أصداء

مبادرات لاتسمن ولا تغني من جوع

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تقليعة سياسية جديدة ظهرت في الساحة السياسية العراقية هذه الايام ، لم يعهدها العراق من قبل ولم يألفها ، اصبحت لها سوق رائجة هي تقليعة اصدار المبادرات السياسية واطلاق الحلول "السحرية"الجاهزة للازمات العميقة التي يشهدها منذ الاطاحة بالنظام البعثي البائد عام 2003 ، لا احد من السياسيين العراقيين فكر من قبل ان يخوض غمار هذه التجربة السياسية غير المسبوقة ، ولم يعرف عنهم انهم قدموا مبادرات سياسية من أي نوع لفض النزاع المستمر بين شرائح المجتمع المتناحرة ولا حاولوا الدخول في هذا المجال طوال تاريخهم المعاصر ، لانهم ببساطة كانوا يجهلون هذا النوع من الفنون السياسية التي تحتاج بحسب قول النائب عباس البياتي الى "حكماء" لتقريب وجهات النظر والتوصل الى حلول ، وبما ان العراقيين "حكماء"جدا وبارعين في تأجيج الصراعات والنزاعات واشعال الحروب و وليسوا"حكماء"في صنع السلام ونشر المحبة بينهم ، فقد ظلوا بعيدين عن هذه الفكرة ، ولم يتطرقوا اليها .. واما اذا أشكل عليهم امر ، وحاروا في معالجته ، ولم يجدوا له مخرجا ، فانهم سرعان ما يلجؤون الى مبادرات غربية جاهزة للخروج من الازمة ، كون الدول الغربية تمتلك القدرة على الاقناع ولو بقوة ، وتستطيع ان تفرض على المتنازعين بنود المبادرات وتجبرهم على الالتزام بها ولو كانوا اعداء الداء ، حاربوا بعضهم لسنوات ، كما كان الحال مع الحزبين الكرديين ؛ الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني ، فقد جرت بينهما حرب ضروس عام 1994 وراح ضحيتها الالاف ، وقدحاولت الحركات والاحزاب ومنظمات المجتمع المدني الكردية المستحيل للتوفيق بينهما ووضع حد للدماء التي تسيل ولكن دون جدوى ، كل المحاولات والمبادرات التي قدمت ، تحطمت امام اصرار الطرفين على مواصلة القتال ، ولكن عندما طرحت واشنطن مبادرتها للسلام عام 1998ودعت وزيرة خارجيتها "مادلين اولبرايت"الطرفين المتحاربين لزيارة واشنطن لوضع حد لخلافاتهما والتوقيع على اتفاق سلام بينهما ، رحبا بالدعوة فورا والتزما بالمعاهدة التي ابرمت بينهما منذ ذلك الحين ..

ما اريد قوله ان المبادرات التي تتسابق الاحزاب العراقية اليوم في طرحها بهدف معالجة الازمات المزمنة التي تعاني منها السياسة العراقية ، مبادرات"ناعمة"، بحاجة الى قوة لفرضها على الاطراف المتنازعة ، وبدون هذه القوة تبقى المبادرات مهما كانت بنودها فاعلة وقوية عرضة للاختراق والانتهاك من قبل الاحزاب المتنفذة ، كما هو حال رئيس الوزراء"نوري المالكي" في تملصه الفاضح من بنود اتفاقية "اربيل" ؛ المبادرة التي قدمها رئيس اقليم كردستان العراق "مسعود بارزاني" والتي استطاعت ان تجمع الفرقاء المختلفين في فترة مفصلية كادت العملية السياسية في العراق ان تنهار بشكل كامل ، فلو كانت هذه المبادرة على وجاهتها تمتلك القوة الكافية لمتابعة ومراقبة سير العملية السياسية وترعى تشكيل الحكومة وتحاسب الاطراف المعتدية ، لما وصلت الامور بين القائمة العراقية وزعيمها اياد علاوي والائتلاف الوطني ودولة القانون بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي الى هذا المنحدر الخطير الذي وصلت اليه والذي ينذر بسقوط الحكومة في أي لحظة ... والعجيب ان الازمات الكبيرة التي واجهت العملية السياسية في العراق ، دفعت بالعديد من السياسيين الى تقديم مبادرات سياسية واحدة تلو اخرى ، فبالاضافة الى مبادرة "البارزاني" التي فقدت بريقها السابق ، ولم يعد احد يلتزم بها ، قدم "اسامة النجيفي"رئيس البرلمان العراقي مبادرة من واشنطن تقضي بانشاء اقليم للسنة اسوة بالاقليم الكردي تخلصا من الهيمنة الشيعية عليهم والتي قوبلت باحتجاج واسع حتى من قائمته ، ولم يقف رئيس الجمهورية مكتوف الايدي وهو يرى التجربة السياسية الجديدة تنحدر الى الهاوية ، فقدم بدوره مبادرة لجمع الاطراف المتنازعة على "كلمة سواء" ، ولكن يبدو ان شقة الخلاف كانت اكبر واوسع من ان تعالجها مبادرة"ابوية"من جانب شخصية كجلال طالباني التي تحظى بقبول واحترام جميع الفرقاء السياسيين ، ولم يتخلف "السيد عمار الحكيم"رئيس المجلس الاعلى الاسلامي عن الركب ، فقدم من جانبه مبادرة والتي سميت ب"طاولة الحكيم المستديرة" ، بينما كان العراقيون ينتظرون نتائج هذه المبادرات النهائية ، حتى فوجئوا بمبادرة جديدة ، كان بطلها هذه المرة شخصية دينية سياسية اثارت الجدل في الاوساط السياسية منذ ظهورها ، و شكلت لغزا لحد ما لدى الخبراء والمحللين السياسيين ؛ فهل هو عراقي وطني من الصميم ام انه ايراني الهوى والانتماء ، ام هو مجرد رجل دين شيعي يسعى لان يكون مرجعا شيعيا كوالده ، سفراته الدائمة الى ايران واقامته هناك لسنوات بحجة الدراسة والتزامه الصميمي بنهج "ولي الفقيه"الايراني ، تدفع المرء الى الاعتقاد فورا انه ايراني قلبا وقالبا ولكن عندما يتحدث عن الوطن والمقاومة والمحتل ، تظن جازما انه وطني فوق العادة ، انه السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري وبطل جماعة "فرق الموت" المشهورة التي شاركت في عام 2006 في قتل وذبح الالاف من العراقيين "السنة" في عمليات تطهير مذهبية واسعة ، هذه المبادرة التي دفعت بكاتب مثل"حسن العلوي" ان يقول عنها ؛ مبادرة السيد مقتدى الصدر ستدخل العراق في مرحلة الصلح الحقيقي وتبعده عن الهاوية" فاذا كانت مبادرة زعيم ميليشيا ثبتت انها كانت وراء ارتكاب الفظائع التي تشيب لها الولدان بحق العراقيين ، ستبعد العراق عن الهاوية !! على حد قول كاتب مرموق له مصداقية"قبل ان يدخل في المعترك السياسي الفعلي ويقترب من اعتاب السياسيين" فعلى العراق والعراقيين السلام ؟؟؟
m.wany@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف