فضاء الرأي

الثورة ومقوماتها- 3

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

تناولنا في الجزئين الأول والثاني من هذه السلسلة حول مقومات الثورة، وبالتخصيص فيما يتعلق بثورة الشباب المصري في 25 يناير 2011، وضع الثوار المصريين بمختلف تياراتهم، ثم وضع البيئة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية المصرية، وما إذا كانت مناسبة لحدوث حالة ثورة تغير جدياً من الأوضاع المصرية المتردية منذ عقود، أو حتى منذ قرون يصعب حصرها. . نأتي الآن إلى مقوم هام لابد من توافره للثورة، وهو "إرادة التغيير".
أن تتوافر لدى قطاعات كبيرة من الشعب الإرادة القوية للتغيير، والحماس المصحوب بالاستعداد لدفع ثمن تلك الثورة وذلك التغيير. . فالشعوب لا تحصل على ما تريد، خاصة إذا كان كبيراً وشاملا لكل جوانب حياتها، بمجرد أن تتمنى أو تطلب ذلك. . فحتى بالنسبة للسلع فإن جدية حاجتك لأي سلعة يقيمها استعدادك لدفع ثمنها، أما إذا طلبتها وبخلت بدفع الثمن، فإن هذا دليل لا يرقى إليه الشك في أنك لا تريدها حقيقة، أو على الأقل أن رغبتك فيها تأتي متأخرة في ترتيب أولوياتك. . فهل الشعب المصري بعمومه، أو فلنقل بقوته الأساسية تتوفر لديه حقيقة رغبة التغيير، ومستعد لتحقيق رغبته هذه أن يدفع الثمن، الذي قد يكون دماء، وقد يكون أصعب وأغلى عليه من الدماء، وهو قيمه وعاداته وتقاليده الراسخة؟!
من الطبيعي ألا توجد إجابة واحدة موحدة لهذا السؤال، تنطبق على جميع مكونات الشعب المصري، وليس أمامنا في هذه الحالة وغيرها إلا أن نلجأ لبضع تقسيمات هي بالتأكيد غير دقيقة وحصرية وصارمة كما يروم البعض المصر على اليقين والشمولية في الآراء وفي تصنيف البشر.
الشباب الذي كان نواة الثورة بالطبع تتوفر لديه الرغبة الجادة في التغيير، ولقد دفع الثمن بالفعل من دمائه، لكن بقية من التحقوا بالثورة لا تتوفر لديهم ذات الرغبة في التغيير، وإن بدرجات ونوعيات مختلفة. . الجماهير المحايدة التي التحقت بالمظاهرات بعد أن اطمئنت إلى عجز أجهزة القمع، هذه رغبت في تغيير النظام العتيق الفاسد، لكن لا يخطر على بالها أن هذا لابد وأن يعقبه تغيير في سلوكيات أو ثقافة، أما الإخوان المسلمون الذين سارعوا فور اكتشافهم جدية الجماهير في إسقاط النظام بالالتحاق بالثورة، فهؤلاء يقتصر التغيير في مفهومهم على إسقاط وجه واحد من عملة النظام، أما الوجه الآخر الذي هو هم ذاتهم، بأفكارهم المتربصة بكل ما في الوطن، وسعيهم لهدم مفهوم الوطنية من أساسه، لصالح أممية إسلامية تضم كل شعوب الأرض، سواء المسلمة منها بداية، أو تلك التي يزمع المسلمون بعد تأسيس خلافتهم (بعد امتلاك الأرض على حد قول نائب المرشد العام) غزوها وإخضاعها. . هؤلاء لا يعرفون من التغيير إلا المتعلق بالتكتيكات، إن كانوا في مرحلة استضعاف أو استقواء، أما ما عدا ذلك من تغيير حقيقي في الفكر، فهم يعدونه كفراً، أو خروجاً عن صحيح الدين، وإن كان هذا لا يمنع التلون والتقية، وعلى أقصى تقدير التنازل مؤقتاً عن بعض القشور، كنوع من تجمل ضروري لكي لا تفزع فرائسهم فتفر منهم هاربه قبل تمكنهم من أعناقها.
السلفيون الذين احتفظ بهم النظام في كهوفهم معلنين تكفير الخروج على الحاكم، خرجوا علينا هادمين حارقين مكفرين، ولا يخطر التغيير أو التنازل عما يضمرونه على بالهم، وسوف نتناول هؤلاء وأولئك في الحلقة الرابعة والأخيرة من هذه السلسلة، حين يأتي أوان الحديث عن الرؤية، ونقصد بها توافر رؤية الثورة للمستقبل.
الأقباط رغم معاناتهم المضاعفة مع النظام البائد، معاناة كمواطنين مصريين، وأخرى كأقباط تركهم النظام فريسة للطائفيين المتربصين، ولأجهزته المخترقة حتى نخاعها من جماعة الإخوان المسلمين رأس الفتنة الطائفية، رغم هذا وربما لهذا هم أكثر الفئات تخوفاً من الثورة وتهيباً من التغيير، وإن كان جزءاً من الشباب القبطي قد شارك في الثورة وفي أولى مراحلها، في مقابل أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وقفت للحظة ما بعد الأخيرة مع نظام وضح سقوطة للعميان، وتعد صخرة لا يستهان بها في مواجهة التغيير، فمنهج الكنيسة في تربية النشء وكذا خطابها المفارق للعصر يصعب إن لم يستحل تغييره، هذا بالطبع بخلاف نظامها الداخلي وطريقة إدارتها العتيقة والاستبدادية، والتي تؤثر مباشر في حياة 15 مليون قبطي، علاوة على تأثيرها غير المباشر على المنظومة الوطنية ككل. . نستطيع الزعم أن الأقباط وكنيستهم هم أكثر مكونات الوطن استعصاء على التغيير، ومن غير المنتظر منهم القيام بدور تغييري إيجابي، وأقصى الممكن بالنسبة لهم هم أن يكونوا متأثرين وليسوا مؤثرين.
أما عموم الناس في مصر، فهم قوم قد تعودوا على الاستقرار، ولا يجنحون للتغيير أبداً ويخافون منه، وأمثالهم الشعبية التي تستهجن التغيير وتخوف منه أكثر من أن تحصى، ونستطيع المغامرة بادعاء أن أغلبهم كان ناقماً على الثورة، رغم ضيقهم وتبرمهم من سوء أداء النظام المطاح به، فحرصهم على الاستقرار ودوام الحال رتيباً آمناً يفوق أي رغبة أو أمل فيما هو أفضل. . هؤلاء هم قوة الاستقرار في مصر ذات السبعة آلاف عام، والتي لم تكد خلالها تشهد إلا أقل القليل من القلاقل والاضطرابات.
لا نخرج من هذا الاستعراض باستحالة التغيير، لكن بضآلته وبطئه الشديد، خاصة إذا ما كان الأوان هو أوان الديموقراطية ورأي الشعب، فهو هنا لابد وسينحاز إلى الاستقرار، الذي يعني إجهاض الثورة وإطفاء نيرانها، وهذا ما اختبرناه فيما عرف باستفتاء تعديل الدستور، والذي صوت فيه 77% من الشعب لصالح ما تصوروه الطريق المؤدي لسرعة الاستقرار، بل وأرى هذه النتيجة نجاحاً باهراً للفريق الذي حشد الناس خلف قول "لا" في الاستفتاء.
يتبقى لنا في هذا الاستعراض السريع لمقومات الثورة مقاربة لتوافر الرؤية، التي توجه مسيرة الثوار في سعيهم لخلق واقع جديد، لابد أن تكون ملامحه العامة ماثلة في أذهانهم.

مصر- الإسكندرية

kghobrial@yahoo.com


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف