الحكم الرشيد: من سنغافورة إلي العالم العربي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لن يسمح المصريون بعد ثورة 25 يناير بحاكم لا يختارونه عن طريق الانتخاب الحر المباشر، وهذا لاشك فيه. لكن قبل هذه الخطوة لابد من اتفاق كل القوي الوطنية والسياسية أو التوافق علي مواصفات ومقومات هذا الحاكم الجديد وأهمها أن يحافظ علي مكتسبات ثورة 25 يناير وأن يحقق أهدافها ومطالبها وشعارتها في التغيير والحرية والدولة المدنية، من هنا فإنني أتصور أن علينا الآن بالبحث عن المبادئ السليمة للحكم الرشيد أولا، وأقول " الحكم " وليس " الحكومة " أو " الحوكمة "، فالتحديات الجمة التي تواجهنا اليوم والاستحقاقات التي تنتظرنا في المستقبل، أكبر من أي " حاكم " فرد أو مجموعة من الأفراد تشكل حكومة، وإنما نحن بحاجة إلي تضافر جهود وامكانات كل قوي المجتمع المصري وقدراته.
صديقنا " كيشور محبوباتي " عميد كلية ( لي كوان يو ) للسياسات العامة في جامعة سنغافورة الوطنية، ومؤلف كتاب " نصف الكرة الأرضية الآسيوي: التحول الغامر في القوي العالمية نحو الشرق "، ينبهنا في مقاله المهم " من القاهرة الي كاليفورنيا " المنشور في موقع ( سيندكت بروجكت )، إلي أن " الحكم الرشيد " نادر في العالم كله وليس مصر وحدها، وسبب ذلك (جزئيا) هو غياب الإجماع العالمي علي مكونات الحكم الرشيد ".
الديمقراطية وحدها هي التي تفضي إلي الحكم الرشيد، وكما قال الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريجان : " ان الحكم ليس الحل لمشكلتنا، بل إن الحكم هو المشكلة "، وبالتالي فإن الحكومة ان لم تكن هي نفسها جزءا من الحل، سوف تزيد من الأزمة في المجتمع وهو ما فعلته الحكومات المتعاقبة في مصر قبل ثورة 25 يناير 2011. ان ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في مصر، وانتشار الفساد الممنهج والقسوة المفرطة أمنيا وبيروقراطيا، وانسداد الأفق في مستقبل أفضل، دفعت الملايين من المصريين إلي النزول إلي الشوارع والميادين، لكن بعد نجاح ثورة 25 يناير في اسقاط النظام والكثير من رموزه والقليل من سياساته علينا أن نفكر جديا في مفهوم " الحكم الرشيد"، الذي يوفر لنا أفضل السبل لتحسين مستويات المعيشة خاصة للفئات المحرومة والمهمشة ( 41% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر المحدد دوليا بدولارين في اليوم).
" محبوباتي " يقدم لنا ملاحظة مهمة في هذا الصدد، يقول : ان الحكم الرشيد - رغم الخلافات الإيديولوجية بين الشرق والغرب - نجح في مختلف بلدان شرق آسيا في تحقيق النمو الاقتصادي وتحسين سبل العيش للمواطنين هناك، ولم يتعرض " الحكم " في أي من بلدانها إلي انتقاد أو " ثورة ". قيمة هذه الملاحظة في تصوري أنها تضع ثورتنا وأهدافها مباشرة علي شاشة العولمة والنظام العالمي الجديد وليس في خلفية الشاشة، ولنري بوضوح ما ينتظرنا في المستقبل أو بالأحري ما يتوقع منا في هذا المستقبل.
ففي نهاية عام 2010 صدر في واشنطون تقرير مهم حمل هذا العنوان المثير: " 2025... الحكم الرشيد في مرحلة حرجة " عرضته في إيلاف في حينه ونبهت إلي قيمته بالنسبة للعالم العربي والشرق الأوسط، جاء فيه : " إن توفر حكم رشيد ناجع على نطاق عالمي أمر بالغ الأهمية، لمعالجة طائفة من التهديدات والمخاطر مثل الصراعات العرقية والأمراض المعدية والإرهاب فضلا عن جيل جديد من التحديات العالمية، من بينها تغير المناخ وأمن الطاقة وشح الغذاء والماء وتدفقات الهجرة الدولية والتكنولوجيات الحديثة"، لكن ما يعقد احتمالات قيام الحكم العالمي الرشيد علي امتداد السنوات الخمس عشرة المقبلة، هو: التحول إلى عالم متعدد الأقطاب، وأيضا تحول أدوات القوة وآلياتها نحو منظمات وشبكات ناشطة، لا تنتمي إلي الدولة القومية بالمعني المعروف".
يورد التقرير ثلاثة آثار ناجمة عن العولمة، تؤكد الحاجة إلى الحكم العالمي الرشيد، وهي: التكافل الاقتصادي وطبيعة التحديات المترابطة، والتشابك بين التحديات الداخلية والخارجية. حيث أن العالم قد تحول بالفعل إلى عالم ملئ بمراكز القوي.
الفكرة المحورية التي يستند إليها واضعوا التقرير، هي: "إن النفوذ الاقتصادي الواسع للدول النامية، يزيد أيضا من نفوذها السياسي خارج حدودها القومية". الأهم من ذلك، أن (اتجاهات السياسة الدولية) تتحول اليوم من الدول المتقدمة إلى الدول النامية وإلى العالم النامي إلى حد ما، كما أنها تتحول أيضا إلى المنظمات والكيانات التي ليست لها صفة الدولة، مثل: الشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقوميات، والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني، والمؤسسات الدينية وجماعات المصالح الخاصة."
تري هل ثورات الربيع العربي في عام 2011 لها علاقة بهذا التقرير العولمي عام 2010 ؟