التحيزات والانتقائية في مهب الثورات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
في لقاء مع قناة المنار حذر الإعلامي في قناة الجزيرة سامي كليب من تغيرات في المنطقة العربية, وضياع الأمن القومي، ودخول المنطقة في حالة من الانقسام العرقي والتفتت... جاء ذلك في معرض دفاعه عن النظام البعثي في سوريا، مستشهدا بتقرير من "لوموند" الفرنسية عن التحسن الاقتصادي الذي حققته سوريا في عهد بشار الأسد، ولم يتابع، إنْ كان هذا (التحسن) قد ظهرت آثاره على أفراد الشعب العاديين. في الوقت الذي حاول أن يُظهر موضوعية, في الشأن السوري، عندما حرص على إظهار وقوفه إلى جانب الإصلاح, والحقوق المشروعة للشعب، وقوى المعارضة السورية الوطنية...
هذا الإعلامي يخوِّف ويهوِّل من نتائج مريعة تنتظر العالم العربي؛ لأن قطار التغيير قد مر بسوريا، وفي حال سقوط النظام هناك فإن التوازنات في المنطقة ستتعرض للاختلال، وهو ما يخيف إيران وحلفاءها, وهنا نتساءل: لمَ كلُّ هذا التهويل والتخويف؟
صحيح أن العالم العربي محتاج إلى مخاض فكري, وحالة حوارية عميقة وهادئة؛ لبناء جسور اللقاء, ولتعزيز القواسم المشتركة، لكن بقاء النظم المستبدة, والكاتمة على أنفاس الشعوب, والتي تحرمهم من فرص العيش الطبيعي، والتنمية الاقتصادية, والتي تحتكر الثروات, والمقدرات، و تستبد بالرأي، وتسجن أصحاب الرأي المخالف. مثل هذه النظم هي التي تهدد بنية المجتمعات, وهي التي تراكم حالة الاحتقان, وتعزز التطرف، وتنمي العدوانية, والإرهاب.
وبمناسبة هذا التخويف يحسن أن نذكِّر بالوثيقة السرية التي صدرت عن إدارة المخابرات العامة السورية، وترتكز, فيما ترتكز إلى خطة تفصيلية تشتمل على عنصر إعلامي، ومنه الدعوة إلى"حملة إعلامية غير مباشرة في التلفزيون والقنوات الخاصة والشوارع، حول الفتنة الطائفية، وتخويف المسيحيين والدروز من الإخوان المسلمين والتطرف الذي سيواجهونه، إذا لم يشاركوا في إنهاء الاحتجاجات، وفي منطقة الساحل استنفار العلويين؛ ليدافعوا عن نظامهم وحياتهم التي ستصبح مهددة من قبل التطرف السني." وقد نشرت الوثيقة كاملة على موقع "الثورة السورية".
استقالة ابن جدو:
ثم أُعلن نبأُ استقالة غسان بن جدو من قناة الجزيرة؛ احتجاجا على غياب مهنيتها, ولا سيما في تغطية احتجاجات البحرين.
وأكدت مصادر جريدة السفير التي وصفتها بالموثوقة أنه تقدم بكتاب الاستقالة خطيا منذ أيام، وأرجعت قرار ابن جدو إلى جملة أسباب، أهمها "أن قناة الجزيرة أنهت حلماً كاملاً من المهنية والموضوعية، وباتت تلك المهنية في الحضيض، بعدما خرجت "الجزيرة" عن كونها وسيلة إعلام، وتحولت إلى غرفة عمليات للتحريض والتعبئة".
ومن الأسباب أيضا، بحسب المصادر، هو "أن ما يجري في قناة الجزيرة من سياسات تحريضية لا مهنية أمر غير مقبول على الإطلاق، خاصة في ظل المفصل التاريخي الذي تمر فيه المنطقة، كما أن تعاطيها مع الملفات المتراكمة في المنطقة يضع كل ما نسجته "الجزيرة" بعرق أبنائها في الساحات والميادين، محل شك واستفهام كبيرين".
وأشارت المصادر إلى منطلق أخلاقي لاستقالة بن جدو، إذ كيف يمكن أن يقبل أن يتم التعاطي بكثافة وتسليط الضوء على ليبيا واليمن وسوريا، ولا تتم الإشارة من قريب أو بعيد إلى ما يحصل في البحرين، على الرغم من أن في البحرين دماء تسيل. "
وهنا بعض الأسئلة عن المهنية والحياد: هل كان ابن جدو نفسُه محايدا, وهو يمنح حزب الله، والمؤيدين لوجهة النظر الإيرانية هامشا واسعا في برامجه؟ وهل كان محايدا وهو يظهر، بقطع النظر عن موقفنا من حزب الله، حفاوة, بنشاطات حزب الله, في جنوب لبنان، وقد خصص حلقات كاملة لا تصب إلا في الترويج لحزب الله، وآرائه.
ومن كان يتابعه لا تعوزه الإشارات على اصطفافه إلى جانب نهج حزب الله وإيران.
وإذا كان ابن جدو مغضبا من تعاطي الجزيرة مع أحداث البحرين؛ فهل إعلام إيران، ومن يُكبِرهم ابن جدو من أتباع إيران كانوا مهنيين في تغطية تظاهرات الشعب السوري؟ مع أن سوريا أكثر أهمية من البحرين في المنطقة، وانعكاسات أي تغيير فيها أكبر على المنطقة برمتها، ومقدار الجرائم التي اقترفها النظام فيها فاقت على نحو واضح ما وقع في البحرين من تنكيل، أو قمع.
تعاطي الجزيرة مع التظاهرات في سوريا:
وأما فيما يتعلق بتغطية "الجزيرة" لتظاهرات سوريا فلا أظن أن ما تقوم به يساوي ضخامة الحدث؛ إذ تأخرت في التغطية, وكانت، ولا سيما في البداية، تغطي بالأزمة في ليبيا على قتلى ليسوا قلة في درعا، ولا تورد الخبر إلا في نهاية الحصاد الإخباري.
ولما لم يعد بإمكانها التجاهل، أو التهوين اضطرت إلى إفراد مساحة أوسع، مع الحرص على إظهار وجهة النظر الرسمية، وتخفيف اللهجة مع من يمثل وجهة نظر النظام. وفي يوم "الجمعة العظيمة" وهو اليوم المهم, والعيون والآذان تترقب ما ستنقله الجزيرة كان خبرا رئيسا مشتركا، عن ليبيا واليمن وسوريا، دمجت فيه الحدث السوري الذي شهد مجزرة حقيقية، بأحداث تراوح مكانها، أو لا تشهد تطورات مهمة كالتي تشهدها سوريا.
ومما لا يحتاج إلى تأكيد أحقية الشعوب العربية كلها في التظاهر, والمطالبة بالتغيير, وفق إرادتها, دون توظيف سياسي, أو إدخال في لعبة المحاور, ومد النفوذ, وربما أضرت إيران مطالب البحرينيين أكثر مما أفادت بفجاجة تدخلاتها, وإقحامها نفسها في هذا الشأن البحريني، مع وجود مطامع ومواقف إيرانية مسبقة لم تكن المواقف الجديدة إلا تذكيرا بها، أو تهييجا لها.
ومن راقب الثورة في تونس, وفي مصر رأى كيف أنها نهضت بقوى الشعبين المصري والتونسي، بكل شرائحه، وبكل تنوعاته، حتى الدينية، دون أن يُسمح لأي طرف بالتدخل، أو اقتياد الحراك الشعبي. ولذلك نجحت الثورتان نجاحا باهرا في الإطاحة بنظامين أمنيين من الدرجة الأولى.
فمن يرفع صوته بالانتقاد على دولة، أو على مؤسسة إعلامية, لا يليق به أن يرفع ذات الصوت مؤيدا لدولة تفعل نفس الجرم, وأكبر, ومؤسسات إعلامية تقول, من ضمن ما تقول، فيما يشبه النكتة إن السوريين الذي خرجوا للتظاهر في "الجمعة العظيمة" إنما أخرجهم الفرح والابتهاج بنزول المطر!
يبدو أن هذه الثورات لن يتوقف أثرها على الحياة السياسية، بل إنها ستترك آثارا على الخريطة الإعلامية, وستعيد فرز المؤسسات الإعلامية, والعاملين فيها، لكن الرابح هو من يظل أقرب إلى الحقيقة, وإلى نبض الشعوب، ومطالبهم المشروعة؛ إذ لم يعد الخبر, والرأي حكرا على الوسائل التقليدية، بل ظهر ما يسمى بصحافة المواطن، وهو المعتمدة على مواقع التواصل الاجتماعي، والمدونات، وغيرها، حيث تتعدد مصادر الخبر, وتصبح المقارنة أمرا مفروضا، فلا حجب للمعلومات، ولا استئثار بالصورة.
o_shaawar@hotmail.com.