فضاء الرأي

ديمقراطية الغرب وانتفاضة العولمة (2)

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

من مفكرة سفير عربي في اليابان

مع بزوغ فجر الألفية الثالثة، يعاني العرب من تحديات كثيرة: تزايد سكاني يتجاوز 350 مليون، قلة الإنتاجية، تصاعد نسب البطالة، ارتفاع نسبة الفقر إلي أكثر من 40%، بالإضافة لتحديات التطرف الفكري وإرهاب العنف. وقد دقت فوضى التجربة الصومالية ناقوس الخطر، ونبهت انتفاضات الشرق الأوسط الأخيرة دول المنطقة لإيجاد صيغ برغماتية للتعامل مع هذه التحديات، مع المحافظة على استقرارها وفعالية حكوماتها. وقد تخوف الغرب على مصالحه النفطية، فحاول فرض وصايته بنشر ديمقراطيته اللبرالية برأسماليتها الفائقة، لينتهي بحروب فاشلة في غزة ولبنان والعراق وإفغانيستان، وبفضائح سجني غوانتينامو وأبو غريب، وبزيادة مضاربات السوق في أسعار الماء والغذاء والطاقة، بالإضافة لزيادة الديون الوطنية. وقد تحمست بعض الدول لتقليد ديمقراطية الغرب، فانتهت بإرهاصات برلمانية، مزقت نسيج المجتمع وتناغمه، وأضعفت أداء الحكومة وفعاليتها. بينما قاومت دول أخرى هذا التقليد، فطورت تجربتها تدريجيا، ضمن ثقافتها وتاريخها، وبإصلاحاتها الاقتصادية والسياسية، وبتطوير مؤسساتها الحكومية والمدنية، كما حاولت الاستفادة من التجربة التنموية الأسيوية في الصين واليابان وسنغافورة وماليزيا.
وقد ناقش البروفيسور البريطاني، جون كين، تحديات الديمقراطية الغربية في مقدمة كتابه، حياة وموت الديمقراطية، بقوله: "لقد قطعت الممارسات السياسية في القرن الواحد والعشرين كالمنشار في جسم الديمقراطية. وهي لن تغفر للشعوب والسياسين والأحزاب والبرلمانات بتحويلها للعبة غير مؤثرة. فلم تعد آلية تدافع عن مصالح الشعب، وزاد حجمها وتكلفتها أكثر بكثير من فعاليتها الحقيقية، كما أصبحت أحزابها وبرلماناتها متحجرة، وبقايا لزمن مضى." وعرض الكاتب تاريخ الديمقراطية، الذي يعتقد بأن منبعها الشرق الأوسط، قبل اليونان وروما، وناقش الصراعات الأوربية في القرن التاسع عشر والعشرين، التي حاولت تحقيق ديمقراطية توفر الحرية والرخاء لشعوبها، فعانت من أصحاب النفوذ بمحاولة إفشالها، باستخدامهم أنواعا مختلفة من الشيطنة والحيلة، كالمجالس الوراثية، ورفع نسب تمثيل أصحاب الأملاك والمتعلمين، والضغط على القوى العاملة للتصويت العلني أمام ممثلي شركاتهم. كما ضعفت المؤسسات البرلمانية بتدخل العسكر، وهاجمها البعض، ليعتبرها بسمارك حضانة يقيدها الأطفال، ويوصفها توماس كريل بأنها متوحشة وصارخة وسافرة وصوت للفوضى، وينتقدها اوسكار وايلد بأنها ديمقراطية الضرب بالمضرب الشعب بالشعب وللشعب.
ويبدو بأن ديمقراطية التمثيل الحزبية قد قلت شعبيتها في القرن الواحد والعشرين، بعد أن ضعفت فعاليتها، وابتعدت عن تمثيل مصالح جماهيرها. ففي عام 2000، قدرت نسبة المواطنين المنضمين للأحزاب في الهند وجنوب أفريقيا بحوالي 10% من مجموع المواطنين الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات، وتعتبر هذه من أعلى النسب في العالم، بينما انخفضت هذه النسبة في الدول الأوروبية إلي 5% بعد أن كانت 15% في عام 1960. فقد خسرت الأحزاب الفرنسية مليون من أعضائها، أي ثلثي مجموعها الكلي، خلال الفترة من عام 1980 وحتى عام 2000، كما خسرت الأحزاب الهولندية 50 % من أعضائها في نفس الفترة. وقل منتسبي الأحزاب البريطانية خلال فترة 1950- 2000، لينخفض عدد أعضاء حزب العمال من مليون إلى مائتي ألف، وحزب المحافظين من مليونين ونصف إلى ثلاثة مائة ألف. مع أن استطلاعات الرأي تؤكد زيادة مشاركة المواطنين في منظمات المجتمع المدني، بالرغم من يأسهم من فعالية المشاركة في الأحزاب السياسية. وقد عانت هذه الأحزاب السياسية من الإفلاس المالي بعد فقدان شعبيتها، فاضطرت للاعتماد على طرق غير شرعية لجمع الأموال للدعاية لمرشحيها، لتتحول ديمقراطية التمثيل النيابي تدريجيا، لديمقراطية تمثل مصالح الأحزاب، والشركات الخاصة التي تمول دعاياتهم الانتخابية الباهظة الكلفة، ولتتحول صورة رجل السياسة في المجتمعات الغربية "لرجل أبيض الشعر، بثياب أنيقة، محارب لمصالحه الشخصية، وذي سمعة قريبة من سمعة بائعي السيارات ودلالي العقارات."
وقد ترافقت ديمقراطية الغرب في القرن الواحد والعشرين برأسماليتها الفائقة، والتي أدت لارتفاع تباين الدخل بين فئات الشعب لدرجة لم تشاهد منذ عشرينات القرن الماضي، لتختفي الطبقة المتوسطة، وتزداد نسبة الطبقات الفقيرة، وترتفع نسب البطالة. فقد أنحصر 21.2% من الدخل ألأمريكي لعام 2005، في يد قلة لا تتجاوز 1% من مواطنيها. وأرتفع الدخل السنوي للرئيس التنفيذي لأسواق الول مارت لما يعادل دخل تسعمائة من موظفيه، وزاد ثراء عائلة الول مارت نفسها إلي 90 مليار دولار، ليعادل مجموع ثراء 40% من المواطنين الأمريكيين، الأقل دخلا. ولينتهي كل ذلك بانهيار المؤسسات المالية وانفجار فقاعة أسهم الوول استريت في عام 2008، والتي أدت لخسارة الملايين من المواطنين لمنازلهم وتقاعدهم ووظائفهم وتأميناتهم الصحية، وانخفض ثراء العالم إلي 40% عما كان قبل هذه الأزمة. فقد فقدت الديمقراطية الغربية مصداقيتها بعد أن تحولت إلى أداة تشترى ممثلي برلماناتها الشركات العملاقة والمؤسسات المالية الخاصة، ولم تعد ديمقراطية الغرب تقي من الفقر أو الحروب، ولا تحمي من التلاعب في الانتخابات، كما لم تعد تحقق التنمية المرجوة.
ويؤكد مفكرو الغرب ضرورة تطوير الديمقراطية بالرغم من "موت" النظام السياسي اللبرالي الغربي بتمثيله النيابي، فيعلق جون كين: "الديمقراطية عملية مستمرة ومتغيرة، وتمثل حكم عدالة المتساوين، والتحرر من التسلط والعنف والظلم والمطالب الميتافيزيقية." ويبين المفكر الايرلندي سي أس لويس سبب هذه الضرورة بقوله: "أنا ديمقراطي، لأنني أومن بسقطة الإنسان لإغراءات السلطة، بينما يؤمن الآخرين بالديمقراطية لأسباب معاكسة. فالتفاؤل بالديمقراطية هو نتيجة للاعتقاد الشائع بأن الإنسان حكيم وجيد، لذلك يجب أن يكون لكل مواطن سلطته في الحكم، وهناك تكمن الخطورة، فالحقيقة هي أن سقطة الجنس البشري لا تسمح بالثقة بأي إنسان لتسلم قوة السلطة بدون محاسبة ومراقبة. وقد لا أخالف أرسطو في قوله، بأن بعض البشر لا يصلحون إلا عبيد، ولكني ارفض العبودية، لأني لا اعتقد بأن هناك إنسان يصلح لأن يكون سيد للعبيد." وحيا الكاتب الانكليزي أي ام فوستر الديمقراطية بقوله: "فتحيتي للديمقراطية، لأنها تتقبل الاختلاف، وتسمح بالانتقاد، وتوفر مشاركة ديمقراطية للسلطة، وهو خير سلاح بشري اخترع ضد الحماقة والكبرياء الناتجة عن مركزية السلطة الغير محاسبة."
ويتفق سياسيو الشرق مع الحكمة الغربية، بأهمية الديمقراطية للمحافظة على استقرار مجتمعاتهم وتنميتها الاجتماعية والاقتصادية، ليعلق نائب برلمان هونج كونج، مارتين لي بقوله: "في الحياة كما في السياسة، لا نستطيع التأكد من أن القرار المتخذ هو القرار الصحيح، لذلك نحتاج لضمانة بأن من يقرر قرارات خاطئة يمكن أن يقال من مركزه." كما قيم الرئيس الصيني السابق دينج فعالية الأنظمة السياسية بقوله: "في النظام السياسي الجيد، يمكن أن يوقف الرجل الشرير عن عمله الشيطاني، بينما تكون المشكلة أعظم في النظام السيئ، حيث ينشط الشياطين ليمنعوا الكفاءات من العمل الطيب، بل يدفعونهم أحيانا للعمل الشيطاني."
فيبدو بأن النظام الديمقراطي الغربي قد أستنزف عمره الافتراضي، ليفتقد تمثيله البرلماني لفاعليته ومصداقيته، بعد التطور التكنولوجي للأعلام والانترنت والتلفون الرقمي، لتصبح "التلي بوليتكس" باستفتاءاتها الشعبية، واستطلاعات الرأي، والفيس بوك، والتويتر، آلية ديمقراطية القرن الواحد والعشرين. والسؤال المحير: هل سيبدأ العرب إصلاحاتهم الاقتصادية والاجتماعية من حيث انتهى الغرب، ليتجنبوا أخطائهم ويستفيدوا من نجاحاتهم؟ وهل حان الوقت للاستفادة من أعمدة الحكمة الغربية السبعة: ثقافة السلم، البرغماتية الواقعية، الكفاءة والأداء، القانون والتعليم، اقتصاد السوق الحرة، والعلوم والتكنولوجيا، مع تجنب ليبراليتها الثورية المضطربة؟ ولنا لقاء.

سفير مملكة البحرين في اليابان

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الصعود الى راس الجبل
تيسير العربي -

لقد بدا العرب ثورتهم ومسارها في كل بلد يختلف باختلاف خصوصياتهم لكن الوصول الى قمة الجبل يبدا من خطوة اولية على السفح , وما اقصده ان المسار العام هو امر مشترك في كل الثورات كما هو النهر الجارف لكن تعرجاته بالتاكيد تختلف حسب طبيعتهوبنية المجتمعات ومستوى تطورها يشكل القاعدة الهامة لسلوكياتها

الثورات و الغرب
المتمني -

بعدما تجشأ الغرب ملايين من الدولارات بما تسمى بتعويضات لوكربي كحلها بالملايين إضافية نظير إفراج عن المقراحي المتهم الرئيسى في قضية بان امريكان لوكربي و المحكوم بسجن المؤبد ... السؤال كيف يقبل الغرب و معها امريكا علي إفراج عن مجرم تسبب في قتل اكثر من 300 مواطن برئ و التعدي علي سيادةتها؟؟ كيف يقبل المساومة علي امنه القومي؟؟ كيف يقبل الأعتداء علي كرامته؟؟ كيف يبيع دماء قتلاه مقابل دولارات ؟؟ اين هي العزة و النخوة و الكرامة و حقوق مواطنيها؟؟ و أين ردة فعل الشارع و البرلمان و المجتمعات المدنية؟؟؟ و اسئلة كثير في هذا السياق تطلب إيجابات.. لنفترض ان هذة الحادثة حدثت في احدى الدول العربية .. و في اضعف الدول ... هل كان بإمكان حكامها التصرف علي نحوه تصرفات الغرب؟؟ هل كان هذا التصرف ترضى به شعوب عربية؟؟ هل كان لرئيس عربي ان يقف امام شعبه و يتحدث بكل برائه عن عدم علمه عن إفراج المعتقل؟؟ و هل و هل و .؟؟ القصد من هذة الديباجة ..هي الوقوف عند اسلوب سياسة الغربية مقابل مواقفة القومية؟؟ فحينما يتعلق الموضوع بالأموال و مصالح فلا يهتم الغرب بالقيم و الخلاق و الكرامة.. لا احد يحرك ساكنآ إذا ارتداءت احدى الممثلات بكيني و حاملة الصدر تحمل علم بلادها.. لا يهتمون بحرق الأعلام و صور رئيسهم و الي آخره... بل تتحرك اساطيلها و تقذف طائراتها الصواريخ حين يتعلق الموضوع بالمصالح الحيوية الإقتصادية.. إذن المال هو اساس الدول الراس مالية الغربية و أمريكا... من هذا المنطلق ما يحدث من احداث في الساحة العربية و مساندة الغرب لها لا تخرج عن إطار المصالح الحيوية .. ام الحديث عن حقوق الإنسان و الحريات المدنية و حماية المدنيين و الإضتهاد لا تخرج عن إطار الإستهلاك الإعلامي... لذلك ما يتشدقون به الثوار من مساندة العالم الغربي لهم هو بالأصل لا يتعدى عن نصب فخ إقتصادى لحكومات القادمة ما بعد الثورات....

الصعود الى راس الجبل
تيسير العربي -

لقد بدا العرب ثورتهم ومسارها في كل بلد يختلف باختلاف خصوصياتهم لكن الوصول الى قمة الجبل يبدا من خطوة اولية على السفح , وما اقصده ان المسار العام هو امر مشترك في كل الثورات كما هو النهر الجارف لكن تعرجاته بالتاكيد تختلف حسب طبيعتهوبنية المجتمعات ومستوى تطورها يشكل القاعدة الهامة لسلوكياتها

Silly Arabs
Lawrence Of Arabia -

Then we should revolt first against our way of life since most of the problems occured because of extreme increased in populion =350 million. Stop producing children and through them on society an for the government to take care of them. Use incomprehensible methods for birth control. We as Arabs are very dependable on others in every way and every means. Old parents depend on their children in supprting them financially when they grow old or even when they are still young. We as Arabs are dependants on luck, and for other Nations to support us. As the famous English soldier " Lawrence told the Arabs You are silly people, little people and ignorants He really meant it eventhough he wanted sincerely to help the Arabs in getting rid of the oppressors

Silly Arabs
Lawrence Of Arabia -

Then we should revolt first against our way of life since most of the problems occured because of extreme increased in populion =350 million. Stop producing children and through them on society an for the government to take care of them. Use incomprehensible methods for birth control. We as Arabs are very dependable on others in every way and every means. Old parents depend on their children in supprting them financially when they grow old or even when they are still young. We as Arabs are dependants on luck, and for other Nations to support us. As the famous English soldier " Lawrence told the Arabs You are silly people, little people and ignorants He really meant it eventhough he wanted sincerely to help the Arabs in getting rid of the oppressors

حيراكات كربونية
True col.Makkawi -

السيد خليل حسن ، اذا كنت تريد ان توحى بان الحيراكات الجماهيرية فى البلدان العربية جاءت نتيجة سياق سياسي ثقافى طبيعى او طليعى ، او بسبب تراكم ادراكى شعبى بالحِكم الغربية السبع التى ذكرتها ، فانا اقول لك وعن دراية ان ما يحدث فى المنطقة الان ما هو الا جهد فوضوى بلا مردود ملموس الا داخل حدود معينة ، كان الغرب المتخلف اخلاقياً قد مهد له منذ اوائل تسعينيات القرن الماضى ، وعّوم ارهاصاته الاتجاة الاسلامى الحركى الجاهل بمقتضيات السياسات الدولية ونظرياتها المتضاربة ، والقصد من هذة الحيراكات الكربونية هو الالهاء وزرع الفوضى وعدم الاستقرار فى المنطقة ، ربما لاعادة تشكيلها وفق رؤى ميتافزيقية قديمة ، توراتية كاذبة ، اثنية ، طائفية ......الخ ، او لتغير بعض الوجوه الحاكمة مع الابقاء على الدور والوظيفة للانظمة السياسية العميلة التى كانت قائمة ، والسبب لظهور هذة الحيراكات فى هذا الوقت وبهذا الشكل الكربونى المشهود الان ، هو تلافى اعراض انهيار اخلاقى حلزونى مدمر كان سيصيب الغرب الليبرالى الديمقراطى المتخلف اخلاقياً ، ولترمييم تحديات جادة لفقدان الاحترام والمصداقية كانت قد ستصيب الولايات المتحدة بسبب كشف اكذوبة مؤامرة 9/11 المدبرة وما تبعها من انكسارات وهزائم وخسائر معنوية ونفسية بالوثائق والاسانيد ، فكان لابد مما يحدث الان