خصومات شارع المتنبي: خارطة تختصر صراعات العراق (2/2)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إنه التاريخ وتحديدا تاريخ العراق السياسي والاجتماعي والثقافي بكل تعقيداته وسردياته وأبطاله. ويمكن للرواد، بهذا الصدد، ملاحظة الكم الوافر من الكتب الصادرة حديثا داخل العراق وخارجه وأغلبها يحاول إعادة قراءة التاريخ من زوايا نظر مختلفة وقد تكون غير مسبوقة.
المسألة ليست جديدة، في الواقع، فبدأ من التسعينيات بدأت ترد إلى العراق كثير من الكتب الشبيهة سواء كانت مكتوبة بأقلام باحثين أكاديميين أم بأقلام صنّاع الحدث وأبطاله من قادة سياسيين ومؤسسي أحزاب أو ضباط كبار. غير أن الجديد في عراق اليوم هو زوال السلطات الرمزية السابقة بكل تابواتها وانفتاح عشرات دور النشر العربية على المسألة العراقية، وهو ما يعني "سقوطا" آخر لبعض دور النشر الشهيرة التي احتكرت اطلاع القراء على مثل هذه الكتب وجيرت ذلك لإيديولجيات يحملها أصحابها.
الملاحظ، هنا، أن فسحة التاريخ هذه التي تتوسط شارع المتنبي فتحت باب الصراع على سعته أمام الرواة. ومجال الاقتتال، هذه المرة، هو المرويات الكبرى التي يريد بعضها محو البعض الآخر والحلول محله.
أشهر الباعة الذين يتعاطون هذا النوع من المرويات ربما كان مازن لطيف، وهو شاب دخل معترك السوق منذ التسعينيات وتخصص في ما بات يطلق عليه " النوادر" وهي كتب يعدونها نادرة أو قليلة الظهور على البسطيات وجزء كبير منها يتعلق بالطوائف والأديان والمذكرات وتاريخ المدن والأحزاب السياسية.
وإذ تطور عمل مازن خلال السنوات الأخيرة وامتدت علاقاته بشكل واسع قرر تأسيس دار نشر متواضعة أطلق عليها "ميزوبوتاميا" وهي اليوم ترفد الشارع بكتب ذات نزعة "عراقوية" واضحة وتحاول، بطريقة أو بأخرى، ترسيخ هوية وطنية عابرة للهويات الفرعية.
لذلك تجد عند مازن لطيف كتبا عن علي الوردي وأخرى لسليم مطر ودوريات تدور في الفلك نفسه، مثلما تجد عنده كتبا لرشيد الخيون وميثم الجنابي. وآخر ما فعله لطيف، بهذا الصدد، هو إعادة طبع كتاب للراحل محمد مبارك بعنوان "محاولة في فهم الشخصية العراقية" وهو كتاب كان صدر عام 1995 ولكنه لم يجد أي صدى آنذاك.
الليبراليون كطرف في صراعات المتنبي ..!!
فضلا عن كتب اليهود العراقيين ومذكراتهم التي تجد أقبالا كبيرا على بسطية مازن لطيف ثمة عناوين تشعرك، لوهلة، أن هناك صراعا خفيا يدور بين الليبراليين والراديكاليين أو بين العلمانيين وأصحاب الخطاب الديني وهو ما تلاحظه عموما في سوق الكتب في هذه الأيام.
حين سألت بعض أصدقائي من باعة الكتب كأحمد محسن نعمة وأحمد العبادي وافقوني الرأي وأكدوا أن مثل هذا الصراع بدأ يحتدم مؤخرا. يقول أحمد محسن: "نعم هناك صراع حتى على مستوى الباعة أنفسهم وأتذكر ذات مرة أننا أسسنا تجمعا ثقافيا في شارع المتنبي لكن الماركسيين استولوا عليه"!
قال أحمد العبارة الأخيرة وهو يبتسم ثم استدرك شارحا: "هناك حقيقة يجب أن تعرفها يا صديقي وهي ان الليبراليين لا يتعبرونك مثقفا إذا ما كنت متدينا. ينظرون إليك باستهانة واحتقار ولا يقبلون حتى النقاش معك ".
وأنا أسمع ذلك تطلعت إلى العناوين التي يعرضها أحمد وهمست لنفسي: الخلاف واضح يا صاح. كانت أغلب الكتب ذات طابع ديني أو تاريخي يدور في المنطقة ذاتها التي يرى الليبراليون والعلمانيون أنها مسؤولة بشكل مباشر عن كل مشاكل البلد.
وبما أننا في إطار الحديث عن الليبراليين والعلمانيين والتقدميين فعلى زائر شارع المتنبي الذهاب إلى " قلعة الليبرالية " في آخر السوق، اقصد تلك المكتبات والبسطيات التي عرفت منذ التسعينيات بوصفها ملاذا لكتب اليساريين والتقدميين والحداثيين.
