فضاء الرأي

أمينه بهرامي والاضطراب الروحي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

من مفكرة سفير عربي في اليابان

وقفت امرأة عمياء، ومشوهة الوجه، أمام الرجل الذي أعتدي عليها، بإلقاء مادة كيماوية حارقة على وجها، في وسط غرفة العمليات بالمستشفى، حينما أستعد الطبيب أن ينفذ أمر المحكمة، بتقطير سائل كيماوي حارق في عين المتهم، ليفقد نظره، فوقف الرجل على ركبتيه وبكى، فسأل الطبيب الفتاة: "ماذا تريدني أن أفعل؟" فردت الفتاة، أمينة بهرامي، التي هي في الثلاثينيات من ربيع عمرها، بالقول: "لقد أعفيت عنه، لقد أعفيت عنه." فقد أنقذت هذه الفتاة، الرجل الذي سبب فقدان جمالها ونظرها، في آخر لحظة، وفي منظر درامي، عرض على التلفزيون الحكومي الإيراني. لقد قرأت هذا الخبر بصحيفة اليابان تايمز، في اليوم الثاني من أغسطس الجاري، عن هذه المرأة التي تعرضت لتشوه فضيع في الوجه، وفقدان النظر، لسبب أنها مارست حقها الإنساني الطبيعي، في رفض رجل تقدم للزواج منها، لا تجده مناسب لها، وقد كان هذا الرجل كريما بغضبه، فألقى على وجهها مادة حارقة، قضى على نظرها، وعلى جمال وجهها، ليحرمها من الزواج من غيره. وحسب القانون الإيراني، يتم الاتفاق بين عائلة الضحية، وعائلة الجاني على حل يرضي الطرفين، وأن لم يتم الاتفاق، تعامل القضية بقانون العين بالعين، والسن بالسن، وذلك بحق هذه المرأة أن ترد على هذا الرجل الفاضل، بنفس الجرم، بأن تصدر المحكمة حكما قضائيا يعامل بنفس الطريقة، فيقطر الطبيب المعين من المحكمة، نفس المادة الحارقة في عين المحكوم عليه، ليصاب بالعمى، ولكن، في عين واحدة فقط. ولكن فضلت هذه الإنسانة أن ترد على هذه الجريمة بالحسنى، فرفضت أن تعميه، وقالت: "من الأفضل أن نعفو حينما نكون في موقع القوة." كما أكدت بأنها لا تريد الانتقام، ورد الرجل على قرار الفتاة، وهو يبكي: "بأن أمينة كريمة جدا، وبأنه لا يريد أن يصاب بالعمى." وقد صرحت هذه السيدة قبل أن تعفي عن هذا الرجل من قبل للإذاعة الاسبانية، حينما سافرت للعلاج: "لم أطالب برغبتي في الرد بنفس الطريقة، رغبة في الانتقام، بل لكي أمنع تكرار هذه المأساة التي تعرضت إليها، أن تعاني منها امرأة أخرى."
وقرأت خبر أخر في نفس الصحيفة، يتعلق بشركة فوكسكون التكنولوجية، عن عزمها استبدال 500,000 عامل، بحوالي مليون إنسان آلي (الربوت) للقيام بالأعمال البسيطة في مصانعها، وهي تستخدم حاليا 10,000 "إنسان آلي" للقيام بالصباغة واللحام، وسيرتفع الرقم إلى 300،000 في العام القادم، وإلى المليون في عام 2014، والجدير بالذكر بأن هذه الشركة توظف أكثر من مليون عامل. فهل يمكن أن تتصور عزيزي القارئ، بأن نصف مليون عائلة ستفقد دخلها المنتظم، الذي يوفر لها المسكن، والغذاء، والأمان، وتعليم أطفالها، الأجيال التي ستبني مستقبل بلادها، بسبب شركة تريد استخدام تكنولوجية متطورة، لتقلل مسئولياتها القانونية نحو موظفيها، ولتزيد من ربحية المساهمين ألأثرياء؟ ولنتذكر بأن هؤلاء الأطفال، قد ينتهون في دهاليز الفقر، والجهل، وقد يثورون يوما بالغضب، والتطرف، والانتقام، وقد تغسل عقولهم المعارضة المتطرفة، ليمارسوا العنف المنظم، لتخسر الدولة الملايين، للسيطرة على هذا العنف، وللمحافظة على أمن البلاد واستقرارها.
وأما الخبر الثالث الذي قرأته في نفس الصحيفة فيتعلق بحضور النائبة ألأمريكية الديمقراطية، جبرائيل جيفورد، للتصويت على تشريع، تقاتل عليه نواب الكونجرس، وهز الاقتصاد الأمريكي الشهر الماضي، لرفع سقف الديون الأمريكية، وخفض الصرف العام، أكثر من أثنين تريليون دولار، والذي من المفترض أن يبدأ في عام 2014. فقد تعرضت هذه النائبة إلى طلقات رصاص في الرأس من أحد معارضي سياسات حزبها الديمقراطي، حينما كانت تزور ولاية اريزونا. وقد قرر النواب خفض 917 مليار دولار خلال عقد من الزمن، كما ستقرر لجنة من الكونجرس المرحلة الثانية من خفض 1.5 تريليون دولار، وسيعني ذلك وقف بعض المشاريع الإسكانية والبحوث العلمية وتطوير البنية التحتية، مع إلغاء بعض البرامج الفيدرالية في الرعاية الصحية والتعليم والتي تخدم العاطلين وقليلي الدخل. بينما لم ترفع الضرائب على أرباح الشركات التي سجلت أرباح خيالية في مضاربات السوق، في الوقت الذي تخزن المؤسسات الخاصة الغير بنكية 1200 مليار دولار، منذ نهاية عام 2010، ولم تصرف على استثمارات جديدة ولا على التوظيف. والغريب بأن عائلة اسواق "الوول مارت"، تملك مدخرات تساوي مدخرات 40% من الشعب الأمريكي الأقل دخلا، أي عائلة تملك ما يملكه 120 مليون، ولم يفرض عليها ضرائب إضافية، بينما قلل الصرف على البرامج التعليمية والصحية والاجتماعية التي تخدم الشعب الأمريكي، ومعظمهم متوسط الدخل، وبينهم 39 مليون فقير، و46 مليون بدون تأمين رعاية صحية.
تلاحظ عزيزي القارئ، رجل يشوه فتاة لعدم القبول بالزواج منها، ورجل يسبب عاهة لنائبة في برلمان دولة ديمقراطية، لأنه لا يتفق مع نظراتها السياسية، وشركة تتخلص من نصف مليون عامل، وتحرم نصف مليون عائلة من رواتبهم، لتزيد من أرباح المساهمين، ويبقى السؤال: ما الذي يدفع بالإنسان لكي يسبب أعاقة لامرأة لأنها رفضته زوجا، أو اختلفت مع رأيه سياسيا؟ وما سبب برود التعاطف في إدارة شركة تحرم نصف مليون عائلة من دخلها؟ أليست التنمية الاقتصادية وسيلة لإسعاد الشعوب، وحصانتها من الفقر، والجهل، والمرض؟ أليس إحساس العطف، والرحمة، والشفقة، إحساس مزروع في خلايا المرآة العصبية بالعقل البشري؟
درس العالم البريطاني، طوني بوزان، الذهن البشري، وطريقة تفكيره، وأساليب تطويره، وطور نظرية للخارطة الذهنية، يمكن من خلالها التعرف على كيفية التقاط الذهن للمعلومات، وتحليلها، وتوجيهها، وربطها بالسلوك الإنساني وقراراته، وجمع أبحاثه في كتاب بعنوان، الذكاء الروحي من خلال معرفة الحياة وموقعنا فيها. ويعرف البروفيسور بوزان الذكاء الروحي، بأنه حكمة اختيار الإنسان بين الأنا الذاتية الجسمية، والانا العليا الروحية، التي تتفهم الحياة، بواقعها المادي، وحقائقها الغير ملموسة. ووصف الذكاء الروحي بقدرة التعرف على النفس من خلال الأنا العليا، وبتفهم الحياة بقانون مسبباتها وتأثيرها. والإنسان مسئول عن حياته، وتفكيره، وعقائده، ولا يستطيع أن يلوم الآخرين لطريقة معيشته، وغير مرتبط بالضرورة بنتائج أعماله. ويعتقد بوزان بالحاجة لفهم النظرة الشاملة للذكاء، بدءا من الذكاء الجسمي وهو وعينا بمهارة استخدامنا لأجسامنا، والذكاء الذهني المرتبط بدقة إمكاننا حل معضلات المنطق الكلامية والرياضية، والذكاء العاطفي وهو حكمة السيطرة على عواطفنا، والذكاء الاجتماعي المتعلق بلطف تعاملنا مع الآخرين. وفي قمة كل ذلك الذكاء الروحي، حكمة الأنا العليا، الموجهة بالرحمة، والتوازن، بطمأنينة الأمان الداخلي والخارجي. ويعتقد البروفيسور بحاجة الإنسان لدرجة معينة من الذكاء الجسمي والذهني والعاطفي والاجتماعي، ليستطيع أن يطور ذكائه الروحي، ليتفهم من خلاله بواطن النفس، ويسيطر على نزواتها، ويستوعب إحساس الآخرين، ويتعاطف مع مشاكلهم. ويصف بوزان الذكاء الروحي بقوله: "إذا كان الذكاء الذهني يتعلق بالتفكير، والذكاء العاطفي بالعواطف، فأن الذكاء الروحي يتعلق بالسؤال عمن نكون، وبدور بصيرة الروح والرحمة في حياتنا وعملنا كأشخاص." ويشمل الذكاء الروحي الحكمة (تفهم الإنسان محدودية المعرفة)، والصفات المرافقة كالشجاعة والنزاهة وسرعة البصيرة والرحمة وحب الآخرين. وكلما كنا رحيمين بأنفسنا نصبح أكثر رحمة بالآخرين، وتتبين هذه الرحمة من خلال حبنا لعملنا، واهتمامنا بأبداننا وصحتنا، وبتغذية أرواحنا بعلاقات حميمة. وتتناغم صحة الجسم مع سلامة الروح، ونحتاج لصحة الجسم المعلومة والمهارة لنحفظ على صحتنا بالتغذية السليمة والرياضة المنتظمة، بينما نحتاج لصحة الروح تغذية أرواحنا بالحب والرحمة والتسامح. كما يخلق الذكاء الروحي توازن بين الواقعية والمثالية، بمراعاة قيمنا وأخلاقياتنا المجتمعية والدينية. ولنا لقاء.
سفير مملكة البحرين في اليابان

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف