المأزق الأخلاقي للإعلام المصري
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
من المعروف أن قواعد النشر التي تحددها حقوق الملكية الفكرية تبيح الاقتباس والنقل طالما تمت الإشارة إلى صاحب العمل والمصدر، وطالما تم النشر من دون إجراء تعديلات تمس بالنص الأصلي. لكن لا يبدو أن الجميع في بلادنا يلتزمون بهذه المعايير الدولية الدقيقة. أستهل هذا المقال بالكتابة عن حقوق الملكية الفكرية لأن الموقع الإلكتروني لجريدة مصرية خالف حقوق الملكية الفكرية حين قام بنقل مقالي المعنون "مهمة الغرب في ليبيا بين إسقاط القذافي ومكافحة الإرهاب" الذي كانت "إيلاف" نشرته في 16 يونيو الجاري. نقل احد المواقع المقال كما هو باستثناء تعديل واحد فقط. التعديل الذي أدخله الموقع على المقال كان حذف اسم كاتب المقال ووضع اسم آخر رغم أنه وضع كلمة "إيلاف" في نهاية المقال. القضية بالنسبة لي ليست شخصية رغم تضرري المعنوي مما فعلته جريدة الفجر. القضية عامة وتتعلق بالمأزق الأخلاقي الذي يعيشه جزء كبير من وسائل الإعلام المصرية هذه الأيام. راجع الرابط http://www.elfagr.org/Details.aspx?nwsId=16368amp;secid=7amp;vid=0
المأزق الأخلاقي للإعلام المصري لا يقتصر على عدم الالتزام بحقوق الملكية الفكرية، ولكنه يمتد إلى الاهتمام بالإثارة وعدم الالتزام بالموضوعية وعدم الدقة والتثبت من صحة المواد المنشورة. المأزق الأخلاقي للإعلام المصري ليس وليد اليوم ولم يوجد بالمصادفة، المأزق بدأ قبل نحو خمسين عاماً حين قام رئيس الجمهورية الأسبق جمال عبد الناصر بتأميم الصحافة التي كانت الوسلة الإعلامية الوحيدة عندئذ. فقدت الصحافة المصرية بالتأميم أهم مبادئها وقيمها التي تقوم عليها. تحولت الصحف إلى أبواق للسلطة صار جل عملها تمجيد وتملّق رئيس النظام وزمرته. على مدى العقود الخمسة الماضية إنعكس المأزق الأخلاقي للصحافة على علاقتها بين بالقراء، فانخفضت مصداقيتها لدى المصريين إلى الحضيض. صارت الصحف مادة للسخرية الشعبية. صار المصريون يتندرون فيما بينهم على الصحافة ويرددون كلمتي "كلام جرايد" في إشارة إلى عدم ثقة المصريين بالصحف أو بما تنشره.
لم يتغير الحال حين فتح الرئيس السابق حسني مبارك الباب أمام الصحف الخاصة والمستقلة لتنافس الصحف الحكومية. ورغم أن الكثيرين من المصريين تحوّلوا إلى الصحف المستقلة طمعاً في الحصول على مادة أكثر صدقاً، إلا أن لم يمر وقت طويل قبل أن يكتشف المصريون أن المأزق الأخلاقي ذاته انتقل للصحافة المستقلة التي جاءت غالبيتها صفراء ترغب في الإثارة ولا تحترم عقلية القاري. المثير أنه مع الانتشار الكبير للفضائيات مع مطلع القرن الحادي والعشرين انتقلت عدوى المأزق الإخلاقي إلى الفضائيات. صارت وسائل الإعلام المقروءة والمرئية عبئاً على عقلية القاريء والمشاهد المصري. ولعل من تابع كيفية تغطية وسائل الإعلام المصرية لثورة 25 يناير ومن يتابع اليوم ما تتناقله وسائل الإعلام هذه من أخبار تتعلق برئيس الجمهورية السابق ورموز نظامه يدرك بحق حجم مأساة الإعلام المصري.
بعد اشتعال ثورة يناير، انتظرت وسائل الإعلام المصري طويلاً للتخلي عن حسني مبارك. انتظرت إلى حين أدركت تماماً أنه لن تقوم قائمة لنظام مبارك. وما أن تنحى الرئيس السابق حتى كانت وسائل الإعلام قد غيرت اتجاهاتها إلى الناحية العكسية تماماً، ناحية الثورة لتبدأ في نفاقها وتملقها عبر نشر أخبار وتقارير غير دقيقة تتعلق بثروة مبارك ورجاله وباتهامات قالوا أن الرئيس السابق ومعاونيه ارتكبوها. ورغم أن الحكمة تقول "لماذا تلاحظ القشة في عين أخيك، ولكنك لا تنتبه إلى الخشبة الكبيرة في عينك" وأن المثل الشعبي يؤكد على أن "من بيته من زجاج لا يقذف الأخرين بالطوب" إلا أنه يبدو أن الإعلام لا يدرك حجم الخشبة التي في عينه أو أن بيته من زجاج.
مارس الإعلام المصري منذ تنحي الرئيس السابق هواية الإثارة وابتعد تماماً عن العقلانية واهتم بنشر أخبار لم ينجح في إثبات صحتها. جاءت هذه الممارسات بغرض الانتقام من حسني مبارك. أصبحت الاتهامات التي توجه لمبارك وعائلته وجبة دسمة لوسائل الإعلام طوال الشهور الخمسة الماضية. لم ينجح بيان جهاز الكسب غير المشروع الذي أصدره بعد جلسة استماع مع الكاتب محمد حسنين هيكل والذي أوضح فيه أن الاتهامات التي توجه لمبارك على في وسائل الإعلام لم تثبت صحتها. لم تتوقف محاولات الإعلام عند توجيه اتهامات بالفساد وبارتكاب جرائم، ولكنها امتدت أيضاً للإساءة الشخصية. كان قيام جريدة "الخميس" التي يترأسها الإعلامي عمرو الليثي بنشر تقرير أكدت فيه أنها تمكنت من إثبات زواج مبارك من إحدى قريبات محافظ الإسماعيلية الأسبق عبد المنعم عمارة دليلاً على أن وسائل الإعلام المصرية لم تتمسك بالموضوعية. ورغم أن الجريدة اعترفت في ما بعد بعدم صدق تقريرها إلا أنها لم تمتلك الشجاعة للاعتذار لمبارك الذي أساءت الجريدة له بشدة. راجع الرابط http://www.elkhamis.com/News-55609125.html
لعل عدم اعتذار صحيفة "الخميس" لمبارك يعكس بصدق مدى عمق المأزق الذي تعاني منه وسائل الإعلام المصرية. الاعتذار في مثل هذه الحالة أمر طبيعي وتفرضه اللياقة وقوانين النشر. لذلك كان عدم اعتذار "الخميس" خطأً مهنياً وسقطة كبيرة للجريدة. كان عدم الاعتذار أيضاً سقطة إعلامية لأنه جاء ليؤكد على التربص الإعلامي بالرئيس السابق واستغلال موقفه السيء الذي لا يستطيع من خلاله الدفاع عن نفسه أو حتى نيل حقوقه كمجني عليه في قضية نشر. الغريب أن عمرو الليثي قال في معرض ترويجه لتقرير جريدته على شاشة إحدى الفضائيات أن صديقاً له قدم له صورة ضوئية للرئيس مع زوجته المزعومة لدعم التقرير، وهو ما يعني أن الليثي أراد نسب ما ظن في البداية أنه سبق صحفي لنفسه. غير أن الليثي عاد ليلصق التقرير، بعدما ثبت عدم صحته، بمحرر لم يذكر اسمه.
لست هنا بصدد الدفاع عن مبارك أو محاولة تبرئته من خطاياه الكثيرة التي ارتكبها خلال سنوات حكمه الطويلة. كتاباتي قبل الخامس والعشرين من يناير تشهد على مدى المرارة التي لم تفارق حلقي، كغيري من المهتمين بالشأن المصري، خلال سنوات حكمه وبخاصة في العقد الأخير منها. لكني اكتب من منطلق فهمي للإعلام كما تعلمته كأداة توعية وتعليم وتنوير ورقابة مسئولة. معرفتي بالإعلام المسئول تدفعني لرفض الإعلام الأصفر الذي يطل علينا اليوم.
أعلم أنه من واجب الإعلام المصري أن يتبنى مطالب المصريين الشرعية بمحاكمة مبارك، وأدرك أنه من المهم أن يعمل الإعلاميون المصريون بكل طاقتهم لكشف النقاب عن أوجه الفساد في عهد الرئيس السابق ولإعلان الحقائق بشأن قتل المئات من المتظاهرين خلال ثورة يناير. ولكني لست أجد سبباً واحداً لنصب المشانق لمبارك اعتماداً على ما تتناقله الألسنة وما تسطره الأقلام وما يتقدم به البعض من بلاغات لم تثبت صحتها. فلينتظر الإعلاميون بالمشانق حتى تصدر بحق مبارك إدانة قضائية نتيجة محاكمة عادلة.
من المهم أن يعرف الإعلاميون أن محاكمة مبارك التاريخية يجب أن تتم في ظروف جيدة ومهيئة حتى يتم ضمان العدالة غير المنقوصة وحتى يتم الكشف بكل دقة وموضوعية وصدق عن دور الرجل الحقيقي في قضايا الفساد وقتل المتظاهرين. ولا يخفى على أحد أن الظروف المشوشة الحالية التي يتسبب فيها الإعلام بالأخبار غير الدقيقة والتقارير غير الصادقة لن تساهم في خلق الأجواء المناسبة للمحاكمة العادلة المتحضرة الواجبة. وأثق أن المصريين لا يريدون محاكمة شكلية لمبارك كتلك التي أجرتها تونس لرئيسها السابق بن علي.
وإذا كانت محاكمة مبارك لها، برأي الملايين من المصريين، أهمية كبرى، فإنه يجب ألا نغفل أن مستقبل مصر هو الأهم. سيذهب مبارك عاجلاً أم آجلا وستبقى مصر. ويجب أن يعي الإعلاميون المصريون أن مصر تخوض اليوم مرحلة حاسمة وخطيرة في تاريخها، مرحلة ستحدد توجهاتها المستقبلية. من المهم أن يدرك الإعلاميون مسئوليتهم الكبيرة في إدارة دفة الرأي العام المصري قبل الانتخابات التشريعية المزمع في غضون ثلاثة أشهر. وحتى يمارس الإعلاميون دورهم هذا يجب أن تعود لهم مصداقيتهم. ستعود مصداقيتهم حين يدركوا أن لا فارق بين سرقة رئيس دولة لأموال بلاده وسرقة صحفي لمقال، وأن لا فارق بين استغلال رئيس دولة لمنصبه لقمع المعارضين واستغلال الإعلام نفوذه لتجريم الرأي المخالف، وأن لا فارق بين رئيس دولة يقتل بالرصاص وإعلامي يقتل بالكلمة.
Twitter: @JosephBishara
التعليقات
المازق طال الجميع
يوسف فرج -بل انه مازق اخلاقي لمعظم طوائف الشعب. هناك تردي غير طبيعي في الاخلاق ولعل ل ٢٥ يناير الفضل في كشف المأساة وهي الحسنة والسيئة الوحيدة في نفس الوقت التي جنيناها من هذه الانتفاضة. يكفي ان تتبع حسابات تويتر لمن يدعون انفسهم ثواراً لتتعرف علي مدي الانحطاط الاخلاقي ;
اعلام ساقط
المعلم الثاني -بين جريدة الفجر (بضم الجيم) وصوت الأمة (بفتح وتسكين الهمزة..أي الجارية) والفشاير واليوم الأسود و جريدة حزب الوغد و روز المؤسف و حتى الأهرام تبيّن سقوط الصحافة والإعلام والصحفيين المصريين ....بدون تعليم حقيقي واعلام محترم وقانون عادل مستقل عن الخزعبلات لا نهوض لمصر ...وهذا ما لا أراه ممكنا في السنين القادمة!
عندك حق يا معلم
يوسف فرج -كله بياكل عيش بس عيش حرام