مصر بين الديمقراطية والشرعية الثورية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
جرت العادة لدى بعض المجتمعات في العصور القديمة أنه بموت الملك أو بزوال السلطة بأي شكل كان، تُترك البلاد في حالة فوضى كاملة لفترة من الوقت دون قانون أو شرعية أو أمن، يعم فيها السلب والنهب والقتل والانتقام، لدرجة قد تفضي إلى فناء المدن، وبعد مضي أيام الموت تلك، يُعلن عن اسم الملك الجديد، النظام الجديد إن شئنا التعبير، ليدين له من تبقى على قيد الحياة بالولاء المطلق..وتنتهي أيام الفوضى.خدعة تمارسها النظم منذ قديم الزمان، حتى لا تصطدم بأية مقاومة أو معارضة تهدم طموحات أحد الطامعين في السلطة، في رهان شبة أكيد على غوغائية العامة وعدم قدرتهم على إدارة البلاد في حال رفع يد النظام عنهم، والتي ستلعب دور الرحمة المنزلة من السماء حينما ينتهي صراع القصر على السلطة وامتلاك مقدرات الشعوب.
الديمقراطية وحلم الحرية، أفكار قد تبدو مثالية حال تطبيقها على مجتمعات منهكة لعقود طويلة تحت ظل الاستبداد الثقيل، والفساد الكامن في بنية النخب والعامة ـ ألتمس العذر فهذا الفصل أصبح واجباً الآن ـ فالنخبة المثقفة للأسف لازالت تعاني انقسامها التاريخي منذ ما يقرب الخمسين عاماً، بين موالٍ للسلطة بتعدد أشكالها النظامية ومنتفع سعى جاهداً أن يتلمس مصالحة الخاصة والخاصة جداً فوق وسائد الزعماء والرؤساء والقادة، وبين مهزومين تم قهرهم في المعتقلات أحياناً تحت أحذية العسكر أو تحت ركام أفكار كلاسيكية بالية غير صالحة للاستهلاك الآدمي، وهؤلاء إما قرروا الهروب إلى العالم المتحضر فخاطبوا عالمهم الأصلي بفوقية وانفصال عن الواقع المتردي، أو انسجموا مع حالة المظلومية على المقاهي.وتبقى فصيل ثالث للأسف أصبح هو صاحب الكلمة العليا في الظروف الراهنة، وهم جماعة ممن احترفوا الفشل لسنوات طوال، ولكن نتيجة لغياب أو تغيب أي صاحب فكر أصيل، وفراغ الساحة الآن من كل من يتحدث بعين العقل، ظهر هؤلاء ليداعبوا أوهام العامة وغرائزهم، ويتحدثوا بدلاً عنهم، محتمين بنقاء المرحلة الثورية في بدايتها، فكيف يمكن أن تتم ديمقراطية متكاملة الأركان في ظل وضع ثقافي متردي ومنهار بالكلية.وإن كان هذا هو وضع المثقفين ضمير الأمة، فما حال بقية النخب السياسية والإدارية بمفهومها الشامل!!.
الديمقراطية تعني في جانب أصيل منها، احترام حقوق الأقليات والأفراد على اختلافهم وتخلفهم أحياناً، بل والسعي بدأب حقيقي لحصول كل فئات المجتمع على نفس الحقوق في ظل حالة فكرية تستدعي في البداية احترام الآخر المختلف بطبيعة الأمر، في ظل دولة القانون.يعني أن الديمقراطية لن تتحقق إلا حال تحقق دولة القانون في البداية، وليس العكس، فصناديق الاقتراع أو الانتخاب أو غيرها، تعكس الوضع الاجتماعي وتعبر عنه، ولا تصنعه أو تخلقه من العدم.وبالتالي في مجتمع مفعم بالفساد وانتخابات كانت تُقاد بأموال الحزب الوطني، ستكون أي انتخابات معبرة عن هذا المجتمع، خاصة مع بقاء نفس الرموز في أمكانها، وترسخ الفساد في ذهنية العامة وسلوكهم، الذين في قمة تحضرهم يحصرون معنى الثورة والديمقراطية في لقمة العيش أو زيادة الرواتب أي انتظار ما لا يجئ...فشعب كان يتعامل مع البرلمان بوصفه مركز خدمات، هل من المعقول أن يتعامل معه الآن بوصفه مجلس تشريعي يحافظ على حقوق المجتمع ككل، ويؤكد على دولة القانون، دون تفرقة أو تفريق !!!!.ففي حوار دال سمعته في أحد المقاهي دار بين أربعة أشخاص، بدأ بسؤال أحدهم عن الديمقراطية، فأجابه الثاني : الديمقراطية هي إذا اتفق ثلاثة منا على شيء على الرابع أن يطبقه بلا نقاش.وبعد فترة صمت ينطلق الثالث:وإذا اتفق ثلاثتنا على أننا لن نطبق الديمقراطية؟!!، فصمت الجميع في حيرة.
طبيعة الثورات في عمقها أنها ضد الديمقراطية بشكل أو بآخر، فالثورة تقوم ضد نظام فاسد أو حاكم مستبد، وهذه بديهية، ولدى انتصارها فإنها تستمد شرعية مقدسة تساندها فيها الشعوب التي تنفست الحرية لأول مرة بعد عقود الظلام، فتصبح الشرعية مع الوقت ملك للجميع، وتتحول الثورة إلى محاكم انتقامية دموية يقودها العامة كما حدث في الثورة الفرنسية، أو إلى محاسبات خطيرة تأخذ العاطل بالباطل كما حدث في مصر أثناء الانقلاب العسكري 1952، أو يحدث الآن بشكل ما، بمعنى أن الشرعية الثورية تعبر عن مرحلة تصفية الحسابات مع مختلف العناصر المختلفة تحت شعار السعي لتحقيق الديمقراطية.ثم تعم الفوضى العارمة على كل المستويات السياسية والاجتماعية، وحين تعاني المجتمعات من تلك الفوضى أمامها طريقين إما أن تختار الإطار القانوني الديمقراطي الذي أرجوه، أو تنتهي كما كانت تنتهي المجتمعات القديمة بالرضوخ إلى أقرب حل يدعي الحرية ويحمل في باطنه عذاب ديكتاتورية جديدة، وهنا تكون الكارثة حيث تنقلب الثورات ضد أصحابها.وأنا هنا لا أبشر بالفوضى أو أُدين تلك الشرعية الثورية التي من الطبيعي أن تكون لها دورة حياة متكاملة، ولكني أدعو إلى الانتقال المباشر إلى العمل السياسي المنظم، والسعي لتحقيق دولة القانون بدلاً من محاربة رموز ستزول تلقائياً حال تحقق شرعية الدولة.
وفي ظل حالة الهرج السياسي وغياب أو تغيب شرعية القانون، تخرج علينا جماعات التدين السياسي في إدعاءات الديمقراطية والحرية والمساواة، وبعيداً عن الممارسة السياسية لتلك الجماعات خاصة الأخوان المسلمين التي تثبت عكس ذلك تماماً حتى لا يتورط البعض في الدفاع البريء أو المغرض تحت طائلة أن الأخوان كانوا مجرد رد فعل على قمع النظام، فإن البناء الفكري التأسيسي لفكر الجماعة يرتبط بالدولة الثيوقراطية الدينية، يعتمد على نظام تراتبي يبدأ من مرشد ويصل إلى الفرد العادي الذي يعتبر تبعيته للمرشد الأعلى واجب ديني، وهذا سعي الأخوان طوال الثمانين عاماً الماضية، وبالتالي لا وجود لما يمكن تسميته بدولة القانون أو حكم المجموع، فلا حكم إلا لله، وبالتالي ستكون تلك الأحزاب الجديدة ما هي إلا شكل آخر من أشكال التحايل التي يفرضها الوضع الجديد، حتى تصل على أكتاف الأخريين إلى قمة الهرم السلطوي، فتتمكن وتطبق تلك القناعات القديمة الجديدة، فمن المستحيل أن يُبدل التيار الأخواني أفكاره الراسخة الآن، خاصة وأن الأخوان أول من جنى ثمار الثورة بداية بإلغاء الحظر وصولاً لحرية الأقطاب الاقتصادية من المعتقل.
فالساحة السياسية خالية الآن من أي تيار ديني آخر، خاصة بعد الخسارة السلفية الفادحة، والتي قرر شبابها أن يتحولوا من السلفية الدعوية الشهيرة، إلى السلفية الجهادية التي تحقق المكاسب بشكل أسرع في الظروف الراهنة.وكذلك سلبية الأقباط المصريين وانتظار ما يجئ في رد فعل اعتادوه لقرون، ففي المقابل لم يخرج أي ناشط سياسي مسيحي لتأسيس حزب يضم مثلاً عناصر الأقباط على خلفية دينية كذلك، طالما الساحة منفتحة للجميع الآن، ولكن انعدام الجرأة وانتظار أن يحقق غيرهم ما يتمنوه، ومزاعم الدولة المدنية وغيرها من التوجهات الأصيلة في البنيان القبطي، جعلتهم خارج الخدمة.
وفي ظل حكم عسكري قرر أن يترك لنا السلطة قبل ستة أشهر، كفيلة بتصفية حسابات تاريخية مع أجهزة الأمن، عن طريق استخدام الفساد الأمني والغضب الشعبي، مع حالة مراوغة وتباطؤ في وضع دستور جديد أو تحديد ملامح واضحة للانتخابات القادمة، مما قد يعطي انطباعاً بعدم الجدية أحياناً.وقد يزيد من الأمور سوءً إن لم نشرع مباشرة في الخروج من دائرة الانتقام إلى ساحة الفعل الحر الحقيقي، وأن تُعطي الثورة شرعيتها إلى القانون بكل أشكاله التشريعية والتنفيذية، حتى يتحقق الحلم كاملاً.
النظام يا سادة ليس فرداً أسقطناه، أو رئيساً خلعناه، وأشخاص كانت تتبع فساده نقاتلهم حيث نثقفهم فقط، وإنما النظام كيان متكامل الأركان، نحن جميعاً شركاء فيه للنخاع، فلا يدعي أحد الطهر والنقاء، ولا يزايد على الآخر، فالكل متورط في خيانة هذا الوطن إما بالصمت أو بحق الانتفاع المباشر، بداية من شعب تواطأ على نفسه لعقود طويلة، وصولاً لأصحاب الحناجر التي تزعق ليل نهار مدعين مثالية ثورية مضحكة لا تليق بهم.
فالشرعية ليست في ميدان التحرير فقط وإنما كذلك في البيوت والشوارع وعلى المقاهي وفي عيون أطفال يرون الغد في عيوننا، فلنخلق لهم عالم يليق بهم وببراءتهم، عالم يحكمه القانون والعدل والحرية.
أكاديمي مصري
ahmedlashin@hotmail.co.uk
التعليقات
بصيص امل
علي علي -ما قرأت المقال لكن عملت بحث لكلمة ايران فما وجدت الان اصبح الكاتب يهتم بامور بلده و امته بصيص امل
جرأة المنافقين
د محمود الدراويش -جرأة المنافقين والكذابين ,,,, ان المحلل الموضوعي لترهات هؤلاء في بداية انتفاضة في مصر وفي مجرى الاحداث فيها وبعد انتصارها ليجد انجدارا في الموقف بل والاخلاق وانحطاطا في الفكر ,,فقد تنطحوا في البداية وبعنترية وعدوانية واضحة للدفاع عن سيدهم وزعيمهم ووقفوا موقفا معاديا لمصر وشعبها والامة وحاولوا الغمز من هنا وهناك والتلفيق والتبرير لكنهم عجزوا تماما ,فاخذوا يتباكون على مصر وما ستؤول اليه اوضاع مصر وامنها واقتصادها ولم يقطعوا حبل الود مع النظام الحاكم بل ابقوا عليه مواربة وكان يفهم من كتاباتهم محاولة اللعب على الحبلين حبل النظام وحبل الثورة وجعلوا من انفسهم وكتاباتهم وسطا بين طرفي المعادلة في مصر ,,ثم سرعان ما تنسوا سيدهم واخذوا يقدمون النصح والارشاد والتوجيه للثورةى والثوار مظهرين حرصا على مصر وتحذيرا من مخاطر الخارج والتي اختزلوها بصفاقة وانحطاط في حماس وحزب الله ثم بايران ومخاطرها ,,, انهم يتلونون بكل لون ويتحدثون بلغات عدة وهم لا يدافعون عن مصر والامة بل شبقون للمال والسلطة والحظوة والنفوذ ,,, لكن عهد اباطرة الصحافة المرتزقة قد ولى على ما يبدوا وان نجم اعلامهم المقيت والمدلس قد احتضر وان اسدال الستار على حقبتهم قد بدا كما اسدل الستار على حقبة السلطان وكل مصاصي الدماء والموتورين
إلى 2 درويش
عقلاني -الدكتور درويش يحب أن يقرأ مقالات القتل والموت والفوضى والانتقام والدم ،لكن أي تحليل منطقي وعقلاني لما يحدث في مصر يقابله بكل التهم في الدنيا بداية بالعمالة وتغير الرأي واللعب على الحبال وعدم الانتماء وغيرها من التهم التي لا تبيق،ناسياً أن كاتب المقال ليس صحفي بالمعنى المعتاد وليس مرتزق ولكنه أستاذ أكادمي مصري يلمس كل ما يحدث ويمرره على العقل الذي يفتقده الدكتور محمود رغم أنه متخصص فيعلم النفس ،ولكنه لا يدرك عمق النفس المصرية للأسف...وللأسف يعبر أيضا عن عقلية الانتقاء والاقصاء التي يتمتع بها أنصاف المثقفين أو كما وصفهم كاتب المقال بالفشلة....أم بالنسبة للأخ علي فإيران ليست ببعيدة عما يحدث...وسقوطها سيكون قريب جدا..معلومات مؤكده..لكنك تمارس نفس الاقصاء الذي يمارسه درويش فأنت تحدد دون علم أو وعي ما يصح أن يُكتب من عدمهوقانا الله
اجتثوا بقايا مبارك
عراقي يكره البعثيه -على الثوار المصريين ليس اسقاط النظام فقط .. بل اسقاط رموزه واذنابه من امثال لاشين واشباهه.. لاتكتمل ثورتكم الا باسقاط كل من ساهم بادامة نظام القمع المباركي وتسلطه على رقاب اخوتنا المصريين لثلاثين سنه.. ثوروا علييهم.. اجتثوهم عن بكره ابيهم حتى تشرق الشمس على مصر بدون اي اثر لمبارك وجلاوزته..لاتدعوا الاصوات النشار التي كانت ابواق لنظام مبارك القمعي تجد فرصه اخرى لتنبطح امام دكتاتور اخر لتساهم في تسلطه مره اخرى على رقابكم..
ماذا جرى لايلاف
احمد -لانعرف ماذا جرى لاحد كتاب ايلاف وهو احمد لاشين؟يعني مقالة كاملة وما فيها شئ عن الشيعة وايران؟ثم هناك مظاهرات في اوكرانيا على غرار مظاهرات مصر وتونس لا نعرف لماذا لم يتكلم الاخ لاشين عن الدور الايراني والشيعي في هذه المظاهرات الاوكرانية؟نحن قراء الجرائد الالكترونيه سوف لانقرا ايلاف مره ثانيا حتى يتكلم السيد لاشين عن الدور الشيعي والايراني في فشل المظاهرات الاخيرة في بركينا فاسوا .سوف نزعل على ايلاف اذا يمتنع كتابها عن التحدث عن الشيعه وايران والاحتلال الشيعي للقدس والضفه الغربية .الرجاء ان نكون بمستوى حريه الفيس بوك بالنشر وعدم الخوف من التعليق لانه لن يقتل احدا.
اهل مكة
fouad from Iraq -اعتقد ان من الافضل لنا وللكاتب ان يستمر بالكتابة عن مصر فاهل مكة ادرى بشعابها اما ان يعود مرة اخرى للكتابة عن التشيع والصفويين فهذا تطفل ذلك انه ليس كل من قرأ كتابين او ثلاثة كتب عن التشيع صار خبيرا في فهم التشيع ...حتى اكثر من الشيعة انفسهم.
First Steps towards
m.mahmood -There are two most essentilal first steps towards democracy as the rule of the people, by the people and for the people. The first is guarantee and free exercise of civil liberties without which there is no free choice; and the second is the holding of free and fair elections to enable the people to choose their true representatives. The question whether the democracy should be of secular or sectarian or authoritarin variety should be left to the representatives of the people to be decided in their sovereign assembly.
Legitimacy
m.mahmood -Yes, you are absolutely right, my Lord. Legitimacy should come from the consent of the people. Whatever happened in the Maidan was an uprising against illegitimacy. Now if you believe that democracy is the surest means of begetting legitimacy then kindly ensure the two basic requirements of democracy: (1) free exercise of civil liberties; and (2) free and fair elections.
ماهى الشرعية الثورية
أبو علاء -استاذ أحمد ارى أنك وضعت عنوانا ولم تهتم حتى بتوضيخه أو بالكلام عنه على غير ما توقعت ولكنك أصبحت غير ديمقراطيا فى التصنيف وقد قرأت المقال فلم أجد الا هجوما على الإسلاميين والأقباط إتهمت السلفيين بالإنقسام وإتهمت الإخوان بأنهم ليسوا شئ إلا جناة لخيرات الثورة وأنكرت إشتراكهم فى قيامها وإنتقدت الأقباط ووصفتهم بأصحاب رد الفعل وأنهم سلبيين لعدم دعوتهم لتكوين حزب له مرجعية دينية وعلى فكرة ليس فى الإسلام شئ يسمى الدولة الدينية لأن كلمة دولة دينية معناها أن رجال الدين فقط هم الذين يقررون كل شئ دون النظر إلى أصحاب الخبرات العلمية والعملية وهذا لا يمت إلى الإسلام بصلة ولا يريد الإخوان أيضا تطبيقه ولا يسعون إليه لكن الشرعية الثورية فى رأييى المتواضع هى التى تأتى من آراء الثوار وأصحاب الرأى الحر ويتوجها تأييد الشعب الذى يرى فيها تحقيقا لطلباته ورغباتنه