عودة إلى التاريخ..الزعيم يعفو
ليس ثمة حدود فاصلة بين جزر شارع المتنبي المتجاورة في بحر الصراعات العراقية فأنت قد تجد في القيصرية المذكورة ما يذكرك بالصراع الطائفي الذي تحدثنا عنه مثلما يمكن أن تجد في فسحة التاريخ ما يذهب بك مباشرة إلى جدل الانفتاح والانغلاق والاعتدال والتطرف.
توقفت عند بسطية أحمد العبادي، وهو بائع كتب مهووس بالتاريخ مثل مازن لطيف ولديه كزميله ولع خاص بمرويات العراق الملكي والجمهوري ومذكرات بناة تلك المرحلة. وكما هو شأن كريم حنش ابتدأت رحلة العبادي مع الكتب منذ منتصف التسعينيات ثم تواصلت طوال السنين اللاحقة وأبرز ما يميز بسطيته ربما هي وفرة الكتب المستنسخة قياسا بالطبعات الأصلية.
قدر تعلق الأمر بفكرة أن يكون شارع المتنبي خارطة مصغرة للصراعات الفكرية والسياسية والاجتماعية التي يشهدها العراق فأن صديقي يرى أن "اتجاهات المثقف العراقي كما ألاحظ علمانية، المثقف النخبوي علماني وليبرالي باستثناء قلة يفضلون الكتب القومية والماركسية والدينية".
ثم يضيف بلهجة تهكمية: "لكن هذا لا يعني اختفاء المثقف الايديولوجي بالمرة، إنه لا يزال موجودا ويعيش في القرون الوسطى وأغلب من ينتمي إلى هذا الأنموذج يتجاوزون الستين من العمر".
وأنا أتامل فاكهة الكتب التي عرضها العبادب خطر في ذهني أن أسأل عن الأدب، أين حل به الزمن وسط هذه الصراعات فقال: "هناك طلب بسيط على كتب الروايات خصوصا الحديثة ذات النزعة الاجتماعية، أما الشعر فشبه منقرض. لا تزعل، فقصيدة النثر لا تجد من يسأل عنها اليوم. هم يقولون أن سركون بولص شاعر كبير لكن أحدا لم يسألني عنه ولا مرة واحدة بينما أصادف من يسألني عن أحمد مطر ونزار قباني. بل في أيام الدراسة أرى العشرات يسألون عن المعلقات والشعر العباسي والأندلسي، وهذا الأمر مرتبط بالمناهج الدراسية كما تعرف".
حين انتهيت من تأمل البسطية الغنية سألت البائع عن أحدث الكتب التي وصلته فأجاب وهو يتناول كتابا مستنسخا لكنه أنيق وذو غلاف لامع ـ هذا آخر ما وصلني. كان بعنوان "أنا والزعيم..مذكرات العقيد محسن الرفيعي مدير الاستخبارات العسكرية في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم " وهو من إعداد وتحرير الدكتور ستار جبار الجابري.
قلت له ـ وما الذي سيقال أكثر مما قيل! فأجاب ـ كلا، أذهب إلى آخر الكتاب وستجد وثيقة طريفة كتبها الرفيعي حول قرار قاسم بالعفو عن البعثيين الذين حاولوا اغتياله، سترى حينها كما كان ذلك الزعيم طيبا.
قلبت الصفحات الأخيرة لأطلع على الوثيقة. كانت بخط يد محسن الرفيعي وإليكم نصها:
"وبعد صدور الأحكام الخاصة بجماعة محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم من البعثيين وفي أحد الليالي كان الزعيم في غرفة رئيس المرافقين وكنا معه أنا والأستاذ محمد حديد والنائب الضابط عبد اللطيف قاسم شقيق الزعيم وإذا بالزعيم يطرح علينا الثلاثة السؤال التالي: ما هو رأيكم في تخفيض الأحكام الصادرة بحق الذين رموني بالرصاص في شارع الرشيد وكان المجيب الأول شقيقه ن. ض عبد اللطيف اذ قال العفو من شيم الرجال وأن الله أوصى بالرحمة والشفقة وكذا كانت إجابة الأستاذ محمد حديد وأنا، حينئذ تناولت مصحفا وفتح أحد صفحاته فإذا بالآية الكريمة توصي بالعفو والرحمة وفي الحال طلب اضبارات الدعوى وبدء بتخفيض الأحكام.
التوقيع
محسن الرفيعي
وأنا انهي تأمل الوثيقة وأغادر الشارع لم أستطع منه نفسي من التساؤل: هل يمكن تنتهي الصراعات بهذه الطريقة يا ترى..؟؟ لا أقصد صراعات الباعة والقراء في شارع المتنبي بل أعني كل ما يخطر في ذهنك وأنت تتجول في تاريخ العراق الحديث والقديم على حد سواء..
هل نعفو مثل ذلك الزعيم..أم ترانا نظل نتعاطى "المحاكمات" وننسخها مع كل حقبة ثم نعرضها للقراء في شارع المتنبي؟
التعليقات
شكراً للكاتب
ALI -جزء مهم ومكمل للجزء الاول من الربورتاج الصحفي شكراً للكاتب ولي عودة مرة اخرى.
