فضاء الرأي

نظرتنا إلى إسرائيل بين العاطفية والموضوعية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ثارت ثائرة عدد من أصدقائي الأفاضل على مقالتي الأخيرة التي قلت فيها إن لإسرائيل إيجابياتها التي لا يحق لنا نحن العرب أن نعيبها عليها مثل التداول السلمي على السلطة فيها، وتقديس مواعيد الانتخابات..
قال أصدقائي إن إسرائيل عنصرية ومجرمة، وإن ديمقراطيتها منقوصة فهي لا تحترم حقوق الأقليات مع أن حماية حقوق الأقليات من أبسط معاني الديمقراطية..
هؤلاء الإخوة الأفاضل الذين انتقدوا مقالتي وقعوا في ذات الخطأ الذي حذرت منه وهو الانزلاق إلى الأحكام العاطفية بفعل المعاناة والألم الذي سببه الاحتلال الصهيوني لهم ولنا جميعاً..
لست مضطراً لإثبات مدى كراهيتي لعدو احتل أرضي وشرد شعبي وهدم مساجدي وأوجد في كل بيت في وطني حزناً ومأتماً..
الاحتلال عنصري ومجرم وهو عار على جبين الحضارة الإنسانية وكيانه قائم على القتل والتشريد وارتكاب المجازر..لا خلاف في ذلك. بل إنه حتى في قضية الديمقراطية فهي منقوصة، لأنها ديمقراطية لليهود وحسب، والعنصرية متغلغلة في بنية هذا الكيان حتى بين اليهود أنفسهم، فاليهود الغربيون ينظرون إلى اليهود الشرقيين نظرة احتقار وازدراء، وأضيف لمن انتقد مقالتي من الشعر بيتاً وهو خبر فضيحة عنصرية حدثت في المجتمع الإسرائيلي منذ عدة سنوات حين رفض بنك الدم الإسرائيلي استخدام كميات كبيرة من الدم كان قد تبرع بها أبناء يهود الفلاشا وتخلص البنك من هذه الدماء، الأمر الذي ترتب عليه مظاهرة كبيرة تحت شعار ldquo;دمنا مثل دمكمrdquo;، شارك فيها حوالي 10 آلاف من المهاجرين الإثيوبيين..
هذا الكيان لم تمنعه ديمقراطيته من دعم الأنظمة الاستبدادية في الوطن العربي، والسعي الحثيث لإجهاض مسيرة التحول الديمقراطي..
إن بوسعنا أن نكتب مجلدات عن مساوئ إسرائيل ونحن محقون في ذلك..ولكن علينا أن نحافظ على نقطة التوازن في أحكامنا رغم عمق الجرح الذي أحدثته إسرائيل فينا..
في مقابل كل هذه المساوئ هل يستطيع أحدنا مثلاً أن ينكر أن أي مواطن إسرائيلي يستطيع أن يهاجم رئيس الوزراء وينتقده في وجهه دون أن يخاف على نفسه من الملاحقة والاعتقال..
هل ننكر أن أي رئيس وزراء إسرائيلي على مدى تاريخ كيانهم لم يستطع أن يتنكر لنتيجة الانتخابات الديمقراطية، أو يؤجل موعد الاستحقاق الانتخابي..
هل نستطيع أن ننكر أنه لم يحدث في تاريخ الكيان أن فصل موظف من وظيفته لانتماء حزبي أو رقي آخر بدون كفاءة فقط لانتمائه الحزبي؟؟
هل بوسعنا أن ننكر أن الإسرائيليين لا يعرفون في قاموسهم مصطلح الاعتقال السياسي..وهل بوسعنا أن ننكر أنه لا فضل لرئيس على مرءوس أمام القانون عندهم!!
وهل نملك أن نغطي شمس الحقيقة بغربال فنتجاهل حجم التقدم العلمي والتكنولوجي في المجتمع الإسرائيلي، ومدى ريادة الجامعات الإسرائيلية في مجال البحث العلمي على مستوى العالم..
إن الجرح الذي أحدثته إسرائيل فينا هو جرح غائر وعميق بلا شك..ولكن العدل يقتضي منا أن نتعالى على جراحاتنا ونظل محافظين على النظرة الموضوعية فنرى الصورة كاملةً بمساوئها ومحاسنها..
دعوتنا للقراءة الموضوعية للعدو لا تنبع من حبنا له ولا انبهارنا بإنجازاته ، بل إننا حين نفعل ذلك فمن أجل أنفسنا. لأن القراءة الموضوعية وحدها هي التي تفيدنا في تحديد نقاط القوة ونقاط الضعف لديه، فإذا عرفنا نقاط قوته وجب أن نسعى للتأسي بها لنتقدم من حيث تقدم، أما نقاط ضعفه فنسعى لمراكمتها واستثمارها ضده..
أما القراءة العاطفية فإنها وإن شفت غليلنا مؤقتاً فإنها لن تغني عنا شيئاً وستبقينا في دائرة الأوهام والأحلام..
القرآن يدعونا إلى القراءة الموضوعية ويحذرنا من القراءة العاطفية التي يغلب عليها الهوى، فالقراءة الموضوعية هي العدل الذي من أجله قامت السموات والأرض وفي سبيل إقامته في الأرض أرسل الأنبياء..يقول الله تعالى "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب بالتقوى"..والعدل هو إصدار الأحكام الموضوعية على الأعداء..
لقد تمثل سلفنا الصالح رضي الله عنهم بهذا المنهج القرآني فما أخرجتهم عواطفهم البشرية عن العدل في الحديث عن عدوهم..ولنا في حديث عمرو بن العاص عن الروم أسوة حسنة..
عَنْ اَلْمُسْتَوْرِدِ اَلْقُرَشِيِّ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَقُولُ: " تَقُومُ اَلسَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ اَلنَّاسِ، فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: لَئِنْ قُلْتُ ذَلِكَ، إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالاً أَرْبَعًا: إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ اَلنَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ, وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ, وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ, وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ, وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ اَلْمُلُوكِ "
لقد أبرز عمرو بن العاص محاسن الروم مع عداوتهم للإسلام والمسلمين!!
ألا يجدر بنا أن نتأسى بهذا المنهج!!
"والله يقول الحق وهو يهدي السبيل"..
abu-rtema@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ديمقراطيتهم خاصة بهم
Murad -

ديمقراطية الكيان الصهيوني خاصة بمواطنيه من المغتصبين. الصهاينة لفلسطين ولابد له من الالتزام بالمعايير التي وضعها الروم لمواطنيهم حتى يتحصل على الإسناد السياسي والاقتصادي والعسكري مع ملاحظة ان الروم منطلقاتهم حول حقوق الانسان مصلحية وقابلة للتغير على هوى السياسة والسياسيين والمصالح. يسكنون عن هذا ويهاجمون ذاك وقد ساندوا النظم المستبدة في الشرق لفترة طويلة في قمعها للشعوب وفي التحصل على الخامات بأسعار زهيدة 

الوردة..حمرة الخدين
بن ناصرالبلوشي -

ليس عيبا أن(تنظر)الى الوقائع بعينين(ولو لمرة واحدة)بدلا عن/من عين واحدة..عين عوراء.

المقارنة مع الكيان الصهيوني سيئة !
Murad -

اعتقد المقارنة هنا غير صحيحة فالغرب قام بقلب النظم الديمقراطية الملكية الشكلية التي ساهم في أقامتها حتى وهي تخدم مصالحة مثلاً في مصر والعراق وسوريا حتى لبنان أتى له بعسكري يحكمه لبعض الوقت ! لقد كان مطلوباً ان يسيطر الاستبداد الشرقي لأطول فترة ممكنة لضمان امن الكيان الصهيوني ليكون وحده واحة الديمقرطية ! وببساطة لو كان عندنا ديمقراطية متجذرة لتم ازالة الكيان الصهيوني ! و مؤاخذة ومحاكمة الحكام وعزلهم ولكان لدينا عدالة وحرية وعدم اعتقالات ونهضة علمية لقد قام الاستبداد بقمع الاحرار ومطاردة النابهين وتحطيم التعليم وإذلال الشعب وإدخال الاوطان في جملة من المغامرات والمقامرات ! وعلى كل الاحوال مقارنتنا بالكيان الصهيوني مقارنة سيئة !

الواقع يقول انها ديموقراطية استعراض
نوران -

الديموقراطية مبدأ عملي وليست إمتياز أو حظوة أو أنا ومن بعدي الطوفان؟ طبيعي ان يكون فيها حرية تعبير لإنها أساساً دولة ولدت من أرحام عدة من البسيطة غير منسجمة سكانياً ولا يجمعهم إلا المعتقد الذي يرى أنهم خير أمة أخرجت للناس! ثم والمصلحة التي من أجلها هاجروا.. وحتى الفلاشا لم يستقدمونهم إلا لزيادة العدد وليكونوا كالنموذج الأمريكي! أيضاً شتم الرؤساء والوزراء هذا للفضفضة فقط لتهدأ النفوس عما هو أهم وأنكى!! وهو مشاكل جذرية يعانيها هذا الكيان الذي ينبهر به حتى أعداؤه أهمها إنعدام الإستقرار السياسي و إرتفاع البطالة والركود الإقتصادي فالتظاهرات الضخمة الأخيرة عكست سوءالأحوال وزيادة الفوارق بين الطبقات وخاصة بإستشراء نظام الخصخصة فاستفاد الأغنياء وتدني المستوى المعيشي للطبقة الوسطى وهي الأغلبية وذلك ايضاً بسبب صرف الأموال الطائلة على عمليات التوسع الإستيطاني وهو ما يمثل قمة التناقض والنفاق السياسي.. يا أستاذ أحمد إنما الأمم الأخلاق ما بقيت رغم أن الكيان الصهيوني تشكيلة من دول الشرق والغرب إلا أنهم لم يتوقفوا يوماً عن منهجية محو الهوية الإسلامية العربية والفلسطينية فكراً وفناً وفلكلورا ومعماراً وهذه عنصرية مقيتة تضاف إلى معاملتهم الدونية للفلاشا من أبناء ملتهم! بل إنهم يصرفون إنتباه المشتكين والمتذمرين من الفساد الناتج عن سيطرة الأثرياء على القرار السياسي وغلاء المعيشة وغيرها إلى بؤرة صراعهم مع الفلسطينين الذي يريدون تأسيس دولتهم وهم في هذا يتشابهون مع دكتاتوريينا حين يروجون لشعارات ضد الصهيونية حتى نهتف ونتلهى عن فشلهم وعدم شرعيتهم!

عجب عجاب
علي نور -

نعجب من السيد الكاتب كيف انهارمعجبا امام ديمقراطية الكيان الصهيوني رغم وحشيته ومؤامراته المتتالية على امتنا ودعمه اللامشروط للانظمة الدكتاتورية التي حالت بنسبة كبيرة دون نهوض اوطاننا المسحوقة...اعجب من الكاتب الولهان باحترام الصهاينة لقوانين دولتهم في حين -ومن جهة اخرى- يعترف بدوس هذا الكيان الغاصب على قوانين المنظومة الدولية...الكاتب الكريم كمن يجد ويجتهد في البحث عن شعرة بيضاء في جلد حيوان شرس قبيح يغطيه شعر اسود...عجبا لكاتبنا الكريم الم يجهد نفسه للبحث عن دولة اخرى تكاد تشبه الكيان الغاصب في ديمقراطيته ومستقلة في قرارها و لكن لا تملك وحشية كالتي يملكهاعدونا الديمقراطي ...الم تعجبه تركيا الصاعدة ...او ايران الصامدة رغم حرب السنوات الثمانية التي شنها عليها صدام وبدعم عالمي غير مسبوق ورغم الحصار الظالم ومحاولات عزلها تحت وطاة الحملة الاعلامية الشرسة...الم تعجبه رغم كل هذه الحرب العسكرية والسياسية والاقتصادية والاعلامية والنفسية...الم تعجبه نهضتها العلمية والتكنولوجية وقرارها الذي يؤخذ في ايران وليس لدى اعتاب السفارات الاجنبية او باشارات الاسياد الغرباء...ام سيقول كاتبنا الكريم مطلقا شعارات الاخرين بان ايران لها مشروع فارسي صفوي شيعي تامري على المنطقة والامة الاسلامية جمعاء...وان وافقناه في ذلك فنقول فهي شبيهة باسرائيل في محاولة توسعها ولكن على اقل تقدير هي جديرة باهتمام كاتبنا المولع بامتيازات الديمقراطية واحترام القوانين والاستقلالية...الم يدعنا القران كما قال كاتبنا الى القراءة الموضوعية والنزيهة للواقع والتاريخ فلماذا هذا الارهاق والتعب في البحث عن الموضوعية في اعدائنا ونترك الاقربين حتى ولو جاروا ...

على رسلك
كمال جابر -

أخي أحمد :المفاضلة ما بين الاتجاهات تحتاج إلى منهجية ،نسير على هداها، كما تحتاج إلى معطيات صحيحة ننطلق منها، أنت تنطلق في رؤيتك من معطى يقول بأننا نعيب على العدو طريقة تداوله للسلطة، وهذا المعطى غير صحيح إطلاقا، كان المطلوب منك أن تثبت أن فرحنا بذهاب أولمرت مثلا معناه أننا نعيب على الصهاينة ديمقراطيتهم، والفرح هنا لا علاقة له بموقفنا من الطريقة التي يتم بها تداول السلطة في الكيان المحتل، كما لم يكن لفرح المسلمين بانتصار الروم على الفرس قبل أربعة عشر قرنا ونصف علاقة بطريقة الحكم المتداولة لكل من الروم والفرس على حد سواء، أنت تنطلق من فكرة مفادها أننا نتندر على الطريقة التي يدير بها العدو شأنه لا سيما شأن الحكم وتداول السلطة، وهذه فكرة ظنية متوهمة وليست حقيقة واقعة، ولو كانت حقيقة، لكان المطلوب منك أن تأتينا بالشواهد المؤكدة لها، وعندما تفعل، تكون قد أثبت واحدا من المعطيات التي تصلح للإنطلاق منها لدراسة الموقف خاصتنا تجاه عدونا وفقا لاتجاهي العاطفة والموضوعية، إثبات صحة المعطى له علاقة بمنهجية التفكير والربط والإستدلال ، فإذا لم يقم الإثبات على صحته، أدى ذلك لغياب حضور المنهجية المذكورة من المشهد برمته . ثمة أمر آخر ذو صلة بالمعطيات، وهو أن ما نعتبره إيجابيات تخص عدونا، إنما تدور في إطار يخصه وحده ولا تتعداه لغيره من الناس (ونحن جزء منهم بالطبع)، وبالتالي فأنا وأنت لا نستفيد أو نتأثر بأية إيجابية تترتب على سلوكه في الحياة وطريقته في إدالة السلطان فيها، ذلك أن آثار هذه الإيجابيات تنتهي عن حدود العرق أو الدين أو القومية، هؤلاء لا يقدمون تجربة (إنسانية) تتجاوز إطار المحددات المذكورة، وليس في نيتهم فعل ذلك بل العكس هو الصحيح، ولذلك فإن تداعيات ما هم عليه لن تخترق تلك القيود لتصل لمساحة المشترك الإنساني الواسع الذي يجمعنا ويجمعهم، عندما يفعلوا ذلك ويجتهدوا في تعميم ما بين أيديهم من وسائل إدالة السلطة بين الناس، وعندما تنعكس آثار هذا الجهد على دوائر أكثر سعة بحيث تضمنا في ثناياها، عندها فقط سيكون هناك معنى موضوعي للقول (نظرتنا إلى إسرائيل بين العاطفية والموضوعية)، لأننا نكون حينها نتقلب بين جذبين ، جذب ظلمها وعدوانها واحتلالها وجرائمها من جهة، وجذب ديمقراطيتها وحرية التعبير فيها وحفظ حقوق الناس من جهة أخرى(والحال يقتضي هنا تمتعي وإياك بهذه المزايا على قدم المساواة مع ابن