قراءة في كتاب ابراهيم الخميسي: عين الاعصار وعيون الحقيقة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبد الجبار عبدالله
ماذا تمثل ظاهرة استجلاب الماضي والكتابة عنه؟ هل هي نوع من الحيل التي يبتكرها الانسان للهروب الى الخلف ام تعطش للمآسي القديمة بالقياس لكوارث اليوم؟ اسئلة كثيرة تبادرت لذهني وانا اقرأ كتاب الدكتور ابراهيم الخميسي "عين الإعصار"، ولا اخفي القول اني غير متحمس بل واشعر بالكثير من الخوف في المشاركة او الكتابة عن التجارب التي دخلت في ذمة التاريخ لا لكونها لاتستحق الكتابة... لا اطلاقا .. لكن صديقنا ارونلد هاوزر يصف تلك التجارب بوصف مخيف.. يقول" ان القداسة تكمن في العتاقة" وان التاريخ يضفي على التجارب ثوبا مخمليا يغطي عيوبها ويبرز مفاتنها فخشيت ان يشملني هذا التوصيف حين اتحدث عن تجربة توقفت حين كنت مجرد مشروع في ذهن ابي لم يحققه بعد، لكني ايضا اكن حبا خاصاً للدكتور عبد الجبار عبدالله بعضه مرتبط بحب الاخرين له، فلم يصادفني احد ان ذكره بما لايستحق وبعضه الاخر مرتبط بمهنتي التي تجعلني واياه في قائمة تحقيل واحدة، ومن هنا ساترك للاخرين ان يدلوا في محيطه العذب من دررهم وساكتب انا عن تجربة صديقي الدكتور ابراهيم الخميسي الذي سعى جاهدا ان يرى هذا الكتاب النور رغم قلة المصادر وضياع الوثائق التي يؤشرها بوضح في مستهل كتبه بالقول " وليس من السهل الكتابة عن العلماء اللذين يقضون جلّ أوقاتهم في المختبرات أو مراكز البحث العلمي سواء النظري منها او العملي. علماً إن العديد منهم لا يحب الظهور أو لا تسنح له الفرص لتقديم نفسه والحديث عن أعماله أو بحوثه أو نظرياته. فمن النادر جداً أن نشاهد مقابلة تلفزيونية أو مادة إعلامية أخرى لمبدعي بلادنا في مجال العلم" هذا فضلا عن تراث الراحل لم يوثق لاسباب كثيرة اهمها انه يمثل احد رموز حقبة مغضوب عليها اخفيت معالمها عمدا وطمست اثارها رهبا وخوفا كونها ارتبطت بزعيم وطني قل نظيره في عالم السياسة اليوم" الزعيم عبد الكريم قاسم" وتناثرت اخباره على السنه من الرواة مما صعب المهمة البحثية او تركها " احيانا" للصدفة وهو ما ذكره الخميسي ايضا بالقول" و من حسن الصدف إني احتفظت، ولا زلت، بأحد أعداد جريدة " طريق الشعب" منذ عام 1977وقد احتوى على قسم من كلمة لعبد الجبار عبد الله كانت قد تصدرت دليل جامعة بغداد لعام 1959- 1960. إضافة إلى بعض المعلومات البسيطة التي كانت تنشرها المجلات المندائية في أمريكا والسويد في ذلك الوقت أي بداية التسعينات من القرن الماضي." ورغم ذلك كنت اخشى كثيرا ان يذهب الخميسي مذهب من سبقه بالكتابة عن عبد الجبار عبدالله فيسهب بذكر مزايا الرجل وكأنه يرثيه بمناسبة وفاته الاولى او يضخم من انجازاته الى الحد الذي يجعل العلم بعده قد اسدل الستار وكسرة نبالة القلم لمن يريد البحث في التخصص الا ان من حسنات الكتاب انه نفى ذلك كله بالقول "وأود التنويه هنا بأني اعتمدت على المصادر و المراجع الموثقة والمعروفة؛ فلن يجد القارئ،مثلاً، لقاء عبد الجبار عبد الله بآينشتين وتقبله قلماً كهدية منه، كما لن يقرأ من يطلع على هذا الكتاب حول تقليد الرئيس الأمريكي هاري ترومان وسام "مفتاح العلم" للدكتور عبد الجبار. والسبب هو عدم وجود علاقة شخصية بين عبد الجبار عبد الله و آينشتين، كما أن مجال