"الحريديم" ونتنياهو.. هزة تهدد تحالف اليمين

بعد نهاية أسبوع عاصف في مدينة "بيت شيمش" داخل الكيان الإسرائيلي، وتفجر قضية الطفلة (نعمة مرغوليس 7 سنوات) التي تعرضت للبصق والإهانة بسبب ما سماه المتشددون اليهود "ملابسها غير المحتشمة"، التي أعقبتها تنديدات من معسكري اليمين واليسار. وبعد أن تعهد رئيس الحكومة الإسرائيلية بمعاقبة المشاغبين وتطبيق القانون على المتطرفين الذين ينكلون بالنساء، واصل موضوع إقصاء النساء تموضعه على رأس جدول اهتمام الشأن العام والسياسي داخل الكيان الإسرائيلي، حيث عقدت مجموعة من الوزراء الإسرائيليين النساء وأعضاء الكنيست جلسة طارئة لمناقشة الموضوع، حاولن فيها إبراز تضامن نسائي، لكن النقاش ما لبث أن انزلق إلى ملاسنات سياسية.
النائب زهافا غلؤون من حزب (ميرتس) اتهمت رئيس الوزراء الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالتسامح مع ظاهرة تشك خطراً على صورة المجتمع الاسرائيلي، مؤكدة إن تصرفات الحريديم في "بيت شيمش" مفزعة ومخيفة، إذ تعتبر المرأة "عورة" يجب منعها من الغناء، وإجبارها على السير في شارع خاص بها. وأشارت إلى ضرورة أن تشمل حركة الاحتجاج الشعبي الذي شهدته شوارع "إسرائيل"، الصيف المنصرم، خوض معركة من أجل تثبيت قيم الديموقراطية، وألا تقتصر على ارتفاع سعر الألبان والمأكولات والإسكان. وشددت على أن الفصل بين الرجال والنساء في الأمكنة العامة ليس قانونياً أو أخلاقياً، وحملت قيادة الجيش مسؤولية اتساع الاعتداءات على النساء وإقصاء الجنديات بضغط من الحاخامات والجنود المتدينين.
"الحريديم" المتطرفون يقودون لتأسيس دولة داخل دولة، قائمة على أنظمة وأسس من العصور الغابرة، وسط أجواء التطرف القومي، وتكريس ثقافة الاحتلال للأرض الفلسطينية، وانتهاك حقوق أصحابها تشكّل دفيئة لأفكار فاشية عنصرية ضد المرأة أيضاً.
أما زعيمة المعارضة ورئيسة حزب كاديما المعارض، تسيبي ليفني، لم تفوت هذه الفرصة أو "الغنيمة التاريخية" للهجوم على ائتلاف نتنياهو الحكومي اليميني، فشاركت في تظاهرات مناوئة للهيمنة الحريدية على مدينة بيت شيمش، لكن ليمور ليفنات، وزيرة الثقافة والرياضة في حكومة نتنياهو مكن حزب الليكود، ردت على "اندفاعة" ليفني بالقول: فجأة، حين يقترب موعد الانتخابات العامة أو ربما الانتخابات التمهيدية لرئاسة الحزب في "كاديما"، فجأة، تذكرت السيدة ليفني أنها امرأة. هل رئيس الحكومة من اخترع ما يحصل في مدينة "بيت شيمش"، أو أن ما جرى هناك، هو موضوع كان قائماً منذ سنوات، ربما في ذلك فترة حكومة "كاديما، هذه اليافطات التي تدعو إلى الفصل بين النساء والرجال في شوارع "بيت شيمش"، كانت أيضاً في عهد حكومة "كاديما"، والسيدة ليفني كانت تشغل منصب القائم بأعمال رئيس الحكومة في حينه. ولكن هل قامت السيدة ليفني بإزالة تلك اليافطات؟".
ظاهرة إقصاء النساء من الحيز العام والتمييز ضدهن أوجدت توترات داخل الائتلاف الحالي، حيث أن الكتل الحريدية في الائتلاف غاضبة من سلوك رئيس الحكومة الذي - بحسب وجهة نظرها - يساير الموجة الاعلامية في موضوع إقصاء النساء عن الحيز العام. ففي المقال الافتتاحي لصحيفة "ياتد نئمان" "الوتد الأمين" الناطق بلسان حزب (يهودوت هتوراة)، دعيت الكتل الحريدية في الائتلاف إلى إجراء حساب للنفس على دعمها الآلي لليمين أثناء المعارك الانتخابية. كما رفع الكثيرون في أوساط الجمهور الحريدي الليتواني أصواتهم ولافتاتهم استغراباً بعد أن اختار نتنياهو أسبوعاً تلو الآخر، تكريس كلمته في بداية الجلسة الأسبوعية للحكومة للحديث عن موضوع إقصاء النساء عن الحيز العام.
نتنياهو بدوره حاول الظهور بمظهر الديمقراطي الغربي "المتنور"، فأعلن خلال افتتاج الجلسة الأسبوعية لحكومته أن "الحيز العام في الديمقراطيات الغربية الليبرالية، يبقى مفتوحاً ومضموناً للجميع، للرجال والنساء على حد سواء، وليس هناك مكان فيه لأي تنكيل أو أي تمييز". أما عضو الكنيست موشي غفني من حزب (يهودوت هتوراة) الذي يترأس اللجنة المالية في الكنيست، ويعتبر أحد أقوى الشخصيات في الكنيست، فقد حذر رئيس الحكومة من أن انضمامه إلى المعسكر الذي يهاجم "الحريديم"، قد يكون له دلالة واحدة فقط: فقدان الدعم التقليدي للأحزاب الحريدية لليمين الصهيوني في الانتخابات المقبلة. موشي غفني رئيس اللجنة المالية في الكنيست، التقى قبل وقت قصير مع رئيس الحكومة، حيث حاول الترويج لتفسيره لما ينشر في الأيام الأخيرة عن "الحريديم". ووفقاً لتوضيحاته، فما يحصل ليس سببه إقصاء النساء عن الحيز العام، بل المصالح السياسية الداخلية.
أعضاء من حزب "يهودوت هتوراة" واصلوا التهديد بأنه إذا لم يصدر موقف واضح عن الحكومة يميز بين الأغلبية المعتدلة والأقلية المتطرفة في أوساط الجمهور "الحريدي"، فإن الحزب سيضطر إلى إعادة النظر في مشاركته في الائتلاف الحكومي. وإلى حين اتضاح الصورة السياسية لانتخابات العام ألفين وثلاثة عشر، وربما للعام ألفين واثني عشر، يشعر الجمهور الحريدي بأنه تحول إلى "كيس ملاكمة" لكل من اليسار ووسائل الإعلام، والآن ينضم إلى لائحة المنتقدين شخص آخر هو بنيامين نتنياهو.
فهل تشهد المرحلة المقبلة صراعاً سياسياً أيديولوجياً داخل إطار الائتلاف اليميني الحكومي في الكيان الإسرائيلي، يعكس حالة التوتر الداخلي بين شرائح المجتمع الإسرائيلي، وهل ينجح اليمين الإسرائيلي في "لي ذراع" نتنياهو قبيل الانتخابات المقبلة، بذريعة حاجته إلى أصوات الحريديم الذين تتعاظم قوتهم وانتشارهم من جهة، ومواجهة ما يسميه الإسرائيليون المد الإسلامي المتصاعد في المنطقة وفي دول الربيع العربي؟

كاتب وباحث
hichammunawar@gmail.com