المأزق الليبي والأولويات الدولية..
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إن قوانين التطور التاريخي حصيلة إرادات ومصالح متشابكة ومتحركة ومتصارعة، وكذلك مجموعة "صدف" هي صدف ذات أسباب وجذور؛ وهذه كلها معا تتراكم لتنفجر في لحظة ما، سلميا أو بالعنف، وليكون التغيير أماما، وهو الغالب، أو بالعكس. فالانتحار المأساوي لبلعزيزي كان في عرف التاريخ محض "صدفة"، ولكنها كانت صدفة من الصدف " المحتمة"، أي من نتائج الاستبداد والفساد والتدهور المعيشي، فتحولت لصاعقة التفجير الانتفاضي، الذي كان لابد من وقوعه لأن عوامله ومحفزاته كانت موجودة، راقدة ومتراكمة، وعلى مدى سنوات طوال. ومن " الصدف" أيضا أن تقع الانتفاضة التونسية قبل الانتفاضات اللاحقة على أنظمة كان بعضها، كالنظامين السوري والليبي، أشد قسوة على المواطن، بل وبمنتهى الوحشية والدموية والرعونة في العنف.
لا شك في أن حاكم ليبيا كان، ولا يزال، خارج العصر،عقليةً وممارسة، وقد كان خيرا للشعب الليبي لو حكمه زعيم غير مستبد، وغير مزاجي عابد لنفسه، وفي دولة مؤسسات.
في الوقت نفسه، فإن نظام القذافي كان، في مرحلة ما طويلة، خطرا على الأمن العالمي بترسانته من السلاح المحرم، ودعمه للإرهاب وللهجرة السرية لأوروبا، حتى اصطدم بالإدانة والعزلة الدوليتين وبالقصف الأميركي الماحق والمفاجئ زمن ريغان، فصحا، وسلم أسلحته، وكف عن دعم الإرهاب، وعقد اتفاقات مع دول أوروبية غربية لضبط الهجرة، والتزم بها، فصار مقربا من الغرب، حتى أن سركوزي استضافه بامتياز، كما كرم بشار الأسد بطريقة احتفالية تلفت النظر وتثير الانتقاد.
كان هذا هو الوضع إلى أن وقعت المظاهرات الليبية في المناطق الشرقية، التي شهدت في التسعينيات اضطرابات عنيفة قادها المتطرفون الإسلاميون-[ انضموا لاحقا للقاعدة]- فقمعها القذافي بقوة. وقد تحولت الحركة المعارضة إلى حرب أهلية مسلحة؛ ثم تدخل الناتو بعد قرار من مجلس الأمن، بتشجيع عربي قادته قطر [الباحثة عن دور كبير!]، بعنوان حماية المدنين، ولكن الناتو مضى أبعد بكثير جدا من منطوق القرار، وصار طرفا مباشرا في الحرب، وإن هجماته العنيفة والمستمرة تسبب تدميرا متواصلا للبنى التحتية وخسائر بشرية بين المدنيين أنفسهم- فضلا عن تكليف الدول الغربية نفقات هائلة في وقت أزماتها المالية المزمنة.
القضية الليبية تستمر في الاستحواذ على المركز الرئيسي للاهتمام الغربي والعربي، دبلوماسيا، وعسكريا، وماليا، وإعلاميا، وفي كل يوم مؤتمر واجتماع دوليان لتقديم العون للثائرين، وتتوالى الاعترافات الدبلوماسية بالمجلس الانتقالي رغم أن وزير الدفاع الأميركي الجديد أعرب أمام الكونغرس، للتو، عن القلق لوجود " متطرفين" إسلاميين بين الثوار.
قارنوا هذه المواقف الحازمة الرادعة للقذافي بالموقف الدولي الضعيف، والموقف الأميركي خاصة، من انتفاضة الشعب الإيراني عام 2009، والقمع الوحشي للمتظاهرين وللساسة المعارضين لأحمدي نجاد، في الوقت الذي كان فيه النظام الإيراني يسخر من العروض الملائكية لأوباما ومن يده الممدودة للحوار من غير شروط، وهو ما استغلته إيران لصالح تقوية ترسانتها من اليورانيوم المخصب، وبناء مواقع نووية جديدة، ولمواصلة التدخل التدميري في العراق ولبنان ودول الخليج وغزة. كما تتجاهل إيران التقارير العديدة عن مخاطر الزلازل في موقع بوشهر، وما سيعنيه أي انفجار في الموقع من عواقب كارثية على البشر والبيئة في البلدان الخليجية المجاورة، ومنها العراق، ناهيكم عن منطقة الأحواز وداخل بقية إيران نفسها.
في الانتفاضة الإيرانية الرائعة لعام 2009، سقطت الشابة المضحية ندا أغا سلطان لتكون رمزا لشجاعة الشعب الإيراني وتطلعه للحرية، وخصوصا تطلعات المرأة والشباب، ولكن مقتلها المروع لم يحفز أوباما على قول كلمة واحدة عنها، وفي إدانة مقتلها، وإدانة الوحشية التي مارستها قوات الباسيج والحرس الثوري، الذين منعوا عائلتها حتى من حضور مراسيم أربعينيتها. وقيل في وقتها إن سبب الصمت كان الخوف من اتهام الانتفاضة الإيرانية بكونها من صنع خارجي، وأميركي بالتحديد، مع أن اوباما نفسه عاد، مع الانتفاضة المصرية، ليخطب بين ساعة وساعة مطالبا مبارك بترك السلطة :" الآن، الآن!" وما فعله بالنسبة للشعب الإيراني كان بعد عام على الانتفاضة في رسالة قرئت نيابة عنه. ولكن ها هي اليوم هيلاري كلينتون تصرح بما كان يجب أن تصرح به، هي ورئيسها، عام 2009. ها هي تنتقد بقوة تصريحات قادة إيران المنافقة في تأييد الانتفاضات العربية، [عدا انتفاضة الشعب السوري "المسيرة أميركيا"، كما يثرثر خامنئي!!]، بينما يقومون بالاعتقالات الجماعية واستهداف نشطاء حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ومواصلة ضرب حرية النشر والتعبير. وها هي تعلن اليوم ما كان يجب إعلانه بقوة عام 2009 من أن " الولايات المتحدة تقف مع جميع الإيرانيين الذين يريدون تشكيل حكومة تحترم حقوق الإنسان وكرامتهم وحريتهم، ونحن ندعو الحكومة الإيرانية لإنهاء الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان والتوقف عن النفاق السياسي." كما يهاجم اليوم مساعد وزيرة الخارجية الأميركية وحشية قوات لحرس الثوري والباسيج في حملات الاعتقال وسوء معاملة المعتقلين السياسيين وحجزهم في سجن إيفين في طهران، والذي يسيطر عله الحرس الثوري. ولعل الوزيرة ومساعدها لم يسمعا عن اغتصاب طالبة في جامعة مشهد مؤخرا وتبرير رئيس الجامعة للجريمة بكون الضحية لم تكن محجبة حجابا إسلاميا!!؟
واشنطن تضيف عقوبات جديدة- علما بأن كل العقوبات السابقة، أميركية ودولية، لم تردع النظام الإيراني عن مواصلة نهجه التخريبي في المنطقة، وسحق الحريات العامة والشخصية، والاستمرار في النشاط النووي ذي الأغراض العسكرية.
القذافي سلم سلاحه المحرم، وكف عن التدخل في شؤون الدول الأخرى، ولكنه ظل عبئا ثقيلا على شعبه، وعائقا أمام تقدم ليبيا نحو دولة المؤسسات والحرية والازدهار. أما النظام الإيراني، فهو، وعدا مواصلة قمعه الوحشي للشعب، يتمادى في عنجهيته الإقليمية، ويرسل الغواصات للبحر الأحمر للتهديد، ويوغل في نشاطه النووي المشبوه. وقد فضلت إدارة أوباما سابقا تجاهل التقارير السرية الغربية المتكررة عامي 2008 و2009 عن ثبوت الأغراض العسكرية للنشاط النووي الإيراني، وواصل أوباما موقفه الرومانسي تجاه إيران، القائم على وهم تغيير مسار نظامها الشمولي الدموي، وتغيير سياستها النووية والإقليمية بالتصريحات الرطبة ومد يد الحوار، من منطق أن إدارة بوش كانت هي المسئولة عن تصرفات إيران، فهي، في نظره، مجرد رد فعل على سياسات بوش!! وقد لعب البرادعي دورا خطيرا في تبريد الموقف الغربي من النووي الإيراني، واصفا المخاوف الغربية بالمبالغ فيها. وها نحن اليوم والوكالة الذرية نفسها تؤكد على الأهداف العسكرية للبرنامج الإيراني، بل وهي ترجح أن تلك الأهداف كانت قائمة منذ 2003. ويعود رئيس البرنامج الإيراني نفسه، فريدون عباسي، للإعلان بأنهم سوف يزيدون في التخصيب بنسبة 20 بالمائة فى موقع فوردو بالجنوب، وهو ما يجري أيضا منذ سنوات في موقع ناتانز بالوسط- مما أدى بالدول الكبرى، ومنها الصين وروسيا، إلى إصدار مشترك يعرب عن " القلق العميق" من تصرفات إيران. وفي البيان:" إن عدم التزام إيران المستمر بتنفيذ واجباتها بموجب قرارات مجلس الأمن وتطبيق عشر قرارات صادرة عن مجلس حكام الوكالة قد زاد من المخاوف الدولية بشأن تطلعات إيران النووية." ولأول مرة يصرح وزير الدفاع الأميركي الجديد، باتيتا:" إننا مستعدون لضربة عسكرية على إيران إذا طلب الرئيس."- وطبعا، لن يطلب الرئيس وهو أمام انتخابات الرئاسة، ولا يحتمل أن يفعل لو عاد رئيسا؟!
إن أحداث التاريخ لا تفهم وتحلل بمنطق التمنيات والفرضيات -[ لو كان كذا، لو حدث كذا]. ومع ذلك، فإنني أتساءل: كيف كانت الأمور، في إيران والمنطقة والعالم، تتطور لو أن المجتمع الدولي، والغرب بالتحديد، وقف من الانتفاضة الإيرانية لعام 2009 موقفه اليوم من الثورة المسلحة على النظام الليبي؟؟ وإذا كان خامنئي يتبجح بأن الانتفاضات العربية هي من إشعاع ثورة الفقيه الخمينية، فهل لا يحق لنا القول، بالمقابل، إنها قد تأثرت بإشعاع انتفاضة جيل ندا أغا سلطان، والتي لو لقيت دعما دوليا حازما، [ بل ربما حتى بلا تدخل عسكري مكشوف]، لكانت المنطقة في وضع أفضل، ولكان النظام السوري بالذات في أضعف موقف، وعاجزا عن تنفيذ المذابح اليومية التي ينفذها، والتلاعب بلبنان والقضية الفلسطينية. ولكن، مع ذلك، فإن من المرجح أن يؤدي سقوط نظام الأسد، إلى هز النظام الإيراني وحلفائه المحليين، [ حزب الله وحماس ومقتدى الصدر وأمثاله في العراق]، وربما اشتعال فتيل انتفاضة شعبية إيرانية جديدة أقوى من انتفاضة 2009. وكما ذكرت في مقال سابق، فإن هذين النظامين، المتحالفين على التدمير، والمرتبطين مصيريا، هما الأخطر في المنطقة، ولكن صدف التاريخ شاءت أن يسقط آخرون قبلهما. ومهما يكن، فإن التاريخ لن يرحم مهما طال الزمن!
التعليقات
جمله من الأخطاء
ساره -تعبنا يا أشباه المثقفين من محاولاتكم المفضوحه لدس السم في العسل. فابتدائت بما يبدو كأنه انتقاد للقردافي في الظاهر ولكنك لم تلبث أن تنبش مخالبك لانتقاد الشعب بجمله من التراهات من قبيل: المعارضه المسلحه, الحرب الأهليه, وسقوط مدنيين اثر ضربات النتو. وهده جملة أخطاء و ترهات يروج لها هولاكو و أبواقه الاعلاميه. اما ان كان انتقادك لأنك ايراني الهوا و الهبتك الغيره لأن احدا لم يدعم الثوره الآيرانيه, فاكتب المقال صراحة بهدا الشكل و ابتعد عن الشأن الليبي الدي يبدو جليا انك لاتفقه فيه شيئا