فضاء الرأي

الفلسطينيون والدوران حول الذات

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لا يدفعني لكتابة هذه السطور أكثر من تعاطفي مع الإنسان الشريف محمود عباس وإدارته المخلصة، فالمخلصون في زمن التزييف العربي الذي يصعب أن نتصور له فجراً يبدد ظلماته، يلمعون كالأحجار الكريمة وسط ركام الحصى والنفايات التي تملأ الساحة العربية، سواء في نطاق الحكام، أو في مستوى رموز الفكر والمعارضة الديماجوجية، التي تتبنى أسوأ الخيارات وأكثر الشعارات حمقاً وشذوذاً، لتتخذ منها طريقاً إلى قلوب وعقول جماهير هي أعجز من أن تفكر لنفسها، وأعجز من أن تقوم بالفرز والمراجعة لما يعرض عليها من أفكار أو هلاوس!!
أخال الرجل محمود عباس وصحبه الكرام متحيرين، وهم يدعون الله أن يكفيهم شر إخوانهم من الفلسطينيين المرتزقة، ومن يمولهم ويتلاعب بهم، وهم يدركون جيداً أن أعداءهم المفترضين هم كفيلون بهم. . مشكلة أبي مازن وكل مخلص للشعب الفلسطيني ليس التفاهم مع الإسرائيليين، رغم صعوبة التفاهم والوصول إلى حلول عادلة لقضية مزمنة التعقيد، لكنها مشكلة كيف يقف المفاوض الفلسطيني منتصب الظهر مسنوداً بشعبه، بينما المزايدون والمتاجرون يختطفون قلوب وعقول الناس، وقد أدخلوا في روع الجماهير أن العقلانية استسلام وانبطاح وخنوع وعمالة، وأن المتاجرة بالشعارات المستحيلة التحقق هي الوطنية والعزة والكرامة!!
يعرف أبو مازن جيداً أن أي مفاوض فلسطيني لا يمكن أن يحصل على أكثر مما عُرض على ياسر عرفات في كامب ديفيد الثانية عام 2000، والذي تمثل في استعادة 98% من الضفة الغربية، مع مبادلة أراض بالبقية، لكن عرفات لم يتمكن من قبول ما عرض عليه، ليس فقط لأنه كان واحداً من المتلاعبين المتاجرين بالقضية والشعب الفلسطيني، ولكن لأن البقية المتبقية له من إخلاص لم تكن كافية لمواجهة ما يتعرض له من ضغوط، سواء من قبل الجماهير المعبأة والمشحونة بالرفض المطلق والمزمن لكل ما يعرض من حلول لا تتضمن إلقاء اليهود في البحر المتوسط، أو ضغوط الحكام العرب الذين يؤثرون سلامتهم الشخصية وكراسيهم على أي شيء أو قيمة في الحياة، ويفضلون حالة التظاهر بالعمل من أجل السلام سراً، وترك الحبل على الغارب لأعداء السلام في الشارع العربي، وربما أكثر من برع وتمادى في هذه السياسة كان حسني مبارك المخلوع، وتشاركه بالطبع في سياسته هذه جميع دول الخليج بلا استثناء!!
يعرف ويدرك أبو مازن جيداً أن العقبة الكأداء في طريقه ليست فقط تشدد بعض أو حتى كل أجنحة الحكم في الإدارة الإسرائيلية، بل أيضاً وبالدرجة الأولى معضلة تمكنه من الجلوس على مائدة المفاوضات، بحيث يبدو أمام مفاوضه العنيد والمرواغ ممثلاً لشعبه، مما يعطيه ثقلاً أو وزناً جديراً بالاحترام أمام مفاوضه، وفي نفس الوقت يطمئن هذا المفاوض المتشكك في العرب ووعودهم، أنه قادر على الوفاء بما يتعهد به!!
