فضاء الرأي

عقبات كبرى أمام قيام أنظمة ديمقراطية عربية..

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في رأينا أن الشعارات الرائجة اليوم في العالم العربية بحاجة لتدقيق وتوضيح علميين موضوعيين، بعيدا عن الحماس والعواطف الجماعية الساخنة. المقصود شعارات "التغيير" والثورة والإصلاح والديمقراطية، وكل منها يخضع لتعدد التفسيرات والفهم.

التغيير؟ تغيير ماذا؟ ومن؟ هل مجرد إزاحة حاكم مستبد فاسد؟؟ أم كذلك تغيير منظومة الأفكار والممارسات المتخلفة في المجتمع؟ والثورة؟ هل هي مجرد رحيل حاكم، أو حتى نظامه، أم هي أيضا عملية بناء الجديد الأفضل المنسجم مع تطلعات الشعب؟ هل الثورة هي في الوقوف لنبش الماضي واستئصال كل ما يرمز له وكل من يعتقدون أنه كانت له صلة ما به، سياسيا كان أو كاتبا أو إعلاميا أو فنانا أو عميد كلية- كما يبدو أنه الجاري اليوم في مصر، حيث تتزايد أسماء وعناوين الملعونين الذين تجب مطاردتهم كما كان السحرة يطاردون قديما ؟ أم أن ما نعتبرها ثورة لا تزال في حالة " الثوَران" على حد تعبير الكاتب المصري الأستاذ هاني نسيرة، حين يصف حالة الثوران بأنها التي "تبدو فيها أحساسيس الماضي ونظراته أرسخ كثيرا من نظرة الحاضر والمستقبل، كما تبدو الثارات والشخصيات أهم من السياسات، وبطولات الكاميرا والكلمات أهم من مجابهة الأزمات والتحديات!" وحيث "صارت للشارع سطوة ترعب نخبته السياسية والمثقفة، وغدا يأمر ولا يسمع لطلب." [ الحياة في 12 مارس 2011 ]
وأما الإصلاح، فهناك بين من يقرنونه بثورة الترحيل والاستئصال، كما في اليمن، وبين من يطالبون به الحاكم دون طلب إزاحته كما اليوم في سوريا- وإلى إشعار آخر.

ترتبط بهذا كله أسئلة كثيرة عن شروط قيام نظام ديمقراطي عصري على أنقاض نظام الانغلاق والفساد: هل يمكن قيام نظام كهذا من دون مناخ اجتماعي وثقافي مناسب، ومن دون مواطنين لهم حد أدنى من التعلم ويتصرفون في سلوكهم اليومي بما يعبر عمليا عن روح ديمقراطية: كالاعتراف بالآخر[ غير المسلم أو غير العربي أو المختلف فكريا وسياسيا]، وكاحترام حقوق المرأة، والإيمان بمساواة الجنسين؟؟ هل يمكن قيام الديمقراطية، كمؤسسات مدنية حديثة، وما تعنيه من انتخابات حرة بمعايير عصرية مدنية، وتداول سلمي للسلطة ومساواة تامة بين المواطنين وقضاء مستقل وفصل للدين عن السياسة، في مجتمع لا يزال يدين من يبدل دينه من الإسلام بعقوبة الردة والموت، أو علي أيدي ساسة يفرضون في الدستور أن الإسلام هو المرجع الرئيسي للتشريع- كما في مصر والعراق مثلا؟ أومن لا تزال أكثريته تؤمن بعقوبة الرجم حتى الموت؟؟ أي تغيير مطلوب يا ترى؟ هل تغيير الحاكم واستبداله وهدم حكمه وحسب، أم يجب، أيضا، العمل على إحداث تبدل جذري في الأفكار السائدة اليوم في الشارعين العربي والإسلامي، وهي الأفكار متخلفة ومتزمتة في الغالب، وخصوصا تأثير الإسلام السياسي بمذهبيه، ما بين المتطرف السافر والمتطرف اللابس ثوب "الاعتدال" تكتيكيا- [ عن تقية]؟- ناهيكم عن انتشار النزعات والعصبيات القبلية والعرقية والدينية والمذهبية هنا وهناك. في مصر، منذ مدة قصيرة جدا، أشاع سائق تكسي مسلم تخاصم مع قبطي أن الأقباط يحرقون مسجدا، فهرع الغوغاء للصدام والعدوان والقتل. وقبل أيام هرعت جموع هائجة من المسلمين لدار شاب قبطي وصلموا إحدى أذنيه بتهمة إيواء بنات ورجال في بيته. وقاتل السادات أصبح النجم الجديد للصحافة والتلفزيون المصريين. وأحد كبار "السلفيين" ،المعروف بالتطرف والدعوة للعنف، وصف الاستفتاء على التعديلات الدستورية ب"غزوة الصناديق" لمجرد أن التعديلات جاءت وفق مرامي إسلاميي مصر. ترى من الغازي؟ ومن المغزو؟! العلمانيين ؟!! نخبة شباب التحرير؟!

نعم، ثمة حركة مباركة، بين الشباب خاصة، ضد الظلم والفساد، ولكن مواصلة الاعتصامات والمظاهرات وتوالي المطالب، بعد إزاحة الحاكم الظالم الفاسد، ليسا اللذان يقومان بإدارة دولاب الإنتاج، وتأمين الخدمات، وإعادة السياحة، وتطوير التعليم، وخلق المؤسسات الديمقراطية البديلة تدريجيا وبصبر، وإلا لكانت النتائج هي الفوضى وزيادة البطالة والفراغ الذي سيملؤه سراق الانتفاضات الانتهازيون والشعبويون، وأعداء الديمقراطية، وأعني أولا، وخاصة، الإسلاميين الذين يعملون بدهاء ومكر لتحقيق هدف "دولة مدنية بمرجعية إسلامية"، كما أفتى لهم الشيخ القرضاوي.
هذا أولا.
ونضيف أن حركة الشارع ضد حكم مستبد، ومهما كانت مشروعة ومبررة، لا يجب أن تنسى موازين القوى الداخلية والإقليمية، ومطلوب من قادتها حسب كل الاحتمالات بعيدا عن التفاؤل المفرط وهوس الاختزال [ الآن، الآن!]

هناك اليوم مثلا حالة اليمن المهددة بالتقسيم والانفراط، والمسئولية الكبرى تقع على الرئيس اليمني وحكمه المنغلق والفاسد. فها أن القاعدة تنتهز الفرصة لتحتل مدينة بعد أخرى. فهل هذه التطورات المرعبة لا تدعو المعارضة لشيء من التأمل باتجاه البحث عن حلول وسطى، ولو مؤقتة، تفرض الإصلاحات السياسية وتحققها وتقيد أيدي الحاكم إلى أن يحين وقته، وفي الوقت نفسه الاتفاق معا على مكافحة ومحاربة القاعدة لكيلا يقع اليمن كله تحت براثنها؟ سؤال مني لا أدري جوابه، ولكنني ممن يرون أن خطر القاعدة في اليمن هو الخطر الأكبر والداهم. وهذه الحقيقة لا تعني تزكية الرئيس اليمني أو وقف النضال من أجل الإصلاحات العميقة الممكنة، ولا تعني أنه لا يجب أن يرحل بأقرب وقت، ولكنها تعني أن الحفاظ على البلد ووحدته وكيانه واجب استثنائي ومن الدرجة الأولى.

ولقد لفت نظري جواب السيد رئيس وزراء قطر، في المؤتمر الصحفي بلندن مع وزير الخارجية البريطاني، حين أجاب على سؤال صحفي عما إذا لم تكن هناك في ليبيا أخطار سيطرة الإخوان، وحتى القاعدة. قال- لافظ فوه- ما مفاده أن نغمة خطر الإسلاميين بعبع يلوح به أمثال القذافي من الحكام المستبدين، ويجب محاسبتهم على أعمالهم وكأنهم لم يكشفوا بعد حقيقتهم حيثما نشطوا أو حكموا، وأما القاعدة، في رأيه، فإن " المسؤولية من جانبنا ويجب أن نتعامل مع أخطائنا." فمن هم مقترفو الأخطاء؟ وما هي تلك الأخطاء؟ هل يقصد كل الأنظمة العربية؟ أم يقصد قطر فقط؟ وهل خطأ دولة قطر في أنها صاحبة الفضائية التي يبث منها بن لادن والظواهري بيانات وفتاوى القتل والجريمة باسم الجهاد، والتي تبث صور قطع الرؤوس؟! وتحويل الفضائية لسان حال الإخوان وفقيههم الأكبر القرضاوي، الذي لا تزال تصك فتاواه عن تحليل "الجهاد" في العراق، وقتل الأميركي، أيا كان وأينما كان؟ أم لأن قطر فتحت باب مجلس التعاون لأحمدي نجاد برغم الخطر الإيراني المتفاقم على دول الخليج نفسها؟! أم أن من "الأخطاء" وجود تعليم متزمت وكتاتيب تكفير وتحريض على عنف "الجهاد"، هنا وهناك في دول عربية؟

إن هيلاري كلينتون قد أبدت، قبل فترة قصيرة، مخاوفها من تحول ليبيا إلى صومال كبرى، كما ذكّرت بالإرهابيين الليبيين من بنغازي، الذين ذهبوا لأفغانستان والعراق للقتال مع القاعدة. إن خطر هؤلاء موجود ولا يجب تجاهله، ولكن هذا لا يعني البتة أن القذافي محق وأن تخويفه العالم من القاعدة ليس غير مناورة تخويف وتزكية لحكمه الطغياني الدموي الفاسد الذي يجب أن يرحل. وهنا، نلاحظ أن هيلاري كيلينتون نفسها تجاهلت، في مؤتمرها الصحفي بلندن، معلومات عن خطر القاعدة في بنغازي أشار لها أميرال أميركي أمام لجنة مجلس الشيوخ الأميركي.

أما النظام السوري، الذي كتبنا عنه مقالنا الأخير، فهو، كنظام القذافي، نظام شمولي منغلق يجب أن يرحل يوما ما، خصوصا وهو شريك إيران في استباحة المنطقة. والحركة الشعبية المعارضة هناك لم تبلغ زخما مناسبا بعد، مع ذكر احتمال الخطر الطائفي، وهو خطر يجب حسابه والعمل لتفاديه. وجاء خطاب الأسد في برلمانه وهو يكاد يكون منفصما تماما عن الواقع وعن تطلعات المتظاهرين والضحايا. ورغم دورانه حول موضوع بعض المطالب كإلغاء حالة الطوارئ وقانون المطبوعات، وحديث عام عن الفساد، فإنه اكتفى بوعود وتبريرات، مقترنة بسيل من الاتهامات عن " الفتنة" و" المؤامرة"، والحديث عن المقاومة وفلسطين. ولم ينس التشفي بالوضع العراقي المتدهور مع أن نظامه وإيران لعبا الدور الرئيسي في تخريب العراق واستباحة دماء بناته وأبنائه. الرئيس السوري لا يزال بعيدا عن فهم ما يجري في المنطقة وعن أن زمن نظام الحزب القائد والقيادة القطرية الحاكمة قد ولى، وأن الحديث عن المؤامرات الخارجية لم يعد قادرا على إخفاء حقائق مآسي الداخل السوري أو حجم وبشاعة سطوة أجهزة الأمن ومطاردتها لكل معارضة ولكل مظاهرة سلمية تطالب بالحرية. وقد كان الأحرى به إعلان بعض الإصلاحات المهمة بدلا من تشجيع جو التمجيد الشخصي وشعارات " بالروح والدم" من برلمان يذكرنا، وتذكرنا قصائده وهتافاته المسرحية، بالبرلمان الصوري المسخر زمن صدام حسين. ولكن، إلى متى الاستمرار على نفس النهج!

وأما حالة البحرين، فهي خاصة. ويبقى أن طريق الحوار الجدي، البحريني - البحريني، هو وحده طريق حل المشكلات الكبرى، بعيدا عن التدخلات الخارجية كلها، وبعيدا عن اتجاهات التشدد من الجانبين. ففي البحرين مشاكل حقيقية، ومنها، خاصة، ما بمس موقع الأكثرية الشيعية في الحياة العامة. والإصلاحات هي التي سوف تعزز الوحدة الوطنية وتقوي كيان الدولة، وهي التي تحبط مخطط الأطماع الإيرانية المزمنة والموروثة من زمن الشاه.

إن الإسلاميين في المنطقة، بكل فئاتهم، هم الخطر الأكبر اليوم على الانتفاضات العربية المشروعة، ومن يتصور أن هؤلاء سوف يبدلون أفكارهم وأهدافهم الحقيقية لعلى خطأ مبين. إنهم يناورون ويبلفون ويمكرون، ولكن غاياتهم الحقيقية استغلال الشارع وأية انتخابات قادمة للوصول التدريجي إلى السلطة وإقامة دولة الخلافة الشمولية التي سوف تصفي ما بقي للموطنات والمواطنين من حريات شخصية وتزج البلاد في مغامرات "الممانعة" باسم فلسطين، متحالفة مع نظام الفقيه.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
The Reason!
Benjamin Levy -

The core reason is that Islam, the way it is being interpreted and applied today, is incompatible with Democracy.Excellent analysis can be found in a book authored by Robert Reilly: ;The Closing of the Muslim Mind: How Intellectual Suicide Created the Modern Islamist

لن تقوم الديمقراطية
اشور -

لا ولن تقوم الديمقراطية في الدول العربيةاذا لم يفصل الدين عن الدولة يا استاذ عزيز الحاج ستتغير الانظمة ولكن الديقراطية لن نراها ابدا في الدول العربية انظر الى المصر لقد اكدوا في الدستور ثانية على هوية المصر الاسلامية والشريعة المصدر الاساسي للقوانين سنرى تغييرات في الانظمة ولكن الديقراطية ومع الاسف سوف نبقى نتمناها

انشروا تعليقي
الأب القائد -

أيها المواطنون.. يا أبناء قريتي والقرى المحيطة بقريتي.. أشكركم من قلبي الكبير الواسع المتسامح السلس الشفاف.. على ماذا أشكركم؟ والله لقد نسيت.. نعم، تذكرت.. أشكركم لأنكم أخرجتم بمواكبة أمنية مكثفة في مسيرات تأييد لي لوأد الفتنة في وطنكم وحملتم صوري المطبوعة بقياسات كبيرة في مطابع صحيفة البعث الحكومية ورددتم الهتافات التي لقنها لكم أعضاء المنظمات الشعبية التابعة للحزب القوا.. للحزب القائد. لقد أعطيتموني دفعا معنويا كبيرا لكي أتجاهل في خطابي القومي الهام والشامل جميع مطالب الاصلاح لانتفاضة الفتنة التي قام بها شبابكم في معظم المحافظات السورية المارقة.. طبعا باستثناء محافظة القرداحة. وربما ستتعجبون وتتساءلون: وهل القرداحة صارت محافظة؟ أجل، نكاية باللاذقية المارقة سأجعل من الغد قريتي القرداحة كمركز لمحافظة اللاذقية، والذي لا يعجبه يشرب من البحر الميت.. أقصد البحر المتوسط. ولكن هناك سبب جوهري لرفضي الاصلاح. وبما أنني أعتدت على مخاطبتكم بسلاسة وشفافية عن طريق الأجهزة الأمنية، فلن أخفي عليكم هذا السبب: لقد اجتمعت قبل القائي الخطاب بالسيدة الأولى والدتنا أطال الله بعمرها وأدامها رأساً للمافيا الأسدية؛ يعني بالانكليزية Gudfather أو العراب كما نترجمها عادة بالعربية. قلنا أننا اجتمعنا مع السيدة الوالدة، واتجهت هي الي على الفور بالقول: جيد أنك استمعت لأوامر الأجهزة الأمنية والحرس الجمهوري بعدم قبول أي اصلاح في البلد. قلت لها: وإذا سالت دماء كثيرة وبلغ بشقيقي قائد الحرس الجمهوري الأمر تقليد عمنا وتدمير المدن على رؤوس سكانها؟ فأجابتني: وهذا هو المطلوب في ظروف التآمر على البلد. فقلت لها: وإذا رشحوا اسمي لجائزة نوبل الدولية.. أقصد محكمة العدل الدولية؟ يعني إذا قدموني غدا إلى القضاء بتهمة إبادة شعبي كما حصل مع صدام وميلوسوفيتش وكما هو متوقع بالنسبة لصديقنا القذافي؟ فردت علي والدتنا ضاحكة: لا، لا تخف. إنك قاصر ولن يفعلوا ذلك لأنهم أوربيون ويعرفون حقوق الانسان. قالت لها مندهشا: هل أنا ما زلت بعد قاصراً وعمري ستة وأربعون عاما؟ ألا تذكرين أن عمي وغيره من المغرضين قالوا عني عندما استلمت الرئاسة خلفا للوالد المرحوم أنني بعد قاصر؛ مما أدى بكم أن تأمروا مجلس الشعب بتعديل السن القانونية للرئيس من أربعين عاما الى خمسة وثلاثين؟ فقالت لي: نعم، كل ما تقوله صحيح. ولكنك يا بني ستبقى قاصراً من ناحية

بين الديمقراطية والد
د.سمير عميش -

قد يكون من المفيدللمثقفين والسياسيين العرب أن يستوعبوا جيدا ًالفروق الواضحة بين الديمقراطية كممارسة وطقوس وبين الدولة الديمقراطية كبنية متكاملة فيها أركانها الأساسية وهذه : الحرية والتعددية والديمقراطية,ومصانة بتشريعاتهاودياتيرها بكل وضوح لا يضاهيه سوى وضوح الفصل الفعال بين السلطات وشفافيته.وهذا ما ناقشناه بما يستحق من البحث والتفاصيل في كتابنا , الديمقراطية , الحرية , التعددية . ( تحت الطبع )