ثورات جنوب المتوسط: تحديات وفرص ومفترق صعب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الداهية "لوي ألتوسير" له عبارة مأثورة: "كل المعارك الفكرية هي معارك سياسية داخل الفكر"، ربما، تقف وراء انشاء العديد من مراكز التفكير وانتشارها خاصة في أوروبا وأمريكا، منها شبكة الأفكار الأوروبية (EIN) وهدفها التعرف علي التحديات الرئيسية التي تواجه الاتحاد الأوروبي، ويدعمها حزب الشعب الأوروبي (EPP) وهو أكبر كتلة سياسية (يمين الوسط) في البرلمان الأوروبي.
تأسست شبكة الأفكار الأوروبية عام 2002 وتضم 600 متخصصا من صانعي السياسات وقادة الرأي في الاتحاد الأوروبي، منهم رجال أعمال وأكاديميين وسياسيين واعلاميين وممثلي المجتمع المدني، ويتمحور عملها حول سؤالين رئيسيين: ما التحديات التي تواجه سياسة أوروبا في السنوات المقبلة ؟ وما الحلول العملية للتصدي لا ؟
ومن مؤسسات التفكير أيضا (FAES) التي أسسها وزير خارجية أسبانيا الأشهر "جوزيه ماريا أزنار"، وهي مؤسسة مهمة متخصصة في توليد الأفكار ونشرها، وتدريب الراغبين في العمل السياسي، وانشاء الشبكات المماثلة في العالم، وترتبط كذلك بحزب الشعب الأوروبي منذ عام 1989.
مؤخرا تلقيت دعوة كريمة من "مارتينز كاسان" مدير شبكة الأفكار الأوروبية للمشاركة في ندوة بعنوان: "الثورات في العالم العربي.. التحديات والفرص" علي مدار يومي 22 و23 مارس بمؤسسة ( FAES) في (مدريد) بأسبانيا، شارك فيها نخبة من المتخصصين والسياسيين، منهم: "جيم مايور أورتيجا مب" نائب رئيس حزب الشعب الأوروبي ومسئول الاستراتيجية السياسية لشبكة الأفكار الأوروبية، "جورج مورجاس" عضو حزب الشعب الأوروبي، "رودي كراتسا" عضو حزب الشعب ونائب رئيس البرلمان الأوروبي، "مجدي خليل" مدير منتدي الشرق الأوسط للحريات بالولايات المتحدة ومصر، "عادل جندي" رئيس منظمة التضامن القبطي بفرنسا، "الكسندر رقيق عضو المكتب السياسي لاتحاد السلام والازدهار في تونس، "ويلفرد مارتينس" رئيس حزب الشعب الأوروبي، "أنا دي بلاسيو" الوزيرة السابقة للخارجية الأسبانية وكاتب هذا المقال.
الثورات في شمال أفريقيا - وإن شئت الدقة - الثورات في جنوب المتوسط، حدث غير مسبوق لخلق كيان متوسطي جديد يتغذي علي القيم الديمقراطية والمصالح المشتركة في الألفية الثالثة، وأصبح أمام أوروبا الآن فرصة تاريخية لمساعدة شعوب الضفة الأخري من المتوسط، على بناء اقتصادات قوية وديمقراطيات قوية، بالتوازي والتقاطع.
ركزت في ورقتي علي أن ثورة 25 يناير في مصر 2011 اجتمعت فيها لحظتان تاريخيتان هامتان لأوروبا والعالم، الأولي عام 1947 حين دعا " جورج مارشال " إلي مشروع مثير لإعادة بناء أوروبا التى خرجت مدمرة من الحرب العالمية الثانية، واللحظة الثانية عام 1989حين انهارت الشيوعية في الاتحاد السوفييتي السابق وأوروبا الشرقية وبزغ فجر الميلاد الجديد للحرية والديمقراطية، لكن يبدو ان حركة الأمواج في المتوسط استغرقت عقدين من الزمان تقريبا لتصل من شمال المتوسط إلي جنوبه.
مشروع مارشال في جوهره كان حربا من أجل العقول، كما ذكرت من قبل في مقالي بإيلاف "جون كيري: الحرب من أجل العقول في جولتها الثانية"، حيث كانت الشيوعية هى الأيديولوجية المعادية بعد الحرب العالمية الثانية، ونحن الآن في الجولة الثانية من هذه الحرب من أجل العقول (وهي الأخطر) حيث الأصولية الإسلامية تقف وراء الاستبداد والأرهاب فى مختلف أنحاء العالم، ومثلما كان هدف مشروع مارشال هو "تجفيف المستنقعات" التى كانت الشيوعية تستمد منها الدعم، فعلي أوروبا الآن أن "نجفف المستنقعات" التى تمد الإرهاب الدولى بالأصوليين والمنتحرين وبالدعم المالى.
أوروبا طرحت العديد من المبادرات منذ الربع الأخير من القرن العشرين ولم تفعل حتي اليوم، منها استراتيجية البحر الأبيض المتوسط الرامية إلى تحفيز التجارة والاستثمار في العالم العربي (مبادرة برشلونة) في التسعينيات، ثم الاتحاد من أجل المتوسط وهي الآلية التي ابتكرها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في عام 2008 من أجل تعزيز التعاون الإقليمي، ومن قبلهما تقرير "الشمال والجنوب" للمستشار الألماني "فيلي برانت"، الذي طالب بنظام عالمي عادل، وأن يتم دمج الإقتصاد العالمي في وحدة واحدة، ويقوم على نظام أقتصاد السوق الحر والنظام الديموقراطي الليبرالي.
أن المساعدات الاقتصادية، وفتح أسواق الاتحاد الأوروبي، ومشاريع الطاقة الاستراتيجية، والمشورة الدستورية والقانونية، والتعاون بين الجامعات، وغيرها من الموارد التي يتعين على الغرب أن يوفرها إذا كان راغباً في الإسهام في إنجاح الثورة في شمال افريقيا، لأن فشل الثورة معناه انتشار التطرف الاسلامي إلى مختلف أنحاء العالم.
وتشير أحدث نتائج استطلاعات الرأي لمؤسسة "بيو" أن 59% من المصريين يقفون إلى جانب الأصولية الدينية في صراعها مع قوى الحداثة، وأن نسبة 41% من المصريين لا يعتقدون بان الديمقراطية هي أفضل أنظمة الحكم، وهؤلاء سيكون بمقدورهم الالتفاف علي الثورة و إسقاطها، وأثبتت نتائج الاستفتاء الأخير علي تعديل بعض مواد الدستور المصري صحة هذه الأرقام.
ففي ظل وضع اقتصادي متردي تتزايد معه الهوة الطبقية بصورة لا انسانية، حيث تعيش قطاعات واسعة (41 %) تحت خط الفقر (المحدد بدولارين في اليوم)، علما بأن الحد الأدنى الضروري للعيش في مصر هو ( 24دولاراً) تقريبا، بينما لا يبلغ حالياً متوسط الدخل الـ100 دولار، فضلا عن أنّ نسبة البطالة بلغت 30% في العشر سنوات الأخيرة، تصبح الثورة في مصر في مفترق طرق صعب، وهو مفترق يضع الاتحاد الأوروبي - لأول مرة - أمام مسئولياته الجيو - سياسية في الألفية الثالثة.