرصاصُ ظالماً، سقطوا حوله ينزفون دماً، و كان ينزفُ معهم دمعاً و مطرْ...
حملهم جميعاً على ظهرهِ، و هم يشخبُونَ.. و ما حمَلَ أحداً..!
خبّأهم جميعاً تحت عباءتِهِ، و ما خبّأ أحداً!
و توالوا يتساقطون.. واحداً واحداً..
اصبح الرصاصُ الراكضُ خلف اجسادهم اكثرَ ظلماً و ازدادَ هو، الرجل الذي لا يعرفون، إمعاناً في الحياةْ.. كانت ارواحُهُمْ، قبل ان يسقطوا، تغادِرُ فيه، و كان هتافهم يغادر فيه؛ حتى حماستهم و آئتلاقِ الحب في اعينهم يغادر فيه، حتى كثُرَ و تكاثر، و تعدّدَ، و ظلَّ واحداً..رجلا لا يعرفون.
و كلّما تلاشوا من حوله في الغياب، أمعن هو اكثر في الحضورْ.. اكثر فاكثر، حتى أصبحتْ لملامحهِ سطوةَُُُ لا تنكرها العيون..ونبتتْ اسماء من غادروا على جبهتِهِ ضياءً وحنين، إسماً إثر إسمٍ، حتى اتسعت جبهته فصارت وطناً.. مدنه طرابلس و بنغازي و الجفرة و الزاوية و مصراتة..
تجّمع حوله من تبقى من الجموع، و ما تجمّع أحد..
دخلوا يحتمون فيه، و ما دخل أحد..
و ظنّوا أنّهم تدثّروا بجبهته -"الوطن"-، و ما تدثّر أحد !..
حتى تلاشى كل من تبقّى فيه.. و ما تلاشى أحد..
...
لم يبق سواه-"سواهم"- ! و هو يتحامل، محدودباً، تحت وطأة سنين " العقيد" العجفاء !..
كان زخم الوجع في داخله جبّاراً، لكنه تحامل، حتى تخطى خارج دائرة الزمن، و المكان، و استحال أثيراً..
مرَّ بالمدن كلّها، هدّ اسوارها، سورا فسورا حتى وصل لآخر الاسوارْ، عندها كانت ملامحهُ كاملةً، اكثر سطوة من تصديق الاسطورة، كانت سحنة الشيخِ المتشكّلة فوق معالم وجههِ تحيل الافق البعيد الى شفتين تنطقان بحروفِ إسمهِ الموتورةِ بالبهاء وجلال الغياب الطويل...
" صدقاً..حياتُكَ اطول من حياةِ شانقيكَ يا عمر المختار..."!!
...
...
يحطم آخر الاسوار.. يفتح كوّة للنور في المدى المغلق و يصرخ بلسانٍ من نارٍ و شفةٍ من غبار:
بل انتم يا ابطال هذا الزمن من نفختم في الصور و بعثتم من جديد آلافاً مثل عمر المختار....
د. افضل فاضل
التعليقات
beautiful words
ahmed -nice and beautiful article , I dont think Ageed gadafi will read it anyway !!!