أصداء

سورية وخطر "الصراع على السلطة"

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

أن يتحول مجلس الشعب (أعلى سلطة تشريعية) الى مجرد كورس للشعر والهتافات والتصفيق لرئيس الدولة ودماء المتظاهرين المحتجين على سياسات الحكومة وطريقة حكمها تسيل في شوارع المدن السورية، ثم شطب مداخلة للنائب (يوسف أبو رومية) عن مدينة درعا في جلسة مجلس الشعب يوم 27 آذار الماضي والتي حمل فيها صراحة قادة الفروع الأمنية مسؤولية وقوع قتلى وجرحى بين المتظاهرين، مشاهد تؤكد على عمق الأزمة الوطنية المتفجرة في سوريا.

هذه الأزمة مرتبطة بشكل مباشر ببنية الاستبداد وبطبيعة النظام الشمولي (السياسي/الأمني) الذي يحكم البلاد منذ عقود طويلة.حتى الآن، لا يبدو ان "الإرادة السياسية"المطلوبة لحل الأزمة متوفرة لدى القيادة السورية أو بالأحرى لدى "صناع القرار"في سوريا. لقاءات الرئيس بشار الأسد بزعماء القبائل والعشائر وبوجهاء الطوائف وبرجال الدين المسيحي والاسلامي، من مختلف المحافظات والمناطق السورية، تؤكد إصرارالقيادة على بقاء باب الحوار الوطني مغلقاً في وجه قوى المعارضة الوطنية واستبعادها من المشاركة في الحكم.

فيضوء غياب الشفافية والمصداقية في مقاربة السلطات السورية للأزمة الراهنة وفي طريقةتعاطيها مع المحتجين في الشارع،من غير المتوقع أن يقوم صناع القرار بأية اصلاحاتسياسية نوعية ومهمة من شأنها أن تنال من سلطتهم أو أن تمس طبيعة النظام الشمولي القائم.كل ما أعلنته واتخذته السلطات حتى الآن من خطوات اصلاحية (سياسية وغيرسياسية) هي شكلية لا تعدو كونها مناورة للالتفاف على المطالب الأساسية والمشروعةللشعب السوري، التي لخصها وعبر عنها المتظاهرون والمحتجون بـ (الحرية والديمقراطيةوالكرامة).حتى إقالة حكومة المهندس (ناجي العطري) لا يمكن اعتبارها خطوة مهمة على طريق الاصلاح السياسي المطلوب، خاصة وأن كل الحكومات في ظل سلطة الاستبداد وهيمنة النظامالأمني هي مجرد حكومات تصريف أعمال لا أكثر.أن الأزمة الراهنة والمتفجرة اليوم في الشارع هي أكبر وأعقد من أن تحل عبر إقالة حكومة وتشكيل أخرى.

ورغم أهمية رفع "حالة الطوارئ"، القائمة في البلاد منذ قرابة نصف قرن، من غيرالمتوقع أن يحدث رفعها أي تغيير نوعي مهم في الحياة السياسية والحريات،اذا ما بقيالنظام الأمني ممسكاً بالمجتمع والدولة ومسيطراً على الحياة العامة في البلاد.لابل،قد يترحم السوريون على "حالة الطوارئ" اذا ما طبق قانون "مكافحةالارهاب" الذي تتحدث عنه السلطات كبديل.وما يقلل من أهمية ما قرر أو اتخذ منخطوات اصلاحية، انعدام تام لثقة الشعب بالحكم، وهذا ناتج عن عقود طويلة من التضليل الممنهج الذي مارسه النظام القائم على الشعب السوري.

باستثناء خطابين للرئيس بشار- أمام مجلس الشعب والحكومة الجديدة- منذ انطلاق حركة الاحتجاجات قبل أكثر من شهر، تبدو القيادة السياسية غائبة كلياً عن المشهد السوريالمتفجر.هذا الغياب يعزز وجهة النظر القائلة بأن: ملف الأزمة هو بعهدة "الأجهزة والدوائر الأمنية" وليس بعهدة "القيادة السياسية" كما يجب ويفترضأن يكون. ما يعزز وجهة النظر هذه، رهان النظام في معالجة الأزمة الراهنة بالدرجة الأولى على "الخيار الأمني" (اللجوء الى الاعتقالات التعسفية وللعنفالمفرط لإخماد الحراك الشعبي الاحتجاجي السلمي ووصمه بالتخوين وربطه بالخارج لتبرراستخدام القوة ضد المتظاهرين)، وليس على الحلول والمعالجات السياسية والاجتماعية المطلوبة التي ينتظرها الشعب السوري.

طبعاً، الرهان الأمني ليس حلاً. فمثلما أخفقتالسلطة في احتواء الاحتجاجات في الشارع بتحايلها على المطالب الأساسية للشعب، كذلك لا يمكن للحلول الأمنية أن تشكل أو أن تكون حلولاً ناجعة لمشكلة هي (سياسية/اجتماعية) في جوهرها وجذورها. حتى لو نجح النظام في إخماد الاحتجاجات بقوة القمع لا يعني طيملف الأزمة وعدم تفجرها من جديد.اذ ستبقى نار تحت الرماد ستشتعل بمجرد هبوب عليهاالريح المناسب وبالوقت المناسب.

أن التعاطي مع الأزمة الوطنية المتفجرة من منظور أمني و كمن يعطي دواء لغير داء فتزيد حالة المريض سوءاً وتدهوراً.لهذا تبقى الأزمةالسورية مرشحة لمزيد من التفاقم والتصعيد في الأسابيع المقبلة، هذا ما تقوله وتتحدثعنه الوقائع على الأرض.فرغم استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين والحصار الأمني المفروض على المدن والبلدات السورية التي شهدت التظاهرات الاحتجاجية ومضاعفة الاجراءات الأمنية وحملات الاعتقالات التعسفية، توسعت دائرة الاحتجاجات في الأيام القليلة الماضية وارتفع سقف الشعارات في ما سمي بـ"الجمعة العظيمة"، التي جاءت بعد يوم واحد من صدور عدة مراسيم رئاسية تقضي برفع حالة الطوارئ والغاء محكمة أمن الدولة وتنظيم المسيرات السلمية.رغم تعقد وقتامة المشهد السوري وتسارع الأحداث والتطورات في الشارع، أعتقد بأن ثمة فرصة تاريخية أمام الرئيس بشار في انقاذ البلاد.

الفرصة هي:أن يستجيب الرئيس وبشكل سريع وقبل فوات الأوان للمطالب المشروعة والمحقة للشعب السوري.في مقدمة هذه المطالب:إنهاء احتكار (حزب البعث العربي الاشتراكي) للسلطة بإلغاء "المادة الثامنة" من الدستور، والمباشرة فوراًبوضع الآليات الدستورية المناسبة والكفيلة بتحقيق "التداول الديمقراطي السلمي للسلطة" في البلاد.

أعتقد بأن هذه الخطوة السياسية الاصلاحية وحدها كفيلة بحل الأزمة الوطنية المتفجرة وتجنيب البلاد خطر الانزلاق الى الفتنة والفوضى و الدخول في "صراع مفتوح على السلطة" الذي بدأ يلوح في الأفق بعد أسابيع منانطلاق الاحتجاجات في سوريا.

آن الأوان لتدرك القيادة السورية بأن الشعارات الثوريةوالقومية فقدت بريقها وتلاشى مفعولها السياسي، وبأن زمن"الحزب القائد" و" القائدالملهم" و"الرئيس الأبدي" و"هيمنة قومية معينة على أخرى"قد ولى وانقضى من دون رجعة. أنه زمن الشعوب الحرة الرافضة للذل والعاشقة للحرية والراغبة بالعيش الكريم.

الشعب السوري ليس أقل من الشعوب الأخرى في تطلعاته وطموحاته السياسية.أنه على قدر كبير من الوعي الوطني والنضج السياسي والفكري لكي يختار نظامه (السياسي والاجتماعي والاقتصادي) الذي يرغب به.

سليمان يوسف يوسف

سوريا...ناشط آشوري

Sh_yousph@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
Change
Syrian -

little asad made his choice, he is heading with his family to his end. All billions are useless if you are going to die, you can hide like sadam for a while with $300000 to carry. But the people will get you with your wife and children. Blood=end.

لا ثقة
عصفور مهاجر -

المشكلة كما ذكرها الكاتب هو انعدام الثقة بشكل مطلق بين الشعب والنظام الفاسد الطائفي. وإلا فكيف يمكن تفسير هذا الكم الهائل من القتل والاعتقال والتعسّف بعد يوم واحد من إلغاء قانون الطوارئ؟

جريدة تشرين
كوردو كوردو -

سلمت يداك يا إستاذ سليمان يوسف على هذا التحليل الصائب. نعم النظام الإجرامي الفاسد يعتقد انه سيحتوي الأزمة من خلال التلفزيون السوري الكاذب الذي لا يشاهده حتى البعثيين ومن خلال جريدة تشرين التي لا يقرأها أكثر من عشرة اشخاص يوميأ... من قامشلي لحوران... الشعب السوري ما بينهان...

هذا ليس نظام زمرة
قاسم -

هؤلاء يمثلون عصابة مجرمة همها التسلط والسلب والنهب هم لا يمارسون السياسة بل البلطجية الأمنية الهابطة...لذلك القوانين لا قيمة لها المشكلة بهم وليس بالقوانين. لا بد من رحيلهم وعودة سوريا إلى نظام الدولة المدنية واقتصاد السوق الحر يتيح الفرص لجميع أبنائها من كل الأطياف.

وين الغيبة
jack -

اولا حمدالله عالسلامة وين هالغيبة تحليل وفكر منطقي ووعي سياسي بشكل عاموشكرا

القناة السورية
اكرم محمد -

سبحان الله تحولت القناة السورية مثل القناة الليبية الى الاغاني الحماسية والى اجراء اللقاءات مع الجوقة والمطبلين للنظام وكأنهم ذاهبين لتحرير الجولان

شعب يستحق افضل
جوزيف السرياني -

دائما السؤال الكبير: لماذا الشعب السوري، وهو شعب حر وهو شعب مدني منذ 8000 عام، لماذا قبل أن يحكم بهذه الطريقة 48 عاما؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يحتاج كثيرا من الباحثين ليعرفوا السبب. ليس فقط هو الخوف، لكن أعتقد أن الطوق كان كبيرا،والمستقبل كفيل بأن يجيب عن هذا السؤال: كيف قمعت تطلعات الشعب السوري المدني؟ وهو مدني وأبو المدنية في العالم. نحن لسنا شعوبا من الهمج. وأريد أن أقول كلمة أخرى إن الرئيس استخدم كلمة فتنة، عندما استلمتم السلطة في عام 63 لم يكن هناك فتنة، على الأقل اتركوها كما أخذتموها. لا أحد يهددنا بالفتنة، لا يمكن أن تحدث في سورية، لا أحد يراهن عليها. نحن مدنيون ولسنا وحوشا، لسنا شعبا متوحشا نحن مدنيون، نحن إلهنا واحد، إلهنا هو إله الحرية”.

نظام احمق غبي
freeman -

لم يفهم النظام الاسدي الدموي ان الدم يولد الحقد!القمع يجعل الشعب حاقد اكثر كيف للانسان ان ينسا من قتل اهله او اقاربه او جيرانه او اصدقاءه،، للاسف النظام يفكر من داخل قوقعته ليس لديه نظرة مستقبلية سليمة.

لا ينفع
حنا -

أعتقادك أستاذ سليمان بان الحل هو ألغاء المادة الثامنة هو بالنسبة لرأيي هو أعتقاد خاطئ ففاقد الشيئ لا يعطيه ولايمكن أن تقنع اي من المتسلطين الذين ذاقو حلاوة الكرسي بانهم بمبدأ المواطنة متساويين مع اي من المواطنين العاديين . صدقني اذا هدأت نار الثورة سيجعلونها ناراً بمنزل كل شخص خرج وكل كاتب كتب وكل ناشط وكل شخص لم يصفق لسيادته وجلالته . الحل هو اسقاط النظام

اللعبة مكشوفة
باور أومري -

سبحان مغير الأحوال ياأستاذ سليمان, فبلأمس كنت مع السلطة وكنت من الداعين الى بقائها الى الأبد, واليوم تدعو الى رحيلها , فهل تعتقد بأن الشعب السوري سينسى مواقفك الموالية للسلطة في سورية.