قادة الكُتل العراقية يتجاهلون بعضهم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
اعترض أحد القراء على مقال سبق نشرته في ايلاف بعنوان " العراق يبحث عن من يقوده " وكان تفضيله للعنوان [ن يكون " الحكومة والبرلمان يبحثان عمن يقودهما ". وسبب الاعتراض الوجيه أن الكتل السياسية العراقية تتعامل بألغاز سياسية تجدها كعلاقة سببية مفروضة عليهم في ظل ظروف أمنية خطيرة لسببين أولهما الخيبة العامة في الأنتخابات. وثانيهما عدم وجود قيادة وطنية رمزية يطمئن لها الشعب.
وأجد نفسي كالأخرين في غاية الحرج للتسائل : هل يَصح ُ القول بأن العراق كان على أعتاب الديمقراطية والتمثيل الأنتخابي البرلماني والأستفرار لو كانت في قبضة كتلة سياسية واحدة علمانية أو دينية؟ الجواب كما يبدو يحتاج الى معرفة مايدور في خُلد فرقاء السلطة السياسية وتحليلنا لهم.
وأنا أكتب هذا المقال ورد الى خاطري أن بعض قادة الكتل العراقية يتبعون، دون وعي منهم، ماورد في فلسفة الشاعر المتنبي:
وأتعبُ من ناداكَ من لاتُجيبهُ وأغيضُ من عاداكَ من لاتُشاكِلُ
محاولات رئيس الجمهورية الطالباني الأخيرة لرأب الصدع وجمع فرقاء العملية السياسية لن يحالفها النجاح أِلا أذا كان أقناعهم يتم بزيادة خفية للرواتب والأمتيازات. ثم من قال أن العراق سيصبح جنة بعد مائة يوم؟ المائة يوم كما فهمتها من تصريحات رائدها في السلطة التنفيذية نوري المالكي هي لمحاسبة المقصرين وأحالتهم الى القضاء وقد أضاف مؤخراً مائة يوم آخر. ومجموعة الأسئلة التي تُحيّر الباحثين في معاهد الدراسات العربية والأجنبية والمراقبين للوضع العراقي مازالت نفسها عن المهمة الأساسية للكتل السياسية العراقية وألحاحها لأفشال بعضها البعض بألغاز غامضة وتجاهل تام في وقت يتمتعون فيه برواتب وأمتيازات لايحلم بها أي مسؤول دولة في العالم. والمبررات الواهية لتنصلُ القائمة العراقية من أي اتفاق يُعقد مع رئيس الحكومة المالكي ووضع شتى العراقيل ومختلف الحجج تقابلها مجموعة المالكي بغضب وشك وتجاهل، الأمر الذي يبقي الطرفان في عدم تقديم أي مشروع لايُحقق مصالحهم السيادية قبل تحقيق أي خدمات للشعب العراقي، ويضيف زخماً آخراً لطرق التعامل بألغاز سياسية. وهو لغز آخر لفوضى مايؤمنون به مايستسلمون له من أستشارات أو تعليمات تأتيهم من دول الجوار العربية والأسلامية
المثل العراقي الدارج " تريد الصدك لو ابن عمه" ينطبق لمقدمة كذبة على رفض القائمة العراقية للمالكي والرغبة الأكيدة لأزاحته من السلطة و بقاءها وعدم أنسحابها من العملية السياسية كما جاءت مراراً في تصريحات أياد علاوي وقادة كتلته وأفشال خطوات المالكي وتجاهل قيادته وخططه الأمنية والأصلاحية التنفيذية. وذلك يظهر في مواقف صريحة تترجمها أفعال طائشة وتبني خطط بائسة يتجهون بها الى الشعب وتأليبه لأتخاذ مواقف ليست بالضرورة سليمة أو صائبة.
وردَ اللغز الأول من جديد في نهاية شهر أيار مايو 2011، بأعلان نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي القيادي في العراقية خلال مؤتمر صحفي عقب اجتماع قادة القائمة (علاوي والنجيفي وأخرون) و تقررفيه ( إرسال رسالة ) الى رئيس الوزراء زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي تتضمن اربعة مطالب تتضمنها مبادرة رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني، مطالبين تطبيقها قبل أن يتم اللجوء الى قرارات حاسمة ازاء المشاركة في العملية السياسية. هذه المطالب تتضمن اربع فقرات وهي : ايقاف الخروقات الامنية. تنفيذ الشراكة الوطنية الحقيقة. الموافقة على مرشح العراقية لمنصب وزارة الدفاع وتقديم مرشحي وزارة الداخلية والامن. وتشريع قانون المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية. كل فقرة من هذه المطالب تحتاج الى منجمين لتفسيرها وتحليلها أمنياً، سياسياً، وأستراتيجياً، ناهيك عن تحليلها وفهم ماسيجنه شعب العراق منها.
التعامل بألغاز الكتل السياسية العراقية لغز محير. فمنذ أن حلَّ مسعود البرزاني الأشكال الأنتخابي( بأبتداع ) تقاسم السلطة بين أياد علاوي ونوري المالكي وأختلاق دور سياسي للفائز بعدد الأصوات الأنتخابية لا المقاعد البرلمانية، والأمور تجري من سيئ الى أسوأ بتخندق كل طرف على خط ناري وأطلاق قذائف عشوائية على الطرف الأخر. كما أن عزم رئيس الجمهورية جلال طالباني على اجراء لقاءات مكثفة مع فرقاء العملية السياسية في البلد (لترطيب الاجواء وازالة حالة الركود ) كما قاله نصاً، لن تُجدي نفعاً لتخلي الأطراف عن الاحساس الوطني الصادق. ldquo;تصديق كل شخص، خطر وعدم تصديق أي شخص، أكثر خطورة " الرئيس الأمريكي لينكولن.
والذي يُحيّر الكثير من الباحثين هو تحليل المطالب الأربعة ولغز كل مطلب منها وخاصة أنها تزامنت مع مخطط عصابات ومجموعات متمردة أُمية أنتهازية سيئة الصيت لدفع بغداد وواشنطن الى التخلي عن الدخول في أي أتفاقات جديدة بعد الأنسحاب. ويتجاهل القادة الفرقاء بعضهم البعض بشماتة بالنسبة الى الألغازالتالية:
1.لغز ايقاف الخروقات الامنية وما يُقصد به.
2.الغاية من تشريع قانون المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية.
3.لغز عدم ألغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية الفريدة النوع بين الدول الدستورية.
4.عدم نشر قانون الرواتب والمخصصات والأمتيازات
العمل السياسي في حالات عديدة هو صناعة القرار ورعاية نجاح تنفيذه. والواضح للعيان أن أيّ من هذه الألغاز ستستمر ويستمر الجدل العقيم بشأنها. يضاف أليها ألأهمال التام لمنع فوضى تدخل المرجعيات الدينية الشيعية والسنية في توجيه السلطات الحكومية الثلاث في الدولة الثلاث، مع أحترام المعتقدات المذهبية وتنظيم عمل المؤسسات الدينية بقانون جديد.
فالانتخابات التي جرت في آذار/ مارس 2010، أوجدت من الألغاز أكثر مما أوجدته من حلول، والمناصب والرواتب الخيالية وأبداع صانعوها وصياغها يلفه غموض لم تصنعه أي ماكنة عمل سياسية ومبادئها. وعندما يتعرف القارئ العربي لِما قاله ونستون تشرشل في الأربعينات من القرن الماضي بأن "العالم العربي لغز مُحير يلفه الغموض " فأن ذلك يضيف الى معرفتنا عما يدور خلف الكواليس ويلقي بصيص من الضوء على أبداعات الألغاز وتفنن البعض بها. أليس من معالم الغموض أن العراقي لايعرف رواتب أعضاء مجلس النواب ومخصصاتهم وأمتيازاتهم بعد أن أتحفونها بأنها ستُنظم وتُحدد بقانون؟ فما هي رواتب فرسان رئاسة الجمهورية وأعضاء مجلس النواب ورئيسهم النجيفي مثلاً؟
التعامل بألغاز الكتل السياسية لابد أن يقودنا الى القول بأن غنى مسؤول عراقي أو عضو برلماني يعود الى غنى العراق وغنى أهله وثرواته الطبيعية. فقبلَ وضع مشروع مجلس السياسات الأستراتيجية ووعود بالمناصب للأصدقاء والأقرباء، هل هو سؤال خبيث أو مُحير أن يعرف الشعب مايتقاضاه ممثلو الشعب والمسؤولون من رواتب وأمتيازات ومخصصات بعد أن وعدَ مجلس النواب بتقديم دراسة عنها؟
اللغز الكبير الأخرالذي يُحيرني كباحث هو لغز ألحاح القائمة العراقية على تشريع قانون (المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية ) ولغز عدم ألغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية. فعملية أختلاق هذه المجالس والمناصب هي من نصب الخيال والخداع وأبداعات أفراد غرضهم التوفيق بين فرقاء العملية السياسية كي لايحرضون على أستمرار التخريب والأرهاب لو لم تُخلق لهم ومناصريهم هذه المناصب. وحتى لو تمَّ تشريع هذه المجالس فأنها ستتم ( للترضية وزيادة سبل الخلاف والتعارض التشريعي والصراع الدستوري). فأن وجودها من عدمه هو ليس حاجة فعلية ماسة نظراً لوجود حكومة ومجلس نيابي ومجالس للمحافظات بالأضافة الى مجلس أقليم كردستان وممثليه. ولاأعرف كيف توصل السياسيون ومستشاروهم بأجتهادهم الى التسمية السياسية واللغوية الخاطئة أساساً (المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية) ويصرون عليها مع أن تأسيس مثل هذا المجلس يتعارض أيضاً مع السلطات الثلات في الدولة ومع كل مفاهيم ماهو متعارف عليه في العالم ناهيك عن التسمية الفريدة التي يُفهم منها بأن هذا المجلس بصيغة الجمع المستعملة يضم (الوطنيون للسياسات الأستراتيجية) وليس لسياسة أستراتيجية وطنية واحدة غرضها تقديم أستشارات للسلطة التنفيذية في شؤون الأستراتيجية.
أنها عناصر لُغزُُ آخر وضعته الكتل السياسية المُعقدة الألغاز والضالعة في أيجاد المبررات لتسويقها على الشعب بالتحايل الشكلي للكلمات التي لايستطيع أحد فك رموزها وطلاسمها.
ثم هناك مجموعة أسئلة مازالت تُطنطن في الأذان بعد أغتيال مدير هيئة المساءلة والعدالة المرحوم علي اللامي وتباين ماتقوله كل جهة. فقد ظهر مؤخراً لغز أمني آخر جاء على لسان سكرتير هيئة المساءلة بأن " منفذي عملية الأغتيال استخدموا أسلحة وعجلات حكومية وحملوا هويات أمنية في العملية، ونفيه صلة المعتقل الذي أعلنت عنه قيادة عمليات بغداد مؤخرا بقتل اللامي، واصفا تصريحات عمليات بغداد بـ"السياسية". ثم قوله "إن "عملية قتل علي اللامي كانت منظمة وتزامنت مع عطلة البرلمان ونفذت بأسلحة رشاشة وليست كاتمة".
في بلد الغموض والتجاهل والأمتيازات والفساد، لاتهزُّ هذه الفعاليات الأجرامية رموز الكتل السياسية العراقية و تعوّدَ المجتمع المدني على سماعها، ولتدفن لاحقاً وتستمر الصفقات الغامضة وراء الكواليس. أنها عناصر ألغاز وضعته الكتل السياسية المُعقدة النفوس والضالعة في أيجاد المبررات لتسويقها على الشعب بالتحايل الشكلي للكلمات التي لايستطيع أحد فك رموزها وطلاسمها.
ضياء الحكيم
باحث سياسي وأستاذ جامعي
Easy707@aol.com