أصداء

لعنة كراسي الحكم في الشرق الاوسط

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

كراسي الحكم في الشرق الاوسط تبدو انها تعاني من لعنة، والشعوب لا تدري بها طوال نصف قرن من الزمن، والتاريخ الحديث في المنطقة لم تدرك هذه القراءة الا في الاحداث التي مازالت ترافق الثورات الزاحفة من تونس ومصر الى اليمن وليبيا والبحرين وسوريا والمغرب ودول أخرى.

أول لعنة جاءت على الرئيس الهارب زين العابدين بن علي الذي استولى على كرسي حكم دولة تونس بانقلابه على صانعه الرئيس حبيب بورقيبة، وأدرك ان لا مفر من مطالب شباب الثورة الا بالهروب لأن الحقائق والاسرار التي يحمله تؤدي به حتما الى نهاية غير مسرة.

واللعنة الثانية جاءت على الرئيس المنحي حسني مبارك، وبالرغم من مقاومته لاحتجاجات ومطالب الثورة الشبابية في ساحة التحرير، الا انه لم يقدر على الصمود بالرغم من الوعود التي قطعه للاصلاح وعدم تجديد وتوريث حكمه، فقدم نائبه المنحى ايضا البيان الشهير بتنحي مبارك عن منصب رئيس الجمهورية.

واللعنة الثالثة جاءت على الرئيس اليمني المهيأ للرحيل علي عبدالله صالح، وهو يقاوم بشدة مطالب الشباب في ساحة التغيير بصنعاء، ويقدم بين فترة وأخرى تنازلا سياسيا الا ان التنازلات لا تسعفه ولا توفر له سبيلا للاستمرار في حكمه، واصراره بالاحتفاظ على فترة ولايته الرئاسية يبين انه لم يتعظ من عبرة هروب بن علي وتنحي مبارك، وهو مازال لا يسمع للأنين النابع من حشود شباب اليمن التي تريد ان تزيح الرئيس المخضرم عن الحكم بأغصان الزيتون وضحايا من الدماء البريئة.

واللعنة الرابعة جاءت على العقيد المصاب بجنون العظمة معمر القذافي الذي برهن ان نيرون حارق روما رجل سلام مقارنة بما يفعله من حرق وابادة للشعب الليبي الذي لم يتذوق طعم الحرية طوال أربعين سنة من الزمن غير المحسوس في أعمار الليبين، والمصيبة ان صاحب القول الشهير في زحفه على الثوار "بيت بيت دار دار زنكة زنكة" متشبث بالكرسي الملعون الى آخر قطرة من دماء الليبيين والذي لم يجلب غير سفك الدماء لشعب متلهف بكل جوارحه لطعم الحرية.

واللعنة الخامسة جاءت على الحكومة العراقية ولكن لم تكن لها تأثير لازالة كرسي الحكم، وقد نادى الكثير من الشباب المحتجين للقيام بتظاهرة مليونية في ساحة نصب الحرية في بغداد لعرض مطالبهم ولكنهم لم يفلحوا في مسعاهم، ويبدو ان المسألة تختلف تقديرها في العراق عن باقي الدول لان مطلب تغيير النظام ليس من أجندة المحتجين، وبخصوص المطالب الاجتماعية والاقتصادية والخدماتية فقد تحرك لها البرلمان العراقي والحكومة وحددت لها برنامجا وفترة زمنية لمعالجة المشاكل والازمات المعيشية والحياتية التي يعاني منها العراقييون، وأما فيما يخص اقليم كردستان وما يجرى من احتجاجات في بعض مدنها فقد تحرك لها أيضا برلمانه وحكومته ورئيسه وتوعد الأخير بعدم ترشيح نفسه للرئاسة المقبلة وطلب تقديم موعد الانتخابات البرلمانية لايجاد معالجات جذرية للازمات التي يعاني منها الإقليم ولكن المعارضة والمحتجين مازالوا غير مقتنعين بالوعود الرسمية المعلنة.

واللعنة السادسة جاءت على ملك وحكومة المغرب وطالب المحتجون الشباب بتحويل المملكة الى مملكة دستورية والغاء التقاليد المتعلقة بمراسيم التقبيل الملكية التي تدل على عبودية لا تليق بشباب الانترنيت والفيس بووك، ويبدو ان الملك الشاب قد أخذ المطالب بجدية ليخرج منها سالما محتفظا بكرسيه الملكي وان انتقل الحكم دستوريا الى الحكومة المنتخبة ليحتفظ لنفسه ببعض الامور البروتوكولية.

واللعنة السابعة جاءت على ملك وحكومة المملكة السعودية، ويبدو ان ملكها قد تنبه لمخاطر تأثير الثورات الزاحفة، فتقدم بحزمة اصلاحات اقتصادية جوهرية وفتح لها خزائن المملكة بعشرات ومئات المليارات من الدولارات لتأمين السكن وضمان العمل وتحسين الحالة المعيشية، ومع الاقرار باجراء انتخابات بلدية، ولم يكتفي بهذا القدر بل طالب بعدم مناداته بلقب الملك الذي لا تستسيغه أجيال شباب الدردشة على الشبكة العنكبوتية، وفي كل الأحوال تعتبر بادرة خادم الحرمين من أعقل المبادرات المتسمة بالحكمة للمعالجة الآنية والمستقبلية للازمات الاقتصادية التي يعاني منها الشعب السعودي وخاصة الشباب.

واللعنة اللاحقة، لا ندري من سيلحق بها في بقية دول العالم العربي، ولو ان الاشارات الجديدة في الايام الاخيرة تشير الى ان كرسي الحكم في سوريا سيتعرض لها، وقد يلحق بها الأردن والجزائر والسودان المقلص ولكن الجديد في الأمر ان الحكم في الصين بدأ يتخوف من امتداد شعلة الثورات الى بكين وشباب الدولة العملاقة اقتصاديا، وينظر للثورات الزاحفة كأنها تسونامي ستصيب دول في آسيا كما أصاب دول في شمال أفريقيا.

بعد سرد هذه اللعنات الملتصقة بكراسي الحكم، هنالك حقيقة مرة نخرج منها من تلاحق هذه اللعنات الثورية السلمية، وهي أن الأسباب الرئيسية لها هي الاستبداد وقمع الحرية والجمع بين السلطة والثروة من قبل أهل الحكم وتحويل الدولة الى ضيعة في جيوب العائلة الحاكمة، وهي نفس الاسباب التي مثلها احد حكماء الاغريق في اندلاع الحروب بالمرأة والمال والخبز، وهي تمثل في عالمنا الحرية والسلطة والاقتصاد، وحقيقة انها فعلا ضرورات حياتية رئيسية للانسان الذي يبغي الكرامة، والشباب الثائر في عالم اليوم ثبتوا انهم أكثر ذكاءا وحبا للحرية والعدالة والكرامة التي حرم منها شباب الأجيال السابقة.

* المقال كتب بالقرب من نصب الحرية في بغداد
Gulizada_office@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الجيل السابق
ابو يحيى -

الحرية والعدالة والكرامة التي حرم منها شباب الاجيال السابقة، ولكن الجيل القديم يقول دائما ان زمنهم كان زمنا للاخلاق والهدوء والالتزام والعمل الجاد والشعور بالمسؤولية والتدين المعتدل، وهذا ما لايتصف به الجيل الحالي حسب رايهم مع احترامي لرأي الكاتب، مع الشكر.

Evolution
Rizgar -

Arabic Democracy Needs Evolution, Not Revolution -Middle East society should develop in an evolutionary, not revolutionary way.الديموقراطية العربية بحاجة للتطور ليس الثورية, تطوير والتغير في المجتمع عن طَرِيق التطويرية, ولا الثورة.

Evolution
Rizgar -

Arabic Democracy Needs Evolution, Not Revolution -Middle East society should develop in an evolutionary, not revolutionary way.الديموقراطية العربية بحاجة للتطور ليس الثورية, تطوير والتغير في المجتمع عن طَرِيق التطويرية, ولا الثورة.