وما أنت يا شعـب؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يا شعب.. أي رياح المواسم أتَت بك؟. أي رحمٍ أنجبك، وأي دُنياً استدارت بك على سَالف عهدها. ألم يخبروك أن لا أحداً استعد لقدومك، ولا لرؤيتك، ولا لإلف وجهك!. مالك اليوم ظاهرٌ تتبدّى، تعرض نفسك كحجر زاوية، والزمان زمانهم، والهرج هرجهم، وما من قِبلةٍ في المدى تطلبك الصلاة..
ما بال "الهوى" استفزك وأنت من "أولي النهي"، ما بالك طامح إلى الوجود وأنت الأجرد النحيل، ما بالك اليوم تطلب ما هو أبعد من "كسوة برد"، وتمشط الأرض بحثاً عمّا وراء "رغيف"؟ يا مليح التوسل، قل لي بربك، هل عهدت ولادة للعرب من بين مواكبك؟.. وهل تشكّلوا يوماً على أساسك، والتزموا رسم صفحتك، وبَيان دفاترك!.. هامت بغيرك أيامهم، وما أطلوا يوماً من شُرفتك، ولا سِرٌ لكَ بات في أحضانهم.. فأخبرني بربك أي رحلةٍ أنت طلّابَها اليوم بينهم؟..
- ورد في "لطائف المعارف" للثعالبي أن أول ما ظهر من الظلم في أمة محمد -عليه السلام- كان قولهم "تنح عن الطريق".. بمعنى إخلاء الطريق وإيقاف الحركة عند مرور المسئولين.
يا لخيبة من صنعوك، مالك اليوم ظاهرٌ تتبدّى! مالك تشق دربك بينهم، كفارس بربري، ولا أولوية لديك سوى لتحطيم صروحهم، وسحب امتيازاتهم، وتقليل فسحتهم من الأرض والسماء. مقبلٌ أنت اليوم، وباحة النزال مغلقة!. جَسورٌ أنت وأرواح من أوليائك تكسرت وساحت على هارب الموج. أهي كبِدك المستعرة يا ترى؟!. ما لك اليوم لا تحني هامَةً؛ أمَسك سِحرٌ من نخيل؟!.
كيف تمارس تقزيم الجبابرة؟، كيف تنهي حفلهم وليلٌ ما انتصف.. كيف فضحت آلهتهم الخشب، وشققت شفاههم التي تتلمظ على قادم أجيالك. لم زرعت لهم غيظا لا يترجل عن لوائح الصدور؟. كيف خرجت أفكارك ونوّام هو الجسد، وكيف تنَسمت حرية وغربيب الدهر كان حاضنك؟!. ألم يخبروك أن تضع خطواتك رقيقة على نديّ الرمل، لا يسمع لها وقع ولا يبين لها آثر. ألم يأمروك أن تخبئ نساءك تحت الحصير، وتحشر أولادك في قمقم، وترمي شبابك في ضيق الزوايا!..
أما أخبرك "الأسياد" نقلاً عن "أسيادهم" أنهم صنعوا لك عالم الوفرة، ومسافات الرفاه، ومدن الريح، وعالم الأشياء التي تأتيك سريعاً.. سريعاً وبلا تعب؟! فقط، كل ما يبقى هو أن تصنع "خطوتك" وتؤمن. تؤمن أنك موجود داخل هذه العوالم. أما أخبروك أن طريقك قد ضاق، وما سوى الإيمان بهم، يسعدك، ويساعدك على جحد الألم، وعلى نكران ما تراه عينك!!.
لم لا يطوفك الصمت ومؤذنهم يصدح في الجوار.. لم تتجلى وتجعل ظهورهم أمامنا مؤذياً مرفوضاً؛ كعجوز تتبجح بقصير فساتينها. من قال إن لك سهما من دنياهم، وقِطافا من تَثني نضوجها؟. مالك تَتعَشق جديد حياتك، وترصد وقع خَطوك.. ألم يكن قلبك "قلب أندلسي يعشق الأشياء القديمة" كما وصف "لوركا" ذات غفلة من "نيسان"!. ومن أسرّ لك حال "ربيع" أن مطارحة القديم لا تحيي ميتاً، بل تميت حيّاً من ورود الدار..
فيا أيها اللا عقلاني ما لك وتصفيف الأمور؟ ما لك تقاوم النسيان والموت؟ ألم يكتب عليك أن تكون حزيناً.. كقناديل المدافن، كأسرة المنافي، كوَجد الكسير.. يتبسم وحيداً. أمّا أرهقتك صوادف الأيام، وعوالقها، وعوائدها.. أما ذابت شمعتك في ريحٍ غَموس، أما سَرحت كلمتك في عهود المنابر.. أي رقصة ارتجالية تسكبها أمام أعدائك اليوم، وأي جُنحة تَصابي تُغافل فيها نواطيرَ سَوادك؟.
- "التوق العام للحرية العامة أو السياسية، يمكن بسهولة أن يُعتبر خطأً بأنه الكـراهية العامة للأسيـاد"... حنه أرندت (في الثورة، ص173).
كيف لك بإفساد مزاج "الخواص"، وكيف تجاور قامتك قامة "الأسياد"، وكيف تزاحم مطالبك مطالبهم!. يا شعب.. كيف تتجاسر عليهم اليوم؟ ألم يربوك فيهم وليداً!. من أنت لتأتِ اليوم وتمارس "التشغيب"، و"التخريب"، و"سَرد المطالب"!. ألم يسألوك أن تظل مكانك؛ تؤتى ولا تأتي كأرصفة موانئ تتلو موتها كل غسق. ألم يخبروك أن تطمر أمانيك، ألم يسألوك أن تحفظ مواقفك في داخل قلبك.. مخبأة دوماً، كحبيبة أولى في قلب رجل شرقي.
ألا تعلم أنه ما من دآبة تنام على شقها "الأيسر".. فمالك والمباينة، ومالك وللحقوق، لِم تتلو وتدرسها كأنك "موسى"!. أي درب أنت مؤهل لجلبه، ألم تعتد دروبهم وتحفظ أنساقهم وتتطبع طبائعهم. ألم تلحظ أن وجعك والألم ما مرك إلا بعد أن تعرّفت الأمل؛ وكل "ذي أملٍ في الدهر ذو أَلمٍ".. ألم يك بك فيض طاقة، تتنكر بها الألم كما دربوك!..
ألم يرشدوك، عبر تاريخهم وقصصهم القديمة الرديئة أنك لا تولد إلّا بفتنة، ولا تحيا إلّا بأزمة، ولا تخضرُّ خمائلك إلا في ظل تعيس أزمانهم!. ألم يقل فيك قائلهم أن يدك يد غوغاء هي "عون الغاشم ويد الظالم". فلم تظهر اليوم، وتتجلى، وتخلع لبوساً ألبسك إياه آباؤك وكهنتك وأسيادك!.
أيها الغفير السائب، ومن قال أن المدينة ستتآكل في غيابك، وأن حواصل "شعبٍ مباع" ظلت مجوفة تنتظر هطولك، وأنت المشتت.. على الهوامش، وأرصفة المتعبين، وباحات الصواري الميتة.
لم تعود اليوم وأنت أسطورة، ملأها الزمان رماداً. لم تَرشُد بلا إذن، وتتحرك دون رأس، وتثور ودماء من أنجبوك لم تعد تجري في عروقك؟!. لم أتيت؟ بسيفك "اليزني"، ومشيتك "العمرية"، ووقفت لهم "مثل السيف فردا"!.. لم تستخدم ضمير "الجمع"، وفعل الإرادة وقد أُخبرت أنه "العبث". ألا يوجد كل ما يلزمك، الماء، والريح، والغابة، والقفر. وماذا لو سجنت يوماً وليلة.. ويوماً وليلة..
لِم أفسدت طلاسم تعاليمهم "اكره ذاتك؛ انقسم على أجزاءك؛ عِش وحشتك؛ الآخرون جحيمك...". لم أفسدت انسجامهم؟ لم لمْ تصبح ريحاً، وترحل بخفة كما حقائب أبناءك.. فوكالة هذه الأرض قد سُرقت وكُتبت، وكان القدر قدراً حتى أطلّت نواياك الغريبة.. لمَ رحّلت الخوف إلى مواقعهم!.. لم تركتهم جُرداً في العراء وما من مطر يغسلهم، ولا مساء يستر وسخ أكفانهم!!.
-"... ويرى هذا الجيل، وهو الذي تلقى تعليماً وافياً لأول مرة، ولم يعرف عهود الاستعمار، أنّ الوقت ليس وقت التسويات الاجتماعية مع النخب المحلية الحاكمة والتي يعتبرها مسؤولة عن واقع حالٍ لا يجوز السكوت عنه"... من مقدمة كتاب (المثقف والمناضل في الإسلام المعاصر) لجيل كيبل ويان ريشار.
مبارك هو قلبك، مباركة ثلاثا شجاعتك حين عزّت الدنيا، ومُضيك حين سكنت الريح.. بعثت شبابك أمام صدور الرصاص، ورميت عن ظهرك أصوات النكبة والضيق.. غنيت، ورقصت، وصرخت، وآمنت، وأضأت، وفعلت كل ما سألتك إياه عالية الروح.
إيهٍ يا شعب.. أخبرني عن أحلامك. هل تصحو سعيداً خادراً أم أن رجفة ليلك لا تزال تسري؟!. هل ورّدت أناشيد أحلامك، رغم أوغاد الطريق، وسفلة المدينة، وذاكرة القوم التي ما وسعتك.. رغم نُخب زمان الهرج، الذين ما عقدوا لك نصف عقدة ولاء. لصوص البوادي هؤلاء، ما عرفوا سوى أنفسهم..
قلبي ثقيلٌ بك اليوم. سأغنيك في مرامي الصباحات الجديدة. سأمضي بك.. بخطو مرصوص يمسك بعضه بعضا، وسأقف من أحلامي على مسافة باب وشبّاك.. وانثرها في وجوه الرمل. سأخرج، كما رمحٍ من برق ما خنقه الغيم والسديم.. وأكذب بصدقك على نفسي، وأخاتل في ظهورك وحشَة الوجود..
جُمل الأنبياء مضَت، وأرواح الأولياءٍ اختبأت.. وما من سوى أصابعك.. تعبّد الدرب وحدها!!. ما من سوى روحك الآن، نحفّها بالأنفاس والصلوات والأماني، ونخاتل معها الدرب.. يوماً وليلة.. ويوماً وليلة..
التعليقات
يانقي البيان
عبدالله حمدي -فرغت للتو من قراءة مقال الاستاذ عادل الطريفي في الشرق الاوسط اذ يعيّر الشارع بالشارع بعنوان مقاله المشبوه جدا : الشارع يظل شارعا. ومن قال ان الماء ليس ماءا والشارع ليس شارعا الا اذا اراد الاستاذ الطريفي ان يخلط بين الشارع المعبر عن نبض الجاهير والشوارعية المتحدثة بلغة بلطجية الانظمة وزبانية سلطات الامن .احييك ياغائب عنا طويلا ونناشدك ان تطل علينا في الليلة البيضاء فلم يعد الشارع بحاجة البدر في الليلة الظلماء
يانقي البيان
عبدالله حمدي -فرغت للتو من قراءة مقال الاستاذ عادل الطريفي في الشرق الاوسط اذ يعيّر الشارع بالشارع بعنوان مقاله المشبوه جدا : الشارع يظل شارعا. ومن قال ان الماء ليس ماءا والشارع ليس شارعا الا اذا اراد الاستاذ الطريفي ان يخلط بين الشارع المعبر عن نبض الجاهير والشوارعية المتحدثة بلغة بلطجية الانظمة وزبانية سلطات الامن .احييك ياغائب عنا طويلا ونناشدك ان تطل علينا في الليلة البيضاء فلم يعد الشارع بحاجة البدر في الليلة الظلماء
الصلوات والأماني
Majida -تبقى الكلمة أقوى من الرصاصة التي ترتعد لها فرائص الطغاة لهذا فنحن في حاجة ماسة إلى كثير من هذه المقالات هذه الأيام وإلى هذا الأسلوب الرائع والخاص والمتميز بالصوره البيانيه الجميلة والمعبرة مقال رائع تجاوز المألوف من حيث رونق اللفظ وجمال التعبير بأدب في منتهى الروعة و من زاوية عقلية ومنطقية كان تعبيراً عن شباب العرب الجديد شباب رسالتهم إما أن تحيا عزيزاَ وإما أن تحيا ميتاً فاختار الأولى; شعب يستحق الحياة والحياة تستحقه. أراك كاتب شاب موهوب ومبدع فلا تبخل و لا تتخلف أبداً عن التعبير عنه وعن تطلعاته إلى الحياة الكريمه وهذا ما نتمناه عليك في المرحلة الراهنة ...
الصلوات والأماني
Majida -تبقى الكلمة أقوى من الرصاصة التي ترتعد لها فرائص الطغاة لهذا فنحن في حاجة ماسة إلى كثير من هذه المقالات هذه الأيام وإلى هذا الأسلوب الرائع والخاص والمتميز بالصوره البيانيه الجميلة والمعبرة مقال رائع تجاوز المألوف من حيث رونق اللفظ وجمال التعبير بأدب في منتهى الروعة و من زاوية عقلية ومنطقية كان تعبيراً عن شباب العرب الجديد شباب رسالتهم إما أن تحيا عزيزاَ وإما أن تحيا ميتاً فاختار الأولى; شعب يستحق الحياة والحياة تستحقه. أراك كاتب شاب موهوب ومبدع فلا تبخل و لا تتخلف أبداً عن التعبير عنه وعن تطلعاته إلى الحياة الكريمه وهذا ما نتمناه عليك في المرحلة الراهنة ...