أصداء

بحثاً عن النظرية الجامعة للكون المرئي 3 -3

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الإنسان لغز كبير وهو أعقد الكائنات ولديه دماغ متطور يفكر ويطرح الأسئلة ومن أوائل هذه الأسئلة هو: هل هناك خالق للكون وهل إن هذا الخالق، لو كان موجوداً، بحاجة للكون؟ إن هذا السؤال فلسفي بحت رغم ارتباطه بالمفهوم العلمي لوجود الكون وتطوره حيث يقدم العلم تصوره الخاص ونموذجه العلمي للكون المرئي الذي يبدو متناقضاً كلياً مع الرؤية والطرح الديني والثيولوجي للكون.

بعض المتخصصين في علم الكون والفيزياء النظرية والرياضيات الفيزيائية كالأخوة بوغدانوف fregrave;res Bogdanove يقدمون تصوراً علمياً إلا أنه لا يخلو من جانب

الجزء الثاني

ميتافيزيقي غيبي كما جاء في كتاب الأخوين بوغدانوف " وجه الله" Visage de Dieu حيث افترض التوأمان بوغدانوف حتمية تدخل كيان أو كينونة متسامية عليا تسمو فوق كل شيء في عملية خلق الكون وهو بنظرهم إله رياضي Dieu matheacute;maticien قام بتشفير كل القوانين السماوية والكونية قبل عملية الخلق الفعلية، داخل نوع من القرص الكوني المشفر code cosmique خزنت فيه قاعدة البيانات والمعلومات الكونية قبل آخر عملية خلق للكون المرئي الحالي الذي قد يكون قد سبقه عمليات خلق لا متناهية لأكوان أخرى لا متناهية يبدأ تأريخه قبل نحو 14 مليار سنة بالانفجار الأعظم. في حين يفضل العالم البريطاني الشهير ستيفن هاوكينغ Stephen Hawking التفسير الطبيعي والمادي لولادة الكون مستنداً على الحتمية العلمية deacute;terminisme scientifique لكشف أسرار وسبر أغوار الانفجار العظيم وما سبقه وحل ألغاز الوجود. فعالم الفلك والفيزياء النظرية والرياضيات البريطاني ينطلق من بديهية علمية واضحة تقول أن أدمغتنا البشرية تفسر الإشارات التي تتلقاها من الأعضاء الحسية organes sensoriels في الجسد كالسمع والنظر واللمس والذوق وغيرها، لكي يرسم صورة ذهنية للعالم الذي نعمل على جعله واقعاً وحيداً reacute;aliteacute; unique لا نعرف غيره ولا نعترف بغيره، والحال يقول لنا العلم أن هناك عدة أنظمة تقدم لنا مفاهيم جوهرية مغايرة يمكنها أن تتنبأ بدقة بوقوع نفس الأحداث فكيف يمكن التمييز بين عدة تصورات واعتبار تصور ما هو الذي أكثر واقعية من غيره؟

والمعروف أن واقعنا يتطور وفق تطور معارفنا ومعلوماتنا العلمية التي نحصل عليها ونراكمها تدريجياً. والدليل على ذلك أن سعينا لمعرفة القوانين التي تحكم وتسير الكون قادتنا منذ قرون بعيدة إلى صياغة سلسلة من النظريات بدءاً بنظرية العناصر الأربعة le theacute;orie des quatre eacute;leacute;ments أي الماء والهواء والنار والتراب وانتهاءاً بنظرية الانفجار العظيم la theacute;orie du Big Bang مروراً بنموذج بطليموس modegrave;le de ptoleacute;meacute;e ونظرية الفلوجستيك،theacute;orie phlogistique وهي فرضية السائل الغريب الذي تصوره الكيميائيون القدماء لتفسير وشرح الاحتراق كمصدر للهب، وميكانيك نيوتن ونسبية آينشتين والميكانيك الكوانتي أو الكمي ونظرية الأوتار وغيرها. وفي كل مرة يتغير مفهومنا للواقع ومكونات الكون الجوهرية les constituants fondamentaux de lrsquo;univers لذلك بات من الضروري تبني شبكة واسعة من النظريات والفرضيات العلمية المكملة بعضها للبعض من أجل تفسير الكون وألغازه ووضع تصور علمي لتاريخه وتطوره وأصله ومصيره كما يعتقد ستيفن هاوكينغ والذي عبر عن ذلك بنظريته الجامعة التي أسماها النظرية م La M- Theacute;orie. وهو يعتقد أن أغلب النظريات الفيزيائية عن الكون كانت كوانتية quantique ما عدا النظرية النسبية. تتميز نظرية هاوكينغ المسماة النظرية م، والتي عرضها في كتابه الأخير التصميم العظيم أو هل يوجد مهندس كبير للكون a-trsquo;il un grand architecte dans lrsquo;univers، بأنها تقترح عائلة كاملة من النظريات العلمية الجادة والمختلفة كل واحدة منها تجيب عن إحدى المعضلات النظرية الناجمة عن الرصد والمشاهدة الكونية observation cosmique كما هو الحال مع الأطلس الجغرافي الذي يحتوي على خرائط الأرض كلها ولكن ضمن بعدين وعلى عدة صفحات ترتبط ببعضها. ويعتقد ستيفن هاوكينغ أن الكون المرئي البدائي في لحظاته الأولى سلك عدة سبل مختلفة وبالتالي ينبغي اعتبار ولادة الكون المرئي الحالي بمثابة حدث كوانتي eacute;veacute;nement quantique وعفوي أو ذاتي النشأة spontaneacute; بعد أن جرب واستكشف كل السيناريوهات الممكنة لحظة نشوئه، قبل أن يصل إلى صيغته الحالية التي نعرفه بها.

المشكلة تكمن في أن رؤيتنا البشرية تتغير ضمن آلية معقدة من التفاسير والتأويلات للظواهر لأنها محدودة بأطياف محددة تدركها حواسنا الخمسة، من هنا علينا تعميق معرفتنا بالميكانيك الكوانتي meacute;canique quantique الذي يقدم لنا حقائق مذهلة عن العالم الميكروسكوبي microscopique في المستوى الذري وما دون الذري، وكذلك علينا أن نطور معارفنا في المستوى الماكروسكوبيmacroscopique الذي تقدمه لنا نظرية النسبية العامة قبل تقديم مواقف وتصورات وأحكام قاطعة عن الملحمة الكونية eacute;popeacute;e cosmique باعتبارها تاريخ واحد ذى مسار محدد ومحتوم جامد، له بداية وستكون له حتماً نهاية غيبية ميتافيزيقية أو ثيولوجية متمثلة بيوم القيامة. ولقد استند ستيفن هاوكينغ إلى قوانين ومباديء الميكانيك الكوانتي في صياغة النظرية م، حيث أن الفيزياء الكوانتية physique quantique تتيح إمكانية فهم كيفية عمل الطبيعة على الصعيد الذري وما دون الذري وهو المستوى الذي كان عليه الكون في لحظة ولادته وتعتمد على جملة من المفاهيم المختلفة عما هو مألوف لدى الإنسان العادي بخصوص المدار والمسار والاتجاه والمسافة والتموضع والسرعة والتفاعل وحتى الماضي والحاضر أي الزمن والمكان وأبعاده حيث لا شيء حتمي ودقيق بصفة مطلقة. بعبارة أخرى تعطي الفيزياء الكمية أو الكوانتية أنموذج جديد للواقع الكوني حيث يقدم صورة مغايرة للكون المتعارف عليه إذ أن هذه الصورة المغايرة للكون تحتوي عدد من المفاهيم الجوهرية الناجمة عن حدسنا وتصورنا القاصر للواقع إلا أنها تفتقد لأي معنى علمي، ومن هذه المباديء الكوانتية مبدأ اللايقين principe drsquo;incertitude. ومبدأ الاحتمالية principe de probabiliteacute;. من هنا يمكننا القول أن الكون خضع عند لحظة ولادته إلى مختلف احتمالات التطور والتوسع أو التمدد والتضخم.

وهذه الفرضية تقودنا إلى توقع ولادة عدد لامتناهي من العوالم من رحم اللحظة التأسيسية الأولى instant initial، وكل واحد من تلك العوالم يحتوي على قوانين خاصة به قد تشابه وقد تختلف عن قوانين كوننا المرئي وتمتلك هي الأخرى قيم مختلفة للثوابت الجوهرية الكونية في إطار ما عرف بتعدد الأكوان multivers ما يشبه فقاعات الغاز bulles de gaz التي تتشكل على سطح ماء يغلي ولكن بعدد لا متناهي، يتسنى لنا اعتبارها بمثابة أكوان بديلة ممكنة ولكن في مستوى ميكروسكوبي مادون ذري وأغلبها لا يعيش طويلاً لكي يتطور ويتوسع ليتمكن من توليد مجرات ونجوم وكواكب وحضارات كونية عاقلة ومتطور ومتقدمة كما هو الحال مع كوننا المرئي، ويعتقد هاوكينغ أن التقلبات أو التحولات الكوانتية fluctuations quantiques التي حدثت في اللحظات الأولى هي التي تقود إلى خلق هذا العدد اللامتناهي من الأكوان أو العوالم المتعددة multitude de mondes. تعتبر نظرية الأوتار الفائقة la theacute;orie des super cordes إحدى أهم مكونات النظرية م التي طرحها ستيفن هاوكينغ لأنها هي التي تحدثت علمياً عن وجود عدة أبعاد أخرى غير الأبعاد التقليدية الأربعة المعروفة داخل الزمكان الكوني lrsquo;espace-temps cosmique إلا أنها غير مرئية ولا يمكن رصدها بأجهزتنا الحالية لأنها منطوية على نفسها داخل مواقع صغيرة جداً تسمى الأمكنة الداخلية غير المرئية espace interne وقد قدرت النظرية م عدد الأبعاد بأحد عشر بعداً أي بزيادة بعد واحد على أبعاد نظرية الأوتار العشرة.، أي عشرة أبعاد مكانية وواحد زمني، بمعنى آخر إن الفضاء المرئي بالنسبة للإنسان لا يمثل الواقع الشمولي المطلق للكون المطلق الذي يضم عدد لا متناهي من الأكوان التي تمكنت من البقاء على قيد الحياة واستمرت في التطور بسياقات وخصائص تختلف عن كوننا المرئي وتم حساب تقديري بموجب معادلات هذه النظرية الرياضية حيث قدرت بحوالي 100100 كدفعة أولى.

ما تقدم تناول بشكل خاص مفهوم المكان والفضاء ولكن ما ذا بشأن الزمن؟ ما هو مفهوم الزمن؟ هل هناك زمن مطلق وآخر نسبي؟ متى بدأ الزمن؟ يعتبر ستيفن هاوكينغ هذه الأسئلة عبثية من وجهة نظر كوانتية point de vue quantique إذا يعتبر هاوكينغ أنه لا حدود للزمكان كما يعرفه ويدركه على ضوء النظرية م. لذلك يمكن القول مجازياً ومن باب التبسيط أن هناك زمن نسبي بدأ مع اللحظة الأولى للبيغ بانغ الانفجار العظيم يخص كوننا المرئي فقط إلا أنه زمن دائري أي ليس له بداية ولا نهاية بل دورة زمنية تبدأ وتنتهي ثم تبدأ من جديد وتنتهي وهكذا دواليك. وهناك زمن مطلق لا يمكننا إدراك ماهيته مرتبط بالكون المطلق الذي لا نعرف عنه سوى أنه لا حدود له وهو حي عاقل وذكي ومتطور إلى ما لا نهاية وفي حالة خلق دائم ومكون من عدد لا متناهي من الأكوان ومنها كوننا المرئي الذي نعرفه وندرسه والذي هو ليس سوى جسيم صغير كما هو حال الجسيمات الأولية للمادة التي هي إحدى مكونات كوننا المرئي.

jawadbashara@yahoo.fr

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
شكرا للكاتب
قارئ -

شكرا على ما أتحفتنا به من فكر وثقافة في حلقات أصبحت شبه معدومة في عالم العرب المغرم اليوم بكتب الطبخ والجنس والتعويذات والفتاوي. شكرا جزيلا يا سيدي الكريم.

شكرا للكاتب
قارئ -

شكرا على ما أتحفتنا به من فكر وثقافة في حلقات أصبحت شبه معدومة في عالم العرب المغرم اليوم بكتب الطبخ والجنس والتعويذات والفتاوي. شكرا جزيلا يا سيدي الكريم.