أصداء

انفلات إعلامي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بحجة الانفلات الإعلامي، سارعت لجنة من خبراء القانون ضمن هيئة حماية أهداف الثورة التي أنشأتها الحكومة الانتقالية إلى صياغة مشروع قانون جديد للصحافة نصف فصوله زجرية تشرع لسجن الصحفي. غياب نقابة الصحفيين التونسية و عدم استشارة الصحفيين قبل البدء في عمل هذه اللجنة يوحي بأن الحكومة الحالية لا تنوي طي صفحة الإعلام السوداء او سنوات "الرصاص" و القمع و تكميم الأفواه التي عاش تحت نيرها الصحفيون التونسيون أكثر من ثلاثة عقود.

وعلى حد علمنا، فإن "الانفلات" لم يطال الصحفيين وحدهم. حدث انفلات اجتماعي و احتجاجي و قابلته الحكومة بالرفع في الأجور و انفلات حزبي قوبل بالترخيص لحد الآن لخميس حزبا، وانفلات في جهاز الأمن قوبل بتأسيس نقابة خاصة بأعوان الأمن و رفع أجورهم أيضا و تحقيق المطالب المشروعة و الغير المشروعة لكل من هدد بالاحتجاج او قام به فعلا. فلما إذن التشدّد مع الصحفيين و التساهل مع بقية القطاعات الأخرى؟ سؤال ربما تجيب عنه الدوائر الحكومية الخفية التي تحاول إدخال مساحيق "تجميلية" على الإعلام،دون الذهاب مباشرة الى اصل المشكل. المهم الآن ننتظر لنرى، لكن في الأثناء لا بد من التحلي باليقظة و فضح كل تلك المحاولات التي لم تعد خافية على أحد.

منذ الأيام الأولى للثورة التونسية، كتب مقالا هنا على أعمدة إيلاف قلت فيه ان الإعلام التونسي في خطر. جاء ذلك المقال على خلفية تعيين بعض مدراء المؤسسات الإعلامية، الذين اشتهروا ليس فقط بعدائهم للإعلام بل تخصصوا أيضا في ثلب و شتم المعارضين و نشطاء المجتمع المدني، بعد ذلك و بضغط من الصحفيين و المجتمع المدني قامت الحكومة باستبدالهم. كان السؤال المطروح آنذاك هل يمكن ان تخطأ الحكومة في تعيين أشخاص يعرف فسادتهم القاصي و الداني؟ لكن مع مرور الوقت سواء مع حكومتي محمد الغنوشي الأولى و الثاني او الحالية مع الباجي قائد السبسي، أدرك الجميع بأن الحكومة واعية كل الوعي بما تقوم به، و هي في الحقيقة خطة ترتكز على جس نبض الشارع عبر ارسال "بالونات الإختبار" سياسية بغاية تمرير بعض الوجوه المحسوبة على العهد البائد.

محمد الغنونشي الوزير الأول المستقيل، اعترف ان نقطة ضعف حكومته كانت الإعلام. حتى انه لما خرج بعد المؤتمر الصحفي الذي قدم خلاله استقالته، رد على الصحفية التي سألته عن سبب استقالته، بالقول "انتم السبب". ربما اتفق مع محمد الغنوشي في ان الدعوة الى قتله في التلفزة الوطنية التونسية خطأ مهني قاتل، لكنني لا افهم كيف يمكن ان يكون الإعلام سبب في استقالة الغنوشي و الحال ان حكومته لم توفّر الحد الأدنى من الاستقرار السياسي و الاقتصادي و الأمني. ثم أليس الإعلام سلطة مضادة دوره مثل كل السلط الأخرى مراقبة الحكومة و مساءلتها و إسقاطها ان لزم الأمر؟

الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة الجديد، يبدو انه استعاض من أخطاء سلفه، فحصن وزارته بمجموعة من خبراء الاتصال، وقال صراحة بان الإعلام يجب ان يعاضد عمل الحكومة قبل ان يتراجع و يؤكد وقوفه اللامشروط مع حرية الإعلام، لكن...بمسؤولية!!! جيد جدا لكن كيف؟ هل بتجميل صورة الحكومة، و السكوت عن التجاوزات و النواقص؟ أم بالنقد، و كشف الحقائق و المساءلة؟

بقي الصحفي التونسي حتى بعد الثورة الحلقة الأضعف في معادلة الحكومة و المجتمع بل ان كل طرف علق عليه شماعة فشله فتعرض للملاحقة و الضرب و الإهانة و كأن الصحفي التونسي قبل الثورة كان مالكا لحقوقه ممارسا لمهنته حتى يمكن محاسبته، لكن و الحال كما كانت عليه تحت نير الدكتاتورية كيف يمكن ان نطالب الصحفي بما لا يملك؟
أختم بوصف رضا جنيح رئيس اللجنة المكلفة بصياغة قانون الصحافة "الجديد"، لحرية التعبير بكونها "سلاح ذو حدين"، بل انه أضاف، هذا الذي كلّف بتخطيط مستقبل الصحافة في تونس، بأن الحرية يمكن ان تصبح "خطيرة"، و هذا يدفعنا إلى توقّع الأسوأ و ربما إعادة صياغة ما بعد7 نوفمبر جديد، لأنه سيكون كمسرح "الميم" الذي يكتفي فيه الممثل بتغيير أقنعته.

تونس
Iheb_ch@yahoo.fr

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف