فضاء الرأي

درس الثوار لأمريكا: الديمقراطية لا تنمو مع القمامة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الروس مشغولون جدا بالكشف عن الدور (الخفي والمعلن) الذي لعبته الولايات المتحدة في ثورات تونس ومصر وليبيا، وما يستجد. ولا يخلو مركز للأبحات أوالصحف والمجلات والفضائيات، من دراسة هنا أو مقال هناك أو حلقة نقاشية جادة إلا وتذكرعبارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، التي أصبحت من المأثورات الآن: " ما حدث في مصر أشبه بسقوط جدار برلين ".
الغمز واللمز والتحذير من مخاطر الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، أحتل أيضا مساحة كبيرة ومؤثرة، فقد كتب المحلل السياسي سيرغي كورغينيان في صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" الروسية: " إن ما حدث في تونس ومصر، ويحدث في ليبيا وغيرها من الدول الأخرى ما هو إلا جزء من مخطط كبيرٍ يهدف إلى تقسيم العالم. من المؤكد أن الولايات المتحدة هي التي وضعت ذلك المخطط، وتعمل على تطبيقه بمهارة. "
كورغينيان يري أن "البيريسترويكا" التي قادها الزعيم السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف، وأسفرت عن سقوط جدار برلين، وإعادةِ رسمِ خريطة أوروبا مثلتِ الفصلَ الأول من ذلك المخطط الكوني. وللدلالة على صحة فرضيته يستعين كورغينيان بتصريح الرئيس باراك أوباما، يُـشَـبّـه فيه ما حدث في مصر بسقوط جِـدار برلين.
الشئ نفسه قاله المحلل السياسي ألكسندر دوغين: أن أحداث الشرقِ الأوسط تمثل تطبيقا لسيناريو مشروعِ الشرقِ الأوسط الجديد الذي أعدته الولايات المتحدة قبل عدة أعوام علما بأن هذا المشروع يقوم أساساً على نشر الديمقراطية في الدول العربية. ويوضح دوغين أن ولاءَ الزعماء الفاسدين والمستبدين لم يَـعدْ يرضي الولاياتِ المتحدةَ لأنهم باتوا يشكلون عقبةً أمام نشرِ القيم الأمريكية.
لكن يبدو أن هذه الطائفة من الآراء لا تخص " الأعداء القدامي " فقط ولكن بعض الأصدقاء أيضا، ففي مقال لافت للنظر بعنوان "كيف ستتعامل امريكا مع انهيار امبراطوريتها في الشرق الاوسط؟" كتب بيتر أوبورن في صحيفة
"الديلي تلغراف" البريطانية: ان أمريكا ورثت بريطانيا وفرنسا في المنطقة في حرب السويس عام 1956، واختارت ان تحكم عبر ديكتاتوريين قمعيين وفاسدين تمدهم بالسلاح والتدريب والنصح من واشنطن، مؤكدا علي أن الأمريكيين لا يفهمون ما يجري الآن في العالم العربي، متصورين ان التحول نحو الديموقراطية لصالحهم.
يقول اوبورن: "كما ان عام 1989 شهد انهيار الامبراطورية الروسية في اوروبا الشرقية، فيبدو ان عام 2011 سيشهد ازاحة الانظمة التابعة لأمريكا في العالم العربي... من المبكر تحديد مسار الامور مستقبلا بشكل دقيق، لكن يبدو من غير المحتمل ان هؤلاء المحررين سينظرون الى واشنطن ونيويورك كنموذج سياسي واقتصادي".
ما قفز أمام عيني في كل هذه الاستشهادات - علي طولها - هو نجاح استراتيجية " القوة الناعمة " لإدارة أوباما بعد عامين فقط من الوصول للبيت الأبيض، وذلك في أول اختبار عملي للمفهوم في القرن الحادي والعشرين، الذي صكه المنظر الأمريكي " جوزيف ناي "، عميد معهد كيندي للعلوم السياسية في جامعة هارفارد، وقصد بهذه القوة الجديدة: " القدرة على صياغة خيارات الآخرين... وأن تكون نموذجا يحتذي، يجذب الآخرين ويدفعهم إلى أن يفعلوا ما تريد ".
ومن ثم فإن مفهوم " القوة الناعمة " يتناقض تماما في الوسائل والآليات، وليس " الأهداف " أو " الغايات "، مع المبدأ السابق الذي قامت عليه الاستراتيجية الأمريكية في عهدي الرئيس جورج بوش الإبن ( 2000 - 2008 )، ومفاده: " بالقوة العسكرية تفرض القيم الديمقراطية ".
ومثل العراق، في هذه الاستراتيجية - وليس شمال أفريقيا - رأس الجسر لإعادة تركيب الشرق الأوسط الجديد علي أساس ديمقراطي، لكن المشكلة أن التحولات الدراماتيكية في المنطقة، وبسبب (أصدقاء أمريكا) من الحكام العرب المستبدين، صبت وعلي خلاف المتوقع ــ في عكس الاتجاه الذي أرادته الولايات المتحدة في النهاية، وإلي المزيد من تشوية صورتها في المنطقة.
يوشكا فيشر وزير خارجية ألمانيا الأسبق أيد هذا الطرح في مقاله المعنون ( صحوة الشرق الأوسط ) في موقع سيندكت بروجكت، يقول: " أن " تويتر - فيس بوك " (وسائل القوة الناعمة) كانت أكثر تأثيرا من القوة العسكرية الغاشمة، وان " السيلكون " أثبت أنه أكثر فاعلية من وزارة الدفاع (البنتاجون). فالفتيل الذي أشعل شرارة الثورة في شمال أفريقيا هو تكنولوجيا المعلومات الجديدة من الانترنت إلي القنوات الفضائية، هكذا تحولت الأدوات الرقمية الأمريكية إلي أدوات تمرد استخدمها الشباب في نضالهم من أجل الحرية والديمقراطية."
أهم رسالة في تصوري حملتها ثورة الشباب في تونس ومصر وليبيا، والبقية تأتي، هي: ان " الديمقراطية " والنظام السياسي الليبرالي ليس مجرد مفهوم غربي (أو مؤامرة أجنبية خارجية) بل أنه ينطوي علي جاذبية انسانية عالمية، تدعمها الرغبة في " التقدير الذاتي " والإحساس " بالكرامة "، أضف إلي ذلك أن هؤلاء الشباب أثبتوا لأمريكا والعالم: أن الفوز بالديمقراطية أمر ممكن في مرحلة مبكرة من عملية تحديث أي بلد، وليس تتويجا لعملية تحديث طويلة المدي.

dressamabdalla@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
امريكا ام القمع
نادر اسطيف -

من قال ان امريكا مع الديمقراطية ؟! ان الاسلحة التي تقمع بها الشعوب وتكبل مصدرها امريكي وغربي عموما ! لا يحرس المصالح الغربية في منطقتنا الا الانظمة القمعية المستبدة !

لماذا يا إيلاف
عراقي متشرد -

لماذا يا إيلاف تحجبون عني تعليقات القراء؟منذ أكثر من شهر وعندما أفتح موقع إيلاف لا تظهر لي الصفحة الأولى،وتظهر لي الأخبار والمقالات وغيرها دون وجود لتعليقات القراء،وأجد بدلها كلة إطبع.هل أن تعليقاتي هي عربة البوعزيزي؟أذا لم ترق لكم تعليقاتي فكان الأجدر بكم أن تقولوا مخالف لشوط النشر أو تطلبوا مني الكف عن الكتابة،علماً أنني لم أشتم شريفاً أو نزيهاً بل كنت أفضح حرامية بغداد الذين تركوا العراق هرباً من التجنيد الإجباري وعاشوا على فتات الموائد واختاروا زوجاتهم من الحانات وعلب الليل من أجل الحصول على جنسية البلد الذي آواهم، وبعد التحرير الذي لم تكن لهم يد فيه وجدوا أنفسهم فجأة حكاماً ويملكون كل العراق وكأنه إرث لهم وأصبحوا من أصحاب المليارات ،وإلى وقت قريب كانوا يتحسرون على الدولار.هل أن تعليقاتي يا إيلاف أزعجت هؤلاء فحجبتم عني الصفحة الأولى وتعليقات القراء؟عادة الأنظمة الإستبدادية تخلق إعلاماً استبدادياً،هل يا إيلاف أنتم تسيرون وفق هذه القاعدة؟

امريكا ام القمع
نادر اسطيف -

من قال ان امريكا مع الديمقراطية ؟! ان الاسلحة التي تقمع بها الشعوب وتكبل مصدرها امريكي وغربي عموما ! لا يحرس المصالح الغربية في منطقتنا الا الانظمة القمعية المستبدة !

امريكا ام القمع
نادر اسطيف -

من قال ان امريكا مع الديمقراطية ؟! ان الاسلحة التي تقمع بها الشعوب وتكبل مصدرها امريكي وغربي عموما ! لا يحرس المصالح الغربية في منطقتنا الا الانظمة القمعية المستبدة !