هذا ما يدفع أبي مازن لأن يبحث عن أي شيء يبدو به أمام الجماهير متعنتاً عنيداً، ليجتذب بصورته هذه ولو بعضاً من أشياع الأشاوس المناضلين بالحناجر، فكان أن وجد وضع شروط مسبقة للمفاوضات، هي التوقف عن الاستيطان والاعتراف بحدود عام 1967، رغم إدراكه أنه يتشبث بقضية خاوية، فالمفاوضات لن تكون مفاوضات إلا لمناقشة معضلة المستوطنات، ليتم تفكيك بعضها كما حدث في سيناء، ويتم مبادلة بعض الأراضي لبقاء البعض، كما يجري تحديد الوضعية القانونية للبقية المتبقية داخل حدود الدولة الفلسطينية. . يعني هذا ما تعرفه بالتأكيد إدارة أبي مازن أن التشبث بوقف التوسع الاستطياني قضية خاوية المضمون، وأن الخطر المتمثل في الاستيطان والتهام الأراضي الفلسطينية يتحقق فقط بهذا التأخر في الوصول بالقضية إلى حل نهائي لها، وأنه كلما أمعن العرب في رفض السلام وفي "ركوب أعلى ما في خيولهم الهزيلة"، كلما وجدها معسكر التشدد الإسرائيلي فرصة للإمساك بالأرض، فيما "نركب نحن الهواء"!!
وعندما لم تأت ورقة الشروط المسبقة للمفاوضات بنتيجة إيجابية، والتزمت إسرائيل التشدد، ضاربة عرض الحائط بالموقف الأمريكي والأوروبي والعالمي عموماً من رفض الاستيطان، راح أبو مازن يبحث عن ورقة أخرى، يواجه بها أيضاً ليس ما نسميه العدو الصهيوني، ولكن يواجه المزايدين والمتاجرين في حماس وسائر منظمات الارتزاق من بقاء القضية بلا حل، فكان أن وجد قضية أخرى خاوية، هي الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولأن حماس وأخواتها يدركون جيداً حقيقة خواء الأمر، وحقيقة أن الغرض الحقيقي منه هو سحب البساط من تحت أقدامهم، رأينا معارضتهم له، وكأن عقيدتهم الدينية أو الوطنية أو ما يسمونه "ثوابت الأمة" تمنعهم من الموافقة على الاعتراف العالمي بدولة فلسطينية!!
عن أي اعتراف يبحث أبو مازن حقيقة، والاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية المستقبلية متحقق بالفعل؟!!. . الاعتراف متحقق من قبل إسرائيل وأمريكا وأوروبا والعالم كله، ولم تعد قضية حق الفلسطينيين في دولة مستقلة مثار جدل أو إنكار أو نقاش، فهل يضيف الاعتراف الرسمي بها الآن بتوجه منفرد وقبل تحديد حدودها وحل الملابسات والإشكاليات المزمنة مع جارتها إسرائيل مما يفيد القضية ويدفع بها للأمام، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون دوراناً حول الذات؟!!
لا يجد الرجل المخلص أبو مازن من يرحمه، مما يضطره للدوران حول نفسه بحثاً عن سند يستند إليه، فلا إسرائيل ترحمه بتقديم تنازلات تعضض موقفه أمام خصومه وخصوم السلام وأعداء الشعب الفلسطيني الحقيقيين، ولا نحن نرحمه من مزايداتنا وهلاوسنا التي تدفعنا للتشبث بأكثر المواقف تطرفاً!!
لا أرى لأبي مازن خلاصاً من هذه الحالة الدوامية التي سقط فيها، غير أن يترك الآن مسألة المفاوضات والحل النهائي، ويتفرغ تماماً لما هو وإدارته منخرط فيه من تنمية الضفة الغربية والارتقاء بمؤسساتها، وتحسين الأحوال المعيشية للشعب الفلسطيني، فهذا وحده هو الذي يخلق كياناً ودولة فلسطينية على الأرض، وليس في سماوات الأحلام، أو في وثائق ورقية لا قيمة حقيقية لها في أرض الواقع.
مصر- الإسكندرية
kghobrial@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
شعوبي حقود
موريس -

كعادتك كشعوبي حقود تساوي بين الجلاد والضحية بين صاحب الدار ومغتصبها ؟!!

إلى موريس
المعلم الثاني -

مغتصب الأرض دخلها بجيوشه وطلب استسلام أهلها ثم فرض عليهم الجزية وشروطه المجحفة...يا ترى عرفته يا موريس؟..

إلى موريس
المعلم الثاني -

مغتصب الأرض دخلها بجيوشه وطلب استسلام أهلها ثم فرض عليهم الجزية وشروطه المجحفة...يا ترى عرفته يا موريس؟..

فكر يهودى
الصعيدى -

الكاتب احد اهم الاشاوس المتصهينين فليس غريبا عليه ان يفكر بهذا النطق يهاجم الضحية و للاسف يطبطب على الجانى ايها الكاتب سوف ياتى يوما من الايام و ترى اقاربك اليهود ملقون فى البحر و عند اذن سلة القمامة ستكون لاناس انت اعتقد انك تعرفهم

إقتراح
إسرا ـ قبط ـ إيل -

أنا أقترح أن نقيم دولة إسرائيلية / قبطية في ولاية آيوا أو أريزونا في الولايات المتحدة الأمريكية ونسميها (إسرا ـ قبط ـ إيل) ويرحل لها كل الأقباط من مصر وكل اليهود من فلسطين وبقية العالم ويبقى تعيشوا هناك في أمان ومحبة................................................................

انت مالك ؟
ابو الرجالة -

اقرا التعليقات لتتعلم ؟ للاسف نحن الاقباط لم ولن نتعلم ابدا انت مالك ومال عباس ؟ تفتكر لو بتتكلم صح حد ها يشكرك ؟ ولو بتتكلم غلط الف ها يشتموك اسمع يا سيد غبريال يا ريت تكتب عن القضية القبطية بدلا من الفلسطنية احنا مالنا ؟ خلينا في حالنا ويا ريت يولعوا اسرائيل واللي فيها يعني اليهود الاسواء والاضل سبيل افتكر اليهود عملوا معانا اية ماهم اسخم علي الاقل المسلم نقدر نتفاهم معاة لكن اليهودي لا تعرف ما هو في داخل قلبةياريت تخليك في حالك يا غبريال افندي وتسيب الناس في حالها وتقدر تكتب زي مانت عايز في قضاياك القبطية ...............................

إقتراح
إسرا ـ قبط ـ إيل -

أنا أقترح أن نقيم دولة إسرائيلية / قبطية في ولاية آيوا أو أريزونا في الولايات المتحدة الأمريكية ونسميها (إسرا ـ قبط ـ إيل) ويرحل لها كل الأقباط من مصر وكل اليهود من فلسطين وبقية العالم ويبقى تعيشوا هناك في أمان ومحبة................................................................

يا ريت
بولس ايوب -

يا ريت يا سيدي، من بقك لباب السما. ونسيبلكو الشرق الاوسط كله تشبعوا بيه، وتعيشوا في سلام انتو كمان، وتطبقوا الشريعة، وتمنعوا السياحة، وتحاربوا اعداء الله والرسول براحتكو... بس يا ريت امريكا توافق.... انت ممكن تكون بتتريق بس الحل ده فعلاً اكتر من رائع... صحيح اليهود المتدينين مش هايسيبوا الارض لأنها بالنسبة لهم مقدسة، بس متهيألي دول قلة مش اغلبية، هاتعرفوا تتعاملوا معاهم كويس

يا ريت
بولس ايوب -

يا ريت يا سيدي، من بقك لباب السما. ونسيبلكو الشرق الاوسط كله تشبعوا بيه، وتعيشوا في سلام انتو كمان، وتطبقوا الشريعة، وتمنعوا السياحة، وتحاربوا اعداء الله والرسول براحتكو... بس يا ريت امريكا توافق.... انت ممكن تكون بتتريق بس الحل ده فعلاً اكتر من رائع... صحيح اليهود المتدينين مش هايسيبوا الارض لأنها بالنسبة لهم مقدسة، بس متهيألي دول قلة مش اغلبية، هاتعرفوا تتعاملوا معاهم كويس

كذب ونفاق وطائفيه
وفاء قسطنطين -

من حيث المبدأ كل إنسان حر بإعتناق أي دين أو عقيده أو رأي يؤمن به بعقله وقلبه وروحه بلا إكراه ولا فرض ولا قتل ولا تهديد ولا خطف ولا سجن ولا إبتزازولا قوه ولا خداع ولا إستغلال ، وبكامل حريته وإرادته وإختياره إنطلاقا من القواعد القرآنيه الواضحه الآزليه : ( لا إكراه في الدين ) ، ( لكم دينكم ولي دين ) ، ( من شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر ) ( من يهتدي فلنفسه ، ومن يضل فعليها ) ، ( إنما انت مبشر، لست عليهم بمسيطر) ، ( إنما عليك البلاغ ) ، فكل إنسان سيسأل عن إختياره وما قدمت يداه يوم القيامه من قبل الخالق عز وجل . المشكله تكمن في بعض الناس أصحاب النفوس المريضه والذين لا يحركهم إلا الحقد والكراهيه والطائفيه والكذب والنفاق وإزدواجية المعايير، والعنصريه والعماله والدولار والغطرسه والإستعلاء والمكابره والعناد والاصرار على الضلال والباطل والافتراء ، والذين يتخفون تحت ستار شعارات براقه مثل : العلمانيه...التقدم.... حرية الاعتقاد....التسامح... حرية الرأي ... الديمقراطيه ... حقوق الانسان .... قبول الآخر... وغيرها من الشعارات التي هم في واقع الامرلا يؤمنون بها إلا في حالات إنتقائيه ، وعندما تخدم هذه الشعارات أفكارهم وعقولهم المريضه وسرعان ما يتخلون عنها بسرعه ان لم تعد تخدم أهدافهم المريبه والمشبوهه . إن ما قلناه سابقا ينطبق بدقه على ... الذين يهللون فرحا وإبتهاجا وطربا وتأييداً ودعماً لكل من يذكر الاسلام والمسلمين بسوء ، ويدافعوا عنهم بشراسه وإستبسال مستخدما كافة الشعارات والحجج لكيل المديح والاشاده والتطبيل والتزمير لهم من أمثال دانيال بايبس ، سيد القمني ، وفاء سلطان ، وفاروق حسني ، فجميع نشاطاتهم ومقالاتهم ومقابلاتهم ومحاضراتهم وتعليقاتهم ، وباللغتين العربيه والانجليزيه تتمحور حول فكره واحده لا غير وهي ( شيطنة ) الاسلام والعرب والمسلمين وتحريض الغرب ضدهم ، والاستعداد الدائم للتحالف مع أعدائهم تحت ستار شعارات براقه هم أنفسهم لا يؤمنون بها وأبعد ما يكون عنها . إما إذا ذكر البابا شنوده بسوء لا سمح الله او خيانة المعلم يعقوب وعمالته للمستعمر الاجنبي ، فضائح القمص برسوم المحروقي ، أكاذيب ومسرحيات وتهريج زكريا ترمس وقناة الحياة الهزليه ، فساد وفضائح الكنائس الماليه التي لا تنتهي ، .. إن الكاتب يفتقر الى الحياد والتوازن والدقه والموضوعيه ومن الواضح في كل كتاباته .....................

تحفة الكتّاب
عـــزت -

غبريـــــــال مثله مثل غيره من باقة كتّــــــاب هذا الموقع المختارين بكل دقة ومهنية غير مخابراتية على الإطلاق . ....... من أميركا الى الربع الخالي مرورا بشمال العراق وجنوب السودان ومصر ... وطبعا لبنــــان . إنه عصر الغربــــال الذي لابد أن يفرز القمح من الزوان .. ولابدّ أن تظهر نتائجه قريبا مع نهضة الشعوب ضد دكتاتورية الحكام الطاعنين في السن والجهالة والتخلف وحتى الهمجية ..

التعليقات
كمال غبريال -

رغم حدة وغباء تعليقات المتأسلمين على مقالاتي، إلا أن تعليقات المتأقبطين ليست أفضل حالاً!!

رد على غباء..غبريال
عـــزت -

مع أنني لست متأسلما ولا متقبطنا ، رغم احترامي لكل الآراء والإتجاهات ، شريطة أن تكون خارج إطار الموساد وسائر أجهزة المخابرات التي تعشش فيها أقلام مختارة بدقة ومهنية . إلا أنني أسجّل على الكاتب نزوله الى مستوى الشبّيحة وإطلاقه صفة الغباء على مجموعة من القراء وليس على واحد بعينه أجرم في حقه على سبيل المثال. عاشت ليبرالية الكوشري يا سيد غربال !

لا فض فوك يا استاذ
أحمد ناصر -

أحسنت يا استاذ كمال بهذه الواقعية الرائعة، ولا تهتم بأراء العامة فللقيادة ضريبة.