أصداء

تسع سنوات على نهاية (ابو نضال)

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الجماعات الارهابية في كل زمان ومكان أشبه ببندقية للاجرة في وجودها واستعمالاتها واستهلاكها ايضا فيما يبدو اندحار الجريمة الارهابية كسلاح سياسي وايديولوجي حتمية تاريخية بذاتها بغض النظر عن المنهج الذي تعتمده والاشكال التي تتمظهر بها. ولعل هذا اليقين يفسر حذر الحركات الثورية والاجتماعية الكبرى والمقاومات التحررية المسلحة الوطنية منها او القومية من الانزلاق الى الاعمال الارهابية حتى في احلك الاوقات واعسر الظروف عليها. وقد دفعت بعضها ثمنا باهضا لاخطاء في هذا الشأن.

ويمثل مصير منظمة (أبو نضال) الارهابية، دليلا لامعا على هذا الرأي الا انها لا تختلف جوهريا عن المنظمات الارهابية الاخرى المنتسبة الى اليسار او اليمين والعرقية العنصرية منها او الدوغمائية اللاهوتية.

بدأت منظمة ابونضال كانشقاق تنظيمي صغير عن حركة فتح في 1974 اسمه الرسمي حركة فتح/ المجلس الثوري. الا انه نال على الفور شهرة كبرى بتدشين وجوده بخطف طائرة ركاب سعودية غدا فاتحة سلسلة من العمليات المدمرة للكفاح الفلسطيني ذاته تعدى عددها المائة عملية في أكثر من عشرين دولة لم تستهدف مصالح إسرائيلية الا نادرا بل ركزت في اغلبها على تفجير طائرات ركاب خليجية واغتيال شخصيات سياسية فلسطينية وعربية كأغتيال نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية أبو إياد، وزميله رئيس جهاز الأمن أبو الهول وتفجير طائرة لطيران الخليج واغتيال دبلوماسي أردني في بيروت والدكتور عصام السرطاوي ممثل منظمة التحرير في لشبونة واختطاف طائرة ركاب مصرية في عملية راح ضحيتها 61 راكبا. كما اغتالت صحافيين ومبدعين وأكاديميين، وسفراء، أمثال الفلسطينيين حنا مقبل، وميشيل النمري، وسعيد حمامي، ونعيم السرطاوي، والدكتور عز الدين قلق، ونعيم خضر. وحتى الأديب المصري يوسف السباعي.

بموازاة ذلك راحت شهرة المنظمة وصاحبها تقترن باتهمات لهما بالعمل المأجور في خدمة اجهزة مخابرات لدول لا تحصى بين حين وحين او بولاءات فردية ومزدوجة لا تحصى ليس العراق والكويت وليبيا وسوريا وحتى اسرائيل المتحدة الامريكية الا اشهرها. ثم فجأة غاب ابو نضال ومنظمته عن الوجود وكأن شيئا لم يكن.وعلى اية حال، لن يعرف أحد ابداً ربما حقيقة ما حدث في مثل هذه الايام قبل تسع سنوات، وتحديدا خلال الساعة الفاصلة ما بين الثالثة والرابعة بعد ظهر يوم الجمعة السادس عشر من شهر ايلول 2002، حين سقط صبري خليل البنا المشهور باسم (ابو نضال) مضرجا بالدماء في دار في العاصمة العراقية بغداد كان يقيم فيها مع حفنة من اتباعه قتلوا جميعا هم ايضا كما قالت المخابرات البعثية في حينه.

لكن، وسواء انتحر رئيس ما عرف باسم "حركة فتح - المجلس الثوري"، كما قال للصحفيين في 21 أب 2002 مدير الاستخبارات العراقية آنذاك طاهر جليل الحبوش ام اغتيل من قبل المخابرات العراقية كما اعلنت جماعة ابو نضال، فان المؤكد ان مجتمعاتنا ربحت ربحا عظيما بإندحار ايديولوجيا القتل من اجل القتل حتى ولو كانت بذريعة "النضال الثوري" ومعارضة مشاريع التسوية مع اسرائيل، التي ظل ابونضال ومنظمته رمزا مخيفا وتعيسا لها لربع قرن. برغم ان تلك الجماعة وامثالها كانت قد فقدت أي رصيد، اذا امتلكت شيئا منه يوما، ومنذ عقود طويلة وخاصة بعد انكشاف انها وفي اكثر من مناسبة كانت، كتنظيم "القاعدة" الارهابي اليوم، مجرد بندقية للإيجار في ايدي استخبارات اسوأ الانظمة القمعية في العالم العربي التي لم تستخدمها الا ضد شعوبها كما استخدمت ضد الفلسطينيين خاصة حتى عندما يكون ضحيتها مواطن امريكي في باخرة او يهودي فرنسي في مطعم كما حصل احيانا.

وكما ذكر عاطف أبو بكر، أحد الاعوان السابقين لصبري البنا، والذي نسب له الاعتراف بالمسؤولية عن عملية تفجير الطائرة الامريكية فوق لوكربي الاسكتلندية عام 1988، فان ابونضال كان يمتلك عقلية قاتل عادي بل ومجاني لا علاقة لها بتلك الخاصة بالثوار كما لا علاقة لها بالفكر ولا حتى بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد. فهو مثلا هدد قادة تنظيمه مرة من عواقب البوح بأي كلام عن أسرار حياته الداخلية قائلا "أي واحد منكم يخرج هذا الكلام إلى الخارج سأقتله ولو كان في حضن زوجته"!.

ويتهم هذا المنشق عن "حركة فتح - المجلس الثوري" تلك ابونضال بالكذب الرخيص مؤكدا انه وبحكم معايشته ومعرفته به قبل انشقاقه عنه منذ نهاية الثمانينات، توصل الى ان صبري البنا كان "ينسب احياناً الى نفسه اعمالاً قام بها آخرون ليثبت فعاليته امام الاجهزة والدول" مشيرا الى انه كان "تحت الطلب" في علاقاته مع استخبارات عدة دول عربية حيث اراد بعضها "الافادة من الخدمات التي يستطيع تقديمها". كما أكد المسؤول السابق في الجماعة ان (أبو نضال) قتل المئات داخل تنظيمه في العراق وليبيا ولبنان. كما اغتال عددا من منافسيه الفلسطينيين حيث حاول مرات عدة اغتيال الزعيم الفلسطيني (ابو اياد) "ونجح في تونس بعدما كان فشل في بلغراد والكويت ولبنان. كما قام بإغتيال العديد من قياديي منظمة التحرير الفلسطينية البارزين ومن بينهم عز الدين قلق وسعيد حمامي وعصام السرطاوي خلال عامي 1978 و 1983 وقيل انه حاول اغتيال ياسر عرفات زعيم منظمة فتح التي انشق عنها ابونضال في منتصف السبعينات فأصدرت ضده حكما غيابيا بالإعدام واتهمته بإختلاس أموالها.

وتكشف طريقة انهاء صبري البنا المشابهة في تنفيذها وفي الاعلان عنها لما يعرف بـ "الطريقة البعثية"، انه كان شخصية بلا أي قوة ارادة، ناهيك عن اي عبقرية، تذكر بأستثناء تلك التي للبنادق المأجورة نظرا لامكان تحويلها الى لغز محير مرة، ومرة الى مجرد اداة ترمى حالما تنتهي الحاجة الى استعمالها، لذا لم يستبعد اعتبار ان تصفيته جسديا في بغداد كانت مجرد رشوة الى واشنطن قدمها النظام البعثي المنهار في لحظة لحظات يأسه، وتماما على طريقة السودان وحسن الترابي مع كارلوس، اذ بدا مستعدا للتضحية بأعز اسلحته "الاسطورية"، اي الارهاب، حتى اذا صح، وهذا ما لم يصدقه احد، ان السي rlm;آي أي الأمريكية والموساد الإسرائيلية والمخابرات الفلسطينية وغيرها من الاستخبارات الضاربة rlm;في امكانياتها في المجال الشرق اوسطي "عجزت" عن ضبط تحركات ابونضال خلال نحو ثلاثة عقود.

ومن المفارقات ان الرواية البعثية العراقية حول مقتله والتي أعلنها رئيس جهاز مخابرات صدام حسين في حينه، شددت على ابراز صفة القاتل المرتزق في شخصية ابونضال الذي تلقت جثته وابلا من الرصاص في فمه على اساس انه اطلق النار على نفسه عندما حاولت قوات الأمن العراقية اعتقاله. كما حاولت توريط الكويت بالامر عندما اعلنت انها وجدت في مقر اقامة ابونضال شفرة كان يستخدمها للاتصال بدولة كانت تموله للقيام بهذه الاعمال ارهابية "ضد العراق"!.

ورحيل ابونضال عن الوجود كمحض جثة مرفوضة تضاعف البعد الارتزاقي في تلك البندقية حيث رفضت السفارة الفلسطينية في بغداد تسلم جثته من السلطات البعثية فيما اكد مسؤول فلسطيني "ان السفارة رفضت بالفعل تسلم جثة ابو نضال وذلك بسبب تاريخه الاسود ويديه الملوثتين بدماء العديد من المسؤولين الفلسطينيين".

ولأول مرة ربما، لم يتأسف على هذا الرحيل سوى رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون واليمين الاسرائيلي المتطرف الذي كان يستطيع من خلال ابونضال وامثاله من البنادق الأجيرة تبرير تطرفه هو الآخر في اللجوء الى العنف والقتل والتدمير كما هو واضح.

وعلى العموم، وكما دلت حالة الارتياح العامة في الشارع العربي لمقتله، فان من المؤكد في رأينا ان التاريخ المقبل لن يذكر ابو نضال بأي كلمة طيبة على عملياته الارهابية واعمال القتل التي يرى كثيرون انها لم تلحق سوى الضرر بمصالح الشعب الفلسطيني بينما خدمت عمليا اسرائيل وبعض الانظمة القمعية العربية التي قد نكتشف قريبا انها استخدمت ابونضال في قتل عدد من معارضيها في الخارج.

وليس غريبا ان نكتشف ان ابونضال تورط في جرائم اغتيال عدد من قادة ليبيين معارضين للقذافي في لندن وروما وكذلك سادة وقادة وابرياء آخرين ومنهم ما سبق ان قام به نظام القذافي سلفا، وبعد مقتل ابونضال مباشرة، بمطالبة الفصائل الفلسطينية بكشف معلوماتها عن قضية اختفاء الإمام موسى الصدر رئيس (المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى اللبناني) بينما ظلت جهات لبنانية حتى رسمية تتهم نظام العقيد معمر القذافي بإخفاء الصدر ورفيقيه خلال زيارة الى ليبيا في أواخر آب (اغسطس) 1978. والمضحك المبكي انه، وبينما "لا شيء يحصل في ليبيا من دون أمر أو رضى" من معمر القذافي، كما اكد سفير ليبيا الأسبق في الأمم المتحدة عبد الرحمن شلقم، فان سيف الاسلام القذافي، نجل الدكتاتور الليبي المهزوم، لم يستبعد تورط أبو نضال أو مسؤولين ليبيين في جريمة اختفاء الصدر حين كان يزور ليبيا بدعوة رسمية زاعما عدم وجود أي مصلحة لليبيا في تغييبه أو قتله.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تصحيح معلومة
احمد -

ميشيل النمري قتله الموساد من باب التخادم مع المخابرات الأردنية في قبرص .