إيران: ثورة تصادر و اخرى تولد من جديد 5
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
قراءة في المشهد الايراني و آفاقه المستقبلية
مسعود رجوي: الحرية..الحرية
الاختلاف و التصادم الذي جرى بين التيار الديني بزعامة الخميني من جهة، و بين منظمة مجاهدي خلق بزعامة مسعود رجوي من جهة أخرى، کان هنالك الکثير من الاسباب المهمة و الحساسة وراء ذلك، لکن قطعا تترشح منها أسباب جوهرية و التي في مقدمتها إعتراض المنظمة على إقرار نظام ولاية الفقيه، لکن کان هناك أيضا سببا جوهريا مهما آخرا ليس من الهين التغاضي عنه او التقليل من شأنه، سبب يتعلق بالحضور الاستثنائي للمنظمة بين جميع اوساط الشعب الايراني من جانب، وکذلك بالدور الجماهيري الرائد لزعيم منظمة مجاهدي خلق و الکاريزما الخاصة له ليس بين الشباب الايراني بشکل خاص، وانما بين مختلف اوساط الشعب الايراني بشکل عام، وقد کان رجال الدين الملتفين حول الخميني، يتابعون الخطب الحماسية الارتجالية لمسعود رجوي عن کثب، ولاسيما من حيث الحضور المکثف للجماهير الايرانية و شغفها المفرط بالاستماع لهذا القائد الشاب الذي أطلق سراحه من السجن عشية الثورة، خطاب رجوي الذي هو في الاساس رؤية عصرية للواقع الايراني من خلال عرض مجمل الخط العام للمشاکل و الازمات و المعضلات المختلفة على الاسلام و السعي لإستنطاقه و إستکناه الحلول المناسبة بطريقة شفافة جدا بإمکان معظم شرائح الشعب فهمه و استساغته و استيعابه، رجوي الذي هو على جانب کبير من الالمام الثقافي و الفلسفي و السياسي وله إطلاع و باع يشهد له بالفکر و التأريخ الاسلامي، کان يسعى للإدافة بين جميع الابعاد الفکرية تلك في بوتقة جديدة تترشح منها نظريات فکرية عملية للتصدي للواقع الموضوعي و الذي ميز و يميز هذا الزعيم الايراني عن غيره هو انه کان تلقائيا و شفافا و مباشرا، لأنه أساسا کان و لايزال على علاقة و إتصال يومي وثيق بمختلف شرائح الشعب الايراني و ان الخط العام لأفکاره و طروحاته و رؤيته المختلفة للعديد من القضايا و المسائل التي طرحها و يطرحها مستشفة من تفاعله و تناغمه مع مشاکل و ازمات و هموم شرائح الشعب الايراني ولاسيما الکادحة و المسحوقة منها، وهنا، يجدر بنا أن نشير الى نقطة بالغة الاهمية تتعلق بروح الشفافية و التلقائية غير العادية في خطابات مسعود رجوي والتي کانت سببا و دافعا اساسيا لتکالب و تجمع مختلف شرائح و طبقات الشعب الايراني حوله کمعبر و مجسد لآمالها و تطلعاتها، رجوي الذي ليس بإمکاننا أبدا فصله أو عزله عن المفکر الايراني الکبير"الدکتور علي شريعتي" والذي أغتيل عام 1977 على يد الاجهزة الامنية لنظام الشاه، إذ أن الدکتور شريعتي و خلال العديد من کتبه و مؤلفاته القيمة التي کانت تلقى صدى واسعا من جانب الشارع الايراني"سيما الشباب"، کان يحرص على طرح رؤية فکرية جديدة لطرح الاسلام وفق منهج عصري تنويري بإمکانه مجارات و محاکات الواقع مباشرة، شريعتي الذي کان يطمح الى طرح فکر اسلامي عصري جديد بإمکانه کسب و استيعاب الجيل الايراني الجديد الذي کان يعاني من التمزق و الضياع بين مجموعة خطابات متباينة نظير الخطاب القسري الفوقي لنظام الشاه و الخطاب التقليدي الجاف و الخشبي لرجال الدين التقليديين و الخطاب اليساري الثوري الاقصائي للجانب الديني، نجح أيما نجاح في لفت أنظار الشباب الايراني بشکل خاص الى رؤيته الفکرية الحداثية للواقع الايراني و کان من الطبيعي جدا أن يضعه جهاز السافاك على رأس اولوياته و ينهي هذا الصوت و الفکر النير عن طريق الاغتيال ظنا منه بأن تصفيته الجسدية لشريعتي سوف تکون کفيلة بإنهاء مشروعه الفکري، لکن، ومنذ تلك اللحظة التي أطلق فيها سراح زعيم منظمة مجاهدي خلق عشية أيام الغليان الثوري في إيران و توجه مئات الالوف من جماهير الشعب الايراني الى أمام باب السجن لکي تستقبل أبن الشعب البار مسعود رجوي وهو يتحرر من ربقة حکم ظالم بحقه، تأکد للجميع بأن فکر و رؤية و طروحات و قيم و مبادئ شهيد الفکر و الحرية و الانسانية الدکتور علي شريعتي تتجسد من جديد کنظريات فکرية قابلة للتفعيل على أرض الواقع من خلال الخطابات الثورية الشفافة لهذا القائد الشاب الذي کان يحمل في ضميره و أعماق قلبه و و جدانه أمانة کبيرة جدا وضعها في عنقه مؤسس منظمة مجاهدي خلق محمد حنيف، ولم يکن غريبا أبدا أن يکون هنالك جمهور عريض مکون من أکثر من 300 ألف فرد يستمعون لخطبة رجوي في جامعة طهران، تلك الخطبة التي قال فيها:
(الحرية طوبى للحرية، الحرية تعني روح و جوهر و ماهية الانسان، ذلك الشئ الذي من أجله ضحى الشهداء بحياتهم و أقتيد الاسرى للسجون و المنفيين جنحوا للهجرة، ومن أجله ثار الشعب، انها لحظات ليست في إمکاني و لاإمکان أي کان وصفها، مثلا لحظة الاعتقال؛ لحظات المعاناة و العذاب؛ اللحظة التي تودع فيها شهيدا و تقبل شفافهه الملتهبة و تسمع دقات قلبه؛ لحظات تنتفض من نومك على صراخ تعذيب اختکم او أخيکم او اللحظة التي تسمع فيها خبر إستشهاد اخت او أخ لکم او اللحظة التي يثور فيها الشعب و يحررونك و تعود لأحضان شعبك...عندما ذهبنا، ذهبنا لوحدنا، بعيون معصبة إقتادونا وکانت أيادينا و ارجلنا مکبلة بالاغلال، لکننا عندما عدنا، کنا في احضان شعبنا وکانت في أيادينا باقات الزهور و على محيانا قبلات، هل يمکن وصف هذه اللحظات؟ )، ان التأکيد على الحرية و الترکيز عليها من جانب رجوي في خطابه هذا، لم يکن أبدا بمعزل او منأى من نضال جماهيري عارم خاضه الشعب الايراني ضد النظام الملکي الاستبدادي و تأسست منظمة مجاهدي خلق و العديد من المنظمات و الاحزاب و التجمعات و الهيئات السياسية الفکرية الايرانية الاخرى في سبيلها و من أجلها، وکأنه کان يريد ارسال رسالة ضمنية ذات مغزى للتيار الديني، نعم أنها الحرية، الحرية التي ليس بوسع أحد أن يدرك معناها کما هو الحال مع الذي تلظى بنيران القمع و الاستبداد و الدکتاتورية و ذاق عذاب و ظلم و ضيم و غياهب السجون المظلمة و کان شاهد عيان على قتل و إعدام اقرانه من أجل تلك الکلمة المقدسة الحرية، واليوم، وبعد مرور أکثر من ثلاثة عقود، مازال مسعود رجوي بنفس همة و روحية و إندفاع ذلك اليوم الذي خاطب فيه جماهير الشعب الايراني في جامعة طهران، لايزال يردد الحرية الحريـة، وکما أنننا نشهد اليوم قلاع الاستبداد و الدکتاتورية تتهاوى الواحدة تلو الاخرى في تونس و مصر و ليبيا و الحبل على الجرار، فمن الطبيعي أن نتفهم و نستوعب هذا الترکيز و التأکيد غير العاديين على موضوع الحرية و جعلها الاساس و رأس الحربة التي منها و من خلالها و بواسطتها تفك و تحل کل الطلاسم و الاسرار.
مسعود رجوي، ذلك الرجل الذي عاصر القادة المؤسسين لمنظمة مجاهدي خلق و کان الى جانبهم يذوق عذابات السجون و ظلم سجاني النظام الملکي و شهد إعدامهم و تصفيتم الواحد تلو الاخر، لفت نظر مؤسس المنظمة الشهيد محمد حنيف من دون الاخرين وبشهادة العديد من أعضاء المنظمة المعتقلين بعد الحملة التعسفية للأجهزة الامنية في عام 1972، فإن حنيف کان يرى في رجوي الامل و الغرسة المثمرة التي يمکن الرکون و الاعتماد إليها، وقد کانت للجهود المضنية التي بذلها الدکتور الشهيد"کاظم رجوي"، شقيق مسعود رجوي والذي کان يدرس حينها في سويسرا أثرا کبيرا في تخفيف حکم الاعدام الصادر بحقه الى الحکم المؤبد، وقد کان رجوي في مستوى الامانة و عند حسن ظن محمد حنيف، إذ أنه ومنذ اللحظة التي تنسم فيها عبير الحرية لم ينسى التأکيد و الترکيز على هذه المفردة المقدسة التي أکدت عليها مختلف الاديان و الافکار و المدارس الفلسفية، وهنا حري علينا التنبيه الى حقيقة أن مسعود رجوي کان رأس الحربة الامامي في مواجهة مشروع نظام ولاية الفقيه الذي کان يمهد لدکتاتورية دينية قمعية لاتختلف في اساسها و جوهرها شيئا يذکر عن النظام الملکي السابق، فقد کان رجوي المفاوض الاول و الاساسي خلال کل جلسات و حلقات الاتصال و التشاور مع التيار الديني، وفي کل مرة کان رجوي يؤکد على رفض المنظمة المطلق لهذا النظام و يحث على السعي من أجل نظام سياسي فکري قادر على إستيعاب هموم و تطلعات جماهير الشعب بمختلف أطيافها و کان يرکزدائما على مسألة الحرية بإعتبارها حجر الاساس في تحرك و إنتفاضة و ثورة الشعب الايراني. وقد حاول التيار الديني و بمختلف وسائل و طرق الترغيب و الترهيب جذب و کسب مسعود رجوي الى جانبه و إعلان تإييده لنظام ولاية الفقيه في مقابل"فتح کل الابواب أمامه"، لکن، هذا المفکر و السياسي المحنك الذي عرکته الظروف و علمته معنى و جوهر الاشياء، لم يکن من السهل أبدا إستمالته و تليين جانبه بهکذا اساليب رخيصة سبق وان مارسها النظام الملکي معه و مع رفاقه ولم يوفق بها، غير انه وفي نفس الوقت يجب التنويه بأن رجوي وفي ظل سياسة تعسفية إستفزازية إصطبغت بها ممارسات التيار الديني، فإنه کان من أکثر المشددين و المؤکدين على سياسة ضبط النفس و الاستمرار في نهج الحوار و الاخذ و العطاء مع التيار الديني، فقد کان يحز على رجوي أن تراق دماء أخرى وقد تم إسقاط النظام الملکي الدکتاتوري، وکأن رجوي کان يسعى للمراهنة على الحضور الجماهيري المکثف للمنظمة و المحاولة لإنضاج موقف شعبي عام من التيار الديني من خلال توعية الجماهير بخصوص نظرية ولاية الفقيه و على الرغم من أن هناك مؤاخذات و إنتقادات متعددة بخصوص الصبر غير العادي و طول النفس الاستثنائي لرجوي بشکل خاص و منظمة مجاهدي خلق بشکل عام لمسألة التفاوض و التحاور مع التيار الديني، لکن ذلك الامر وفي نفس الوقت يحمل دلالات ذات مغزى لعزم و تأکيد المنظمة و زعيمها المبدأي على الجنوح لسياسة سلمية إعتدالية وسطية "قد" تتمکن من تجنيب الشعب الايراني دماء و خسائر مادية و معنوية هو في غنى عنها، غير أن منطق الحوار إعتمد و يعتمد دوما على مبدأ الاخذ و العطاء، وقد کانت منظمة مجاهدي خلق ومن خلفها زعيمها مسعود رجوي السباقين للعطاء فيما کان الخميني و من خلفه التيار الديني المبادرين دوما للأخذ من دون أدنى عطاء وتلك"قسمة ضيزى" مهدت للمزيد من الاختلاف الجذري العميق بين التيارين، وللحديث صلة.