فضاء الرأي

مجلس الأمن القومي لحماية الدولة المدنية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بدا الفراغ المخيف الذي نتج عن سقوط الأنظمة في كل من تونس و مصر يمثل مصدر قلق كبير بالنسبة للرأي العام، وهو قلق من المستبعد أن يتلاشى مع الإعلان عن نتائج الانتخابات المقبلة. من أهم مصادر عدم اليقين الحالي خطر التفاف مجموعة سياسية بعينها على الثورة- و لو بعد حصولها على أصوات الناخبين عبر صناديق الاقتراع- و عملها على العودة إلى ما يشبه النظام السابق و ربما حتى أسوا. و قد تجلت درجة هذا الخطر الداهم باكتشاف حقيقة اعتدال الحركات الإسلامية، التي نصبت نفسها ناطقا باسم الدين، بعد رفض الإخوان في مصر طلب الوزير الأول التركي القبول بمبادئ العلمانية، معللين رفضهم هذا بعدم استنساخ مصر تجارب الدول الاخرى. و التصريح المشابه الذي صدر عن حركة النهضة التونسية يؤكد أن الخطر على الدولة المدنية شامل أيضا حتى لدولة حداثية مثل تونس، و أن ادعاء عكس ذلك ما هو إلا تسويف و محاولات جلب أصوات النساء و لو عن طريق الخداع.
عود على بدء، من المهم التنويه بان مقولة عدم الاستنساخ في هذه الحالة هي مجرد كلمة حق أريد بها باطل. فلم تقم لليابان قائمة بعد الحرب العالمية الثانية إلا باستنساخ النظام الدستوري الأمريكي. و على نفس الدرب سارت نمور آسيا من كوريا الجنوبية إلى تايوان عندما اعتمدت هذه الدول الديمقراطية بمفهومها الغربي بعد نهاية حكم العسكر فيها. كذلك، شاهدنا مؤخرا كيف أقلعت جملوكية سنغافورة، التي حكمها لسنوات من خلف الستار مؤسس الدولة منذ الاستقلال و باني نهضتها "لي كوان يو" كمستشار رئيسي للحكومة التي يترأسها ابنه، و ذلك بإعلان الأب المؤسس استقالته على اثر الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وهي الخطوة الأولى لاستنساخ الديمقراطية على الطريقة الغربية، التي لم تشهد الإنسانية لأي نموذج ناجح آخر لها. استنساخ التجارب الناجحة إذا هو أمر طبيعي، و هو يمثل اقصر الطرق لبلوغ الأهداف المرجوة.
يتمثل الخطر الأساسي على مكتسبات الانتفاضة العربية الأخيرة في امكانية ارتداد الحركات الإسلامية على المكتسبات القليلة التي تحققت حتى الآن، وهو احتمال تزايد مع المعارضة الأخيرة لإسلاميي المغرب لقرار الحكومة المصادقة على الاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء على التمييز ضد المرأة، والتي تؤكد أن ادعاءات هؤلاء بالمحافظة على ما حصلت عليه المرأة من بعض الحقوق حتى الآن ما هو إلا ضحك على الذقون. كذلك لا يمكن التقليل من محاولة هذه القوى العودة إلى النظام الشمولي السابق، إذا ما تذكرنا استحواذ ملالي إيران على السلطة بعد أن أزاحوا عن المشهد السياسي كل القوى اليسارية و القومية و الليبرالية التي تحالفت معهم أيام الثورة ضد نظام الشاه، و انقلاب حسن الترابي على الحكومة المنتخبة ديمقراطيا في السودان في العام 1989، و كذلك الانقلاب الدموي للفرع الفلسطيني للإخوان في قطاع غزة في شهر يونيو 2007. و من هنا تأتي شرعية التساؤل عما يمكن القيام به لحماية الدولة المدنية و المكتسبات المجتمعية إن وجدت. و بعبارة أخرى لسائل أن يسال هل من تدابير عاجلة من شانها حماية البلاد و العباد، دون الدخول في متاهات الانقلابات العسكرية، و الحال أن انتخابات 23 أكتوبر المقبل في تونس و انتخابات الشهر الذي يليه في مصر أصبحت على الأبواب؟
ما أود التركيز عليه في هذا المقال هو تقديم مقترح يدعو ببساطة إلى استنساخ نموذج مجلس الأمن القومي في تركيا، الذي تم إنشاؤه سنة 1961 للسهر على امن البلاد في جميع المناحي العسكرية و السياسية و الاجتماعية، باعتباره المؤتمن الرئيسي على حماية الطبيعة المدنية للدولة (بند حماية المبادئ الكمالية)، و الذي تم تضمينه في الدستور بحيث أصبحت قراراته ملزمة لكافة الحكومات المتعاقبة بعد ذلك التاريخ.
إن إنشاء مجلس الأمن القومي في تونس و مصر فور الانتهاء من الانتخابات المقبلة سوف يكون عامل استقرار حاسم، إذ سوف يتمتع بالشرعية التي منحها إياه البرلمان المنتخب، على أن يصبح دستوريا حال تضمينه في مواد الدستور بعد ذلك. كما أن عضوية القادة العسكريين فيه سوف يعطيه القوة المادية لحماية الطبيعة المدنية للدولة و الحيلولة ضد محاولات التلاعب بمبادئ النظام الديمقراطي. و في المحصلة النهائية، لن يكون هناك خاسر نتيجة هذا القرار، بما في ذلك قوى الاستكبار و التغول الديني، التي سيمثل إنشاء مجلس الأمن القومي رادعا لأية محاولة لها للسطو على السلطة. كما أن المجلس المقترح أعلاه سوف يحمي الجميع بما في ذلك الحركات الإسلامية نفسها من خطر الانقلابات العسكرية التي يتم الحديث هنا و هنا، إذ لن يكون هناك مبرر لمثل هذه الانقلابات بالأساس، و الحال أن قادتها المفترضين -كبار قادة الجيش- سوف يكون لهم تمثيل هام في مجلس الأمن القومي، الذي يقوم بدوره في هذه الحالة في ظل الشرعية الدستورية و المساندة الشعبية الكاملة.
المأمول إذا أن تتكاتف جهود الجميع مع الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات المقبلة في تونس و مصر، و ذلك بالبدء باتخاذ الإجراء رقم واحد، ألا وهو الإعلان عن إنشاء مجلس الأمن القومي، بالمواصفات المذكورة أعلاه، درءا للمخاطر المحدقة بالوطن و على اعتباره عاملا أساسيا لاستتباب الاستقرار و عودة عجلة الاقتصاد إلى الدوران من جديد.
و العقل ولي التوفيق...

M5432112@hotmail.com


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
كلا
عاصم -

الاقتراح مرفوض لانه يؤسس لاستبداد اخر من خلف الستار

كلا
عاصم -

الاقتراح مرفوض لانه يؤسس لاستبداد اخر من خلف الستار

التناقض
عبد الله محمد -

1- نلاحظ تناقض الكاتب بين الدعوة لاستنساخ الديموقراطيات الغربية و بين الدعوة لإنشاء مجلس أمن قومي يهيمن على الدولة ! كيف تسميها دولة مدنية أو ديموقراطية و العسكر يهيمن على قرار الناخب فيها ؟ ألا تلاحظ يا هذا أن تركيا لم تتقدم إلا بعد تقلص سلطة الجيش فيها ؟ 2- بالنسبة لحقوق المرأة فليس مطلوباً من المسلمين المصادقة على قوانين تمليها الرؤية الغربية , ما هي المرجعية العليا التي تفرض هذه الرؤوية كحقيقة مطلقة ؟؟ 3- يفكر الكاتب بعقلية المتهم الذي يعلل جريمة القتل بأن المقتول كان يفكر بقتله ! و لا أدري ما موقف القاضي من مثل هذا الدفاع !!! و لكن كاتبنا المثقف يستعمله كأساس لنظام سياسي ينبغي أن تسير عليه الأمة !! 3- يحتج بتجارب وصل فيها إسلاميون للسلطة بالقوة و لكن لماذا تتناسى أنك أنت من تنادي بفرض ما تريد بقوة العسكر !! و لما يتناسى الكاتب عشرات الانظمة العلمانية التي حكمت البلاد بالحديد و النار و القوة ؟؟ و لماذا يتجاهل استعداء الليبراليين للقوى الغربية على بلدانهم حينما ترفض إملائاتهم ؟ و لماذا يتغافل عن الدكتاتورية العسكرية التركية ؟ و عن الدكتاتوريات العلمانية في إيران و تركيا و تونس و إندونيسيا ؟ 4- بأي حق تأتمن العسكر الذي هم أساس جميع الدكتاتوريات العربية على نظام ديموقراطي ؟؟ 5- العلمانيون في البلاد العربية هم أساس الدكتاتوريات لأن فكرهم مصادم بطبيعته لدينة المجتمع الذي يفرض مرجعية قانونية معينة , و لذلك فصل الدين عن الدولة في المجتمعات العربية لا يمكن أن يكون إلا بقوة العسكر فقط لأن الشعوب لن تقبل بها في أي نظام ديموقراطي , و هذا المقال يؤكد ما نقول تباً للعلمانية و العلمانيين اعداء الديموقراطية و الشعوب

التناقض
عبد الله محمد -

1- نلاحظ تناقض الكاتب بين الدعوة لاستنساخ الديموقراطيات الغربية و بين الدعوة لإنشاء مجلس أمن قومي يهيمن على الدولة ! كيف تسميها دولة مدنية أو ديموقراطية و العسكر يهيمن على قرار الناخب فيها ؟ ألا تلاحظ يا هذا أن تركيا لم تتقدم إلا بعد تقلص سلطة الجيش فيها ؟ 2- بالنسبة لحقوق المرأة فليس مطلوباً من المسلمين المصادقة على قوانين تمليها الرؤية الغربية , ما هي المرجعية العليا التي تفرض هذه الرؤوية كحقيقة مطلقة ؟؟ 3- يفكر الكاتب بعقلية المتهم الذي يعلل جريمة القتل بأن المقتول كان يفكر بقتله ! و لا أدري ما موقف القاضي من مثل هذا الدفاع !!! و لكن كاتبنا المثقف يستعمله كأساس لنظام سياسي ينبغي أن تسير عليه الأمة !! 3- يحتج بتجارب وصل فيها إسلاميون للسلطة بالقوة و لكن لماذا تتناسى أنك أنت من تنادي بفرض ما تريد بقوة العسكر !! و لما يتناسى الكاتب عشرات الانظمة العلمانية التي حكمت البلاد بالحديد و النار و القوة ؟؟ و لماذا يتجاهل استعداء الليبراليين للقوى الغربية على بلدانهم حينما ترفض إملائاتهم ؟ و لماذا يتغافل عن الدكتاتورية العسكرية التركية ؟ و عن الدكتاتوريات العلمانية في إيران و تركيا و تونس و إندونيسيا ؟ 4- بأي حق تأتمن العسكر الذي هم أساس جميع الدكتاتوريات العربية على نظام ديموقراطي ؟؟ 5- العلمانيون في البلاد العربية هم أساس الدكتاتوريات لأن فكرهم مصادم بطبيعته لدينة المجتمع الذي يفرض مرجعية قانونية معينة , و لذلك فصل الدين عن الدولة في المجتمعات العربية لا يمكن أن يكون إلا بقوة العسكر فقط لأن الشعوب لن تقبل بها في أي نظام ديموقراطي , و هذا المقال يؤكد ما نقول تباً للعلمانية و العلمانيين اعداء الديموقراطية و الشعوب