الآن فهمت كيف تعيش أزمة لبنان وأنت بعيد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كنت أظن أن الذين اختاروا أن يعيشوا خارج لبنان، اختاروا أن يأخذوا مسافة من هذا البلد الصغير بمساحته الكبير بمشاكله.. ويبتعدوا عن هموم السياسية التي باتت تثير اشمئزازنا نحن اللبنانيين، وتجعلنا نفكّر مئة مرة في اليوم بالهجرة ربما الى جزر الهاواي التي قد تكون أبعد نقطة جغرافية عنهم وعن المشاكل التي أغرقوا البلد فيها.
وفي العدوان الاسرائيلي على لبنان تموز الـ 2006 كانت المفارقة بالنسبة لي أن بعض أقاربي في المهجر يتابعون الأخبار لحظة بلحظة ربما أكثر مني أنا في لبنان... استغربت ذلك اذ كنت أعتبر أني على خط التماس وتحت الخطر وبالتالي تهمني الأخبار أكثر منهم.. الى أني صباح الأحد 15 أيار 2011 أختبرت بنفسي كيف يكون الشعور عندما تحصل اشتباكات في لبنان وأنا بعيدة ساعات سفر طويلة عنه..
كنت أتحدث مع صديقتي عبر الـ WhatsApp (خدمة الرسائل عبر الهاتف) وقالت لي: "علقانة في لبنان".. لأول وهلة ظننت أنه الحال الذي عودنا عليه سياسينا في الخلافات فيما بينهم.. فلم أكترث كثيراً.. أصلاً أنا قررت أن أفصل نفسي عن أخبار السياسة ولا أسمع أي منها خلال غيابي.. فأنا أحتاج الى نقاهة منها ومنهم (السياسيين)، ولكن ومن باب الحشرية سألتها "شو صاير" وكان الجواب "على الحدود.. الفلسطينين والسوريين مع الاسرائيليين".. كانت هذه الكلمات البسيطة كافية لتدفعني دفعاً الى المواقع الاخبارية للاطلاع على مجريات الأمور.. وما وجدته كان جملة تقول: "ستة قتلى وأكثر من سبعين جريحاً في اطلاق نار اسرائيلي على الحدود اللبنانية".. نزلت هذه المعلومات كالصاعقة عليّ، فأنا عشت بعضاً من تجارب ما يعرف باطلاق النار الاسرائيلي على لبنان، وذاكرتي لم تنس بعد كيف كان ينهال القصف الاسرائيلي على لبنان سنة 2006 وكيف دمر حقدهم المعابر والجسور.. وووو.. اذا مجرد وجود "اسرائيل" في الموضوع كان كافياً في اثارة مشاعر أخرى غير اللامبالاة في داخلي... تحركت كل مشاعري صوب لبنان، وكان كل همي في تلك اللحظات أن أعرف ما يحصل.. مضيت معظم النهار (الذي كان أصبح بعد الظهر في لبنان) أحاول أن أتسقط الأخبار من أصدقائي هناك وأطلع على ما يحصل في الوقت الذي لم تفدني الأخبار على الانترنت بالشيء الكثير، وكانت الأخبار العاجلة تقلقني أكثر وأكثر.. الى أن علمت بحقيقة ما يجري واطمأنيت الى أن هذا الرصاص، مع أنه حصد عدداً من الشهداء والجرحى، ولكنه موقتاً ولم يمتد الى عناقيد غضب كالتي أرتني اياها اسرائيل سابقاً... وشعرت بنوع من النشوة لاحياء الذكرى الـ 63 لنكبة فلسطين بطريقة استفزت اسرائيل.. وكأن أمل لاح في سماء أفكاري أن الانتفاضة الكبرى آتية لا محالة.. وربما سنكون يوماً على موعد مع القضاء على هذا الكابوس المزعج الذي تعرّفه المصطلحات الدولية بـ "اسرائيل".
هدأت.. ولكن كان لهذه الساعات أثراً داخلياً استوقفني.. نعم البعيد يقلق أكثر لأنه بعيد ولا يعرف ماذا يجري هناك وأيقنت أننا نحن اللبنانيين تربطنا ببلد الأرز رابطة دم قوية، تجعل اسمه ينبض في عروقنا، خصوصاً عندما نغيب عنه.. وعندما نتمنى أن نبتعد عنه فذلك لنرتاح من هذا الوضع السيء الذي أغرقنا فيه من ولوا أنفسهم علينا.. أو قد نكون نحن من ولاهم علينا!!!