عملهما مختلف تماماً. إن المرة الوحيدة التي رأى فيها د. عبد الجبار العلامة آينشتان كانت عندما ألقى الأخير محاضرة عامة في الجامعة التي كان د. عبد الجبار يعمل فيها. و كان الحشد، كما روى لإبنه سنان لاحقاً، كبيراً فلم يتسنى له اللقاء أو الحديث مع أشهر فيزيائيي القرن المنصرم. أما عن وسام "مفتاح العلم" فلم يؤكد ذلك د. سنان عبد الجبار عبد الله إثناء سؤالي له بهذا الخصوص . ولعل المفارقة الحقيقية التي تبرز هنا ام معظم من كتب عن الراحل وذكر من محاسنه واسهب في سردها لم يتناول علمية الدكتور عبدالله وفحوى بحوثه التي تتلخص بـوصفه لما كان يحدث في علم الانواء الجوية بمعادلات رياضية، يستطيع الباحث بواسطتها التنبؤ بحالات هبوب الأعصار. وعلى هذا الأساس يتم التهيؤ والأستعداد لمواجهة ذلك، حيث يتم إنقاذ السفن والبواخر التي تمخر عباب البحار والمحيطات، وأخذ الأحتياطات اللازمة في المدن.ولعل ميزة هذا الكتاب الاساسية هي تناولها لبحوث الراحل وتلخيها لمنجزه البحثي متخذا من عنوان احد بحوثه المهمة " عين الاعصار" عنوان الكتاب نفسه ويتلخص هذا البحث الريادي بـ" حدوث ونمو وتكامل عين الأعصار. والأعصار يبدأ كدوامة صغيرة، ثم تكبر وتنمو عين الأعصار، فتكون ضيقة، دافئة، واضحة و تحدّها ريح قوية وفرق بالضغط شديد الكثافة. وهذه الحالة غير مستقرة، مما يؤدي إلى تغيير شكل العين، فتأخذ بالتوسع، وقد تكون غير دافئة، غير واضحة وتقل كثافة فرق الضغط. وبإستخدام موديلات(نماذج) رياضية مبسطة، عن طريق إهمال بعض العوامل مثل تأثيرات الأحتكاك ودوران الأرض على التحركات الجوية، استطاع د. عبد الجبار توضيح بعض الخصائص المهمة لهذا الأعصار وامكانية التنبؤ بحدوثه" وهو ما سيفتح الباب واسعا للباحثين الجدد " حينذاك" للاستفادة من معطيات البحث لرصد هذه الظاهرة الكونية الخطيرة التي تهدد اقتصادات دول كبرى تتعرض لتلك الاعاصير. وقد ذهب الكتاب ايضا لتوضيح بعض البحوث الهامة للراحل والتي تخص العواصف يلخصها الدكتور الخميسي بالقول" دراسة خصائص خطوط العاصفة. كان يلاحظ أن تلك الخطوط، التي تشكل مقدمة الجبهة الباردة للعاصفة، والتي تندفع بتعجيل معين،يجري نموّها طوليا. قام د. عبد الجبار بوضع محاولة لتوضيح صفات خطوط العاصفة والتي تُدعى أيضاً خطوط قفز الضغط، وكذلك لأستنتاج معادلة رياضية يُستطاع من خلالها التنبؤ بذلك النمو. لقد اعتمد في موديله(نموذجه) على عدة فرضيات منها: إن مستوى هبوب العاصفة افقيا وخاليا من أية ارتفاعات، وإن تعجيل الجبهة الباردة ثابتاً. كما إن تلك الجبهة الباردة لا تحتوي على اية سرع جانبية إثناء جريانها. إعتماداً على هذه الفرضيات استطاع من اشتقاق معادلة رياضية يمكن بواسطتها دراسة كيفية تشكل ونمو خطوط العاصفة او الزوبعة وكذلك التكهن بوقوعها"
ولعل من اهم ميزات هذا الكتاب هو تغطيته لجانب مهم من تجربة الراحل عبد الجبار عبدالله تتمثل بادارته لجامعة بغداد وتاسيسه للكثير من مرافقها ومجلاتها العلمية ومنتدياتها الادبية والثقافية الامر الذي جعلها من بين الجامعات العالمية التي يشار لها بالبنان لسنوات طوال
والكتاب اخيرا رغم قلة عدد صفحاته وصعوبة جمع مواده الا انه يشكل حلقة مهمة في مسيرة الكتابة عن عالم عراقي كبير عاش بصمت وترك الكثير من الصخب العلمي في بحوثه الريادية المبكرة.