فضاء الرأي

سباق الفئران في منطق السُلطة العربية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

انعكاس المعنى الحيواني في إحساس الفئران وعدم قدرتها على إعمال آلية المقارنة العقلية للنجاة من الهلاك، حينما تجد نفسها كل مرة في المصيدة التي وقع فيها وأمامها بقية الفئران؛ يشبه تماما تلك الغريزة الجذرية للسلطة في ردود أفعال الديكتاتوريين العرب ضمن شروط معينة تكشف عن حالة أشد انتكاسا من تلك الفئران. هكذا بدت لنا ردود فعل الطغاة العرب متشابهة، وبالطريقة نفسها في التعاطي مع رياح التغيير الثوري التي تهب على الشعوب العربية.
ثمة الكثير من التداخلات في ردود تلك الأفعال الدكتاتورية؛ منها ما يتعلق بطبيعة السلطة المطلقة كمفهوم يتضمن فسادا ضروريا في النفس الإنسانية حين تغرق في نشوتها، ومنها ما يتعلق بالجذور العميقة والصلبة للاستبداد في هذا الجزء من العالم، ومنها ذلك المزيج المعقد من التبلد والعته والزهو الكاذب في نفسية الديكتاتور العربي؛ تبلد لا يعكس بعده وعزلته عن مزاج الشارع العربي فحسب؛ بل وكذلك بعده عن الإحساس بالطبع الإنساني السليم.
بدت التجربة متناسخة، والدور واحدا ـ مع بعض التفاصيل النوعية ـ من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى اليمن إلى سوريا. وإزاء رد فعل حيواني كهذا لهؤلاء الطغاة المعتوهين يحيل التحليل المنطقي لمثل هذه المواقف المتبلدة على بنية ذهنية للعنف يتحول الدكتاتور بموجبها إلى وحش، و السلطة إلى غريزة، والشعب إلى قطيع.
إن المسافة بين إحساس الديكتاتور وهو تحت ضغط نشوة السلطة المطلقة، وبين حقيقة ما يجري في أرض الواقع هي نفسها المسافة التي تفصل بين العقل والغريزة. لا يريد الديكتاتور العربي أن يصدق أن مايجري في الشارع هو حراك ضد نظامه يستند إلى أبسط الشروط الطبيعية للإنسان في العالم الحديث. ومن يزين له هذا الإحساس بعدم التصديق، منظومة من الإعلام الكاذب والهتاف الكاذب والوجوه الكاذبة ـ كتلك الوجوه التي كانت تضحك وتهتف لبشار الأسد وهو يعلو المنصة لإلقاء خطابه ـ رغم ما جرى على يد نظامه من قتل وسفك لدماء أبناء شعبه، لم يكلفه حتى مجرد العزاء الكاذب.
الصورة نفسها تتجلى في مشهد واحد، والتجربة تتكرر بنتيجة واحدة مفادها : أن الشعب إذا قرر الخروج في وجه الديكتاتور فلن تقدر أي قوة في العالم على إيقافه؛ هذه الحقيقة التي تكررت مرتين، في مصر وتونس، رغم بساطتها ومنطقها الرياضي الصارم، إلا أنها في ذهن الديكتاتور وحاشيته تصبح من أعقد الأمور. إن المأزق الذي يتجلى بين موقف الشعب وموقف الديكتاتور هو نفسه التجلى الأكبر لعار التخلف المقيم في هذا الجزء من العالم المسمى عربيا. فهنا ليس منطق السلطة وحده من يفعل فعله، بل وكذلك ركام من الاستبداد والأوتوقراطية وفساد للطباع يتصرف بموجبه الحاكم كإله لا يندرج تساؤله ـ بحسب هذه الإلوهية الكاذبة ـ في : لماذا يتظاهر الشعب ؟ ولكنه يندرج في : كيف يجرؤ الشعب أصلا على التظاهر؟. رغم وجود ألف سبب للتظاهر !
إن مثل هذا السؤال هو بالضرورة انعكاس لذلك التراكم الكمي والمزمن لسلطة استبدادية مطلقة تطاول عليها الزمن، عرفها الكبير ونشأ عليها الصغير، وورثها الابن عن الأب حتى أصبحت من طبيعة الأشياء كشروق الشمس ونزول المطر. ولهذا فليس في وارد ردود فعل أولئك الطغاة سوى القمع الوحشي والعنف المميت وسيلة أمام هذه التظاهرات.
هكذا نجد أنفسنا أمام انسداد نسقي للسلطة العربية الملوكية المتخلفة، بحيث لا يمكن لها أبدا، بطبيعتها تلك، القدرة على رؤية الأشياء على ماهي عليه، فتأتي خطواتها متأخرة جدا بعد مراوغات وتسويفات ومناورات لتجد نفسها خارج التاريخ
وهكذا رأينا بشار الأسد يتفلسف في تدوير رؤية نسقية مسدودة، لا يمكنه بموجبها أن يدرك بساطة الفرق بين تشريع القرار واتخاذ القرار، فحاول أن يلتف بطريقة مفضوحة وبالغة الركاكة، من أول خطابه إلى آخره، دون أن يتوفر خطابه على أدنى تماسك. فهو إذ يصف أسباب الثورة في مصر وتونس يعزِّي نفسه بأن ذلك حدث نتيجة لصواب رؤيته، أي بسبب البعد عن الشعب إذ هو الوحيد الذي كان يدعو إلى الوقوف إلى جانب الشعب حتى كاد البعض أن يسخر منه ؟! وهو بالطبع إذ ظل يدعو إلى الوقوف إلى جانب الشعب لا يعني بالضرورة أنه وقف إلى جانب الشعب. سنجد الفرق هنا تماما كالفرق بين تشريع القرار واتخاذ القرار ؟!
بهذه الطريقة وسط هتاف الرفاق يوهم بشار الأسد نفسه بقربه من الشعب تماما كما ادعي المعتوه الليبي أن شعبه يحبه.
إنه منطق سباق الفئران يتجسد في سباق الطغاة العرب نحو الهاوية، حين لا يدركون في كل مرة، أن السحر قد اُبطل مرتين؛ مرة في تونس ومرة في مصر وأن الوصفة الساحرة لقوة الشعوب العربية قد أثبتت نجاعتها بفاعلية غير مسبوقة. إنهم لا يفهمون الدرس البسيط الذي يقول (العاقل من اتعظ بغيره) فرغم أن الأسباب هي هي والشعوب هي هي والطغاة هم هم، مع كل ذلك، وفي كل مرة يتوقعون اختلافا في النتيجة ؟!
هكذا خرج الشعب السوري يوم الجمعة بعد خطاب الأسد ليثبت له فوات الأوان. فتلك الحال المتأخرة والمتبلدة للطغاة العرب هي بنفسها انعكاس لانهيار بنية الاستبداد التاريخي تحت الضربات الثورية لشعوب هذه المنطقة؛ وهي ضربات لا تملك إلا أن تكون مدمرة تماما لتلك البنية.
jameil67@live.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
from lebanon
ahmad -

nice article