أصداء

مازال الرئيس بشار يتحدث عن الشتاء العربي 2

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

مقارنة ناعمة منطقية، ما بين الصراع في جسد الإنسان والواقع الجاري في سوريا الحالية، أوردها الرئيس في سياق كلمته، إلا أن تحميل وإضفاء نظرته الطبية عليها وبسوية الرجل السياسي ظهرت المقارنة ملتوية، خاصة عندما حاول تبيانها من جانبه المتحيز أو المعتم للفكرة. من المنطقي النظر إلى القضية والبحث فيها من عدة أوجه. لا تستقوى الفكرة ولن تكون النتيجة صائبة، في هذا المجال، إذا لم تؤخذ بمفاهيم الشارع السوري كطرف مهم في هذا التحليل، ألقاء النتيجة من النظرة الأحادية الجانب " جانب السلطة " وخروجه بالتحليل النهائي عن الجراثيم والمناعة في الجسد، خرجت متناقضة مع الواقع المعاش والفعلي من على الساحة السورية، كما بينت عن مدى قصر النظر إلى القضية، هذا الواقع الذي يفرض على الشارع سؤاله كما على الرئيس، لإعادة النظر بما قال: من هو الجسد الذي يجب أن يدعم بالمناعة لمقاومة الجراثيم، الوطن أم السلطة؟ الشعب أم القوى الأمنية والشبيحة؟ المدن والقرى السورية أم قصور أنصاف الآلهة؟ الاقتصاد السوري أم شركات رامي المخلوف؟. هل هناك من سيُذكر الرئيس بأن السلطة في وطننا اصبح ومنذ عقود جرثومة لمرض خبيث تنهش في جسم هذا الوطن وهناك من يغذيها بشكل دائم؟.

تَعوَدَ الشعب السوري ومنذ عقود على هذه النوعية من الخطب الضبابية، حيث السلبيات والنظرة التشائمية عمود الكلام فيهم، تكاد تخلى من الإيجابيات أو تحديد الإصلاحات بزمن ومكان محدد، ربط المجتمع بالآمال التي قد تحدث يوماً بوحي من السماء والإصلاحات التي سوف يبدأون بها يوماً ما، يشمل معظم خططهم القادمة لبناء هذا الوطن، والغاية من وراء كل هذا أستهزاء غير مباشر بمفاهيم وقدرات الشعب، إذلالهم والوطن وتقزيمهم أمام اصنام لئلا تطالها الأيادي، ولم تكن يوماً غايتهم تطوير هذه الأوطان أو رفع المستوى المعيشي للشعوب فيها.

رؤية الشارع من خلال الإعلام السوري، خلق لدى الرئيس فوضى كلامية وخلط ما بين الحقيقة والنفاق، كحديثه عن المجرمين والفوضويين والذين أعتبرهم الشريحة الكبرى في الشارع السوري مع قلة انخدعت بهم يطالبون ببعض الإصلاحات وربما كان يعني الترقيعات، فهل التنازلات التي تقوم بها السلطتين السياسية والاقتصادية والتدمير الفظيع من قبل شبيحة ماهر الأسد وجيشه العقائدي تأتي بسبب أولئك القلة من الشباب الثائرين خلف الفارين من وجه العدالة؟

حان للسيد بشار أن ينزل إلى الشارع ويرى كما هي لا كما ينقل إليه، عله يتجرأ ويبحث عن الحلول المنطقية وبصدق نية، فالحلول لن تأتي عن طريق القتل والتمثيل بجثث الأطفال والمقابر الجماعية وملئ السجون وأفراغها ومن ثم ملئها ثانية، ولا عن طريق فوهات الدبابات التي استوردت لحماية الوطن لا لتدميره.

هذه النمطية من الكلام مع الشعب لا يعد اسلوب رئيس يود الإصلاح، بل سوية مفهوم السلطة التي تود قهر صوت الشباب الثائر المنادي بالتغيير.

ورد كلام منمق عن الإصلاح، في خطابه، لكنه لم ينتبه إلى حقيقة تاريخية، يدركها وبالتأكيد، وربما كان ذلك عن قصد، هو إن الإصلاح والتطوير وتغيير المفاهيم في الماضي قامت بها أيضاً مجموعة تنويرية ثقافية شبابية ساندوهم بل قادوهم سياسييون أدركوا الواقع ورأوا الحقيقة وأمنوا ب " الشارع " كلمة أرضخوا البروج العاجية بالتنازل وقبول كلمة الشارع، وكانت تلك بداية النهضة الأوروبية ونهاية طغاتها، وهم في البداية كما اليوم اُتهموا بالمخربين والمجرمين تماماً كما يقال الآن في شرقنا عن الشباب الثائر في ساحات الوطن، شباب الإنترنيت والمثقفين وبعض المفكرين الذين يقفون معهم يقدمون نفس الخدمات التي قدمها رواد النهضة آنذاك، لكن بشكل اسرع. العتب ليس على رئيس يخطب من منطق حدد له مسبقاً عن فكرة الإصلاح، بل على سلطة وحاشية دوغمائية فاسدة حوله عزلوه عن العصر التكنولوجي المتسارع بكمية طرح الأفكار والمفاهيم العصرية الحضارية.

بالتأكيد عملية الإصلاح يبدأ من الإنسان، وهو يخوض عصر مغاير كلي لما سبقه من حيث المفاهيم والمعلومات والقيود الاجتماعية والفكرية والسياسية، عاش الرئيس في الخارج، وكان عليه أن يتذكر هذه العلاقة الجدلية بين الإنسان والحضارة الإنترنيتية، وليس الكمبيوتر كجهاز، كما ورد في الخطاب، أبواب البشرية مفتوحة على مصراعيها لكل شاب يلم بالأنترنيت، مهما كانت هناك من قيود فإنها لن تتمكن من الحد من أمتصاصهم للمعلومات، فعملية إصلاح الإنسان لن تكون بالمفاهيم الكلاسيكية القديمة، وعلى الرئيس أن يعترف بأنه هناك وعي مختلف ينبت من على أرض الواقع وعلى هذه السلطة تقبلها ودراستها والرضوخ لها، لفهم الإنسان الجديد في هذا العصر.

ربما الذين يكتبون للرئيس بشار الأسد هم نفسهم الذين كانوا يكتبون للوالد، لذلك فالنمط الكلامي والتلاعب بالجمل والأفكار هي نفسها منذ ما يقارب نصف قرن، دون الإنتباه إلى أن العصر ليس هو نفسه والبشرية تغيرت كلياً، ويلاحظ نوعاً من الاختلاف في نمط تفكيره وكلماته وأسلوبه في مضمون خطبه أثناء التعامل مع القضايا عندما يترك المكتوب أمامه ويتكلم تلقائيا، علماً بأنه يحاول أحياناً أن يستعمل أسلوب فلسفي في طرح أفكاره فينزاح عن المضمون الروتيني!.

سأل الرئيس أسئلة شكوكية حول أولئك الذين يصرفون الأموال الطائلة من الداخل والخارج لتغيير السلطة؟ كما تَحَسر على الخسائر التي ظهرت بسبب المخربين الذين أدوا إلى أغلاق المدارس والمحلات، لكنه لم يأتي على ذكر تعطيل الدولة بشكل كامل بسبب عيد ميلاد لوالده الراحل أو ذكرى وفاته، أو بمناسبة كل خطاب له، كما ويتناسا بأن السلطة تهدر بدون حدود على المسيرات المليونية، والمؤيدة للرئيس، وفرض السلطة على الشعب بإغلاق المدارس والجامعات والمعامل والدوائر الحكومية بشكل كامل. ولم يذكر يوم أجبروا العمال والموظفين والطلاب بالخروج إلى الشوارع مع الآلاف من الأعلام وصور السيد بشار الأسد، ولم يحسب له كم بلغت خسائر الدولة في المسيرة الأخيرة، ربما لذلك لم يذكرها، وكل ذلك الهدر لمجرد خطاب للرئيس، الملايين نثرت هباءً، في الوقت الذي تنادي الدولة فيه الشعب بدعم الليرة السورية! ألم يكن، الآلاف من السكان المهجرين أو المشردين من قراهم بسبب الجوع والفقر، ساكني المخيمات المحاطة بالمدن السورية الكبرى أولى بصرف تلك الملايين عليهم؟ فمن ياترى يدمر الإقتصاد الوطني، الشعب أم السلطة؟.

تحدث الرئيس عن إحدى أفضاله التي منى بها الشعب السوري أثناء محاوراته العديدة، كما ذكرها، مع شرائح من المجتمع، بأنه تنازل ونزل إلى الأرض ليجلس مع البشر! ربما هذه هي المرة الأولى التي يفعلها منذ تسلمه العرش، وهي خدمة جليلة من أنصاف الآلهة لرعيته! النزول بحد ذاته تقدير للشعب، فما بالكم بالتحدث والإستماع إليهم، خاصة ومن بينهم بعض الذين طلبوا عدم ترهيبهم عند منحهم الجوازات من قبل السفارات!.

لا يمكن لإنسان عاقل أن يقف ضد مصلحة وطنه أو ضد شعبه، وإن كانت السلطة والرئيس حريصة بالفعل على هذه المصلحة لظهرت بشكل عملي منذ سنوات أو شهور، وما كان الشعب بحاجة إلى التأكيد على وعوده، وما وصل بسوريا إلى هذه المدارك التي نراها اليوم، من القتل والتدمير والتشريد والإعتقالات اليومية...لما كان هناك من ضرورة تدفع بالشباب المغامرة بحياتهم في الساحات، يعرضون هناك حياة عزيزة لخطر القتل المتعمد من قبل الشبيحة وقوى الأمن.

لو كان هناك إصلاح سياسي فعلي، ولو شعر الشعب بان تلك الإصلاحات التي وردت ذكرها في خطاب الرئيس قد درست بشكل جدي، لكانت سوريا الآن في هيئة مغايرة لما نراها الآن، لكانت عزيزة مكرمة من جميع الأطراف، ولما شاهدنا هذا التمزيق المتعمد لنسيجه الاجتماعي الجميل، وهذا التدمير الرهيب لمدنها بالدبابات الوطنية.

لنكن واقعيين، والجميع يدرك، لولا ظهور الجماهير في الشوارع، ومسيرات الشباب السلمية، لما شاهد الإنسان السوري هيئة رئيسه ووعوده بالإصلاح، علماً بأن الشعب لايريد الوعود الآن ليهدأ، يريد أن يرى الأفعال، ومادامت الأفعال غير واردة حتى اللحظة، ولا أمل في القادم الواضح من خلال النبرة الخطابية التهديدية، فلا محيض عن التغيير الشامل والذي يأتي بإسقاط السلطة.

إذا كانت السلطة الوراثية لا تعلم حتى اللحظة في أي الدروب تسير، وتتحذر بأن القفز في المجهول، عن طريق التسريع في الإصلاحات، يهدد مستقبل الوطن، فعلى الشعب السلام، حيث لايزال أمامهم نصف قرن آخر لمعرفة نوعية الدرب وإدراك النهاية، للبدء بالإصلاحات. وربما سيكون عن طريق إلهام من السماء أو وحي يبين لهم طريق الإصلاح الذي يجب أن يكون!.

على الجميع أن يوصل الكلمة إلى القصر الجمهوري دون المرور عبر قنوات الفرز والتصفية، ويبينوا له بأن الشباب في شوارع المدن السورية وعن طريق الإنترنيت، وليس عن طريق مفاهيم الشبيبة البعثية الثورية، يرون الطريق إلى الحقيقة بوضوح تام، والوقت قد حان للتخلي عن العرش، وهؤلاء لهم القدرة على إعادة بناء صرح هذا الوطن المدمر، بسوية صادقة مع الذات والشعب.

نعلم بأن الرئيس في سوريا منذ حافظ الراحل، يعتبر القائد العام للجيش والقوات المسلحة، لكن ما يلاحظ بأن هذا القائد لا يزال طبيباً في عيادة مع سلطة مليئة بالمرضى تسمى بالقصر الجمهوري، ولايملك القدرة على إعطاء الآوامر بإنسحاب الجيش من المدن، بل يستجدي و " يتمنى " أن تعود القطعات إلى ثكناتها، من هو هذا الذي يحدد سلطته؟ ومن هو القائد العام الفعلي الذي يستجديه الرئيس ويطلب منه أن يوقف الزحف من مدينة إلى أخرى، وأن يوقف قتل الشعب؟.

هل لنا أن نسأل أين يخطأ الرئيس وأين الصواب في حديثه، فيما إذا كان لايملك قدرة سوى بالظهور على الشعب لإلقاء محاضراته، إذاً فإن جميع الكلام الوارد في خطابه عن المستقبل ما هي سوى إملاءات وخدع من قوى فعلية تسخره لإذلال الشعب، وفي الحقيقة الشعب لا يواجه سلطة مرئية بل هناك سلطة فعلية ورائهم، هي التي يجب إسقاطها أولاً.

سنتابع مع الرئيس في حلقة قادمة...

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
خوط وسطّح
محمد أبو جراح -

مقال ظريف من النوع الثقيل، اريد أن اعلق بان بشار لا يستحق ان يقال له بالطبيب لان ممارساته تدل بأنه حنث باليمين الذي أقسمه، وخطاباته المعقدة التي يلف ويدور بها ويخرج مستمعها داخل بالحيط بدون أي جملة مفيدة. والجمل والحلول التي يقدمها هي تكريس للخداع المستمر. فقانون الأحزاب هو صورة لدكتاتوريته المعقدة. فهو اي يعني ممثلينه من الامنيين سوف يعطون الموافقة على أي حزب اذا تمت الموافقة، لان الشروط تعقيدية وامنية بامتياز. واستثنى منها كل مواطن يقل عمره عن ٢٥ سنة اي طلاب الجامعات ادسوا لا تتدخلوا بالسياسة حتى انهاء الخدمة الالزامية. ;

خوط وسطّح
محمد أبو جراح -

مقال ظريف من النوع الثقيل، اريد أن اعلق بان بشار لا يستحق ان يقال له بالطبيب لان ممارساته تدل بأنه حنث باليمين الذي أقسمه، وخطاباته المعقدة التي يلف ويدور بها ويخرج مستمعها داخل بالحيط بدون أي جملة مفيدة. والجمل والحلول التي يقدمها هي تكريس للخداع المستمر. فقانون الأحزاب هو صورة لدكتاتوريته المعقدة. فهو اي يعني ممثلينه من الامنيين سوف يعطون الموافقة على أي حزب اذا تمت الموافقة، لان الشروط تعقيدية وامنية بامتياز. واستثنى منها كل مواطن يقل عمره عن ٢٥ سنة اي طلاب الجامعات ادسوا لا تتدخلوا بالسياسة حتى انهاء الخدمة الالزامية. ;

Change
Syrian -

غير صالح

Change
Syrian -

غير صالح