المرأة العربية في زمن الثورة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بعد مشاهدتي لفلم "الشبكة الاجتماعيةThe social network " والذي يحكي قصة الفتى مؤسس الفيس بوك، أيقنت أن الأمور الكبرى، كما هي العادة، دوما ما تقف خلفها امرأة. ولا فرق في ذلك بين مجتمع شرقي وغربي. فللمرأة تأثير بالغ في تاريخ العرب، منذ "أيامهم" الكبرى، فحروبهم كانت تتمحور حول "المكارم" والمرأة كانت تمثل أعظم أوجه الكرامة لهم.
وحتى اليوم، أحداث عصرنا الكبرى، لا تخلو من "وكزة" و"إشعال" أتى من جانب المرأة. على سبيل المثال، الثورة الإيرانية في القرن العشرين كان رمزها وقائدها الإمام "الخميني"، والخميني نفسه كان "مُلأ هادئ" وغير نشط سياسياً، حتى صدر قرار الشاة بتحرير النساء في العام 1962 فانقلب الخميني بسبب هذا القرار إلى ناشط سياسي وثوري.
وحين انتفضت مجتمعات عربية اليوم اهتزت الصيغة المستقرة لها، وأخذت معادن الناس والجموع واستعداداتهم تظهر، وبدأ السّلم الاجتماعي في الاهتزاز ليعيد تشكيل نفسه ويظهر بشكل جديد أصدق تعبيراً عن الواقع وأكثر التصاقا به. وقد كان للمرأة العربية في وقت الثورة تأثير بالغ لا يخفى على أحد. ففي ثورة تونس، يحكي الناشطون في سيدي بوزيد أنه بعد إحراق محمد البوعزيزي لنفسه، كان المنظر الأهم في اليوم التالي والأيام التي بعده هو وقوف عائلة البوعزيزي أمام مبنى المحافظة للاحتجاج. كان منظر العائلة بنسائها وأبنائها ووقفة "والدة" البوعزيزي بينهم هو الملهم الأكبر لصمود الناشطين من مختلف الأطياف الذين تجمعوا بشجاعة من حول العائلة في أصعب لحظات ثورة تونس.
وفي مصر أدت المرأة في ثورة التحرير دوراً لا يخفى، والناشطات أمثال أسماء محفوظ ونوّارة نجم وغيرهن قد قدّمن جهداً مبادراً لا يكاد يصل إليه أحد من الرجال. وقد كُتب الكثير عن دور المرأة خصوصاً في ثورة مصر. كما قامت المرأة اليمنية بتلوين ثورة اليمن بكل الألوان الزاهية، وامرأة ثورية كـتوكل كرمان تعدل لوحدها ألف ناشط. ولا عجب أن ينجب اليمن أمثالها من النساء القياديات من سليلات أروى وبلقيس. وفي ثورة ليبيا عرضت قناة الجزيرة أكثر من تقرير عن الدور الجوهري الذي تؤديه المرأة هناك في دعم الثوّار، ونفس الأمر يحدث في سوريا وقت الثورة، ولعبت الناشطة السورية سهير الأتاسي دوراً جوهرياً في اطلاق شرارة الثورة السورية يوم 15 آذار/ مارس عبر دعوتها للمظاهرة الأولى ذلك اليوم في سوق "الحميدية" في قلب دمشق، كما قادت في اليوم التالي الوقفة الاحتجاجية أمام مبنى وزارة الداخلية.
إن دور المرأة يبدو واضحاً جلياً اليوم لأن الجميع في حاجة إليه، مع أنه دور يتم تهميشه والتقليل منه في المجتمعات العربية الأبوية وقت رخائها واستقرارها. قرأت ذات مرة كلاماً لمؤرخ مفاده: حين يكون الوقت وقت أزمة وحرب ومجاعة يكون الزمان زمان امرأة.. فهي تتقدم الصفوف لتنقذ البشرية. ولكن حين وقت الثروة والرخاء والدعة، يكون الوقت وقت رجل!..
* * *
أظنه "فلوبير" الذي قال أنه يتمنى لو عاش عشر سنوات كأنثى حتى يفهم كيف تفكر المرأة!.. ولا أعتقد أن الرجال بحاجة لذلك، فليس بالضرورة أن يفهموها. الحاجة كلها هي للمرأة، أن تفهم هي نفسها، وأن تعبر عن ذاتها حتى يتم الفهم!.. لقد قال أحد كبار مفكري الإسلام أن مسألة المرأة في الفكر الإسلامي هي "معضلة". ولا أعتقد أنها كانت ستكون تلك المعضلة المُعجِزة لو أن كيان المرأة أتيح له أن يتعامل مع قضاياه ومشاكله بنفسه. إن من أفضل الأفكار المتطورة للبشرية، والتي صقلها بشكل جيد مفكرو ما بعد الحداثة، فكرة تعبير "الكيانات" عن نفسها، أو ما يسمّى بنظرية standpoint theory.
وهذه النظرية تعني بأهمية استنطاق الكيانات من داخلها، وتهتم بوجهة النظر التي تنطلق منها هذه الكيانات. فحديث كيان عِوضاً عن كيان آخر مُفسد للأوضاع. لقد كانت الشعوب الاستعمارية تتحدث عن الشعوب المقهورة، وكان السادة يتحدثون نيابة عن الناس، والرجل يتحدث نيابة عن المرأة.. وهكذا. وقد أتت هذه النظرية لتقلب هذا الفهم. إن بنية المجتمع تتشكل معرفياً، ولا يوجد أسلوب أعدل من هذا الأسلوب في النظر. والمعنى أن الرجال ليس لهم أن يتحدثوا نيابة عن المرأة.. فهي موجودة!.
أدرك البعض من المتشددين والخائفين من المرأة خطورة هذه الفكرة، أي تعبير المرأة عن نفسها ككيان مستقل. فظهرت في السعودية على سبيل المثال حركة اسمها "ولي أمري أدرى بأمري" وهي حركة أنشأتها مجموعة من السعوديات وهدفت لجمع مليون صوت من أجل دعم فكرة هذه الحركة.. ولا أعرف حقيقة كيف يمكن أن يختزل نصف الشعب، بكل أعدادهن وطاقاتهن وتنوعهن لهذه الفكرة البسيطة السطحية وهي أن هناك من يقرر عنهن، ويعرف مصلحتهن عوضا عنهن، وكأنهن القاصرات أبداً!.
* * *
لا يوجد في الإسلام ولا لدى مفكري الإسلام الحقيقيين ما يقف ضد تحقيق المرأة لكامل كيانها. بل لقد وصل بعضهم إلى مناطق فكرية لم يتوقعها أحد وكانت تُحسب في باب مسلمات الدين وقطعياته!. مثلاً، يقول المفكر الإسلامي راشد الغنوشي في مقاله (الحرية أولاً): "شاع اعتبار حظر الإسلام لولاية المرأة حكما من ثوابت الدين وقطعياته!. مع أن المسالة تنتمي -شأن معظم شؤون السياسة والحكم- إلى مجال المصالح الشرعية، وتدبير شؤون الدنيا. ولقد بلغ البعض في التضييق على حقوق النساء إلى حد حرمان المجتمع والحركة الإسلامية من مشاركتهن في الشأن السياسي ناخبة ومنتخبة...". حتى يصل لقوله "ومشكلنا اليوم هو مع حكامنا الذكور المسلمين الغلاظ الشداد. ربما لو كانوا إناثا لكنّ أرفق بنا". والغنوشي مثال المفكر الإسلامي الناضج الذي يحترم تمرحل الفكر وواقعيته، وهو هنا في هذا المقال تجاوز حتى نفسه وأفكاره التي أوردها في كتابه (الحريات العامة في الدولة الإسلامية) الذي كتبه قبل ما يقارب العقدين.
وفي مجتمعاتنا للأسف، ملف المرأة مُعطل دوماً، وهو من أبطأ الجوانب الاجتماعية حراكاً، ويُستخدم كمكسب وكرأس مال في أحيان عدة. يقول الدكتور عبدالعزيز خضر في كتابه (السعودية: سيرة دولة ومجتمع): "من عوامل عدم وجود حراك في قضايا المرأة هو التردد السياسي في إدارة هذا الملف، حيث تباطأ في حالات معينة من المفترض حسمها، فقد استعملت قضاياها في صفقات متعددة لإرضاء التيار المحافظ على حساب سكوته عن انحرافات أخرى".
على مر عصور الإسلام، ساهمت المرأة في الأدب والشعر والفقه والتجارة والطب والحرب وغيرها من مجالات الحياة. وكان هناك الكثير من المشهورات اللاتي تفوقن على الرجال في مجالهن.. وفي تاريخ دمشق، عدّد ابن عساكر أسماء ثمانين امرأة ممن كان لهن شأن عظيم في أزمانهن. ويرى عالم الاجتماع العراقي ابراهيم الحيدري كما جاء في كتابه (النظام الأبوي وإشكالية الجنس عند العرب) أن وضع المرأة قد تراجع كثيرا بعد أن كان لها خيارات أكثر وحظوظ أوفر في صدر الإسلام. فقد ابتدأ عصر "الحريم" في وقت الخلافة العباسية، واستمر الوضع في الانحدار، حين سيطرت الذهنية الأبوية "البطريركية"، والتي قامت بتجذير السلطات الاستبدادية في جميع زوايا المجتمع، بدءاً من السلطة السياسية، وحتى العائلة الصغيرة.
إن زمن الثورة العربية قد نفض العالم العربي نفضاً، وأسقط الكثير من أفكاره المستقرة التي لا تستحق البقاء. والثورة الشعبية تتضمن أبعاداً متعددة منها إعادة التشكيل الفكري للمجتمع. وموضوع المرأة ومركزيته لابد أن يتصدر هذا المشهد الفكري. ولن ينجح الأمر فكرياً وثقافياً ما لم تنطلق خيارات المرأة من داخلها ككيان اجتماعي له وجوده المستقل، وزاوية استشرافه التي ينطلق منها.
azizf303@gmail.com
التعليقات
المرأة العربية زمن
المتعجب -المرأة العربية لا تقل شأنا عن اي امرأة اخرى بل على العكس المرأة العربية أكثر حرصا على أداء مهماتها وهذه نتيجة بعد تجربة 25سنة عشتها في المجتمعات الأوروبية.ولكن الحكومات العربية تستثمر مايناسبها من الدين في السياسة وذلك لأجل مصالحهم الشخصية لا لأجل مصلحة المجتمع والمجتمعات الخليجية الأكثر عملا بهذا الشيء وبهذه الحالة يختزلو ماأمكنهم من حقوق المرأة ولكل بلد له طريقتة الخاصة بالإختزال وهذا يعود بنتائج سلبية على مجتمعاتنا العربية وهذا ماحذر منه الدين الإسلامي الذي أمر بألا يأخذ انسان حق انسان آخر ولكن لاأحد يعمل بهذه الناحية وخاصة بشأن النساءحتى عملو من المرأة جزء متمم للمجتمع لا جزء اساسي في المجتمع وهذا هو لب المشكلة التي تجلب كوارث جمة على مجتمعاتنا العربية.والموضوع اكبر من ان نغطيه بسطرين
المرأة العربية زمن
المتعجب -المرأة العربية لا تقل شأنا عن اي امرأة اخرى بل على العكس المرأة العربية أكثر حرصا على أداء مهماتها وهذه نتيجة بعد تجربة 25سنة عشتها في المجتمعات الأوروبية.ولكن الحكومات العربية تستثمر مايناسبها من الدين في السياسة وذلك لأجل مصالحهم الشخصية لا لأجل مصلحة المجتمع والمجتمعات الخليجية الأكثر عملا بهذا الشيء وبهذه الحالة يختزلو ماأمكنهم من حقوق المرأة ولكل بلد له طريقتة الخاصة بالإختزال وهذا يعود بنتائج سلبية على مجتمعاتنا العربية وهذا ماحذر منه الدين الإسلامي الذي أمر بألا يأخذ انسان حق انسان آخر ولكن لاأحد يعمل بهذه الناحية وخاصة بشأن النساءحتى عملو من المرأة جزء متمم للمجتمع لا جزء اساسي في المجتمع وهذا هو لب المشكلة التي تجلب كوارث جمة على مجتمعاتنا العربية.والموضوع اكبر من ان نغطيه بسطرين