شكراً للكاتب
ALI -جزء مهم ومكمل للجزء الاول من الربورتاج الصحفي شكراً للكاتب ولي عودة مرة اخرى.
وينك جعفوري
حسين الدجيلي -أحسنت أخ محمد ، مقالة رائعة وأنا اتساءل ـ اين صار جعفر اللاوري ليعلق لنا عله يجد ;طائفية; معينة لم نكتشفها ، غريب أمر هذا المعلق فقد كتب عن الحلقة الأولى أشياء تافهة ولم ينتظر حتى لقراءة الحلقة الثانية وهاهي تظهر لتكلل المقالة الأولى ..أين الطائفية يا علامة زمانك ؟ حديث عن الصراعات التاريخية والثقافية ولا شيء أكثر من ذلك ، اتمنى ان تنشروا هذا التعليق يا ايلاف واتمنى ان يرد جعفوري
وينك جعفوري
حسين الدجيلي -أحسنت أخ محمد ، مقالة رائعة وأنا اتساءل ـ اين صار جعفر اللاوري ليعلق لنا عله يجد ;طائفية; معينة لم نكتشفها ، غريب أمر هذا المعلق فقد كتب عن الحلقة الأولى أشياء تافهة ولم ينتظر حتى لقراءة الحلقة الثانية وهاهي تظهر لتكلل المقالة الأولى ..أين الطائفية يا علامة زمانك ؟ حديث عن الصراعات التاريخية والثقافية ولا شيء أكثر من ذلك ، اتمنى ان تنشروا هذا التعليق يا ايلاف واتمنى ان يرد جعفوري
ولكم في القصاص حياة
سلمان العربي -ختم محمد غازي الاخرس مقالته هذه بقوله(هل نعفو مثل ذلك الزعيم..أم ترانا نظل نتعاطى ;المحاكمات وننسخها مع كل حقبة ثم نعرضها للقراء في شارع المتنبي؟).. وانا اسآل الكاتب سؤالا...هل كنت من المتضررين من عصابة صدام...هل تعرضت الئ التعذيب في اقبية الامن العامة او المخابرات .. هل وقفت امام عواد البندر او مسلم الحبوري في محكمة الثورة المشؤومة ليحكم عليك في ثوان وترسل الئ قمقم ابي غريب او الئ مقبرة مجهولة ...هل تعرض احد من عائلتك الئ السجن او المطاردة او الاعدام... الم تكن من الذين قبضوا مكرمة صدام وعدي الئ ماسمي بالادباء انذاك. ،هل فصلت من كليتك وحرمت من الدراسة...هل دفن احد من عائلتك في المقابر الجماعية.... فاذا كنت خارج المضطهدين والمعذبين فلماذا تستكثر عليهم ان يروا جلاديهم في قفص الاتهام ... هل هذا من العدل ...ياشاعر وياصحفي....بدلا ان تطالب بتعويض منصف لحقوق ضحايا صدام وزمرته فانك تطالب بالعفو عنهم....انك مفعم بالانسانية ايها الاخرس....لماذا يطالب ثوار مصر وتونس باجتثاث كل رموز الديكتاتورية لديهم وانتم تستكثرون علينا ان نطالب برد حقوقنا التي لم نستردها ....
ولكم في القصاص حياة
سلمان العربي -ختم محمد غازي الاخرس مقالته هذه بقوله(هل نعفو مثل ذلك الزعيم..أم ترانا نظل نتعاطى ;المحاكمات وننسخها مع كل حقبة ثم نعرضها للقراء في شارع المتنبي؟).. وانا اسآل الكاتب سؤالا...هل كنت من المتضررين من عصابة صدام...هل تعرضت الئ التعذيب في اقبية الامن العامة او المخابرات .. هل وقفت امام عواد البندر او مسلم الحبوري في محكمة الثورة المشؤومة ليحكم عليك في ثوان وترسل الئ قمقم ابي غريب او الئ مقبرة مجهولة ...هل تعرض احد من عائلتك الئ السجن او المطاردة او الاعدام... الم تكن من الذين قبضوا مكرمة صدام وعدي الئ ماسمي بالادباء انذاك. ،هل فصلت من كليتك وحرمت من الدراسة...هل دفن احد من عائلتك في المقابر الجماعية.... فاذا كنت خارج المضطهدين والمعذبين فلماذا تستكثر عليهم ان يروا جلاديهم في قفص الاتهام ... هل هذا من العدل ...ياشاعر وياصحفي....بدلا ان تطالب بتعويض منصف لحقوق ضحايا صدام وزمرته فانك تطالب بالعفو عنهم....انك مفعم بالانسانية ايها الاخرس....لماذا يطالب ثوار مصر وتونس باجتثاث كل رموز الديكتاتورية لديهم وانتم تستكثرون علينا ان نطالب برد حقوقنا التي لم نستردها ....
interesting
Rizgar -interesting articles ...
interesting
Rizgar -interesting articles ...