أصداء

إرتفاع درجة الحرارة!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يوم الإثنين الموافق الأول من شهر أغسطس \ آب الذي يعبر عنه العراقيون "آب الذي يلهب المسمار في الباب" لشدة إرتفاع درجة الحرارة في هذا الشهر، أعلنت الحكومة العراقية تعطيل العمل في المؤسسات وإعتبرته عطلة إستثنائية ليس بسبب ذكرى ثورة تموز ولا بذكرى إستشهاد الإمام الحسين ولا بمناسبة عيد ميلاد عمر بن الخطاب، وليس بسبب الحداد على أرواح شهداء الحرب العراقية الإيرانية وليس بسبب ذكرى غياب المهدي ولا بسبب الطوفان الذي حل على أتونابشتم، لم يكن عطلة رسمية ثابتة لمناسبة أو بدون مناسبة، إنما كان هبة من الحكومة القائمة والقاعدة على أرض العراق بسبب تجاوز درجة الحرارة الخمسين درجة مئوية ويقال وصلت إلى خمسة وخمسين درجة مئوية؟!
دعونا نتساءل أولاً، عن أسباب إرتفاع درجة الحرارة كما يفسرها علماء الطبيعة وأصحاب الخبرة في العراق!؟

شحة المياه المتدفقة من تركيا عبر سوريا لتغذي نهري دجلة والفرات وعملاقهما الجميل شاطئ العرب وفروع تلك الأنهر وروافدها بين غابات بساتين النخيل سابقاً وجفاف الأراضي الزراعية وتصحرها!

إقتلاع وحرق وموت أحزمة النخيل والأشجار بسبب الحروب الخرافية التي حلت بالعراق منذ عهد الدكتاتورية البغيض مروراً بالإحتلال وإنتهاء بـ .. لا أحد يدري!
زيادة إنتاج النفط في بلدان الخليج لخدمة الولايات المتحدة الأمريكية تعويضاً عن النقص في كمية البترول المتدفقة نحو أوربا وأمريكا من ليبيا وعدم قدرة العراق على الزيادة في إنتاج النفط بسبب حاجة إستخراج النفط إلى كمية من المياه لم يعد بوسع العراق توفيرها لتحقيق هذه الزيادة في الإنتاج!

يضاف إلى ذلك طبيعة التربة التي سحقت مجنزرات الدكتاتورية ومجنزرات قوى الإحتلال المتصلب منها في هيئة حصى وحولته إلى فتات زاد في كمية الإختناق مع هبوب الغبار الأصفر والأحمر الذي يدهم العراق بإستمرار، ليس فقط المناطق الحدودية على تخوم الصحارى مثل النجف والبصرة والرمادي وغيرها من المدن بل شمل ذلك العاصمة بغداد.

لقد صادف شهر رمضان بسبب الدورات التقويمية هذا العام أن يبدأ في أول شهر أغسطس وينتهي في نهايته. ولقد فرح رجال الدين وكبروا وهلل الناس لتلاقي التقويمين، إن تلك رحمة من الباري عز وعلا شأنه أن يوحد التقويمين المسيحي والإسلامي ليصادف أول رمضان الهجري مع أول أغسطس المسيحي وينتهي بنهايته. متجاوزين الحقيقة المؤلمة أن يصوم الناس عن الطعام والأهم أن يصوموا عن شرب الماء ودرجة الحرارة قد تجاوزت الخمسين "في الجنوب 55 درجة مئوية". وعليهم أن يقدموا طقوس الولاء ويحصلوا على ثواب مضاعف في يوم القيامة والحساب!

علماً بأن البلدان المتحضرة تدق ناقوس الخطر عندما تتجاوز درجة الحرارة الأربعين بالمائة.
لقد صار الناس في العراق أيام إرتفاع درجات الحرارة ينامون نهاراً ويعملون ليلاً! وهذا يحصل لأول مرة في الدنيا.
إن أهم الأسباب التي تؤدي إلى إرتفاع درجات الحرارة هو السبب السياسي الذي يعجز عن مواجهة متغيرات الطبيعة بسبب غياب حكومة، أية حكومة وحتى في حدها الأدنى لشكل الحكومة .. وهذا الحد الأدنى غير متوفر في العراق!

يأتي إرتفاع درجات الحرارة وزيادة عذابات الناس في خضم إرتفاع درجة حرارة الواقع السياسي المتمثل بما يطلق عليه الكتل السياسية، الدينية شيعة وسنة والقومية عرباً وأكراداً وتركماناً والليبرالية الضعيفة، شيوعيين وقوميين ومستقلين تحت مسميات لا أعرف عددها على وجه التحديد ولكنها كثيرة. تقف اليوم وبعد أكثر من عام من الإنتظار لتجتمع من جديد وتناقش إتفاق أربيل وإتفاق السليمانية وإتفاق كركوك وبيان مؤتمر العشائر في الرمادي ولقاء أبناء الدين الواحد وأبناء العشائر في مؤتمر النجف الأشرف.

حقيقة هذه الإجتماعات أن أصحاب ورؤساء الكتل السياسية التي جاءت تحمل قرآن الحكم "الدستور العراقي" المعد مسبقاً بكل مخططاته الخطيرة والمدمرة للعراق وإنتخاب البرلمان وفقاً للدستور، صارت الكتل السياسية تستند إلى فقرات هذا الدستور ومواده في المطالبة بالحق والحصص والمطالبة بالمدن والميزانية والمطالبة في حق اقامة الأقاليم وسوى ذلك، فيما الناس لا ناقة لهم ولا جمل في كل ذلك فهم لم يكتبوا الدستور ولم يناقشوه ولم يوافقوا عليه، بل جاءهم دستور جاهز وبقيت الأطراف السياسية تتذرع بمواده وفقراته كلما أرادت أن تقتنص فرصة أو أن تنهب مالاً! أما الناس فكلهم منهمكون بتوفير النسيم من المبردات وتوفير الوقود لتلك المبردات والأغلبية الفقيرة المتناثرة تحت سقوف سعف النخيل الجاف لا يعرفون معنى النسيم! فاناس يضج واقعها وتدوي الأصوات في سمائها من كثرة المولدات الكهربائية خرافية العدد وهم يحملون الوقود في سياراتهم من تتوفر له سيارة وعلى الحمير ممن لم تتوفر له سيارة وعند الضرورة على أكتاف العراقيين المتعبة!

"لقد إستأثروا بالفيء وأحالوا حلال الله حراما - الإمام الحسين عليه السلام"

إن حقيقة النضال المستميت من أجل السلطة ومتكئاتها هو أن لا يتحول الساسة العراقيون إلى مواطنين، لأن في ذلك تكمن إمكانية فتح الملفات وتحديد الحساب والعقاب سيما وإن كل أولئك السياسيين متهمون بالفساد وسرقة أموال الناس وأموال الأجيال القادمة تاركين اليتامى بدون طفولة وهم في طفولتهم كبروا وهم أطفال ليعيلوا العائلات ويدفعون بالعربات المحملة بالأثقال وتحولهم وهم في عمر الطفولة إلى عمر الشيخوخة محملين بأشكال الأمراض، كما تركوا صبايا العراق تنخر بأرحامهن السرطانات فيلدن جيلا مشوهاً مطلوباً من قبل قوى غير منظورة لكنها معروفة تاريخياً وحاضراً! مطلوب عراقاً مريضاً خالياً من الفرح والمحبة والإستقرار. وطناً يستورد ولا ينتج، يستهلك ولا يعطي .. وطناً مسلوب الحرية ومسلوب الإبداع، تهاجر منه العقول وتبتعد الثقافة عن أهلها لتصبح ثقافة هجينة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء لو لم تمسسة نار!

لا يريد ساسة العراق أن يتركوا السلطة ولا نواب العراق يريدون أن يغادروا قبة البرلمان فهي بالنسبة إليهم أدسم من قبة مرقد الحسين فالجلوس تحت قبة الحسين أسلم ولكن الجلوس تحت قبة البرلمان أدسم متمثلين بالقول "الصلاة مع علي أسلم والعشاء مع معاوية أدسم" نعم لا يريدون أن يتركوا السلطة بعد أن شاهدوا الطاغية الدكتاتور تتبعثر كل مسروقاته في أنحاء الدنيا وتتحول إلى فضائيات وطائرات خاصة لأصحابها وتتبعثر عائلته شذر مذر ويموت مشنوقاً غير مأسوف عليه، وبعد أن شاهدوا الرئيس المصري حسني مبارك ينقل إلى قفص إتهام صدئ. يمد الرئيس سبابته في منخاره ليزيل عنها الأوساخ أمام كاميرات التلفزة وأولاده بملابس الإتهام وهم يحاكمون بتهمة موت الناس وسرقة الحليب من أفواه أطفال مصر على حساب الإثراء غير المشروع. فيما كانت الصبايا يمسدن جسد الرئيس المصري وينظفن ما تفرزة الشيخوخة في وجهه وأجزاء جسمه الأخرى! لا كاميرا تصوره ولاقفص يحويه ولا هم يحزنون!

كل ذلك حصل لهؤلاء الطغاة بعد أن غادروا السلطة مرغمين وتحولوا إلى مواطنين وهم مرغمون.
فلماذا يترك قادة العراق السلطة!؟ هل يرضون أن ينقلوا على أسرة المستشفيات إلى صالات الحساب والعقاب الصدئة؟ أو هل يرضون أن يصعدوا منصات الإعدام؟ أليس الأفضل لهم أن يبقوا في المنطقة الخضراء ويبحثوا في الحلول السياسية التي تؤمن لهم البقاء في السلطة حتى لا يتحولوا إلى مواطنين!؟

في تلك المنطقة الخضراء جلس أحد ساسة العراق يتهيئ لحديث تلفزيوني مع قناة فضائية ليتحدث عن أزمة الكهرباء وإرتفاع درجة الحرارة وأسباب إعلان يوم الإثنين عطلة رسمية بسبب القيظ اللاهب. كان السياسي يعاتب الإعلامي قبل أن تدور الكاميرا ويبدأ تصوير المقابلة التلفزيونية. كان هذا المسئول يعتب على تلك الفضائية أنها ليبرالية أكثر من اللازم وتعمل على تهديم النظام الإسلامي وهي قناة معادية للإسلام "حسب قوله". فأجابه مسئول القناة أنتم لديكم ثلاثين قناة إسلامية تكفي أن تعمم الفكر الإسلامي ودعونا نحن قناة واحدة نعمم الفكر الليبرالي.

عندما كان الحوار يدور كما سرب مدير مكتب القناة، كان عمال القصر الذي يسكنه هذا السياسي منشغلون بتغيير المرافق الصحية أو ما يطلق عليه الحمامات أو "المرحاض" باللهجة العراقية.

القصر يعود إلى الطاغية وأعطي إلى هذا السياسي مثل ما أعطيت قصور لساسة يحكمون الآن وساسة حكموا قبلهم بدورات وزارية ولمعارضين للحكومة الحالية يعيشون في بلدان الخليج ولمؤسسات تسمى ثقافية ولأحزاب تسمى ليبرالية ويسارية فيما هذه القصور هي ملك للشعب العراقي ومفترض أِن تتحول إلى متاحف مثلاً ومكتبات عامة ومؤسسات أرشيف ومؤسسات ثقافة وليست ملكاً لأفراد طلبوا من الشعب ثمناً لنضالهم ضد الدكتاتورية فيما كانوا قابعين بين قم ولندن وبين المملكة وكندا!

ما كان يقوم به العمال في قصر الطاغية الذي أصبح ملكا لهذا السياسي الذي يحاوره مدير مكتب القناة هو تغيير المرافق الصحية من الطراز الغربي المتداول إلى ما يسمى "المرحاض الطاهر" وهو عبارة عن حفرة أستعملها القدماء من العصر الحجري القديم لقضاء الحاجة وتطور ليصبح مريحاً على هيئة مقعد مريح لقضاء الحاجة. وهذه الظاهرة ظاهرة المرافق الصحية "الطاهرة" إنتشرت في العراق بعد سقوط الطاغية وصار العراق مشغولاً بها.

وما أثارني وهو موضوع هام أن رئيس الوقف الشيعي في إجتماعات رئيس الوزراء "على غرار الندوات الإنتاجية للطاغية" قدم تقريره في الإنجاز إلى رئيس الوزراء وحاشيته ومن على شاشة الفضائية العراقية أنه بنى خمسة آلاف مرفق صحي "طاهر" قريب من الحضرة الحسينية. وهذا شيء غريب وجديد في الإنجازات فيما الذين يعيشون في البلدان الطبيعية يشاهدون الشركات على مدى أربع وعشرين ساعة يرممون أي كسر في رصيف ويزرعون الأشجار ويشذبون الورود ويضعون صناديق البريد والقمامة على أحدث طراز ولم ينشر عنهم خبرَ واحد لأنه تحصيل حاصل، فيما قدم بناء خمسة آلاف مرفق صحي في تقرير صار موضوع إنجاز في السياحة الدينية مع رئيس الوزراء! فيا لها من إنجازات تخفف عن الزائرين مشاكل الحر القائظ والطعام الفائض!

والإنكى من ذلك هو صرف الأموال لتهديم المرافق الصحية في تلك القصور الكثيرة والمؤسسات القديمة وبناء مرافق "طاهرة" مع التلف الحاصل في تصريف المياه!
فأية مهزلة نعيش!؟ أية مهزلة سياسية تحكم العراق؟ لا أفهم ماذا تعني كلمة رئيس وزراء أو رئيس جمهورية أو وزير أو برلمان .. ماذا تعني هذه المصطلحات في لغة العراق السياسية وألإجتماعية والإقتصادية والثقافية الراهنة؟ هل ما يجري في العراق هو من قبيل المسخرة جلبها لنا الأمريكيون كي يضحكوا علينا ونصبح مزحة يتندر بها المتشفون من دول الجوار؟! أما علمكم أباؤكم معنى الكرامة؟ ألم يحدثونكم عن حكايات وحكم وأقوال وملاحم شعرية دارت بين الحاكم والمحكوم؟! من أتى بكم وأين كنتم في الأيام الصعبة التي كافح فيها العراقيون نظام الطاغية. لم تكن أسماؤكم متداولة ومعروفة لدينا .. خبرونا ماذا تفعلون الآن في المنطقة الخضراء من اللحظة التي تصحون فيها وتقضون حاجاتكم في الحفرة الطاهرة وحتى مساءاتكم الكريهة .. ماذا تفعلون طوال اليوم وأية مصارف تتحدثون معها في الصادر والوارد وبأية هواتف نقالة تتحدثون ومع من ومن أجل من؟!

الناس تصرخ من الفاقة ومن شدة القيظ وغياب التهوية وصعوبة الحصول على النسيم بسبب غياب الكهرباء الذي تألقت أزمتها في ما حصل مؤخراً والذي كشفه وزير التخطيط الأسبق جواد هاشم والذي من الغريب أنه مكتوب باليد وليس على الحاسوب ما يدلل بأن الوزير الأسبق لم يعد قادراً على التعامل مع الحاسوب بسبب تقدمه في العمر فكتب تلك المطولة عن عقود الكهرباء مع شركات وهمية وتابع تلك الشركات في أوربا وتركيا ولبنان وكشف حقيقتها ما دعا ذلك رئيس الوزراء إلى إقالة وزير الكهرباء "رعد الحارس" وإحالته للنزاهة والمحاكمة بعد أن فاحت رائحة الحفرة الطاهرة! حيث وقع سعادة الوزير مليار دولار مع شركة وهمية للحصول على كهرباء من شركة ليس فيها كهرباء ولا ماء لأنها ليس لها مقر! وطبعاً أن كل قرارات رئيس الوزراء والوزارات هي مجرد إستهلاك. فلا وزير غادر وزارته بعد الإقالة إلا في حال فتح له المطار ليهاجر بأمواله، ولا مفسد حوكم وقضى محكوميته بل أن محاولة واحدة جادة من قبل رئيس لجنة النزاهة لمحاسبة مسئول أودت بحياته ورحل بصمت وكل شيء يجري في المنطقة الخضراء ولا أحد يسأل عن قتلة النزاهة والإرهاب والإرهابيون يجولون ويصولون بل وأن المؤسسات الإعلامية الخارجية تجري معهم اللقاءات الصحفية أمام الملأ وينظرون لإرهابهم ويرعبون الشارع العراقي .. وعقود الكهرباء وغيرها وهماً يتم توقيعها وتحويل أرصدتها ولعيون العراق فتح عيونك!

شكراً لوزير التخطيط الأسبق الذي رفض الوزارة في عهد أحمد حسن البكر سيء الصيت وغادر مهاجراً بعد أن جاء ليخدم وطنه فشاهد الحقيقة وفي إحدى سفراته بقي ولم يعد وصمت حتى إنفجرت في ذاته روح الوطنية وهو يرى شركات وهمية توقع العقود مع وزراء الدولة بهذه المبالغ الخرافية فيما الناس لا تملك وقوداً لمولدات الكهرباء ويموتون تحت وطأة درجة حرارة تجاوزت الخمسين خارج المنطقة الخضراء فقط!

سوف يأتي صيف قادم والعراق والعراقيون لم يدفعوا بسفينة النجاة بوصة واحدة نحو الشاطئ. سوف يأتي صيف قادم ودرجات الحرارة ستصل الستين إذا لم يزرع العراقيون نخيلهم من جديد ويطوقون خصر المدن بالحزام الأخضر، وإذا لم يبادر العراقيون إلى لملمة أنفسهم وفرز قيادة جديدة غير متآكلة ولا مريضة النفس ولا نهمة في الأكل والسرقة. قيادة تضع النقاط على الحروف حتى تصبح مقروءة وواضحة .. ولكن، هذه اللاكن الصعبة المدمرة .. لكن، من يقرع جرس الإنذار، ومن يدق الناقوس ليعلن عن عراق جديد توضع له أسس حمورابية وسومرية ليعيش أحداثاً مما تغنى بها التاريخ في حكايات ألف ليلة وليلة وشهرزاد وحسن البصري والسفن تمخر عباب البحار وتجلب الخير لأهل الخير وتحلم بعالم جميل غير هذا العالم في وطن تمشي فيها المياه في مجاريها وتضاء فيه المصابيح ليلاً في شوارع المدن والبيوت، والناس تحلم بعالم جميل ليس فيه طفولة مشردة وجائعة وعطشانه.

لقد تحولت مياه النهرين الخالدين ومياه شاطئ العرب موحدهما إلى ما يشبه "الكريز" ليس فيها صفاء الماء ولا إنسيابيته ولا ألوانه. ودخلت في الوطن قوى غازية، غزته بالبصاطيل والكراهية والموت وغزته بالقوانين الجائرة غير العادلة لتحكم العراق. فيتنادون إستناداً إلى الدستور المصدر لنا جاهزاً بإقامة الأقاليم بدلا ً من أن ينشأوا عراقاً لا مركزياً كما البلدان المتحضرة ليتجاوز التأخر والبيروقراطية ويستفيد من عالم الزمن ويحسب للوقت حساباً في البناء.

إنني أندهش لشعبي ولأبناء شعبي ولأهلي أن يذهبوا لحضور مجالس وندوات يقيمها لصوص ويقفون وراء الميكروفون كي ينظروا لفعلتهم. يصغون لما يطلق عليهم القادة وأصحاب الرأي والحكمة وهم ينطقون بما يرفضه العقل والمنطق. يجلسون في "شهر آب الذي يلهب المسمار في لباب" وهم صيام، يجلسون في قاعات وسخة مشوهة الجدران بلوحات ليس فيها ذوق ولا جمال. ويمسك المشاهدون بقطع من الكرتون يهفون فيها على وجوههم تجلس خلفهم نساء حكمن باللباس الأسود الذي لا يدع مجالا لمسامات الجسد أن تتنفس فتنزف أجسادهن بالماء والعرق كي يكون الثواب مضاعفاً يوم الحساب ولا أحد يعلن عن يوم الحساب لكل لصوص الوطن الذي عاثوا فيه فساداً ونهباً.

إنني أندهش لشعبي الذي يسكن خارج الوطن أن ينسى صلوات الآباء وعبقرية الأجداد الذين سطروا أجمل الحكايات وعلموا الناس الكتابة قبل الـ "إقرأ" لقد قرأوا قبل أن يأمر الملاك جبريل محمداً صلوات الله عليه بالقراءة. لقد كتبوا وقرأوا على رقم طينية وليس هذا فحسب بل سطروا إلى جانب القراءة نغمات اللفظ ما ساعد ذلك على فهم نطق لغتهم ومعرفة موسيقاها . أولئك الذين رفعوا بالماء بدون آليات تدفع به، رفعوه في الجنائن المعلقة .. كيف يمكن نسيان كل ذلك؟
ترى علام تراهن القوى النذلة لإيذاء العراق؟

القوى الفاسدة والنذلة سواء الخارجية منها أو الداخلية .. الشمالية أو الجنوبية .. الشرقية أو الغربية، هذه القوى المتسلطة وهي غير الناس، تراهن على عراق واهن ضعيف لا يملك أبناؤه قوة النهوض وتراهن على عامل الزمن الذي أحال شباب العراق في خارج حدوده إلى شيوخ كبروا وسينتهي زمنهم وينتهي تألقهم وينجبون أولاداً لا يكتبون ولا يقرأون بلغة أهلهم وأوطانهم. يراهنون على بترول سوف ينضب مسروقاً وكبريت سوف ينتهي مسروقاً وزئبق يستخرج لكي تغذى به الغواصات التي تغزو الأوطان وتدمرها كلما إقتضت الضرورة.

فماذا علينا أن نعمل أيها العراقيون .. سوف لن يتركوا لكم حتى فسحة تتيح لكم التأمل والتفكير. ستظلون تلهثون وراء رغيف من الخبز وتلهثون وراء مولدة كهرباء صغيرة وتلهثون من أجل تغذيتها بالوقود .. تقفون صفاً من أجل نفطكم الذي يغرق العالم حيث قيل أن آخر برميل نفط سوف يتسخرج من العراق .. أنتم الآن لا تستطيعيون الحصول على ذلك البرميل أن يحرك لكم عظام مولدات الكهرباء التي تدوي في سماء العراق وتخرب أسماعكم أن لا تستمعوا إلى موسيقى الحياة بل تعيشون في وطن يضج بأصوات مولدات الكهرباء وهم يضحكون عليكم ويضحكون منكم.

أنا أكتب لكم هذه الكلمات بعد أن سمعت من السلطة قراراً يعلن أن يوم الإثنين الأول من آب هو عطلة إستثنائية. يوم الأول من آب الذي تقولون عنه "يلهب المسمار في الباب" .. سوف ترتفع درجات الحرارة بسبب عدم وجود دولة ذات قيمة سياسية وثقافية وإنسانية ووطنية تستطيع أن تفرض على مصادر المياه أن تلتزم بالإتفاقات الدولية للمياه. عدم وجود دولة ذات شأن وقيمة تستطيع أن تفرض إحترام العالم وتطلب من الغزاة الرحيل وترك الوطن لأهله. عدم وجود دولة ذات كرامة تستطيع أن تقول لدول الجوار. قفوا عند حدكم وإحترموا حدودنا وكرامتنا وألإ فإننا إذا جد الجد فنحن أهله وأهل الوطن، فلا تصدروا لنا إرهابكم ولا تدخلوا في أرضنا المليشيات. عدم وجود دولة تعرف أن المائة مليار دولار هي ميزانية العراق السنوية وليست ميزانية شلة من الساسة والحاقدين ذوي الأصول غير العراقية ولذا فإنهم لا يعرفون طعم هواء العراق ولا طعم مائه وهم يعيشون في وهم منطقة خضراء تاركين العراق متصحراً تهب عليه رياح السموم الصفراء والحمراء مليئة بالأتربة التي تودي بمرضى الربو في متاهات العذاب.

أنتم الآن أيها الحاكمون تجتمعون في صالات تركها لكم الدكتاتور جاهزة للإجتماعات تفرز رائحة الدكتاتورية التي تشمون فيها نهجكم الثاني وتناضلون من أجل البقاء في السلطة وتقاسم الحصص خوفاً من أن تتحولوا إلى مواطنين وعندها يتاح لمن يأتي بعدكم سيئاً أم جيداً أن يفتح ملفاتكم ويعلن عن أرصدتكم وسوف تجلبون إلى قاعات محاكمات جديدة على أسرة المرض والموت كما حصل لرئيس مصر حسني محمد السيد مبارك أو كما حصل لدكتاتور العراق.

فمتى ينهض من ركام خراب العراق طفل عراقي جديد يعرف معنى الطفولة وعذاب الطفولة وحلم الطفولة فيصرخ في سماء الوطن صرخة ستظل تدوي على مر الأزمان .. صرخة الإحتجاج والتغيير نحو وطن جديد.

وأنتم أيها الجيل الماضي بما تبقى لكم من العمر قدموه لذلك الطفل الذي سيصرخ. جهزوه بكل موقومات النجاح لكي يصرخ صرخته المدوية. أعطوه المعرفة التي أخذتموها وأعطوه العلم الذي حصلتم عليه وأعطوه الأمل قبل فوات الأوان .. قبل أن يمر الزمن الذي يراهن عليه كل نذل لا يحب العراق.

يتساءل المرء في حال مثل حال العراق .. هل صحيح أن الأمريكيين يعتقدون أنهم أنجزوا الديمقراطية في العراق كما يعلن الرئيس الأمريكي أوباما وقبله بوش الإبن؟ الا يعرفون حقاً أن العراق منذ التاسع من نيسان عام 2003 يعيش شعبه بدون كهرباء مثلاً ناهيك عن ملايين البدون في الوطن العراقي! هل هم يريدون العراق أن يكون بهذا الموت وهذا التشظي وهذا الأسى أم هم يعتقدن أن الديمقراطية التي وعدوا بها نكتة سوف يتندرون بها في الكونغرس بعد أن تغادر مقر الكونغرس كاميرات التصوير!؟
إذا كانوا يريدون الإستفادة ثروات العراق وخيراته فلماذا لا يأخذونها والعراق مستقر وسعيد ولو بشكل نسبي ومظلوم مثل بقية بلدان الخليج المجاورة .. في الأقل!؟
وإذا كانوا يريدون للعراق أن يستقل ويصبح ديمقراطياً فلماذا لم يتركونه بعد أن حرروه!؟

وإذا كانوا يريدون أن يحموا العراق ويحموا ثرواته التي تنقذ إقتصادهم المنهار في أمريكا وأوربا فلماذا يخربونه .. أهي نزعة سادية أو ماسوشية أن يأتوا بحاكمين من سقط المتاع ليديرون شؤون العراق ؟ لماذا جاؤونا بساسة أميين بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وبساسة متخلفين حضارياً وإنسانياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لدرجة أن أهل العراق الذين كرهوا الدكتاتورية البغيضة صاروا يرددن القول الشعري "دعوت على عمر فلما فقدته وعاشرت أقواماً بكيت على عمر"!؟
األا يدرك الأمريكيون أنهم أصبحوا أكثر كراهية عند العراقيين من قبل .. ترى ما هذه السياسة الديمقراطية التي تبدل الإستقرار النسبي بالموت المجاني وتبدل الفرح المفروض بالدينار المقروض! فهل أنتم سعداء بهذا أيها الأمريكيون!؟

إن واقع العراق السياسي قد أختلطت أوراقه .. وصراحة بات عسيراً وشبه مستحيل ترتيب تلك الأوراق من خلال عملية الترقيع السياسية التي يتسلى ويلهو بها ساسة العراق المرفوضين جملة وتفصيلاً !

والعراقيون لو أرادوا وطنهم حقاً، أخاطب هنا أهل العراق في داخل العراق وأهل العراق المرغمين على العيش خارج أوطانهم حفاظاً عليهم من التصفيات المنظمة لو عادوا .. مطلوب أن يتنادى العراقيون من الداخل والخارج لتأسيس تيار عراقي ذي برنامج ستراتيجي واضح وخطة تكتيكية واضحة ينتمي إلى هذا التيار كل شرفاء العراق بدون أية هيكلية تقليدية أكل الدهر عليها وشرب كما يقال. أن يعلن هذا التيار وأن لا يمد يده إلى أية دولة شرقية أو غربية عربية أو إسلامية خليجية أم شاطئية .. وأن ينعقد مؤتمر مصغر يمثل أطياف العراق الواحد الموحد وأن يحث جماهير الوطن أن تعلن عن ربيعها الحقيقي ولكن ضمن فكرة التيار الوطني العراقي الذي عليه أن يطبق خطته الإعلامية والفكرية من أجل وطن عراقي جميل ويضغط على المجتمع الدولي أن يضع العراق تحت فترة إنتقالية قصيرة تديره قوى تكنوقراط وطنية لفترة إستثنائية محددة بدستور تسطره القوى الوطنية العراقية وتتم مناقشته وأن يتم القبض على كافة اللصوص الذين نهبوا العراق وإستعادة الأموال المسروقة وبقرار دولي من الأمم المتحدة.

قد يكون هذا التصور فيه الكثير من المثالية التي لا تدعمها النفسية العراقية التي تعبت وأنهكت ضمن خطة مسبقة لإنهاكها .. ولكنه الحل الوحيد الذي يمكن العراقيين من طرد المليشيات التي غزت الوزارات وغزت مؤسسة الجيش وغزت مؤسسات الأمن وصرنا لا نأتمن على حياتنا منهم ولا يأمن الوطن من جيشه أن يدافع عنه.
وأخيراً دعوة لأن تعملوا لا أن تندبوا الماضي بكاءً وعويلاً فلقد حولتم الوطن العراقي إلى وطن معطل.

لقد كثرت العطل الرسمية وجاءت العطل الإستثنائية بإدعاء إرتفاع درجات الحرارة. كثرت العطل الرسمية التي تعطلكم عن العمل والعطاء وهو أمر مرعب. نحن نحب الأنبياء ونحب الأولياء ونحب أهل البيت ولكنهم هم أنفسهم لا يحبون أن نتعطل عن أعمالنا وحياتنا. هم يقدمون لنا الشكر أن نتذكرهم بالخير في ميلادهم وإستشهادهم ولكن بطريقة حضارية تقييمية لما قدموه وليس بالندب والصراخ والعويل وأنتم تقطعون المسافات في حر آب "الذي يلهب المسمار في الباب" واليوم جاءتنا العطل الإستثنائية بسبب إرتفاع حرارة الجو التي يمكن تخفيفها لحدها الأدنى فقط بالعلم والمعرفة وقبل ذلك بالوطنية!

إعلامي من البصرة

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الشعوب الكسولة
ابو ذر -

الشعب العراقي من الشعوب الكسولة وتنتظر العون دائما من الغير ولاتغير بنفسها ففي انقلاب 1958 خرجت تحي الزعيم ليس حبا بالزعيم ولكن كرها للباشا ودخلنا نفق عمره 45 سنة توالى علينا الضباط الاشاوس واليوم خرجنا مرحبين بالمحتل ليس حبا بهم ولكن كرها لصدام واليوم ونحن نرى اللصوص والسراق وننتظر من يخلصنا منهم ويفعل الجاهل بنفسه مالايفعل عدو بعدوه وشكرا لايلاف

الشعوب الكسولة
ابو ذر -

الشعب العراقي من الشعوب الكسولة وتنتظر العون دائما من الغير ولاتغير بنفسها ففي انقلاب 1958 خرجت تحي الزعيم ليس حبا بالزعيم ولكن كرها للباشا ودخلنا نفق عمره 45 سنة توالى علينا الضباط الاشاوس واليوم خرجنا مرحبين بالمحتل ليس حبا بهم ولكن كرها لصدام واليوم ونحن نرى اللصوص والسراق وننتظر من يخلصنا منهم ويفعل الجاهل بنفسه مالايفعل عدو بعدوه وشكرا لايلاف

عندما تسقط الفرس
ابو يوسف -

في احد اللقاءات مع الشاعر العراقي عريان السيد خلف ذكر بيتا من قصيده ... يقول البيت(الفرس لو طاحت ...فوك راسها يصيرن حوافرها)وهذا ما يحصل اخي الكاتب في بلدناان بلدا يملك عقولا قادرة على كشف الاعيب ساكني المنطقة الخضراء واهتماماتهم المتدنية والتاركين لادنى واجباتهم .. لقادر ان يجعلهم مواطنين ثانيه_ وان كانت كلمة مواطنين اعلى بكثير من استحقاقهم-

عندما تسقط الفرس
ابو يوسف -

في احد اللقاءات مع الشاعر العراقي عريان السيد خلف ذكر بيتا من قصيده ... يقول البيت(الفرس لو طاحت ...فوك راسها يصيرن حوافرها)وهذا ما يحصل اخي الكاتب في بلدناان بلدا يملك عقولا قادرة على كشف الاعيب ساكني المنطقة الخضراء واهتماماتهم المتدنية والتاركين لادنى واجباتهم .. لقادر ان يجعلهم مواطنين ثانيه_ وان كانت كلمة مواطنين اعلى بكثير من استحقاقهم-

الخجل
عاقل -

أكثر مايثير الضحك في هذا المقال هو تسمية الرئيس العراقي السابق صدام حسين ( ديكتاتور) على الرغم من عدم وجود أية مشكلة من هذه المشاكل التي ذكرها الكاتب في عهد الرئيس صدام- لقد طلبتم الحرية فجاءتكم على طبق من الكوارث مبروك عليكم الكوارث ولتجعلوا الحرية حلالا لكوارثكم

الخجل
عاقل -

أكثر مايثير الضحك في هذا المقال هو تسمية الرئيس العراقي السابق صدام حسين ( ديكتاتور) على الرغم من عدم وجود أية مشكلة من هذه المشاكل التي ذكرها الكاتب في عهد الرئيس صدام- لقد طلبتم الحرية فجاءتكم على طبق من الكوارث مبروك عليكم الكوارث ولتجعلوا الحرية حلالا لكوارثكم

المشاكل ظهرت
علي جميل -

المشاكل البيئية ظهرت كلها مرة وحدة وستظهر اكثر واكثر, يعني اذا البلد يعاني من فترة طويلة ولم يكن هناك لا نت وايلاف, كيف الناس تعرف بالكوارث, استاذ عاقل نسى بان النظام السابق نشف الاهوار, وسبب كارثة كبيرةو معترف بيها دوليا, الان في عصر الانترنت اصبح ينشر كل شي

المشاكل ظهرت
علي جميل -

المشاكل البيئية ظهرت كلها مرة وحدة وستظهر اكثر واكثر, يعني اذا البلد يعاني من فترة طويلة ولم يكن هناك لا نت وايلاف, كيف الناس تعرف بالكوارث, استاذ عاقل نسى بان النظام السابق نشف الاهوار, وسبب كارثة كبيرةو معترف بيها دوليا, الان في عصر الانترنت اصبح ينشر كل شي