أصداء

قراءة في المشهد الايراني و آفاقه المستقبلية 19

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

إيران: ثورة تصادر و اخرى تولد من جديد


إتهامات واهية و حجج ضعيفة
سعى تقرير وزارة الخارجية الامريکية الخاص بمنظمة مجاهدي خلق، الى التشبث بکل شاردة و واردة و إلصاقها بالمنظمة، بل وان التقرير الذي تم إعداده اساسا وفقا لرؤية نابعة من تصورات خاضعة لوجهة نظر رجال الدين المتزمتين بشأن المنظمة و عبر قنوات متعددة مرتبطة جميعها باللوبي الايراني في أمريکا و الموجه من قبل النظام، هذا إضافة الى أن الادارة الامريکية قد کانت ترغب نفسها بمغازلة طهران و التقرب منها بشتى الطرق سعيا الى إقامة علاقات سياسية إقتصادية جديدة متينة بإمکانها خدمة أهداف و مصالح الجانبين إذ کان وفي ذلك الوقت(أي أواسط العقد التاسع من القرن العشرين)، إتجاها أمريکيا واضحا يسعى لتأهيل النظام الايراني و إدخاله في المعادلات السياسية القائمة، بل وان هنالك في التقرير إشارات صريحة جدا الى هذه المسألة، مما يدفع المراقب و المتابع الى الاقتناع بأن التقرير قد أعد سلفا لکي يجاري و يماشي رؤية و موقف أمريکي محدد للقضية الايرانية ولم يتم إعداده بعد دراسة أکاديمية ممنهجة لأبجديات الواقع السياسي الايراني بمختلف أطيافه السياسية و الفکرية، وهو مادفع للتشکيك بمصداقيته و رفضه من قبل مختلف الاطياف الايرانية ماعدا النظام الذي رحب به، ذلك أنه جاء مماشيا و مسايرا لرغباته و اهوائه و تطلعاته السياسية على عدة أصعدة.

الاتهامات العامة التي وجهتها وزارة الخارجية الامريکية لمنظمة مجاهدي خلق و التي سنناقشها الواحدة تلو الاخرى، تميط في سياقها العام اللثام عن حقيقة و ماهية و معدن هذا التقرير المغالط لجوهر القضية و تکشف النوايا الکامنة خلف إعداده و إعلانه من جانب وزارة الخارجية الامريکية وهو الذي في واقع أمره و من فرط سطحيته و سذاجة طروحاته و غرقه في التناقضات الصارخة، لايصلح أن يکون من أعده سوى مبتدئ في مجال إعداد التقارير و البحوث، ولاسيما وانه يجنح و بشکل ملفت للنظر الى الخلط غير الموفق بين الفترات التأريخية و يطرح الماضي بصيغة الحاضر و المستقبل و يرتکب أخطائا فاحشة في التواريخ و الاحداث الحساسة، کما يبدو في شکل و مضمون العديد من المسائل و القضايا التي يطرحها عن إيران وکأنه جاهل جهلا مفرطا بالشأن الايراني و أبعد مايکون عنه، وکل هذه الامور سنوضحها في السياق.

ان النقاط العامة التي طرحها التقرير کمآخذ و انتقادات ضد منظمة مجاهدي خلق تتجلى فيما يلي:
ـ التعاون مع الخميني: هذا الاتهام الساذج و السطحي و الذي يطرح کما أسلفنا جهلا واضحا و مبينا بالشأن الايراني، يبدو أنه يسعى للقفز على وقائع و مجريات الاحداث على أرض الواقع في إيران بعد الثورة الايرانية التي اسقطت الشاه عام 1979، إذ أن الخميني الذي کان يتمتع في بداية الثورة بتإييد جماهيري واسع جدا و تمکن من إمتطاء صهوة جواد الثورة، لم يکن من الواقع أبدا أن تقف المنظمة ضده و ترفض خيار الشعب الايراني، خصوصا وان المنظمة مافتأت تطرح مبادئها و افکارها حول إيمانها و تمسکها بالديمقراطية، خصوصا وانه في تلك المرحلة لم تبدر أمور تثير الشبهات و الشکوك حولها، وکانت المنظمة شأنها شأن مختلف قوى و شرائح الشعب الايراني، کانت تنتظر بفارغ الصبر مشاريع و خطط الخميني بصدد حاضر و مستقبل إيران، لکن، وبعد أن طرح النظام دستوره"المتخلف"، الذي کان يتکأ اساسا على مبدأ"ولاية الفقيه"الاستبدادي، و مسائل أخرى ذات صلة بنفس الامر، وقفت منظمة مجاهدي خلق موقفا مبدئيا و حديا ضد ذلك ولم تساوم او تساير او تداهن او"تنافق"على حساب مبادئها و أفکارها و أکدت عدم موافقتها أبدا على دستور يتضمن الاقرار بنهج ولاية الفقيه لإيران، وعلى الرغم من المحاولات المستميتة للنظام لإقناع المنظمة بذلك، إلا أنها رفضت الدستور المقترح و أصرت على عدم القبول به، کما أنها واجهت النظام أيضا في العديد من المسائل الحيوية و الحساسة ذات العلاقة بالحرية و مبادئ حقوق الانسان و حقوق المرأة، ويکفي أن نشير الى أن نساء منخرطات في منظمة مجاهدي خلق قد شارکن نساء إيرانيات متبرجات في تظاهرتهن ضد فرض الحجاب على النساء، لکن تقرير وزارة الخارجية الامريکية إکتفى بموقف المنظمة في بداية الثورة و لم يجشم نفسه عناء التقصي فيما آلت إليه مواقف المنظمة بعد ذلك و مانجم عنها من أحداث و تداعيات و إفرازات إنعکست على المشهد الايراني بقوة، وهو مايطرح علامة استفهام کبيرة على هذا الاتهام و عدم حقانيته.

