كتَّاب إيلاف

دمشق: المشكلة ليست في الرئيس؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تكثف بعض وسائل الاعلام الغربية والعربية المشكلة في كثير من دول الشرق الاوسط بشخص رؤسائها، إلى الحد الذي توحي ببراءة منظومة الحكم وثقافته السائدة هناك، والتي تتحكم في مفاصل المجتمع والاقتصاد، وبذلك تجري عملية تقزيم لمأساة تمتد لعشرات السنين، منذ تأسيس كثير من هذه الانظمة على أسس بدوية عشائرية لا تمت بأي صلة للعالم الجديد وحضارته في الفكر والسياسة والاقتصاد، حتى لكأنك تشعر وأنت تقرأ التاريخ الغابر، ما زلتَ تعيش في القرون الوسطى، بل وان كثير من الأجواء المعاصرة حول بعض الرؤساء الطغاة ترحل بك الى فضاءات وأجواء خلفاء بني أمية والعباس وحتى ورثتهم من بني عثمان؟

لم يحصل في التاريخ السياسي للنظم الجمهورية والتي تعلن عن نفسها وتسوق توصيفاتها بأنها تقدمية مناوئة للأنظمة الملكية، وأحيانا كثيرة توصف توجهها بالمضاد او المعادي للرجعية وهي تعني النظم الملكية الوراثية، ما حصل هنا في جمهوريات الشرق الأوسط الملكية ومن قلدها في كوريا الشمالية وكوبا، حيث التوريث الصفة الأكثر امتيازا للأنظمة الملكية، أصبحت هي الأخرى من اخطر تطبيقات هذه الجمهوريات الرثة، والتي تمثلت في عملية تعديل الدستور في سوريا ليكون على مقاس الوريث الجمهوري، وكادوا أن يفعلوها في ارض الكنانة لولا ( الجدعان ) الذين ما زالوا منهمكين بتنظيف البلاد من آثارها وفلسفة ديمومتها، حينما أدركوا إن المشكلة اكبر من شخص الرئيس مبارك وعائلته!

في دمشق كما في بغداد قبلها، وما يحصل الآن من صراع دموي عنيف في اليمن وليبيا، ليس كما تسوق له بعض وسائل الإعلام من انه صراع بين بشار الأسد والشعب السوري او قبله بين صدام حسين والعراقيين، وكذا الحال في ليبيا واليمن وغيرهما، انه صراع بين الشعوب ومنظومة الدكتاتوريات المؤدلجة ونظمها الفكرية والثقافية والاجتماعية، التي كثفت كل مساوئ التاريخ وعفونته، صراع بين أنظمة استقطبت حولها كل مظاهر التسلط الاجتماعي والقبلي والديني المتطرف والفردية والنرجسية وإلغاء الآخر وتكميم الأفواه وإشاعة العبودية، وسخرت لأجل ذلك كل ما على الأرض وباطنها في تلك البلاد من بشر ومال وثروات وقوة وسلاح، حتى غدت إمبراطوريات بوليسية تحكمها مجاميع من الغرائزيين والوصوليين والساديين والفاشلين وأعداد أخرى من أصحاب أنصاف المهن والثقافات والمعرفة والرتب من نواب الضباط والعرفاء والمفوضين الذين أصبحوا يحملون رتب فلكية من قبل فريق ومشير ومهيب وفيلد ماريشال!؟

لقد شهدنا نهاية صدام حسين وسقوط هيكل دولته كأشخاص لكننا أيضا شهدنا ونشهد الآن استمرار ذلك النهج المتخلف في السلوك والممارسة لدى الكثير من القيادات الحالية على المستوى الحكومي او البرلماني او الفعاليات السياسية، وحتى في المجتمع والتي تتكثف في حلقات الانتهازيين والوصوليين واللصوص والطبقات الرثة التي تم إعدادها وتربيتها من قبل النظام طيلة أربعين عاما، لكي تبدأ هي الأخرى مرحلة جديدة مع الاحتلال وأخطاء الحاكمين الجدد، وكذا الحال في مصر بعد شخص مبارك وفي تونس بعد زين العابدين، انها نسيج من الثقافة الأحادية والسلوك المنحرف والطبيعة العدوانية لمجاميع من الموظفين والعسكريين وقوات الامن الداخلي التي تمثل بقايا تلك الأنظمة المتساقطة.

إن المشكلة في سوريا ليست بشخص رئيسها فقط وإنما بالمنظومات التي أنتجها النظام السياسي وحزبه سواء كانت على شكل سلوك او ثقافة او تقاليد، او منظمات استقطب فيها النظام مجاميع كبيرة من اللصوص والقتلة والانتهازيين ونكرات المجتمع وسقط المتاع طيلة حقبة حكمه، وهذه الأنماط البشرية المنحرفة تفعل كل الأفعال الشنيعة دون وازع من ضمير او عرف او قانون، لأن النظام نجح في انتزاع إنسانيتها وأخلاقيات مجتمعها، وحولها الى حيوانات كاسرة كما شهدناها بين عامي 2004 و 2008م هنا في العراق، وما كانت تفعله من عمليات قتل جماعي وسادية مفرطة في الذبح والتعذيب والحرق، امتدادا لما فعلته هي ذاتها في حلبجة والاهوار والأنفال، وفي سوريا شهدنا خلال الأشهر الماضية مجاميع مما عرف بالـ ( الشبيحة ) تقوم بقتل أفراد الشرطة والعسكر والهجوم على المقرات الحكومية وقتل من فيها وإحراقها، على ان ذلك من أعمال المتظاهرين مما يعطي شرعية ويتيح لقوات حكومية بتنفيذ مذابح في قرى ومدن أخرى كما حصل في درعا وحماه وحمص وريف دمشق، وهو بالتالي ايضا يأتي امتدادا لذات السلوكية الإجرامية التي فعلها النظام في حماة قبل أكثر من عقدين من الزمان.

عاجلا أم آجلا ستسقط هذه الأنظمة الدكتاتورية، وكما قلنا ذات مرة إن سقوط نظام صدام حسين لم يك على أيدي الأمريكان وقواتهم، بل ان نظامه سقط يوم قرر اهانة شعبه وقتله، سواء في كوردستان او في الاهوار او في الرمادي أو حتى مع جناح من أجنحة حزبهم، وكذا الحال في نظام سوريا، فهو سقط يوم قرر ان يورث الحكم ويهين شعبه ويقتل المئات من خيرة أبنائه لأنهم أرادوا ان يعبروا عن آرائهم بحرية وسلام!؟

kmkinfo@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
القائد الضرورة؟
Fatn -

رغم ما قلته سيدي الكاتب يبقى رأس النظام او القائد الضرورة كما يقولون اتباعه هو محور النظام ولك ان تتصور نظام البعث بدون صدام حسين او حافظ الاسد كيف كان سيكون؟اعتقد ان المشكلة تكمن في تركيز الاحزاب والحركات عموما في منطقة الشرق بشخصيات ما يكون هو القائد او الزعيم او المرجع الاعلى، تلك ثقافة البداوة والمجتمعات القبلية.شكرا لكم سيدي بحق انكم تختارون مواضيع باعماق جميلة ولكنها خطرة ايضا؟

القائد الضرورة؟
Fatn -

رغم ما قلته سيدي الكاتب يبقى رأس النظام او القائد الضرورة كما يقولون اتباعه هو محور النظام ولك ان تتصور نظام البعث بدون صدام حسين او حافظ الاسد كيف كان سيكون؟اعتقد ان المشكلة تكمن في تركيز الاحزاب والحركات عموما في منطقة الشرق بشخصيات ما يكون هو القائد او الزعيم او المرجع الاعلى، تلك ثقافة البداوة والمجتمعات القبلية.شكرا لكم سيدي بحق انكم تختارون مواضيع باعماق جميلة ولكنها خطرة ايضا؟

نعم لكن الرئيس
ابو سالار -

نعم لكن الرئيس هو راس الافعى ويقال ان السم يجتمع دائمافيه

نعم لكن الرئيس
ابو سالار -

نعم لكن الرئيس هو راس الافعى ويقال ان السم يجتمع دائمافيه

عجيب
Ahmad -

في مقالة سابقة كتب نفس الكاتب بان سبب الفساد ليس الحكام بل الشعوب. اليس ذلك عجيبا؟

عجيب
Ahmad -

في مقالة سابقة كتب نفس الكاتب بان سبب الفساد ليس الحكام بل الشعوب. اليس ذلك عجيبا؟

التوريث
Nijyar nerway -

مقال رائع و فيها كثير من العبرة لمن يعتبر ولكن مع الاسف اصبح توريث الحكم منهجا يطبقها حكام معظم الدول بما فيها حكام اقاليم الذي ما زال مصير شعبهم مجهولة يطمح لهذا منهج اتمنى ان يهتم ببناء مؤسسات وليس تهيئ ابناهم لتوريث كانهم يقومون بفعل تخدم شعبهم اتمنى ان تمسحوا منهج توريث عندهم لان لا يخدم النظام ملكي الي حكموا مئات سنين في نهاية سقطوا بارادة شعب

التوريث
Nijyar nerway -

مقال رائع و فيها كثير من العبرة لمن يعتبر ولكن مع الاسف اصبح توريث الحكم منهجا يطبقها حكام معظم الدول بما فيها حكام اقاليم الذي ما زال مصير شعبهم مجهولة يطمح لهذا منهج اتمنى ان يهتم ببناء مؤسسات وليس تهيئ ابناهم لتوريث كانهم يقومون بفعل تخدم شعبهم اتمنى ان تمسحوا منهج توريث عندهم لان لا يخدم النظام ملكي الي حكموا مئات سنين في نهاية سقطوا بارادة شعب

جمهوريات ملكية؟
د. احمد العبيدي -

منذ مطلع خمسينات القرن الماضي ووسائل الاعلام العربية التي تمثل رؤسائها وانظمة حكمها تشيع بين الناس ان الرجعية هي صورة الحكم الملكي لانهم غير تقدميون ويورثون الحكم بينهم، ونتفاجأ با هذه الجمهوريات التقدمية اليسارية تعدل دساتيرها لغرض توريث الحكم لابناء الرؤساء وكانت التجربة الاولى في عائلة الاسد حيث تم توريث الحكم لابن حافظ السيد بشار وحاول مبارك توريث وله جمال وكذا كان يفعل صدام والقذافي وبقية اصحاب الجمهوريات التي باتت تنافس اكثر الملكيات رجعية؟شكرا لكم استاذنا المبدع كفاح كريم

جمهوريات ملكية؟
د. احمد العبيدي -

منذ مطلع خمسينات القرن الماضي ووسائل الاعلام العربية التي تمثل رؤسائها وانظمة حكمها تشيع بين الناس ان الرجعية هي صورة الحكم الملكي لانهم غير تقدميون ويورثون الحكم بينهم، ونتفاجأ با هذه الجمهوريات التقدمية اليسارية تعدل دساتيرها لغرض توريث الحكم لابناء الرؤساء وكانت التجربة الاولى في عائلة الاسد حيث تم توريث الحكم لابن حافظ السيد بشار وحاول مبارك توريث وله جمال وكذا كان يفعل صدام والقذافي وبقية اصحاب الجمهوريات التي باتت تنافس اكثر الملكيات رجعية؟شكرا لكم استاذنا المبدع كفاح كريم

شكرا
sherin abdulah -

مقال رائع

شكرا
sherin abdulah -

مقال رائع

المشكلة في بشار
كامل -

في سوريا المشكلة كل المشكلة هي في الرئيس في عقليته الاجرامية وفي تسلطه على رقاب الشعب وفي سلوكه الوحشي الذي لا يعرف شيء من الاخلاق

المشكلة في بشار
كامل -

في سوريا المشكلة كل المشكلة هي في الرئيس في عقليته الاجرامية وفي تسلطه على رقاب الشعب وفي سلوكه الوحشي الذي لا يعرف شيء من الاخلاق

مكان افضل
Adam* -

المشكلة هي في الرئيس و في عائلته و التي تزرع القتل و الدمار دون رحمة و استباحة حرمات المساجد بقصف مركز... حتى اوباما قال بأن سوريا ستكون مكان افضل بدون الاسد.

مكان افضل
Adam* -

المشكلة هي في الرئيس و في عائلته و التي تزرع القتل و الدمار دون رحمة و استباحة حرمات المساجد بقصف مركز... حتى اوباما قال بأن سوريا ستكون مكان افضل بدون الاسد.

المشكلة أين؟؟؟؟؟؟
an-jadd -

عندما مات حافظ الاسد لم يتحرك حجر في سوريا لأن هرم النظام ظل ممسكا بكل شيء حتى أن مادلين اولبرايت(وزيرة خارجية أميركا) أتت سوريا لمباركة تولية بشار .ولكن عندما ينادي ابناء النظام وشبيحته .الله .سوريا. بشار .وبس فانهم يحصرون النظام الهرمي بقمته كممثل اساسي وسقوط هذه القمة في ظروف الثورة الحالية سيؤدي الى تفكك النظام وانهياره بأسرع مما يمكن أن يتخيله البعض.....عن جد

المشكلة أين؟؟؟؟؟؟
an-jadd -

عندما مات حافظ الاسد لم يتحرك حجر في سوريا لأن هرم النظام ظل ممسكا بكل شيء حتى أن مادلين اولبرايت(وزيرة خارجية أميركا) أتت سوريا لمباركة تولية بشار .ولكن عندما ينادي ابناء النظام وشبيحته .الله .سوريا. بشار .وبس فانهم يحصرون النظام الهرمي بقمته كممثل اساسي وسقوط هذه القمة في ظروف الثورة الحالية سيؤدي الى تفكك النظام وانهياره بأسرع مما يمكن أن يتخيله البعض.....عن جد