أصداء

الإجراءات التركية السيادية، هل تشجع مصر على تفعيل أوراقها الاقليمية؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

طلبنا، وكذلك فعل كثيرون بضرورة اعادة النظر في اتفاقية السلام المصرية / الإسرائيلية.. ليس بغرض إلغائها مما قد يعني عن البعض إعلان الحرب عليها، ولكن بهدف استعادة كامل السيادة علي أراضي سيناء ومن ثم تحديد أولوياتها الإستراتجية وفق الرؤية المصرية الخالصة وليس وفق متطلبات السلام مع واحدة من الجيران.

وعرضنا في مقال تال أن البداية الحقيقية لبلوغ هذا الهدف، هي البدء في التخطيط للخلاص من قيود واشتراطات المعونة الأمريكية التى كبلت الإرادة المصرية في الكثير من خططها الاستراتيجية وبالذات فيما يرتبط بعلاقاتها مع اسرائيل.

وجاءت القرارات السيادية التركية يوم الجمعة الماضي ( 2 سبتمبر ) لتؤكد حتمية وضرورة إقدام الحكم القائم في مصر اليوم علي كلتا الخطوتين من ناحية وتبرز من ناحية أخري رجاحة وجهة النظر التي تقطع - حتي بين العديد من المحللين الأوربيين - بإمتلاك مصر بعد الخلاص من نظام الحكم السابق للكثير من المقومات التى تمهد لها الطريق لإستعادة دورها القيادي في المنطقة ومركزها المحوري علي مستوي الصراع العربي الإسرائيلي.

ماذا فعلت تركيا ؟

لم تستشر أحد عندما إتخذت قراراتها ولم تتبادل الرأي حولها مع واشنطن، الحليف الاسترانيجي الاكبر لكل من انقرة وتل ابيب..
وفي نفس الوقت..
-لم تعلن الحرب علي اسرائيل ولم تقطع علاقاتها الدبلوماسية معها..
-لم توقف اي نشاط ثنائي معها، إلا ما يتعلق بتبادل المعلومات الضرورية..
-جمدت لفترة قابلة للتمديد علاقاتها العسكرية معها..
-اعلنت انها ستتقدم لمحكمة العدل الدولية بطلب لرفع الحصار التى تفرضه كدولة مستعمرة علي الفلسطينيون بقطاع غزة..
-صرحت بان مستوي هذه الاجراءات قابل للتصعيد، إذ لم تتقدم إسرائيل باعتذار رسمي عن الاعمال العدوانية التى قامت بها في المياه الدولية ( مايو 2010 ) وأدت إلي مقتل تسعة من الأتراك، يعقبه تقديم تعويض لأسر الضحايا والمصابين..
-أعلنت انها لا تعترف بالتحقيق الذي أجرته الأمم المتحدة حول حادث الاعتداء علي سفنها المدنية في المياه الدولية..
-بينت بوضوح انها ستزيد من تواجدها البحري في منطقة شرق البحر المتوسط لوقف ما وصفته بـ " أعمال البلطجة التى تقوم بها إسرائيل "..
علي الجانب المصري

ليس المطلوب تمزيق معاهدة السلام بينها وبين إسرائيل، لكن تعديل الكثير من بنودها التى تحد من حرية ممارساتها لسيادتها علي كامل أراضيها..
ليس المطلوب إعلان الحرب والتخطيط لمعارك عسكرية بين الطرفين، ولكن لوضع نهاية عملية لفهوم السلام الإسرائيلي وتأكيد الحق في فرض مفهوم السلام المصري / العربي العادل
والمستقر علي إسرائيل.
ليس المطلوب معاداة أمريكا، ولكن إفهامها بشكل دبلوماسي راقي أن القاهرة لم تعد حليفاً ناعماً يطيع ما يُقترح عليه وما يتفق فقط مع المصالح الإسترايجية التى تضم واشنطن وتل أبيب في بوتقة اوحدة.

ليس المطلوب التنكر لدعاوي السلام في المنطقة، ولكن البدء في بلورة موقف سياسي يجمع شمل القوي الإقليمية الأخري الفاعلة في المنطقة ومن بينها تركيا وإيران.
فهل هذا صعب المنال، أو مستحيل التحقيق

تقول كل الدلائل أنه لا هذا ولا ذاك، بل هو قابل للتحقيق، لتوافر العوامل التالية علي الساحة المصرية.
أولاً.. الإرادة الوطنية التى تجمع بين المطالب الشعبية وتوجهات الرأي العام، وكذا النظام الحاكم للدولة.. وهذا أمر مفروغ منه، لكن من بيدهما الأمر والنهي ( المجلس الأعلي للقوات المسلحة بصفته الرئاسية والتشريعية + حكومة البلاد التنفيذية ) يتباطئان في بلورة نهج وطني يقود هذه الخطوة في الإتجاه الصحيح.
مما يجعل المراقبون يتشككون في احد أمرين، أو كلاهما.
أ - إما أنهما لا زالا إسيرين لسياسات العهد الذي أسقطته الثورة الشعبية، وكان من نتائجها المباشرة أن كلاهما تولي المسئولية وفق مطالبها..
ب - وإما أنهما يُفضلان ترك الأمر برمته للمجلس التشريعي الذي ستجري الانتخابات لاختيار اعضاءه شهر أكتوبر القادم، ومن بعده لإختيار رئيس الجمهورية مع نهاية العام الحالي.

وفي ظنى أنه لو برهنت الحقائق علي مصداقية هذين السببين أو أحدهما، فسيشكل ذلك نقطة مراجعة شديدة الإحباط بالنسبة للغالية العظمي من الشعب التى وقفت ولا زالت تقف مؤيدة لكلا الطرفين واعني بذلك المجلس الاعلي للقوات المسلحة وحكومة عصام شرف.

ثانياً.. تعامي إسرائيل وإلي حد ما الإدارة الأمريكية عن فهم ما يجري في مصر من تحولات وتغيرات مستقبلية، وإصرارهما علي تبني نفس النهج الذي سارتا عليه لأكثر من ثلاثين عام.. لم يبديا إهتمام منذ إندلاع الثورة الشعبية سوي بضرورة إستقرار الأمور علي الحدود الشمالية مع إسرائيل وعدم تعريض إتفاقية السلام معها للتوتر.. بالإضافة إلي حرصهما الممجوج علي إستمرار سياسة مقاومة الارهاب والعنف كما كانت من قبل.. وإستعدادهما للتعاون أمنياً لإستعادة الهدوء والأمن والإستقرار في عموم مصر.

وكلها أمور تدور فقط حول المصالح المشتركة لكليهما دون مراعاة للصالح المصري الذي اصبحت مسئوليته تقع علي كاهل الغالبية العظمي من الشعب بكل فئاته وتياراته السياسية والتى كانت مهمشة لعدة عقود.

مما يؤكد ان كلا العاصمتين واشنطن وتل ابيب لا تهتمان - حتى بعد سقوط النظام الذي كان يتعاون معهما - إلا بما يعود علي مصالحهما المشتركة بالنفع الآني والمستقبلي دون الإلتفات للأهداف القومية للشعب المصري.

ثالثاً.. استعداد عدد من القوي الإقليمية التي تقدر لمصر دروها الريادي وتعرف للقاهرة مكانتها التاريخية والحضارية، للتعاون معها لأجل العمل معا لتحقيق الأهداف التالية..
1 - تخفيف الضغط الإسرائيلي والأمريكي المشترك عليها جميعاً، من منطلق إبطال مفعول الضغط بكل القوة علي طرف واحد للحد من قدراته وتحجيمه.
2 - تشكيل تحالف إستراتيجي - ولو في أدني درجاته - لمواجهة الحلف الإستراتيجي القائم بين واشنطن وتل ابيب للدفاع عن عنصرية إسرائيل وتوسيع عوامل هيمنتها علي مقدرات منطقة الشرق الأوسط وإمتداداتها الجغرافية إلي تركيا وإيران وأفغانستان..
3 - التنسيق فيما بينها لفرض رؤية متناسقة و متماسكة حيال ملف قضاياها ذات التوجه المشترك فيما يتعلق بهمجية إسرائيل وتعنتها تجاه متطلبات السلام في الشرق الاوسط بامتدادته التى اشرنا اليها، والتى تعاني منها هذه القوي الثلاث بشكل يؤثر علي الأهداف الاستراتيجية لكل منها..
4 - إستبدال الضغوط التى تمارس لتقزيم كل منها علي حدة من جانب واشنطن او من تل ابيب، بتعاون خلاق فيما بينهم يسمح ربما لأول مرة باقامة تبادل للمعلومات والخبرات والتجارب في كافة الميادين الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والعلمية والعسكرية..
5 - التخطيط لوضع حد للتجاذبات السياسية الغربية التى نجحت في اقامة عوازل بين الشعوب وانظمة الحكم في المنطقة وفق تصنيف يرتكز علي من معهم ( امريكا + اسرائيل ) ومن ضدهم.. من يقاوم ومن يهادن.. من يطبع ومن يمانع.

من هنا نقول..
الأمر المؤكد الذي يُجمع عليه العديد من المراقبون الأوربيون، ان هذا التخطيط أصبح في الآونة الأخيرة مطلباً حيوياً علي مستوي الدول الثلاث، ربما بنفس الدرجة..
-فإيران في حاجة لمصر وتركيا فيما يتعلق بملفها النووي الذي تصر علي سلميته من ناحية، ولدورها الإقليمي الشرق اوسطي الذي رسخته علي إمتداد أعوام كثيرة والقائم علي مقاومة سياسات اسرائيل الإحتلالية ورفض همجيتها في المنطقة من ناحية ثانية..
- وتركيا في حاجة لإيران لكي تُثَبت بها جدارة تصديها للمشاركة في الإضطلاع بإيجاد حلول لمشاكل طهران مع الغرب وأمريكا، وايضا في حاجة لمصر لترسيخ مجمل تواجهاتها المعارضة لسياسات البلطجة الإسرائيلية سواء علي مستوي علاقاتها الثنائية معها او من منطلق اعتراضاتها المتتالية لحصار قطاع غزة..
-ومصر اليوم في أمس الحاجة لعلاقات راسخة مع كل من إيران وتركيا للحد من أطماع الطرفين حيال جبهتها الداخلية من ناحية.. ولتخفيف الضغوط عليها من جانب واشنطن وتل ابيب فيما يتعلق بدورها داخل دائرة الصراع العربي الإسرائيلي، وبالذات حيال علاقاتها مع الطرفين الفاعلين علي مستوي الدائرة الفلسطينية التى تجمع فتح وحماس في اطار واحد من ناحية ثانية.
-
نستعرض معا هذه الرؤية الواقعية التى تفرضها تحولات " الربيع العربي " دون أن نُهمل شأن العلاقات التاريخية بين القاهرة وكل من دمشق الرياض، لكن الظرف التاريخي الذي تعيشه مصر بعد 11 فبراير الماضي وإن كان لا يخرجها من دائرة التحالف الثلاثي مع كل من سوريا والسعودية.. إلا انه يمهد لها الطريق لتوسيع دائرة تحالفها مع قوي اقليمية فاعلة ومؤثرة وقادرة علي التنسيق معها لصالح جميع الأطراف..
bull;استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا drhassanelmassry@yahoo.co.uk

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف