فضاء الرأي

ديمقراطية الغرب وانتفاضة العولمة (1)

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

من مفكرة سفير عربي في اليابان

امتدت انتفاضة العولمة للألفية الثالثة في الشرق الأوسط. وبداء الحوار حول مستقبل هذه المنطقة، ودور ديمقراطية الغرب، برأسماليتها الفائقة فيها. وقد زاد الشك في حاجة الدول النامية لهذه الديمقراطية، بعد أن ضعفت الثقة بانفلات سوقها الحرة، والتي أدت للازمة الاقتصادية لعام 2008، وخاصة بعد أن زادت من تحديات العولمة، كزيادة التلوث البيئي، الذي سبب زيادة الجفاف والفيضانات، لتقل المنتجات الغذائية، وتزداد مضاربات السوق المنفلتة علي أسعارها، ولتنتهي بانتفاضة العولمة، بعد أن تقلصت الطبقة الوسطى، بانخفاض الأجور وزيادة التضخم، مع ارتفاع أسعار الماء، والغذاء، والسكن، والطاقة، وترافقت بزيادة الديون الخارجية. وقد أدى كل ذلك لزيادة الشك في حاجة الدول النامية لديمقراطية الغرب، المحتكرة بيد لوبيات المؤسسات الخاصة العملاقة، وخاصة، بعد أن نجحت الصين، بثقافتها الكنوفوشيسية، أن تخلق توازن بين سوقها الحرة، وحكومتها المركزية الفاعلة، فاحترمت رغبات شعبها، بمحافظتها على استمرارية النمو الاقتصادي والاجتماعي، مما أدى لتسجيل نظام حكمها، في استطلاعات الرأي الغربية، أكبر نسبة رضاء شعبي في العالم،والتي تقارب 80%.
لقد تساءلت الكاتبة الهندية، ارونداتي روي، عن فعالية ديمقراطية الغرب، في حوارها التالي: "هل هناك فعلا حياة بعد هذه الديمقراطية؟ وأي نوع من الحياة ستكون؟ ولا اقصد ديمقراطية المثالية والفكر، بل النموذج الفعلي والعملي لها، ديمقراطية الغرب اللبرالية، بنماذجها المختلفة. ومع الأسف تتحول عادة محاولة الإجابة على هذا السؤال إلى المقارنة بين الأنواع المختلفة من الحكم، لتنتهي بالدفاع بشكل شائك وشرس عن ديمقراطية الغرب، بأنها، مع عيوبها وعدم كمالها، تبقى أفضل من البدائل الأخرى، كأفغانستان والصومال. ويجب هنا أن نفرق بين الديمقراطية كنظرية مثالية تلهم المجتمعات المتقدمة، وبين الديمقراطية التي نعيشها في مجتمعات ديمقراطية، أو في دول تتظاهر بأنها ديمقراطية؟ ولا يعني ذلك بأننا نتهاوى في نموذج مشوه لحكم شمولي قديم، بل يعني بأن نظام الديمقراطية النيابية، الكثير الإنابة، والقليل في الديمقراطية، يحتاج لترميم هيكلي."
واستطردت الكاتبة في أسئلتها بالقول: "ما الذي فعلناه بالديمقراطية؟ وما الذي سيحدث حينما ينتهي عمرها الافتراضي، فتصبح ديمقراطية جوفاء خالية المعنى؟ وماذا الذي سيحدث حينما ينتشر سرطانها الخبيث في مؤسسات مجتمعاتنا؟ وما الذي سيحدث بعد اندماجها بالسوق الحرة المنفلتة، وتحولها لكائن مفترس نهاب، ضمن تصور ضيق، يحوم بأكمله حول فكرة، الزيادة القصوى للربحية؟ وهل ممكن أن نعكس هذه الآلية؟ وهل ممكن أن ترجع الطفرات المرضية للأصل الطبيعي؟ وهل تستطيع الحكومات المحلية، التي تعتمد بقائها على مكتسبات قصيرة الأمد، أن تحقق رؤية طويلة الأمد للحياة، في قرية عولمة صغيرة؟ وهل فعلا ديمقراطية الغرب هي الجواب المقدس لأمانينا، لتدافع عن حريتنا الشخصية، وتحضن أحلامنا الجشعة؟ وهل ستكون الورقة النهائية في لعبة الجنس البشري؟ ألا يعكس رغبة الإنسان المعاصر لها، أعظم حماقة لقصر نظرنا، وعدم قدرتنا على العيش كاملا في حاضرنا؟ ويبدو بأن ذكائنا المدهش قد تجاوز غريزة بقائنا، فننهب الأرض، أملا في أن تعوضنا مادياتنا المكدسة ما فقدناه من فكر عميق، وأدراك حكيم، وروحانيات إنسانية، والتي لا يمكن قياسها بالمال والجاه؟"
وقد ناقش الوزير البريطاني ديفيد هوول بصحيفة اليابان تايمز فقد الثقة بديمقراطية الغرب في عالم العولمة الجديد، فقال: "العالم يمر بأزمة شرعية سياسية، بعد أن فقد مواطنو الغرب، الثقة بحكوماتهم وطبقاتهم الحاكمة. فقد بينت استطلاعات الرأي بالاتحاد الأوربي، بأن أكثر من 80% من الناخبين لا يثقون بأحزابهم السياسية، والثلثين منهم يشككون في حكوماتهم. وأكد استطلاع رأي أجري في 18 دولة متقدمة، بأن 63% من المواطنين يعتقدون بأن السياسيين مشغولون بمصالحهم الشخصية، كما تبخرت فكرة أن الحكومة تملك الحكمة، وتمثل مصالح الشعب، وخاصة بعد انتشرت شفافية تكنولوجية العولمة بالانترنت، لتكشف زيف ادعاءات سياسيو الغرب وتصرفاتهم المخزية. وتبرز علامات هذه الأعراض في بريطانيا بطريقة فتاكة، حيث يعتقد الشعب بأن نوابه يستغلون أموال الضرائب لمصالحهم الخاصة. وتؤكد الدراسات في مختلف دول العالم بأن الشعوب تنظر لسياسييها كمصدر لقوانين غير فاعلة، وتصريحات جوفاء، وبعدم كفاءة عجيبة. وخلقت تكنولوجية الانترنت شبكات معارضة جديدة، بأفكار مبدعة، وواصلتها بمئات الملايين من شعوب العالم، لتستبدل شبكات اليوتيوب والتويتر والفيسبوك االهرم التقليدي للحكومات، لتخلق هوية عولمة وطنية، وثقافة متنوعة، ومحمية يشتاق المواطنون من خلالها، شبابا وشيوخا، لقيادات جديدة ملهمة، مهتمة بمصالح مجتمعاتها، ومتواصلة مع باقي العالم لمعالجة تحديات العولمة المعقدة".
ويندهش الكاتب الأمريكي فريد زكريا، رئيس تحرير مجلة النيوزويك، من ما حققته الصين خلال فترة قصيرة بإصلاحاتها الاقتصادية، وبحكومتها المركزية، وبدون سحر الديمقراطية الغربية، فيقول: "لقد كانت دهشة عام 2009، مرونة الأسواق الكبيرة الصاعدة، الهند والصين واندونيسيا، والتي استمرت اقتصادياتها نشطة، بل أن الصين، لم تتجاوز الأزمة فقط بل نمت من خلالها. فنمى الاقتصاد الصيني، وارتفعت صادراته من جديد، وزادت مدخراتها في الخارج لأكثر من 2 تريليون دولار، ورفعت الحكومة نسب الصرف لتطوير البنية التحتية. وتم كل ذلك بسياسات حكومية صائبة، فاستفادت الصين من الأزمة الاقتصادية العالمية لتتقدم وبقوة في تنميتها الاقتصادية، بينما انشغلت دول الغرب بحماية مواقع ضعفها. فالفائزة في أزمة العولمة الحالية، هي حكومة بيجين، بتطبيق فلسفتها الكونفوشيشية، الأزمة خطر وفرصة. فبينما اصطدمت حكومات الغرب بأزمة عام 2008 بدون استعداد مسبق، فصرفت الكثير في دعم مؤسساتها المالية، لتزداد ديون دولها. فقد زادت ديون دول الاتحاد الأوربي بشكل غير مسبوق، مع أن الاتحاد طالب، قبل ثلاث سنوات، بخفض هذه الدول ديونها إلى 3%، لكي تكون مؤهلة لانضمام. بينما عايشت الصين الأزمة وهي تدخر الأموال الكثيرة، بل كانت ترفع من نسب الفائدة لكي تهدئ من سرعة نموها الاقتصادي، كما كانت بنوكها مليئة بأموال مدخرات المستهلكين. فاستطاعت حكومتها مع بدء الأزمة، تطبيق قواعد العلوم الاقتصادية بسهولة، لزيادة نموها الاقتصادي. فخفضت نسب الفائدة، ورفعت الصرف الحكومي على تطوير البنية التحتية والتعليم، وسهلت القروض للمستثمرين، وشجعت المستهلكين على الصرف. فبانضباطها في سنين الطفرة، استطاعت أن تسهل أمور شعبها في الأزمة."
وقارن الكاتب بين الدعم الحكومي الصيني والأمريكي للاقتصاد في أزمة عام 2008، فوجد بأن الحكومة الأمريكية توجهت للصرف على دعمها للاستهلاك لتغطية ذنوب بنوكها، ورواتب موظفيها، وتكلفة رعايتها الصحية، بينما توجهت الصين للاستثمار في المستقبل: البنية التحتية، والتكنولوجيا، والتعليم. ومثل ما طورت الصين بنيتها التحتية للقرن الواحد والعشرين في العقد الماضي، تقوم بتكملة خطتها في هذا العقد، فقد صرفت أكثر 200 مليار دولار على القطارات السريعة، لتقلل مدة السفر بين بيجين وشنغهاي من عشر ساعات لأربع، وستضيف 44 ألف ميل من الشوارع، وحوالي 100 مطار جديد. كما أصبحت الصين رائدة في المواصلات البحرية، فاثنين من أكبر موانئ العالم هي في شنغهاي وهون كونج، كما عملت على تطوير تكنولوجية الطاقة الشمسية والرياح والبطارية، لتصبح أربعة من عشرة شركات القمة في العالم شركات صينية، كما وفرت استثمارات هائلة لتطوير قواها البشرية، وتقدم أبحاثها التكنولوجية.
وأختتم زكريا مقاله بالقول: "المزيج الصيني بين التدخل الحكومي، والسوق الحرة، والدكتاتورية، والكفاءة هو مزيج محير." فقد تفرغ الصينيون لتطوير مجتمعهم ببرغماتية واقعية، بعيدا عن الأيديولوجيات المفرقة، والثوريات المفرقعة، وبدءوها بتطبيق فلسفة زعيمهم الراحل دنغ: "لا يهم إن كان القط أبيض أم أسود ما دام يقوم بصيد الفئران." وبهذه الفلسفة البرغماتية، نسى الشعب الصيني أحقاد الماضي بأيديولوجياتها الثورية، وطورت حكومته علاقاتها مع جميع دول العالم، وبحثت عن الفرص الاستثمارية في كل مكان، واستثمرت في التعليم لتطوير قواها البشرية. فأرسلت الصين خيرة طلابها لدراسة التكنولوجيات الهندسية والعلوم الاقتصادية في دول الغرب، لتهيئ خلال عقود قليلة، قيادات هندسية واقتصادية، متخرجة من جامعات هارفارد وستانفورد وأكسفورد، لهندسة إصلاحاتها. وذلك بدمج العلوم التكنولوجية، والإنسانية العالمية، بالثقافة الصينية، وتاريخها، وفلسفتها الكونفوسيشية، لتبلور حضارة عولمة جديدة، وبدون التقليد الأعمى لديمقراطية الغرب الشائخة، ورأسماليتها الفائقة. ولنا لقاء.

سفير مملكة البحرين في اليابان

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف