الإحتجاجات العراقية: إعتقالات كيفية وتعذيب ديمقراطي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لا يبدو أنّ الأطراف الأساسية المتحكمة بالقرار السياسي الداخلي في العراق تودّ بالفعل، الإستجابة للمطالب الجماهيرية المشروعة التي تعبّر عنها حركات الإحتجاج على الأوضاع الإجتماعية المأساوية منذ إندلاعها في الخامس والعشرين من شهر شباط الماضي، بل هي حاولت ومنذ البداية، الطعن والتشكيك في مشروعيتها وفي ميول القائمين على تنظيمها، وتشويه أهدافها الحقيقية، والتضييق وقطع الطريق عليها، ومواجهتها بكل الأساليب البوليسية، من إطلاق الرصاص الحي وإستعمال خراطيم المياه والغازات المسيلة للدموع والإعتقالات الكيفية ووسائل التعذيب الهمجية التي لا يمكن أن تمارس بأي شكل من الأشكال، في ظلّ توجهات تدّعي الإلتزام الدستوري وسيادة القانون.
ولم يكن ما بدر من تنازلات رسمية مؤقتة في بادئ الأمر، تمثلت في إمهال الحكومة فترة المائة يوم لتقييم إداء الوزارات هدفا لتحسين الأوضاع العامّة، وما صاحب ذلك من إجراءات سريعة تضمنت تخفيض الرواتب والمخصصات الخيالية للرئاسات الثلاث ووعود بتحسين مفردات البطاقة التموينية للمواطنين وغيرها من الخطوات الترقيعية التي تعودنا على إتخاذها في المنعطفات السياسية من أجل إحتواء الغليان الشعبي المتزايد حين توحي الأمور بخطورة القادم من الأحداث، بعيدة تماما، عن القلق الناجم في القراءة الحكومية لما يجري من تفجرات وإنتفاضات شعبية في المنطقة العربية وفي الجوار العراقي ومن إحتمال إنتقال العدوى"الثورية" الى الساحة العراقية المتأزمة أصلا.
بيد انّ ما تبين للأطراف المتنفذة الحاكمة فيما بعد، عن الإمكانيات الفعلية لحركات الإحتجاج في نسختها العراقية والتي لا تزال في واقع الأمر، بعيدة المنال نسبيا، عن تهديد مواقع السلطة وعن التأثير المباشر في تغيير موازين القوى وتعديل الأوضاع وإصلاحها، قدّ جدّد للمتنفذين قناعات بالية وقديمة مفادها أنّ " دار السيد مأمونة " وأنّ العراق "الديمقراطي" غير معني بالتحولات الجارية في المنطقة العربية.
ولا يحتاج المرء الى كثير من الفطنة، كي يدرك ضحالة تلك القراءة وعمق الإفلاس السياسي للحاكمين، حين لا تملك سوى أساليب النظام الديكتاتوري السابق لمواجهة الشباب والطلبة والمتظاهرين بالطرق السلمية والمشروعة، كما لا يحتاج أيضا الى معرفة الكثير من خفايا الأمور، كي يدرك أنّ العنف المستبطن في العقلية السياسية الحاكمة إزاء المدنيين العزل، ما هو في حقيقة الأمر، إلاّ تعبير صريح عن ضعف وهشاشة السلطة التي يتربعون عليها، حيث أنّ القسوة والبطش والعنف، هي من سمات السلطات الضعيفة وغير الواثقة من نفسها وصفة من صفات العاجزين عن الحوار والإستماع الى صوت المجتمع ومقارعة الحجة بالحجة العقلية.
وبالمقابل، ليس هنالك ما يفسّر، مفارقة الخنوع والإذعان والإستجابة الحكومية لإستعراض كراديس"جيش المهدي" في العاصمة بغداد خلال الإسبوع الماضي في أكبر تحد سافر للدولة وهيبتها وسيادتها، سوى إدمان الحاكمين أنفسهم، على الخضوع لمنطق القوة الغاشمة ولغة التهديد وإشارات الخطر.
هكذا يستمرّ خضوع مفهوم الحقّ لمفهوم القوة العمياء، ويستمرّ معه خضوع العارف للجاهل، والكفوء للمزوّر، والأمين على المال العام للفاسد والسارق، والعلم للشعوذة، والتنظيم للفوضى، والحوار للبلبلة، والضعيف للقوي، والجماعي للفردي، والوطني للأجندات الخارجية، في دورة عبثية يراد تأبيدها من خلال إعادة إنتاج الإستبداد من جهة، والعبودية من جهة أخرى في علاقة الحكام بالمحكومين.
ليس من الممكن، إعادة بناء السياسة والدولة الوطنية التي تعكس الإرادة العامّة للمجتمع العراقي، وتترجم مصالح الأغلبية الإجتماعية وبالتالي تمهّد الطريق السليم للخروج من الأزمات العاصفة بالبلاد، ما لم يتمّ بناء الفضاء الإجتماعي المكفول والمأمون للحرّيات العامّة وحقّ التظاهر السلمي وتشجيع روح التفكير الحرّ والفكر الشجاع والمستقل وتنمية المكاشفة والصراحة ومشروعية المسائلة والدور الإجتماعي في الشأن العام وتقرير المصير، وبطبيعة الحال، لا يمكن أن يتحقق ذلك إلاّ بالإعتراف المباشر للحاكمين، بالتقصير السياسي إزاء إلتزاماتهم الإجتماعية والمساهمة بوعي منهم أو بدونه، في إنسحاب الدولة عن تلك الإلتزامات والتعهدات والوعود الإنتخابية، وصولا الى تعديل الأوضاع الداخلية وإصلاحها بدلا من مطاردة ما تبقى من الشباب الأحرار وتوجيه الرصاص الى صدورهم وخطفهم وإعتقالهم بأساليب عصابات المافيات، ضاربين عرض الحائط كلّ الشرائع والقوانين الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، والتي سوف يحاسبون عليها يوما، لأنّ اللحظة السياسية الراهنة ليست نهاية للتاريخ وليست آخر المطاف كما يظنون، أو التحلّي بالجرأة والكفّ عن الهروب الى الأمام والإرتفاع الى مستوى المسؤوليات، بالإعتراف بالعجز وقلة الحيلة في مواجهة معضلات الواقع العراقي الجديد وهو بدون أدنى شكّ، واقع مركبّ وفي غاية التعقيد، بما يحتاج في هذه المرحلة الى جهود جميع مواطنيه للخروج من المحنة المستمرة منذ عام 2003، ومن ثمّ الإعتراف بالفشل الذريع لنهج المحاصصة الطائفية والإثنية وهي أسّ البلاء السياسي القائم ومصدر تسميم الحياة السياسية برمتها، والدعوة الى إنتخابات مبكرة نزيهة قد تعيد الأوضاع الى نصابها الصحيح وتكون مخرجا من عنق الزجاجة التي نحن فيها. الأمر كله يتوقف على إدراك سياسي بالمخاطر القادمة، وعلى ضمير حيّ وعلى شعور عالي بالمسؤولية، وخصوصا الى شجاعة نادرة لا تتوفر في قاموس الإمّعات والأتباع والرجال الصغار.
التعليقات
كد كيد واسعى سعيك
قيس العراقي -ماذا جنة العراق من اخوانة العرب منذ الخمسينات والى الان سوى الثورات الدموية والحروب الفاشلة التى اكلت الحرث والنسلوالان يتباكون على الديمقراطية والحريةباى فكر تكتبون والى من تتحدثون هل تظنونوتتمنون الى ايام الصحاف ترجون واللة انكم لواهمونوبعقولكم تلعبون وعلى ذقونكم تضحكونلقد خرج المارد من عنق الزجاجة فكيف بة ترجعون
كد كيد واسعى سعيك
قيس العراقي -ماذا جنة العراق من اخوانة العرب منذ الخمسينات والى الان سوى الثورات الدموية والحروب الفاشلة التى اكلت الحرث والنسلوالان يتباكون على الديمقراطية والحريةباى فكر تكتبون والى من تتحدثون هل تظنونوتتمنون الى ايام الصحاف ترجون واللة انكم لواهمونوبعقولكم تلعبون وعلى ذقونكم تضحكونلقد خرج المارد من عنق الزجاجة فكيف بة ترجعون