ـ المارکسية الاسلامية: لم يکن من المستغرب أبدا ان يرمي تقرير وزارة الخارجية الامريکية بهکذا تهمة بوجه منظمة مجاهدي خلق، وهي تهمة إبتدعها و زخرفها جهاز السافاك التابع لنظام الشاه و إجتره من بعده و بنفس النهج و الروحية النظام الايراني بشکل عام و أجهزته الامنية بشکل خاص، وهنا من المفيد جدا أن نتوقف عند نقطة مهمة و حساسة و حيوية تتعلق اساسا بالمنهج و الاسلوب المرن و المنفتح و التنويري و الحضاري في تعاطي و تعامل منظمة مجاهدي خلق مع مختلف التيارات السياسية و الفکرية التي کانت معارضة لنظام الشاه، وقد اوردنا في مقالات سابقة من بحثنا المفصل هذا نماذج من سعي نظام الشاه لدق اسفين بين منظمة مجاهدي خلق و اليسار الايراني من خلال ترغيب قادة المنظمة المعتقلين في سجون الشاه بتکفير اليسار و بأن هناك"تضارب و تضاد مابين المارکسية و الاسلام"، من أجل خلق حالة فوضى و مواجهة بين مختلف أجنحة المعارضة الايرانية و التي کانت في الاساس تتشکل من هذين التيارين الفکريين السياسيين، وهو الامر الذي رفضه اولئك القادة بشدة و وقفوا ضده کي لايسمحوا بفتح أية ثغرة في جدار المعارضة السياسية لنظام الشاه، و الواقع هناك ثمة ملاحظات مهمة بخصوص رؤية المنظمة للمارکسية و الاسلام من المفيد جدا إيرادها هنا؛ إذ أنها کانت تعتبر المارکسية(حرکة ثورية) ولم تسعى للإصطدام بها او رفضها، کما أن منظمة مجاهدي خلق تعاملت ومنذ بداية تأسيسها مع الاسلام کأيديلوجية و ليس کدين، وهذا التعامل ينعکس بوضوح في الکثير من المسائل الفکرية و النظرية للمنظمة، حيث أن المارکسية عندما تتحدث عن المجتمع اللاطبقي و إمکانية حدوثه، إلا أن منظمة مجاهدي خلق و على الرغم من تفهمها للتصور المارکسي و خلوص نيته بهذا السياق، لکنها"أي المارکسية"، غير قادرة على إنجاز و تحقيق المجتمع غير الطبقي، أما الاسلام فإنه(ومن وجهة نظر المنظمة)، بإمکانه أن يحقق ذلك و يجعله أمرا متيسرا، ولعل مقولة زعيم منظمة مجاهدي خلق مسعود رجوي(الاسلام أکثر يسارية من المارکسية)، يوضح خطا فکريا رقيقا فاصلا بين المارکسية و الاسلام، وان تمسك المنظمة القوي بالاسلام، دفع الشعب الايراني الى أن يکن حبا و احتراما و تقديرا کبيرا لها و ذلك ماساعدها على إمتصاص العديد من الضربات العنيفة لنظام الشاه و تجاوزت ذلك لتقف من جديد على قدميها و تزلزل الارض تحت أقدام ذلك النظام، والشاه محمد رضا بهلوي قد أطلق صفة(المارکسيين الاسلاميين)، على منظمة مجاهدي خلق على أمل إيجاد مساحة فاصلة بين أقطاب المعارضة بشقيها الرئيسيين، أما نظام الخميني، فإنه قد ورث نفس التهمة"المفبرکة" و"المشوهة" من نظام الشاه بخصوص المنظمة، لکنه و في سبيل أن يمنح لهذه التهمة صبغة دينية و يبين بأن المجاهدين يتمسکون بالاسلام زورا، فإنه قد استخدم مفردة"منافقين"، ضد المجاهدين، وهذا هو نفس ماقد طرح في تقرير وزارة الخارجية الامريکية مما يدعو المرء للتأمل مليا و التدقيق في شکل و مضمون"الانجراف"الامريکي خلف طروحات و أفکار دولة تبشر لإسلام متطرف و تحتضن الارهاب و تدعمه بمختلف الصور، وللموضوع صلة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف