وأخيرا انتفاضة العولمة (1)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
من مفكرة سفير عربي في اليابان
تراقب الدبلوماسية اليابانية تطورات الشرق الأوسط بإعجاب وقلق. ويرجع هذا الإعجاب للحكمة التي تعامل بها الشعب المصري، وقياداته السياسية والعسكرية، مع هذه التطورات، بينما يرجع القلق لإرهاصاتها على أمن المنطقة، التي قد تؤدي لنقص حاد ومزمن لإمدادات النفط والغاز الطبيعي في السوق العالمية، لترتفع الأسعار بمضاربات السوق "الحرة المنفلتة"، بشكل غير مسبوق، فتعطل تعافي الاقتصاد العالمي من أزمة عام 2008. ويبقى السؤال: هل هذه التطورات حدث إقليمي شرق أوسطي، أم بدء "سونامي" لانتفاضات عولمة الألفية الثالثة؟ وهل هي مرتبطة بتناقض التعامل مع تحديات عولمة القرن الحادي والعشرين، بعقلية محلية، وبالفرضيات البالية للحرب الباردة؟ وهل تنحصر الحلول في ديمقراطية "رأسمالية غربية فائقة"، أم انتهى العمر الافتراضي لهذه الديمقراطية، وعلى شعوب المنطقة البدء من حيث انتهى الغرب، لا من حيث بدأ ثوراته الديمقراطية؟ وهل سيتنازل الغرب عن كبريائه في الألفية الثالثة، بعد أن ينكمش اقتصاده، وتزدهر اقتصاديات دول الشرق الصاعدة، ليبدأ العمل بشراكة عولمة مخلصة للتعامل مع هذه التحديات؟ وهل سيطور "سونامي" الديمقراطية العقلية العربية، لتزيد الثقة بين شعوب منطقة الشرق الأوسط، فتخلق بيئة سلام وتعاون، تطور سوق اقتصادية مشتركة، تغذي بضاعتها قاعدة صناعية متقدمة، لتحل تحديات البطالة والبطالة المقنعة، وتزيد الإنتاجية المبدعة، فتحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المرجوة؟ وهل ممكن الاستفادة من التجربة اليابانية لتحقيق تنمية، توازن بين الحداثة والثقافة، ليبدأ شباب المنطقة العمل بإنتاجية مبدعة، وبفخر لأرثهم الحضاري التاريخي، ليحافظوا على قيمها وأخلاقياتها؟
لفتت نظري عدة تصريحات في الإعلام العالمي، بعد بدء شرارة الانتفاضة الشرق الأوسطية، فقد طالب رئيس الوزراء البريطاني "المحافظ"، على شبكة السي إن إن التلفزيونية، المصرفيين في العالم الإحساس "بالمسئولية المجتمعية" !!!، وأصرت النقابات العمالية في إسرائيل على ضرورة خفض حكومتهم لأسعار الطاقة والأغذية ومياه الشرب، بعد أن زادت نسب الفقر، وانكمشت الطبقة المتوسطة، وخاصة بعد تحرير السوق الحرة من الأنظمة المقيدة، حينما كان بنجامين نتينياهو، وزيرا للمالية. كما علقت مجلة الإيكونومست في افتتاحيتها في الخامس من شهر فبراير، قبل الانتفاضة في ليبيا، تقول فيها: "يجب أن نرحب بالتطورات في مصر. فالمنطقة المداسة بالأقدام، بدأت تحس بطعم الحرية، فخلال أسابيع قليلة، سقط حكم فردي، وحكم آخر، أبقى أعظم دولة عربية تحت إبهامه، لثلاثة عقود تترنح. وهذه الحوادث الملهمة تؤكد حقيقة كونية بأنه لا يمكن أن تبقى الشعوب في العبودية للأبد. ولبعض الغربيين، الذين يفضلون الاستقرار على الديمقراطية في تعاملهم مع الشرق الأوسط، تعتبر هذه التطورات مزعجة، وطبعا هم مخطئون. فهذه الانتفاضة فرصة للإصلاح في المنطقة، بعد عقود طويلة من الجمود."
وانتقدت المجلة الموقف الغربي فقالت: "وإن لم يدعم الغرب شعوب المنطقة لتقرير مصيرهم، فلن يكون حوار الديمقراطية، وحقوق الإنسان، ذو معنى في باقي العالم. فقد يترافق التغير بالخطر، ولكنه سيكون أقل خطرا من الجمود، الذي تعيشه المنطقة لعقود طويلة. ولا تحتاج أن تكون ثورات القرن الحادي العشرين، كالثورة الفرنسية في عام 1789، أو الثورة الروسية في عام 1917، أو الثورة الإيرانية في عام 1979. فالمظاهرات التي انتشرت في الشرق الأوسط لها طابع الثورات الملونة، التي غيرت خارطة العالم في نهاية القرن العشرين، فهي مسالمة، شعبية، وعلمانية. كما أن الانتفاضة المصرية مدفوعة بقوة مواطنيها، وقد تؤدي لتغيرات حميدة، كالتي واجهتها دول أوروبا الشرقية. وقد صرخ المتشائمون في الغرب بأن مصر لا تملك المؤسسات، ولا القيادات السياسية، لتغيرات هادئة، ولو كانوا كذلك لما خرج الشعب المصري للشارع. ومع أن مصر فقيرة، ولكن بها نخبة متمكنة، وطبقة وسطى متعلمة بجدارة، ويملك شعبها إحساس قوي بالفخر الوطني. فهناك أسباب جيدة تؤدي للاعتقاد بأن مصر ستتجاوز هذه المحنة بجدارة، وستكون مصر الديمقراطية منارا للمنطقة، كما قد تجاوب بتجربتها الجديدة على سؤال، كيفية جمع الديمقراطية مع الإسلام، وقد تساعد على خلق سلام عادل وشامل في المنطقة. وقد لا تستطيع الولايات المتحدة خلق ديمقراطية مستقرة، لتقوي مواقعها في المنطقة، ومع أن هناك ضمان بأن تنتهي هذه الانتفاضة للأفضل، فالضمانة الأكيدة هي أن الحكم الفردي يؤدي للثورة، وخير ضمان للاستقرار هي الديمقراطية."
وقارنت مجلة الايكنوميست بين أوضاع العالم العربي والأوضاع في دول الغرب فكتبت تقول: يتجاوز سكان العالم العربي ال 350 مليون، ويتراوح نسب المواطنين، الذين لا تتجاوز أعمارهم عن الخمسة والعشرين سنة، بين 42% و 66%، كما أن ثلثي السكان تحت الثلاثين، بينما 3% منهم فوق الستين. ويعيش 40% من المصريين على أقل من 2 دولار في اليوم. ويتراوح الترتيب العالمي للدول العربية في الديمقراطية بين 86 و 160، وفي نسب الفساد بين 19 إلى 175، وفي حرية الصحافة بين 20 و 193. بينما تدهورت الأوضاع الاقتصادية في دول الغرب، لتتجاوز الديون الأوربية الخطوط الحمراء التي وضعها الاتحاد الأوربي، لترتفع ديون اليونان إلى 159% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي، وإيطاليا 120%، وايرلندا 108%، والبرتغال 82%، ولتضطر معظم الدول الأوربية للتقشف في الميزانية العامة، فترفع سن التقاعد، وتلغي بعض الدعم الاجتماعي للمواطنين، وتخفض الصرف على التعليم والدفاع، لتنتشر المظاهرات العارمة. وقد ذكرني ذلك بعام 1978، حينما خرجت رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تشر تنادي بالخصخصة وتقليص دور القطاع العام، وخفض الصرف على الرعاية الصحية والتعليم والمسئوليات المجتمعية. وقد برز صدى تصريحاتها على الشواطئ الغربية من المحيط الأطلنطي، حيث نادى الرئيس رونالد ريجن بتحرير السوق من جميع قيود أنظمتها المكبلة، وتقليص المسؤوليات الحكومية، وعبر عن ذلك بعباراته المشهورة: "ألحكومة هي سبب المشاكل وليست وسيلة لحلها." ويبقى السؤال: من أين أتت عبقرية الرئيس رونالد ريجن، الممثل السابق، فجأة؟ وما علاقة ذلك بما يجري اليوم في دول الشرق الأوسط؟ ولنا لقاء.
سفير مملكة البحرين في اليابان