أصداء

الثورات العربية.. ونموذج "مزرعة الحيوان"

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ما مر على العالم العربي عام حافل بالأحداث والتغيرات المصيرية مثلما يشهد العام 2011، الشهران الأولان فقط شهدا سقوط زعيمي دولتين عربيتين إحداهما هي أكبر دولة عربية معاصرة "مصر" إلى جانب تونس، أما الشهرين الثالث والرابع فحملا نسائم التغيير إلى ثلاث دول عربية على الأقل، هي ليبيا واليمن وسوريا، وإن كان الطريق إلى التغيير فيها أكثر مرارة وقسوة.

كما يعم الاضطراب الناجم عن التحركات المطلبية ساحات بلدان أخرى من الخليج إلى المحيط، منادية بالحرية والعدالة والمساواة ومكافحة الفساد، والمشاركة الشعبية الكاملة في الحكم تمثيلاً وانتخاباً.

نجح زحف آلاف الشبان المدججين بوسائط الاتصال الحديثة وبغطاء جوي من الإعلام الفضائي - حتى الآن - في إحداث التغيير في تونس ومصر، وانتقل نموذجهم إلى بلدان أخرى، دافعاً حكامها إلى إقالة وزراء والتعجيل بحزمة قرارات إصلاحية لمنع انتقال خطر التغيير، أو على الأقل الحد من جموح أحلام الجماهير نحو المطالبة بالتغيير الكلي، بدلاً من المناداة بالإصلاح، أياً كان حجمه.

ومع كل ما تحقق، لا يمكن القول بنجاح الثورات الشبابية العربية المعاصرة لمجرد نجاحها في إسقاط الرؤساء والأنظمة الحاكمة، فالإعلان عن النجاح واجب التأجيل حتى إتمام بناء أنظمة وهياكل حكم بديلة عن تلك البائدة، تلبي المطالب المشروعة التي خرج الشبان إلى الشارع منادين بتحقيقها، وعمدها الشهداء بالدماء "نتمنى أن تكون دمائهم آخر الدماء التي تراق في سبيل الإصلاح والتغيير في عالمنا العربي".

ولابد أن كثيرين في طول البلاد العربية وعرضها يتشاركون الخوف من استئثار مجموعات سياسية حزبية، أو فئوية، أو طائفية، أو أيدلوجية، أو عسكرية، بالحكم دون غيرها، وتقمع حق البقية في المشاركة في النشاط السياسي والعمل العام، أو تسعى لتحجيم مشاركتهم، وإملاء توجهات سياسية واقتصادية واجتماعية أحادية الرؤية على الشعوب، وتبدو النخبة السياسية المصرية الأكثر قلقاً في الوقت الراهن بسبب الظهور القوي للحركة الإسلامية على الساحة.

قلق الكثيرين في العالم العربي هو أن تسفر الثورات العربية المعاصرة عن بناء أنظمة "مزارع حيوانات"، على غرار نظام "مزرعة الحيوانات" التي ألف عنها الكاتب البريطاني جورج أورويل روايته الشهيرة التي تحمل الاسم نفسه في العام 1943.

والرواية لمن لم يسعفه الحظ لقراءتها تتحدث عن مزرعة حيوانات في إنجلترا يديرها مزارع يدعى (السيد جونز). الحيوانات التي تعاني ظلم المزارع وقسوته واستغلاله لها يحركها حلم خنزير يدعى (ماجور) لتحقيق آمالها وتطلعاتها في أن تعود إليها ثمرات عملها في المزرعة، ونيل "الحرية والثراء"، وأن ينعموا بسيادة العدالة.

لكن كل ما حلم به الخنزير (ماجور)، الذي مات قبل أن يشهد تحول حلمه في قيام ثورة الحيوانات إلى حقيقة واقعة، وكل ما حققته تلك الثورة الحيوانية العفوية التي "انبعثت في غفلة من الزمان، وبسهولة لا يمكن لأي أحد تصورها"، ضاع بعد استيلاء مجموعة من الخنازير - المشاركين أيضاً في الثورة - على حكم المزرعة بقيادة الخنزير (نابليون)، فارضين حكمهم الديكتاتوري المطلق على بقية حيوانات المزرعة، مستبدين بالحكم، متنعمين بامتيازات خاصة مخالفة لتعاليم الثورة التي حرفوها واحداً بعد الآخر، حتى وصل بهم الأمر إلى "التعامل مع الإنسان عدو الحيوان".

يقول أحد الآراء الناقدة لرواية "مزرعة الحيوانات": "إنها لا تتضمّن إدانةً لنظام الحكم الشموليّ هذا فحسب، بل إنّها تدين إلى جانب ذلك بل ربّما قبله حالةَ الاستسلام الكليّ التي يبديها مجتمع الحيوانات تجاه كلّ ما يُمارَس ضدّه من صنوف القهر والظلم".

من يقرأ رواية "مزرعة الحيوانات" يستطيع بكل سهولة أن يسقط عليها واقع أنظمة عربية عديدة استولت على الحكم في منتصف القرن الماضي تحت شعار "الثورة"، وباسم تحرير الشعوب من الاستعمار والاستبداد والتخلف، وبزعم تحقيق الوحدة والحرية والاشتراكية والعدالة والمساواة... الخ، وبعض تلك الأنظمة ما يزال مهيمناً على حياة ملايين البشر منذ عقود عديدة إلى اليوم، ناشرة في الأرض فسادها، قامعة تطلعات شعوبها إلى الحرية والعدالة والمساواة.

ما يطمح إليه الشبان العرب من المحيط إلى الخليج اليوم - بعد أن تخلوا عن استسلامهم الكلي تجاه كل صنوف القهر والظلم - هو أن تتحقق مطالبهم المشروعة في الحرية والعدالة والمساواة ومكافحة الفساد والمشاركة السياسية، وتحسين أوضاعهم المعيشية، وتوفير فرص العمل، والارتقاء بالخدمات العامة، وهي حتماً ليست مطالب تعجيزية يتحدون بها الأنظمة الحاكمة، بل هي أبسط حقوقهم المشروعة.

كان الأمل ولا يزال في أن تقتنع الأنظمة العربية بوجوب تحقيق مطالب الشعوب، من دون أن تضطر حشود الشباب للاندفاع إلى الميادين لاحتلالها، ومن دون أن تراق قطرة دم واحدة قبل أن ترضخ تلك الأنظمة "مرغمة" للقبول بتلك المطالب، أو تجبر على الرحيل مدحورة مذمومة.

وإذ نجحت الثورة في مصر وتونس في تغيير الحكام بالنزول إلى الشارع، فليس على بقية الحكام العرب إلا أن يقرءوا الدروس المستفادة من تلك الأحداث، ويبدأوا الإصلاح والتغيير، بعد أن وصلت الرسالة صريحة وواضحة بأن الشعوب العربية تنشد الحياة الكريمة بعزة وشرف، لا أن ينتظروا أن تخرج الشعوب للتظاهر والاحتجاج ضدها، وربما لإعلان الثورات وتغيير الأنظمة إلى الأبد.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
badr
-

الثورة نجحت في مصر، وبامتياز. انت تتحدث عما بعد الثورة والحكم عليه.