سقوط الآلهة العربية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
فلنذكر الثالث من أغسطس عام 2011، يوم مثول "محمد حسني السيد مبارك" في قفص الاتهام داخل محكمة، ليبدأ مسلسل أسئلة وأجوبة، يحاسب فيها عن بعض مما جنت يداه طوال ثلاثة عقود قضاها كرئيس مصري. . الأمر كهذا أكبر بكثير من مجرد سقوط حاكم نقم عليه شعبه، كما هو أكبر من تغيير حاكم ظالم وفاسد بآخر عادل وصالح، فنحن هنا بإزاء أمر جديد على الثقافة العربية كل الجدة، ولا أقصد خلع الحاكم أو إنزال العقاب به، فلقد تم هذا بامتداد التاريخ العربي بصور شتى، كانت جميعها تعد جزءاً من منظومة الثقافة العربية. . أتحدث بالتحديد عن مثول رئيس للمساءلة من قبل شعبه.
الرئيس في شرعنا قائد وزعيم وأب ورمز، ولم يكن يوماً في ثقافتنا -وليس فقط في ممارساتنا العملية- مجرد موظف عمومي هو الأعلى رتبة. . هو الرمز أو الطوطم المعبود، والذي كان يُعبد قديماً بصراحة ومباشرة، لأنه جد الجماعة أو جذرها، وهو المجسد لكينونتها وهويتها. . هو الراية الحية للوطن، لذا لم يكن غريباً أن نسمع ذات الهتاف من الجماهير العربية من المحيط للخليج قائلة: "بالروح. بالدم. نفديك يا فلان"، والأمر سيان إن كانت تقول ذلك بصدق وإخلاص، أم تقوله من قبيل الخوف والنفاق، فوضع الزعيم في ثقافتنا هو وضع المفدى بالروح والدم، لأنه الرمز الطوطم، أو بالأصح الإله الأرضي المعبود.
لهذا وبهذا لا يمكن أن يخضع الزعيم للمحاسبة والمساءلة كسائر البشر، فالآلهة ينبغي أن نخضع لها "على كل حال وفي كل حال ومن أجل كل حال". . نعم يمكن أن يتحول التقديس له إلى نقمة عليه من قبل البعض أو حتى كل شعبه، لكن هذه النقمة لا تنزله في تفكيرنا ومنظورنا وثقافتنا إلى مرتبة البشر، بل تتم شيطنته بدلاً من تأليهه، ونعرف أن التأليه والشيطنة هما وجهان لعملة واحدة.
لهذا قد نقتل الزعيم الذي كان إلهاً معبوداً، وقد تحول في نظرنا إلى شيطان، لنأتي ببديل له يصلح لأن يكون الأب والقائد والرمز والطوطم، ومن ثم إلهاً أرضياً جديداً نتعشم الخير من بين يديه وعلى هديه!!. . قد نطرده أيضاً أو يفر منا فنتركه، أو نسعى للانتقام منه بصفته الشيطانية الجديدة.
فالإعدام الفوري للزعماء الآلهة بعد ثورات شعوب عديدة يتم من هذا المنظور، ففي التاريخ الحديث تم شيطنة الرئيس الروماني نيكولاي تشاشيسكو وإعدامه مباشرة دون محاكمة حقيقية، والأمر منطقي هكذا من وجهة نظر العقلية والثقافة التي تؤله الحكام، فما دام هذا الإله قد ثبت لدينا أنه شيطان، فمن العبث محاكمة الشيطان، لأن كينونته الجديدة في تصورنا تكفي وحدها للحكم عليه بالإعدام شنقاً أو حرقاً أو رجماً بأحجارنا المقدسة!!
صدام حسين كان زعيم الأمة العربية وقائدها الأوحد ورمز عزتها، وكان في نظر البعض شيطاناً مريداً، وعندما جاء التحالف الغربي ليسقطه ثم يحاكمة -وإن بأياد عراقية- بكى عليه بعضنا ولعنه البعض. . اعتبره بعضنا حتى من المعارضين لسياساته رمزاً للأمة العربية المجيدة، التي أهينت كرامتها ومرغت في التراب يوم تنفيذ الحكم على طوطمها بالإعدام. . في المقابل لم يكن أعداؤه أقل تأليهاً له، حين اعتبروه الشيطان مجسداً، وأن الله سخر لهم هؤلاء الكفار ليقتلوه نيابة عنهم، أو ليتيحوا لهم قتله، فقتل الشيطان واجب شرعي في ثقافتنا!!
هكذا لم يخل ميدان التحرير في قلب القاهرة، وفي خضم الثورة المجيدة، ممن ينظرون لمبارك ذات النظرة التأليهية، لكن بوجهها المشيطن، رأينا شيخاً (كنت أتمنى وصفه بالوقور) من شيوخ القضاء المصري يشكل ما سماه محكمة شعبية لمبارك، بنية إصدار حكم بالإعدام عليه. . مهزلة أو مأساة فلنقل ما نشاء، لكن الرجل رغم أنه أمضى عمره على منصة القضاء المصري العريق، إلا أنه هو بالذات ابن بار للثقافة العربية، التي لا تستطيع أن ترى الحاكم إلا إلهاً أو شيطاناً، ومادام مبارك قد صار شيطاناً، فلقد زاغ من عقل الرجل الشيخ كل ما تعلمه ومارسه من أصول العدالة والقضاء، ولم يجد أي مبرر للتلكؤ في قتل الشيطان المريد. . ليست فقط شهوة الانتقام والتشفي هي ما حركت هذا الرجل ومن التف حوله من جرابيع، لكنها الثقافة والعقلية التي تجعلنا لا نتردد أو نتدبر قبل أن نرجم الشيطان الرجيم، ولو تمكن هذا الرجل ومن حوله من تحقيق مرادهم، لبقي مبارك إلها مشيطناً، ولم ينزل لمستوى البشر الذين يستجوبون عما جنت أياديهم.
المضاد لموقف ذلك الشيخ، وإن كان ينطلق من ذات نهج التأليه، نجده لدى ملايين من المصريين، وربما أكثر من عددهم في سائر أنحاء العالم العربي، هؤلاء لا يرضون عن مبارك أو يتعاطفون مع سياساته، لكنهم أبداً لا يستسيغون محاكمة قائد وأب ورمز وطوطم، لا يتصورون إمكانية أو لياقة محاكمة إله. . كان يكفي في نظرهم استبداله بإله آخر مناسب، علاوة على أن إهانة طوطمنا أو رمزنا هي إهانة لنا جميعاً.
هكذا يكون ما حدث في الثالث من أغسطس 2011 هو شرخ معتبر، سوف يتصدع على إثره عمود رئيسي من أعمدة الثقافة العربية، ليكون من المتاح بعدها تأسيس ثقافة جديدة، تقوم على أن الشعب هو رمز لنفسه بنفسه، وهو القائد والزعيم، ويكون الموظف العمومي الأعلى محط محاسبة ومساءلة منا طوال الوقت، وليس فقط بعد قيام ثورة تسقط النظام بكامله. . ولن يقتصر الأمر على المجال السياسي، بل سيمتد بداية من محيط العائلة، إلى المؤسسات والعلاقات الإنسانية عامة، ليسقط الآلاف من الآلهة الكبار والصغار هنا وهناك، فيصير الجميع بشراً يتوقعون ويتحسبون في كل خطوة يخطوها لحظة محاسبة قادمة. . هو إذن يوم تاريخي خالد في تاريخ المنطقة والثقافة العربية.
مصر- الإسكندرية
التعليقات
لا نريد مصرستان
سليمان القطري -.لابد من حكم ديمقراطيعلماني مدني مع اقتصاد اشتراكي معتدل وينطبق مع الحالة الاقتصاديه المصريه-واذا سيطر المتشددون دفة الحكم فلا مناص من اعلان الحكم الذاتي للاقباط...
أتمنى النشر وشكرا
محمد علي -إنها بداية النهاية لهذه الآلهة التي تحكم من رؤساء وزعماء وملوك بلغت ارصدتهم بالمليارات وقصورهم من الصعب جردها وعدّها وسرفها وطغيانها وخياناتها وصلت لحد لايمكن السكوت عليه. إنه زمن القضاء على هذه الآلهة التي يعبدها الشعوب حالها حال أصنام قريش التي كانت تُعبد من غير الله حتى جاء الإسلام وقضا عليها وحطمها. إنها نفس الآلهة ولكن تتستر بلباس الدين هذه المرة. أنظمة سرقت كل شيء والشعب غالبيته يسكن آجار! والأمية والجهل وسطحية العقول هي العامل الأبرز في هذه الشعوب التي لاتعرف حتى مستقبلها فكل شيء اصبح عندها مجهول
رفع الإله للسماء
pythagoras plato -عنوان المقال أعجبني كثيراً لأنني بحثتُ طويلاً عن سبب رفع الرب أو الإله إلى ما فوق السماء السابعة أي صدرة المنتهى فبدأت بعصر تسمية الحاكم بإله أي لقب الحاكم كان الإله كالإله تموز و الإلهة عشتار و الآلهة المصريون وووو هذا الحاكم الذي لقبهُ إله كان معصوم من كل شيئ حتى إذا أحد أعضاء وجههِ مشوه وغير جميل كان يحجب بشاعة وجههِ بحجاب خاصة عندما كان يلقي كلمة من مطل شعبي بهذا كانت بداية الحجاب حتى إستعملهُ القاضي البريطاني لقرائة حكم الموت على المجرم حتى القاضي يبقى غير معروف كان يستعمل الباروكة التي تغطي كل رأسهِ حتى وجههِ لكي لا يقتل من أهل المجرم وعندما ألغيت عقوبة قتل المجرم فتح وجه الباروكة الإنكليزية لنرجع إلى الإله الحاكم بأمره من خلال دمهِ العائيلي الأحمر النقي لذلك هذا الإله و لكي يبقى الحكم بدائرة دم عائلتهِ و الحكم لا يخرج من دائرة دمهِ الطاهر كان يتزوج إختهِ مثل أم توت عنخ آمون و الإله تموز السومري الذي تزوج أختهُ عشتار و منهم من تزوج أو نكح أمهُ لكي تلد وريث العرش ومن دم القربى كل ذلك كان تحت غريزة السلطة و بقائها في دائرة الدم الواحد الأحمر و كما إله سوريا حافظ الأسد ورثَ إبنهُ ولكن بدون نكاح القربى و إله كوريا الشمالية الذي بدل دمهِ الأحمر الحرام نكحهِ بدم أزرق حلال تورثهِ و كان على الطريق إلهة ليبيا و اليمن , تاريخياً حدثت ثورات عظيمة للتخلص من هذه الألهة أولها بدأت من المعابد و الكهنة المناوئين و على الدوام مع السياسيون و الأثنين يتنافثون على من يملك الطبقة الوسطى فالكنهة عزموا على التخلص من هذا إحتكار السلطة من قبل ذلك الإله الواحد الأحد فكانت الضربة القاضية من الكهنة عندما بنوا سبعة سموات وهمية و رفعوا الإله إلى السماء السابعة و كل ذلك للتخلص من الإله الأرضي و تسكينهِ بصدرة المنتهى و هكذا كان أول إنقلاب عبر التاريخ للتخلص من الإله السياسي و كل هذا الإنقلاب كان بفضل تحالف الكهنة و معبدهم مع الفلاحون لذلك نرى هذا الحلف إلى اليوم ما بين الكنسية و الإتحادات الفلاحية و للتخلص من إحتكار السلطة بدائرة الدم الواحد الكهنة منعوا زواج القربى و نجسوا الدم لأن الإله كان يطلب من عائِلات شريفة بأن يذبحوا بكرهم المذكر قبل نهاية الشهر السابع هذا كان بي أشوريا و ذبح الذكر قبل نهاية الشهرالثالث عشر بسومر و تقديم دم المذبوح بزجاجة مقدسة لي إلههم حتى يشربهُ لكي يعيش الحياة
مقال متوازن
مصطفى العراقي -شكرا للكاتب على هذه المقالة, نعم لا بد من تعرية تلك الالهة الكاذبة. بالنسبة لمبارك فان تهم الفساد وتقزيم الدور المصري كافية لسجنه مدى الحياة او اعدامه والامر منوط بالقضاء المصري ونرجو لاخوتنا المصريين التوفيق في بناء دولة العدل والمساواة لكل المصريين,
قتل المنطق
معاني عايف ربه -الالهة العربية لن تسقط يا سيد غبريال قبل ان نحرر انفسنا من النفاق وعبادة النصوص وتحويل التاريخ المكتوب على انه حقيقة مطلقة
أدوات وأسياد
يزيد بن معاوية -الالهة الهاشمية بالاردن ستبقى حتى تنتهي عملية توطين وتجنيس كل الفلسطينيين بالاردن
أصنام
mohd amin -هؤلاء ليسوا آلهة بل أصنام، صنعتها الشعوب وعبدتها وها هي تأكلها تماما مثل أصنام الجاهلية التي صنعوها من التمر وعبدوها ثم اكلوها.
إلى المعلق رقم 6
محمد أمين -الأسم الذي استخدمته فيه فتنة ومضمون تعليقك فتنة. فالهاشميون باقون والفلسطينيون صامدون رغم حقد الحاقدين. الفلسطينيةن يا محترم لم يتركوا ارضهم في الوقت الذي كانت الدبابات الاسرائيلية تدمر أحياء بأكملها في رفح، بل كان الغائبون في مصر يعودون الى غزة وسط القذائف والقنابل والدمار، ولكن ماذا نقول لمن وصفهم الله تعالى أن في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً.. فرجاء إبعدوا أحقادكم عنا وصفوا حساباتكم المشينة بعيدا عنا.