هل الله مع همجية النظام أم مع همجية الشعب؟

ماذا تعلمنا من أنتفاضات الشعوب ضد حكامهم؟
أستوقفني خبر رسالة صوتية أذاعتها قناة الرأي الفضائية و نقلتهُ قناة الجزيرة " القذافي يدعو أئمة الجوامع الى حث الشباب الليبي للقتال ضد المتمردين ".
أنها ليست المرة الأولى التي تطلب فيه الطغمة الحاكمة من القيادات الدينية العليا أستنهاض الهمم للجهاد في سبيل الدولة والوطن والشعب فمبدأ " أذا مُتُ ضمأناً فلا نزل القَطرُ " هو توجه سبقَ القذافي حسني مبارك فيه، رأس النظام العراقي في سحق أنتفاضات كردية وشيعية في العراق. وما اروع كلمات غاندي عندما قال:
"ان اعظم نجاحات الشيطان تحصل عندما يظهر وكلمة الله على شفتيه". كثيرون ممن أحتضنوا القرآن وتعللوا بهتاف الله أكبر أيماناً بعظمة الله وقدرته، بل حتى من أنتهى الى مزبلة التاريخ، حملَ القرآن الكريم في يده قبل وبعد حكم الشعب عليه بالأعدام وقدر القضائي الألهي، وبعد أن سمعَ بأذنيه شعبه يهتف ألله أكبر أِيذاناً بسقوط نظامه الدموي.

فما قصة الحاكم الشرير الذي يذبح شعبه ويهتف بأسم الله؟ لاأشك بأن من يقودونا سياسياً، مع المحيطين بهم من حاشية اللصوص والمجرمين ومصاصي دماء الشعب وثروته، يعتبرون أنفسهم الأكفأ والأقدر والأصدق والأقرب الى الله في أدارة دفة الدولة وبناء مؤسساتها وصيانة معالمها وأرضها وحضارتها. لقد ظهرَ في عصرنا كثيرون من العربان والمسلمين بل حتى العلمانيين منهم الذين سيسوا الدين وأفشلوا مهمة الدولة بالتوريث وتوزيع المسؤولية لأبنائهم وحاشيتهم ومستشاريهم والأنصياع الى الأله الأنكليزي والأمريكي وجبروتهما. فأين الله في قصاصه للطغاة؟

وبتقصي حقائق سابقة، تجدُ أن مبارك والقذافي يتزعمان القائمة. وأذا أنتقلنا الى الحالة العراقية التي أبتدأها صدام في السبعينات من القرن الماضي، فيُلاحظ حالة الخوف والشك والتخوين بين القيادات التقليدية الحالية التي بطش صدام ومخابراته بها : الصدر والحكيم والجعفري والبرزاني والطالباني وعلاوي وتستذكر هذه القيادات طرق التصفية الصدامية ونظام مخابراته، وهي تعيش اليوم حالة خوف مماثلة أعتقاداً بأن خصومهم الحاليين يتبعون نفس الأساليب التنكيلية الأقصائية لصدام، عندما ساوره الشك وأبتدأَ بتصفية قيادات البعث، أبتداءاً من حردان وعماش والبكر وعزت مصطفى وراجي التكريتي ورياض أبراهيم وعدنان الحمداني والشيخلي وأنتهاءاً بالقيادات القومية للحزب منيف الرزاز وأمين الحافظ، الى أقرب العناصر العسكرية المهنية العراقية.

وقد تستمر حالة تصفية الخصوم الى فترة لأن النظام الديمقراطي لايبنى على أسس تسودها قرارات سياسية طائشة ومهاترات حزب أو حركة أو عشيرة أو رغبات مليشيات أو مجموعة برلمانية لاتفهم مغزى النظم البرلمانية. فجدلية النظام الديمقراطي تقوم على أسس أجتماعية وأقتصادية وفكرية ومادية وقيم ثقافة تؤمن بدستور الدولة ومؤسساتها والشعب، وهو أمر تم تحريفه ممن هم في السلطات الثلاث في الدولة العراقية اليوم.

أما موضوع التسائل عن، أين الله في قصاصه للطغاة؟ فتلك فلسفة أعتقادية تقوم على قناعات فردية بأن" الله يمهل ولايهمل "، كما نراها في أدعية المسلمين " اللهم أظلمتْ قلوبنا فنوّرها بنورك، وتاهتْ عقولنا فأهدها بهدايتك، وألتبستْ دروبنا فوفقها إلى صراطك، واضطربتْ خطانا فثبتها على دينك".

وأتباع النهج الألهي وكلمة الله يحثُ عليها النظام الحاكم من جهة وتحث عليه القيادات الشعبية العربية الثائرة المؤمنة بأن الله الى جانبها ويدعوها لأسقاط النظام. فأين يقف الله من المنادين بأسم الجلالة " الله أكبر"؟ التكهن بما سيتلي الموجة الحالية للثورات العربية في تونس ومصر والبحرين وسوريا وليبيا من تداعيات أو أصلاحات قد يكون سابق لأوانه لسبب واضح هو أن الشباب الثائر مندفع بتطرف حاد الى حركات أسلامية شديدة التطرف ومعبأ بتخدير الثقافة الدينية، وعلى نقيضه، تقف حشود تنادي بالحرية والعدالة والمساواة والعلمانية والتحضر، وهي "تُقبل" العلم الأمريكي و"تستنجد بالحماية الغربية"، بل وترتمي في أحضان حلف الناتو والديمقراطية الغربية فكرياً وتوجهاً للحصول على التأييد المادي والعسكري والسياسي.

السياسة تاريخياً ولغوياً معروفة لدى العرب منذ عصر الرسول الكريم، و مذكورة تماماً في اللغة العربية تماماً ترجع الى الفعل ساس، يسوس الناس ( أي يقودهم بالحكمة أو بغيرها )، فمعاوية مثلاً ساس الناس وتتمثل حكمته السياسية في قوله " لو كان بيني وبين الناس شعرة لما أنقطعت، أذا شدوها أرخيتها وأذا أرخوها شددتها ). كما ساس الحجاج أهل العراق بالقوة. فاللين والشدة عنصران مطلوبان في السياسة والدبلوماسية وفن المفاوضات، قديمة كانت أم معاصرة. كما أن الكلمة قد تعني الدهاء، لكن الدهاء قد يُفسر بالحيلة، لذلك فكلمة الدهاء لاتعطي للكلمة مدلولها أو حقها الأخلاقي.

ومن الذلة والأسف أن تُشهر المذيعة التلفزيونية الليبية هالة المصراتي مسدسها على الهواء دفاعاً عن رجل الثورة "الجماهيرية" الليبية القذافي ونظامه وتقول "أننا كلنا مسلحون وأن "الله يؤيد القذافي بجنود لا تروها وبملائكته" والتعهد بالحرب حتى النهاية، أضافة الى وصفها الثوار المناهضين للنظام الليبي بالثيران. بأن طرابلس أصبحت مخربة مثل بغداد ودعت أنصاره في شتى انحاء البلاد الى حمل السلاح ومحاربة الجرذان. بينما يهتف الثائرون الله أكبر و ليبيا ستكون حرة بالغطاء والاسناد الجوي الاقوى في العالم من أمريكا وحلف الناتو الغربي المسيحي. حالة الأرباك الفكري التي تسودنا " وأنا أحد المرتبكين " هو: كيف سيُقوّم ويستقيم النزاع الدائر بين النظام الغني الرافض للشعب والشعب الفقير الرافض للنظام، في وقت يتمسك كل جانب بحبل الله والموت في سبيله وسبحانه تعالى " سميع مجيب ".

النقطة التوضيحية الأخرى " الحقيقة في العمل السياسي ظرفية " أي تخضع للظرف. فحقيقة رؤية الأرض مسطحة وليست دائرية، كانت حقيقة ظرف معين، وتغّيَر بعد أكتشاف كرويتها، وكذلك الحرب الباردة، فقد كانت الواقع والحقيقة للسياسين في المعسكر الشرقي والغربي، وملابسات الظروف التاريخية تفرض على رجل السياسة المرونة الوقتية لذلك الظرف ( لابأس من تسميتها السياسة الأنتهازية والمصلحة) التي أزعجت بعض الاخوة لأنهم فهموها على أنها دعوة للتحايل أبررها في تصرف فلان أوعلان، المالكي والأحزاب الدينية أو علاوي والعلمانية. علمأً بأني أذكرها للتأكيد على وجود تناقضات جوهرية في موقف الساسة من الله ونظام الحكم.

هناك فيض من الدلائل والمؤشرات على أن تعديلات تُناسب العصر والمجتمع في العالم العربي لن تتحقق في المستقبل القريب بمضامين ألهية محددة ونصوص شرعية وضعتْ لهم لسيس الناس وقيادتهم بقبضة من حديد والسيطرة على مقدراتهم ومشيئتهم بهمجية دوائر المخابرات التي أحاطوا أنفسهم بها رغم ألأحتجاجات الشعبية ضد نظمهم المصطنعة ونعتهم لها باقذر الأوصاف. فهمجية الأنظمة العربية الشريرة تقابلها شعوب ليست أقل همجية وهي تمتلك السلاح للقتل والتخريب المبرر وغير المبرر سياسياً دينياً وأخلاقياً.

Easy707@aol.com