في العراق الغاية تبرر الوسيلة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حتى هذه اللحظة لم يصل العلم الى اكتشاف جهاز لمعرفة مايضمر الانسان بداخله من نوايا واهداف قد تتعارض مع مايضهره او مايدعيه. وحتى جهاز اكتشاف الكذب (البولي كراف) فان الانسان تعلم كيفية خداعه بعدما عرف آليته. وعندما ادركت الشعوب المتقدمة من خلال التجربة استحالة معرفة حقيقة قادتها على كل المستويات (السياسية والاجتماعية والدينية والمالية) ومدى تطابق مايضمرون وما يضهرون، وضعت،وبشكل تدريجي،القوانين الصارمة والخطوط التي تسير(بتشديد الياء) من هم في سدة الحكم ووزعت السلطات على افراد ومؤسسات جعلت اتفاقها على الفساد او خداع شعوبها غاية في الصعوبة.
نحن في العراق،باعتبارنا جزء من امة لاتقرا وان قرات لاتفهم، وتفعل قبل ان تفكر وان فكرت لاتفعل، تنظر ولاتطبق، ليس فقط لم نستفد من تاريخ الامم الاخرى بل اننا لم نستفد من تاريخنا القريب. ففي المجال السياسي فنحن لانعتمد معايير دراسات تحليلية تعتمد المنطق والعقل بدلا عن العاطفة ولم نضع القوانين ونؤسس المؤسسات المدنية التي تمنع وصول الانتهازيين الى السلطة او على الاقل التي تكبح جماح غزائزهم عندما يتسنمون مناصبا قيادية.
مثلما تميز الخطاب السياسي العراقي بالكذب قبل عام 2003 فانه تميز بالنفاق الكبير بعد هذا التاريخ، والنفاق كان اكبر في اوساط رجال الدين المتصيدين في ماء السياسة المعكر بدمائنا. في حلقات نقاشنا مع الاصدقاء قلنا مرارا ان الفرد العراقي لايؤمن بالديمقراطية كنظام سياسي حتى وان ادعى العكس لانه يمارس الديكتاتورية الوراثية اجتماعيا والاوليكاركية دينيا، فقلما يستشير رب العائلة عائلته في تدبير امورها وغالبا مايفرض الاب أوامره فرضا، ولم ينجح رجل دين من خارج المؤسسة "الكهنوتيه" (التي عادة ماتسيطرعليها بيوتات معدودة كانت وضعت قوانين صارمة لمنع الغرباء من اختراقها) لان الالقاب الدينية هي املاك عائلية يرثها ابناء العلماء مثلما يرثون اموال الخمس والصدقات.
النزاهة والاخلاق والامانة ونكران الذات وكبح جماح الغرائز الدنيوية ومقاومة مغريات العالم المادي من اجل رضى الله ورسوله هو مايدعيه رجل الدين لنيل ثقة العامة ثم الوصول الى غاياته، لكن كيف لنا ان نعرف نواياه وحقيقة مايكنه ومايظهره في ضوء عدم توفر اليه لمعرفة ذلك كما اسلفنا؟
السبيل الوحيد من وجهة نظري هو دراسة وتحليل شخصية وسلوك رجل الدين وفق منطق موضوعي يستند الى العقل ويتجنب العاطفة.
فمثلا الرجل الذي لاتقوى ارادته على مقاومة اغراء التدخين لايمكنه مقاومة امور دنيوية،اكثر اغراءا من عادة التدخين المحرمة ابتداءا، كالجاه والثروة والجنس والسلطة لذا لايجب ان تنطلي اكاذيبه على من لديه لب حي. ورجل الدين الذي يقضي اغلب اوقاته متقلبا بين كليات تربية البنات يوزع هواتف خلوية مجانا لاتحوي سوى رقم هاتفه وينظم حفلات لتزويج الشباب والاحتفال بالفتيات الجميلات اللواتي يبلغن خمسة عشر ربيعا (للعلم فان هذا هو عرف يهودي) فهذا رجل دين شهواني امتطى الدين لغايات جنسية. وتاليا علي ان اخرج بخلاصة ان من تخذله ارادته في مقاومة شهوته الجنسية لابد انها تخذله في معركته ضد السلطة والجاه والمال خصوصا وان هذه الامور اضافة الى كونها مغرية لذاتها فهي اهم الوسائل التي تؤدي الى اشباع الرغبات الجنسية كذلك، وعليه لايفترض ان يكسب هذا النوع من رجال الدين ثقتي ومن ثم لايجب ان ينال صوتي في اي انتخابات.
امتدت يد رجل الدين السياسي في العراق لتعبث بكل زاوية من زوايا الحياة وكل نشاط اجتماعي واقتصادي وسياسي وروحي للفرد العراقي، وآخرها نشاطات الشبكة العنكبوتيه رغم حداثتها في العراق والمواقع الاجتماعية كانت الهدف الرئيسي وموقع الفيس بوك على وجه الخصوص، بعد ان تأكد دوره الكبير في تعبئة الجماهير في الثورة العربية التي اشعلتها تونس والتي لازالت تدور رحاها في اليمن وليبيا وسوريا.
فتحت "ح. الكرادية" وهي من مواليد عام 1990 صفحة على الفيسبوك ودعت اليها المئات من الشباب والكهول الذين انا واحد منهم. ترى اول ماترى صورة لشابة توحي بتكلف الحياء والغنج وهي تقف لاوية الجيد قليلا مستندة الى جذع نخلة تمسك يدها اليسرى بحجابها الملاصق لخدها الأيسر ذات وجه خفيف الحمرة يدل على دراية في فن التبرج.
تزاوج في ملابسها بين الثقافة الغربية والثقافة الاسلامية تزاوجا نشاز يعكس التزاوج الايديويلوجي المشوه بين ماهو غربي وماهو اسلامي والذي يعانيه الشارع العربي هذه الايام والشارع العراقي على وجه الخصوص، فهي ترتدي حجابا رصاصي يغطي شعرها يوحي بالاحتشام وتكشف عن وجها متبرجا يوحي بالعكس وقميصا اسود ضيق وبنطال جينز ازرق اريد لهما ان يعكسا مفاتن جسدها.
لذا صارت تشبه او اريد لها ان تشبه لوحة فنية يمكن للناظر ان يفسرها كما يشاء او الصورة التي سيرى كل الشباب العراقيين على اختلاف افكارهم يروا فيها ضالتهم لانها تمثل التدين المعتدل للمتدينين وتمثل الليبرالية الملتزمة بالنسبة لليبراليين، وهي اسلامية من خلال الحجاب وغربية من خلال الجينز فهي تحاول ارضاء كل الاذواق.
تجسد "ح" النفاق الاجتماعي العراقي الذي يوازي النفاق السياسي الذي تشهده العملية السياسية منذ ان انطلق قطارها في نيسان من عام 2003 فعضو الحزب الاسلامي هذه الايام ينقلب الى حزب علماني او قومي ثم يعود الى الاسلامي وحسب ماتتطلبه المرحلة والبورصة السياسية، ومرتدي العمامه والجبه يخلعهما ويرتدي بدلة رسميه على الطراز الغربي ورباط عنق والعكس بالعكس اذا اقتضت المصلحة لم لا والغاية تبرر الوسيلة.
بغداد/العراق
Marwan1997@yahoo.com
التعليقات
رائع
ابو ذر -مقال رائع وتسلم ايدك نحن اناس بلا اي شيء انساني فلا نعرف ماذا نريد وماذا نفعل لاننا ببساطة مجردين من كل متحسسات الجسم البشري والله لو اي بشر في العالم يعيش اوضاعنا لمات غيظا وكمدا من زمان والا ماتفسيرك لشلة من الشتات العراقي التائهين في دروب الاوطان يتحكمون بنا ويسرقوننا ونحن نتفرج عليهم وكأن شيئا لم يكن وللكلام بقية
أكثر من رائع
مصراوي -الحقيقة أن المقال أكثر من رائع وهذا خطوة جادة لفهم آليات وخصوصيات المجتمع العراقي والعربي بشكل صحيح. والفهم هو أول خطوة على طريق التغيير.نتمنى المزيد
أكثر من رائع
مصراوي -الحقيقة أن المقال أكثر من رائع وهذا خطوة جادة لفهم آليات وخصوصيات المجتمع العراقي والعربي بشكل صحيح. والفهم هو أول خطوة على طريق التغيير.نتمنى المزيد
المقال جميل
حيدر -المقال جميل في تحليل الشخصية العراقية وهو واقع مرير لا ينكره احد ولكني اجد التلميح كان مركزا على شخصية رجل الدين العراقي ولم يفرق بين رجل الدين الحقيقي واولئك الذين يمتهنون حرفة الدين
المقال جميل
حيدر -المقال جميل في تحليل الشخصية العراقية وهو واقع مرير لا ينكره احد ولكني اجد التلميح كان مركزا على شخصية رجل الدين العراقي ولم يفرق بين رجل الدين الحقيقي واولئك الذين يمتهنون حرفة الدين
رجل الدين بشكل عام
kنعيم مرواني -رغم ان المقال اخ حيدر ركز على رجل الدين السياسي لكن لاضير من استعمال المقياس العقلي الذي ذكرت في المقال للحكم على نزاهة اي انسان مهما كانت مهنته او درجة ايمانه فان خاب فالسلامة وان اصاب فالحزم. اخي حيدر اذا كان رجل الدين يخاف الله حقا ما كنا لنعرف به مطلقا لانه كان سيعتزل الدنيا ويحتقرها ثم انه سيحافظ على سرية نسكه وعبادته لله حرصا منه ان لاتدخل في باب الرياء فيختفي من الذكرة. اما رجال الذين الذين نعرف فاغلبهم مراؤون
رجل الدين بشكل عام
kنعيم مرواني -رغم ان المقال اخ حيدر ركز على رجل الدين السياسي لكن لاضير من استعمال المقياس العقلي الذي ذكرت في المقال للحكم على نزاهة اي انسان مهما كانت مهنته او درجة ايمانه فان خاب فالسلامة وان اصاب فالحزم. اخي حيدر اذا كان رجل الدين يخاف الله حقا ما كنا لنعرف به مطلقا لانه كان سيعتزل الدنيا ويحتقرها ثم انه سيحافظ على سرية نسكه وعبادته لله حرصا منه ان لاتدخل في باب الرياء فيختفي من الذكرة. اما رجال الذين الذين نعرف فاغلبهم مراؤون