فضاء الرأي

إشكالية التوقع السياسي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يحبذ كثير من الباحثين في علم السياسة استعمال كلمة أو مصطلح التوقع السياسي بدل التنبؤ، وذلك لما يحمله الأخير أو ما يمكن أن يحمله من أبعاد تتصل بالفلسفة الغيبية أو الفلسفة الميتافيزية بشكل عام، والتوقع السياسي في كلمات بسيطة للغاية هي استباق الحدث السياسي، أي القول بأن حدثا سياسيا سيقع، ونستخدم هنا (سين) المستقبل وليس (سوف) لأننا نتحدث في سياق حركة تاريخية قريبة، في مجال من الواقع المعاش فعلا، كأن يكون انقلابا عسكريا أو سقوط نظام، أو هجوم دولة جارة،أو فشل حكومة...
بعض علماء السياسة ينكرون على علم السياسة الاشتغال أو تصور إمكانية التوقع في مجالها العلمي،ذلك أنها ليست علماً بالمعنى الذي تنطبق عليه معايير العلم، وبالتالي، فإن استباق الزمن في سيحدث من وقائع وحوادث سياسية ضرب من الخيال، فيما أصبح التوقع السياسي من أهم مهمات بعض المشتغلين بالسياسة كعلم وممارسة ووضعت له قواعد وفنون وقوانين!

التحليل السياسي والتوقع السياسي
ينبغي التفريق بين المهمتين، التحليل السياسي عبارة عن تفكيك العوامل والأسباب الكامنة وراء حصول الحدث، فهو عملية تفكيكية،بحث فيما وراء الحدث من أسباب،أي النظر إلى الماضي، فيما التوقع استباق، نظر إلى الأمام، ولكن رغم هذا الفارق الكبير بين المهمتين، يبقى التحليل السياسي أحد مناهج التوقع،وتقوم عملية التحليل عادة على جمع المعلومات التي تتصل بالحدث، اقتصادية واجتماعية وشخصية وجغرافية، وتنظيمها وتصنيفها، ومن ثم تحليلها من أجل الوصول إلى الأسباب الكامنة وراء الحدث، وذلك بعد فرز المهم والرئيسي والصحيح من الهامشي والمشكوك فيه والخاطئ. وليس من شك أن التحليل السياسي بهذه اللغة يخدم التوقع، ولكن التوقع بحد ذاته يخدم ولو مستقبلا ا لتحليل أيضا، من هنا يرى بعضهم أ ن هناك تفاعلا حيا بين التوقع والتحليل، كلاهما يرفد الآخر.

مقتربات أولية

سواء التحليل السياسي أو التوقع السياسي يستوجب وضع الحقائق أو المقتربات التالية قبل القيام بأي منهما: ــ
المقترب الأول: لا يوجد توقع محصَّن، فهناك كثرة من التوقعات، ربما من الصعب أن يحذف بعضها الأخر.
المقترب الثاني: الإسقاط الأديولجي يفسد التوقع،مثل إسقاط ظهور المهدي عليه السلام على الحدث وتحليل المستقبل القريب سياسيا على ضوء المعتقد الكريم، أو إخضاع التوقع لنظرية المادية التاريخية، والاعتماد على المنهج العلمي المادي الصرف، أي أن يعامل الموضوع كما يعامل أي موضوع علمي، تجارب وملاحظات وتوقعات.
المقترب الثالث: ليس من شك أن للشخصية دورا مهما في خلق الحدث السياسي، ومن هنا ينبغي وضع هذا المقترب في عملية التوقع السياسي، وليس من شك أيضا، لا يمكن أن نتناسى أو نغفل الاتجاه الديني المسيطر على روحية جورج بوش الابن.

صعوبات وعقبات
على أن التوقع ا لسياسي تعترضه مصفوفة من الصعوبات والعوائق الجوهرية التي يعسر معها تحصيل نتائج يمكن الاطمئنان إليها، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر ما يلي:
1: من الصعب اخضاع الحدث السياسي إلى سليقة علمية تتسم بالثبات والمنهجية القارة.
2: لأن الظاهرة السياسية تتصل بشكل صميمي بتكون الشخصية وأسبقياتها الفكرية والاديولجية.
3: عملية التعمية في العمل السياسي تساهم هي الأخرى في تشكيل وتصميم هذه الصعوبة .
4: عدم توفر إمكانات التجريب أو عدم صلاحية مبدأ التجريب في استنتاج التوقع السياسي، خاصة أن هناك صعوبة في التحقق من مقتربات وحوليات الحدث السياسي، مثل صدق الخبر، ومدى مطابقته للواقع والحقيقة كما هو معروف.
5: عدم إمكانية التحرر من المسبقات بالنسبة للمحلل والمراقب.

مقتربات على الطريق
يطرح علماء السياسة و المشتغلون بالتحليل السياسي جملة مقتربات قد تساعد على إنجاز مشروع التوقع السياسي، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر ما يلي:
1: علم مفصل بحيثيات الواقعة أو الحدث كنقطة بدء بالعملية.
2: دراسة الاتجاهات الفكرية والدينية والاجتماعية التي تحيط بالحدث وتشغل حيزه المكاني،والأخذ بنظر الاعتبار دورها في صنع الحدث.
3: تجنب قدر الإمكان الاسقاطات الشخصية والنفسية.
4: عدم الخضوع للاستفزاز والإثارة الخارجية التي يقصد منها التمويه والتعمية.
5: تحليل بنية النظام الاقتصادي والتربوي والسياسي.
المفارقة الكبيرة في التوقع السياسي أنك قد تحزره احيانا في مجال سياسات الدول الكبرى، فيما يصعب على في مجال الدول أو الانظمة التي لا تحكمها هوية سياسية وا ضحة، او الديكتاتورية بشكل عام، ويبدو إ ن ذلك يعود الى كون الدول الكبرى واضحة الهوية السياسية من حيث ا لفلسفة، ومن حيث الاهداف، وخاضعة في اتخا ذ القرا رات السياسية وفق سترا تيجية متوسطة المدى أ و بعيدة المدى، كما أنها أنظمة مصالح أمة أو دولة، فيما الانظمة الشمولية أ و الحزبية الضيقة أو الفردية إنما هي أنظمة مصا لح ضيقة ومحسوبة في دائرة أصحاب القرار السياسي والمهمنين على القوة، فليس سرا يمكن أ ن تتوقع ما يمكن أن تتخذه إدارة اوباما تجاه الاوضاع في الشرق الاوسط، ولكن من الصعب أن تتوقع ما يمكن أن يتخذه القذا في من قرارات ومواقف أزاء الوضع الذ ي فيه الآن .

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف